أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الانتحار العربي في سماء نيويورك














المزيد.....

الانتحار العربي في سماء نيويورك


عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4921 - 2015 / 9 / 11 - 15:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعدما ضاقت الأرض بأحلامهم المستحيلة، وحشروا متوارين عن أنظار الاستخبارات وسط الأدغال وفي كهوف الجبال النائية، لا يستطيعون العيش عيشة طبيعية، طبيعتهم هم التي يحلمون بها وسط أحياء الحواضر العربية، أصابهم اليأس؛ تدريجياً تحول اليأس إلى غضب، غضب من كل شيء ليس منهم؛ ثم الغضب إلى كراهية، كراهية لكل ما ليس منهم؛ ثم تدريجياً أيضاً تحولت الكراهية إلى حقد، والحقد إلى عداء، عداء مضمر أحياناً ومعلن أحياناً ضد كل ما ليس منهم ومثلهم. وحيث كانت أحلامهم هي في الحقيقة لا شيء، مجرد وهم، صبوا عدوانهم ضد كل شيء حقيقي وملموس، حتى ضد أبدانهم أنفسهم. كانت النتيجة أن حولوا أنفسهم إلى قنابل فتاكة تستهدف التدمير، تدمير كل شيء حي وقائم وحقيقي ومحسوس.

فريق الانتحاريين التفجيريين العرب المتجه إلى سماء الولايات المتحدة في مثل هذا اليوم من عام 2001 كان بحق سفيراً موفداً من الثقافة العربية غير الرسمية إلى العالم القائم برسالة تدمير شامل. الثقافة العربية الحالية هي في الواقع ثقافتان، واحدة رسمية سائدة على مستوى الأنظمة الحاكمة والنخب الداعمة لها وأخرى غير رسمية تفترق مع الأولى في أكثر مما تلتقي معها. فمع عدم انتماء أي من أفراد هذا الفريق الانتحاري بصلة أو علاقة مباشرة بالأنظمة الحاكمة العربية ونخبها، إلا أنهم كانوا جميعاً في الوقت نفسه بمثابة الزعماء الأبطال والمخلصين لقواعد شعبية عربية عريضة من خارج دوائر الحكم والنخبة. هؤلاء في الحقيقة هم الزعماء الشعبيين غير الرسميين.

تعود جذور الفصام الثقافي العربي إلى حقبة تحرر شعوب المنطقة من الاستعمار الأجنبي بكافة صوره خلال النصف الأول من القرن الماضي. في ذلك الوقت لم تكن توجد مجتمعات عربية موحدة ومتجانسة بما يمكنها من إنتاج ثقافة عربية متوافقة وصحية، كما لم تكن توجد دول عربية مركزية قادرة على رسم حدودها السكانية وغرس وتنشئة ثقافة وطنية داخل حدودها الاقليمية. كل ما كان قائم طوال مئات السنين السابقة على تلك الحقبة كانت مجرد جزر سكانية تنمو حول وداخل حواضر منعزلة عن بعضها، كل منها لها أميرها ومنظومتها الثقافية المحلية المصغرة الخاصة بها من باطن منظومة الحكم والثقافة الاستعمارية الأكبر، كالتركية العثمانية مثلاً.

الثقافة من دون استقلالية الحكم مثل الجسد بلا رأس. هذا تقريباً كان مصير الثقافة العربية التي قد ظلت تنمو وتتراكم منذ مئات السنين على مستوى تجمعات سكانية مبعثرة ومن دون أي رأس سياسي عربي من نفس الثقافة، يلملم هذا الشتات الثقافي في كيان صحي وخلاق ومنتج يستطيع أن يحمي نفسه وأن يواكب عصره وينافس مع ثقافات غيره. هكذا قد بقيت الثقافة العربية طوال أكثر من ألف عام قبل التحرر من الاستعمار منزوعة الرأس السياسي العربي، الذي لم تسترده ثانية إلا قبل بضع عشرات السنين فقط. في غياب الاستقلال السياسي يمكن تسمية التنوعات والتشوهات الثقافية السائدة أي شيء، عدا أن تكون ثقافة صحية ناضحة قادرة على إشباع وجدان أبنائها وتوجيه طاقاتهم للعمل والإنتاج، والسعادة.

فحين تتمسك ثقافة ما تمسكاً أعمى بأن إلاهها واحد أحد لا قبله ولا بعده؛ لغتها محفوظة في لوح مقدس قد خصها خالق الكون لساناً وحيداً له؛ نبيها سيد الخلق أجمعين؛ أنعم الله عليهم بالجنة وحدهم بينما بقية البشر إلى الجحيم مهما كانت أعمالهم وفضائلهم على البشرية؛ سخر لهم الكون بكل ما فيه لينعموا بترف كسول وأحمق بخيراته ومبتكراته التي لم يسهموا فيها بمعرفة أو جهد يذكر؛ وسوف يكافئون على قتلهم الآخرين بوحشية بالخلود في أحضان حور عين، عذارى لم يسبق لهن ممارسة الجنس مع أي من الإنس أو حتى الجان! مثل هذه المعتقدات المشوهة لا يمكن أن تكون أبداً منتجات ثقافة حقيقية وصحية؛ فلأنها قد نشأت وتراكمت تحت الاستعمار وفي غياب أنظمة حكم ونخب عربية مستقلة، هي في الحقيقة هلوسات ثقافية. هي عرض لمرض فقدان الاستقلال السياسي العربي وحرمان المجتمعات العربية من النخب المحلية الرديفة لأنظمة الحكم طوال أكثر من ألف عام متصلة.

بهذه الهلوسات الثقافية طار فريق الانتحاريين العرب من كهوف أفغانستان إلى سماء نيويورك. الهدف كان محدد سلفاً: أكبر قدر ممكن من القتل والتدمير، ثم التوضؤ تمهيداً لمضاجعة عذارى حور العين المتمددات على الأرائك في انتظارهم!



#عبد_المجيد_إسماعيل_الشهاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع السيسي وأردوغان على المنطقة
- القائد عبد الفتاح السيسي
- أسلمة السياسة، وتسييس الإسلام
- من يحمل وزر الدماء في رابعة؟
- الكائنات العلائقية
- الكائن العلائقي
- المكتفي بذاته النسبي
- المكتفي بذاته المطلق
- الكلمة الناقصة
- إنها يد الله أيضاً
- ماذا أنت فاعل بنا؟!
- ارسم إلهك بنفسك
- الفاشية الدينية والفاشية العلمانية لا تستويان
- حرية التعبير لمحمد وتشارلي
- الإسلام الأزلي وإشكالية الصراع المحتوم
- عرض العصبجية العربية
- وهل فعلاً ثورة 23 يوليو أقامت عدالة اجتماعية؟
- اللادولاتيون العرب
- ماذا يريد الفلسطينيون؟
- علوم الإنسان والأديان


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد المجيد إسماعيل الشهاوي - الانتحار العربي في سماء نيويورك