التطرف ... صناعة دينية


سلمان محمد شناوة
2015 / 11 / 30 - 09:38     

التطرف ... هو صناعة دينية ..

اعتقد لو استطعنا القضاء على داعش والقاعدة بتحالف دولي , وبعد مائة سنة من ألان , سوف تولد داعش أخرى وقاعدة أخرى لماذا ؟
لان الكتب الدينية التي أنتجت وتنتج يوميا المنظمات الدينية متطرفة , هي هي لا تتغير , وتبقى تدرس في المدارس والصفوف منذ الصغر حتى يصبح أولادنا شبابا ... ويصبحوا متطرفين .
كيف ننكر إن المواد الدراسية في مدارسنا هي القاعدة والخلفية والتي نبتت بها براعم القاعدة وداعش ... وكيف ننكر إن رجال الدين في كل قضاياهم وفكرهم وخطبهم المنبرية , لا زالوا يتحسرون على إلغاء الخلافة العثمانية .. وهي أخر صورة من صور الخلافة .

الخلافة تبقى أحلاما لدى رجال الدين , هناك اعتقاد إن في كل رأس مائة سنة هناك مجدد , ونراهم يسكتون ويقنعون حتى يأتي هذا المجدد ... ثم ينفجرون على شكل منظمات إرهابية تسعى لإقامة دولة الخلافة , خلايا نائمة ومتيقظة في نفس الوقت .
ليس صحيحا إن الإسلاميون يوافقون الدول في الزمن المعاصر على إقامة الدولة العلمانية الحديثة , وليس صحيحا إن الإسلاميون يتفقون معنا , على إقامة الدولة المدنية والتي تعني ( المواطنة والحقوق المتساوية بين كل طوائف الشعب مهما كان دينهم أو عرقهم أو جنسهم ) , فالمسيحيون واليهود والصابئة هم أهل كتاب , وهؤلاء ليس لهم حقوق متساوية مع المسلمين , وهؤلاء يجب إن يدفعوا الجزية عن يد وهم صاغرون , كيف ذلك وأين ذهبت أفكار الدولة المدنية والمعايشة على مدى عقود .
فليس غريبا إذن إن نجد إن العراق وسوريا , وهما من أقدم الدول التي احتضنت الأديان السماوية , نرى المسيحيون يهاجرون بالجملة إلى دولة تحتضنهم وترحب بهجرتهم إليهم , بحيث تكاد البلاد تخلو تماما من الدين الأخر , وكأن الشعب لم يعد يستطيع تحمل الأخر والتعايش معا , في العراق تم تهجير اليهود منذ زمن طويل , ويكاد البلاد يخلو من الصابئة أقدم ديانة سماوية في العالم , ولم يبقى للمسيحيين من وقت حتى نجدهم وقد فرغت البلاد منهم .
إما اليزيديون فهم كفرة , كل المسلمون وعلى طوال القرون والتي حكم بها الإسلام , كان ينظرون لليزيديون أنهم كفرة , تحل دمائهم بقتل الرجال , ونسائهم بسبي النساء , وأموالهم غنيمة للمسلمين .
ليس غريبا إن نجد المسلمين من جاور الايزيديون لمدة عقود طويلة . من حكم الدولة القطرية , وعاشروهم بحسن السلوك المودة , نجد هؤلاء الجيران ينقلبون فجأة , وينضمون لداعش , ويدلون الغزاة على عورة جيرانهم , وأصبح ينظرون للايزيدين على إن أموالهم غنيمة ونسائهم سبايا ... كيف نفهم هذه العقلية , ان لم يكن لها اثر في الفقه الإسلامي والذي لا يعترف بدولة المواطنة ولا الدولة المدنية , ولا يعترف بكل مكتسبات الحضارة .
وهناك الشيعة والذين لا يعترف بإسلامهم , انم يسمونهم كفرة ومرتدين ويحق لهم قتلهم وسبي نسائهم واخذ أموالهم , لا يوجد عندهم فكر الدولة التي يسودها القانون , فلا قانون غير الشريعة عندهم , والشريعة لها حكامها ومنفذيها ( الحسبة أو هيئة الأمر بالمعروف ) , أم كيف يتم تشريع القانون فهناك رجال الدين هم المسئولين عن التشريع والتنفيذ والقضاء ... لا يوجد لديهم مقولة إن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة , ولا يوجد لديهم فصل في السلطات ( سلطة تشريعه بيد الشعب أو البرلمان , وسلطة تنفيذية بيد الحكومة , وسلطة قضائية ) .
كثير من الكتاب والصحفيون يكتبون هذه الأيام , محذرين من الدولة الإرهابية , إن هي سادت , وهي سادت بالفعل في العراق والشام , ويحذرون من إن هناك آلة إعلامية تدعم هؤلاء بالفتاوى والخطب المنبرية , والدولة لا تفعل لهم شيء ... ويقولون إن الدول والحكومات أصبح لديها قناعة على ضرورة مراجعة المناهج التعليمية , لان فيها الكثير والكثير جدا من الفكر المتطرف , ويدعون إلى مراجعة معظم الكتب التي تطرح للتسويق في معارض الكتب وفي المكتبات , لأنها تحوي قنابل موقوتة و سرعان ما تنفجر ...
والمشكلة كيف يتم مراجعة كل كتب الفقه وكتب التاريخ , وهي أصبحت مسلمات وحقيقة في وجدان المسلمين , كيف يمكن توجيه أصابع النقد للتراث الإسلامي , والذي يحوي هذه الأفكار القاتلة , تنتقل مع الأجيال جيلا بعد جيل , أنها مهمة صعبة وأشبه بالمستحيلة , لان هذه الكتب تظل تطبع وتتداول , نبنى أجيالا من العنف والإرهاب , لا تستطيع إي دولة إن تحتويه " انه التراث الإسلامي القاتل " في متون الكتب ...
كيف استطاع إفراد كانوا منفيون في عصرهم إلى رواد غيروا من اتجاه التاريخ الإسلامي إلى وجهات غير معقولة , كيف استطاع ابن تيمية بأفكاره ونظرياته العنيفة إن يصبح رائدا لكل الفكر السلفي في الوطن العربي , وكيف استطاع محمد بن عبد الوهاب إن يصبح إماما في كثير من الدول الإسلامية , وهما اليوم الركيزة والتي بنت عليه المنظمات الإرهابية كل فكرها اليوم .
إنا اعلم وأنت تعلم وربما كل الناس يعلمون إن ابن تيمية والفكر الوهابي , هو الأساس في البنيان الإرهابي , إذن كيف تمنع هذا الفكر من التداول بين الناس والمتعصبين من رجال الدين , الحقيقة لا تستطيع , لان هذا الفكر سوف يبقى متداولا بين الخاصة والعامة بوجود وسائل التواصل الحديثة , والتي جعلت كل شيء ممكنا .
والسؤال الذي يحيرني , لماذا لم تستطيع كل الأفكار الجميلة والجديدة من ديمقراطية , والتي تبشر بحكم الشعب بواسطة الشعب , ودولة القانون والدولة المدنية , وسيادة القانون والفصل بين السلطات , وحقوق الإنسان والاشتراكية وحتى الأفكار الليبرالية والشيوع على درجة تناقضها , إن تجد لها قوة وانتشار واسع بين الناس , مع وجود القدرة الكبيرة للتواصل الاجتماعي وغيرها .
ربما لان الأفكار الدينية مع تطرفها وإرهابها , تتصل بالإيمان , والإيمان يكون أحيانا اقوي من المعرفة , لان المعرفة تعطينا حقائق ولكن لا تستطيع إن تقضي على هذا الخوف المستمر في نفوسنا الضعيفة , نبقى دائما ضعفاء إمام المستقبل وإمام الغد والذي يحمل لنا المجهول .
ورجال الدين ولان هذه صنعتهم , يبرعون جدا , في خلق المخاوف في نفوس الناس , مخاوف من كل شي , ويبقى المؤمن متمسك بخيوط واهيه تقوده للنجاة ولكن إي نجاة , أنها النجاة والذين يقودونهم كالقطيع إليها ,.. لا زالوا لغاية اليوم يخوفون الناس من الدجال ومن الفتن الكبرى ويبشرون الناس بظهور المنقذ والمنتظر .. بحيث خلقوا وهما كبيرا من الإيمان والانتظار , يعرفون كيف يديرونه جيدا ويستفادون منه جيدا ...
والسؤال أيضا لماذا لم تستطيع الدولة القومية وعلى مدى عقود , وحين كانت مستقرة ومستبدة أيضا , إن تخلق لنا النموذج الحقيقي للمواطنة والشعور الأمن من المستقبل , بحيث نتمسك بقوة بعصر المواطنة والمعرفة , ولا نرتد إلى عصور التخلف والإيمان ...
يقولون أنها دورات لابد إن تتم , والاانسان يبقى قليل المعرفة وكثير الإيمان وبذلك ينتصر ... ويبقى السؤال على ماذا ينتصر , ولماذا هي دورات تم الحكم إن يكون الإنسان مقاد فيها ولا يقود ولا يستطيع إن يصنع حياته ومستقبله .
فهل أصبح الدين مرادفا لكلمة الجهل والتخلف .. وهل أصبح الدين مرادفا لكلمة أكثر رعبا وهي التطرف .
للأسف الشديد .. هناك غول كبير وقبائل من الجن لازالت في دول الشرق القديمة , تسيطر عليهم , وكأن هذا الغول , أو قبائل الجن هذه تأبى إن تغادر دول الشرق القديم , وتصر على إن يبقى سكان المنطقة بهذا الجهل .. أو ربما هي دعوة للهجرة , إلى دول الغرب الكافر , لان هناك الحرية والديمقراطية والحياة المستقرة ... لمن يبحث عن أمان لنفسه وعائلته ...