العمالة السائبة!


فهد المضحكي
2015 / 3 / 14 - 09:52     

لم تأتِ ظاهرة العمالة السائبة من فراغ، ولم تنشأ من دون أسباب، بل هي نتيجة لمصالح وممارسات مغلوطة وتجاوزات بحق البحرنة والاقتصاد والوطن. من المسؤول عن تفشي هذه الظاهرة التي لم تقتصر مخاطرها على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بل الأمني؟ وهل هي بالفعل قنبلة موقوتة؟ ولماذا لم تعالج قبل سنوات؟ لماذا تركنا الحبل على الغارب حتى تفاقمت بشكل يصعب علاجها في المستقبل المنظور؟ من المستفيد من هذه الظاهرة؟ اسئلة ملحة لابد من طرحها، ولابد من حلول واقعية لا وعود وتشكيل لجان لم تثمر، وما أكثرها، والنتيجة لا تزال منذ عقود تراوح في مكاننا! وإلا لماذا بلغ عدد العمالة السائبة اكثر من 60 ألف عامل؟ ولماذا الاتجار بالبشر اصبحت تجارة رائجة مزدهرة؟! كل جهة حكومية لها علاقة بهذه الظاهرة تُصرح «لا بد من حلول جذرية لمشكلة العمالة السائبة» وفي مقدمة تلك التصريحات ما قاله وزير العمل: ان الجميع في تحد فلابد من الوصول لحل لهذه القضية المتشعبة والمعقدة التي تهم العديد من الجهات، ولها العديد من الارتباطات الداخلية والخارجية والأسباب والمصالح (نقلاً عن جريدة الايام تاريخ 5 مارس 2015). نعم كما أشار سعادة الوزير هناك مشكلة وقضية متشعبة وهناك صعوبات ينبغي تجاوزها وهناك اسباب ومصالح! ومع ذلك نقول هناك حاجة الى استراتيجية وطنية تضمن أفضل الحلول، وهناك حاجة الى خطوات عملية واضحة تتصدى لهذه الظاهرة وتتمثل أولاً في السيطرة على سوق تجارة (الفيز)، التي اصبحت رائجة ومربحة يديرها متنفذون واصحاب عمل يستخدمون شتى الوسائل للتحايل على الانظمة والقوانين العمالية، وباختصار هناك وسطاء واصحاب مصالح لا يجدون حرجاً في الاتجار بالبشر، وهناك تقاليد تتحكم في سوق العبودية، وهناك عمالة وافدة تسهل اجراء صفقة البيع والشراء، وهناك أماكن تتجمع فيها العمالة السائبة التي لم تكن بعضها سائبة أو هاربة بل هربت بتحريض من اصحاب العمل الذين أتقنوا ادارة هذه التجارة مقابل مبلغ شهري يتقاضاه من العمال الذين اتفق معهم على الهروب بحثاً عن دخل افضل، ولإخلاء مسؤولية صاحب العمل المتورط في هذه التجارة لا يتردد في تقديم بلاغ الى الجهات الامنية يفيد باسماء العمال الهاربين الذين لولاه لما هربوا! وفي ضوء هذا الوضع المشوه، نحتاج فعلاً الى آلية واضحة تنظم عملية الاستقدام وتحدد الاحتياجات الفعلية في منح تصاريح العمل، آلية عادلة منصفة لا تستغل من قبل من هم فوق القانون، ونحتاج ايضاً الى حملات تفتيشية مكثفة ومنتظمة لا موسمية لضبط المخالفين من العمال الذين تسبب هروبهم الى خسائر فادحة لأصحاب العمل ولضبط أصحاب العمل الشركاء في عملية الهروب! وثاني هذه الخطوات تتمثل في احلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة وهذا لا يتحقق الا ببرامج تدريب وتأهيل فعالة تتناسب واحتياجات سوق العمل، والمقصود من هذا الكلام كلما نجحنا في برامج التدريب وتوفير فرص العمل كلما قلصنا نسبة البطالة ونجحنا في عملية الاحلال، واما من دون ذلك فإن رأي الخبراء في تنظيم سوق العمل يصبح صحيحاً حينما قالوا: ان استمرار هيمنة العمالة الوافدة واستحواذها على هيكل وتركيبة سوق العمل في البحرين خصوصاً لدى مؤسسات القطاع الخاص، ادى الى تفاقم مشكلة البطالة بين المواطنين، كما تؤدي تلك الهيمنة الى زيادة الضغط على السلع والخدمات والاجور، حيث تحصل العمالة الوافدة واسرهم على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة دون مقابل او بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم لكثير من الخدمات، مما يحد من قدرة دولة البحرين على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين لسوق العمل، كما يولد اختناقات في عرض الخدمات الصحية والسكن وغيرها. وثالث هذه الخطوات تتمثل في ضمان حقوق العمالة الوافدة، وهذا يعني اذا كانت العمالة الوافدة قانونية تتناسب واحتياجات البلاد، فانها لا تشكل عبئاً بل ستخدم الاقتصاد الوطني وعملية بناء المجتمع وبالتالي ومثلما توفر الحماية والحقوق والالتزامات للعمالة الوطنية نوفرها ايضاً للعمالة الوافدة، هذا ما اكدت عليه تشريعات وقوانين العمل والضمان الاجتماعي، وبيت القصيد هنا لا تكفي تلك التشريعات والقوانين طالما حقوق تلك العمالة منتقصة من قبل اصحاب عمل انتهكوا حقوقهم على صعيد ظروف العمل القاسية والصعبة والاجور التي لم تدفع لهم لشهور، ناهيك عن مساكنهم التي تفتقد الى أبسط الشروط الصحية والسلامة، وفضلاً عن هذا وذاك ساعات العمل التي لم تقتصر على ثماني ساعات عمل بل تصل الى اكثر من عشر ساعات متواصلة وهي مشكلة يعاني منها ايضاً خدم المنازل الذين هم اكثر عرضة للعنف والارهاق والاجهاد الجسدى والتأزم النفسي! وفي ضوء ما سبق نقول: ما أحوجنا الى استقرار سوق العمل وهذا يرتيط بتشريعات وقوانين عمالية لا تنتقص من حقوق العمالة الوطنية والوافدة.