أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - قنبلة الزمن الأسود















المزيد.....

قنبلة الزمن الأسود


رائف أمير اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 4460 - 2014 / 5 / 22 - 00:24
المحور: الادب والفن
    


لم يجد أذانا صاغية لنداءاته المتكررة رغم علوها وصخبها، حين استيقظ من نومه صباحا ونادى... لأنه لم يجد أحدا في بيته. ولا أحدا خارجه.
ولم تمضى سوى ساعات حتى تأكد ان المدينة كلها كانت خالية تماما من الحياة..
بيوتها وشوراعها وسمائها ومياهها قد خلت من البشر... بل من أي كائن حي.
ثم استنتج بعد ساعات أخرى ان الحياة كلها قد غادرت كوكب الآرض.
الكل اختفوا ولا أثر لأجسادهم ... ليس هناك جثث او أي أثر لدم.
ولاحتى أصواتهم أو صورهم في أجهزة الاتصال والاستقبال التي توقفت تماما. فلم يعد هناك من يشغلها او يستعملها.
هدوء مريع ....كل شي قد سكت ... كل الحضارة قد توقفت.
وبقي وحده هو من يسير.. خائبا من نهاية كانت قد بدت مسلية حين رآها يوما في احد الافلام ... ولم يصدق انها ستحدث فعلا .. ويكون هو ضحيتها.
ساعات من الارتجاف والبكاء يعتريها صور لماضي لم يعرف اين اختبأ وتفكير في مستقبل أصبح يعنيه هو وحده .. ماذا سيفعل ... ومم سيخاف.. هل سينزل اليه أحد من السماء وكيف سيكون شكله اوتكون غايته .. هل ستنشق الأرض لتخرج منها الوحوش التي رآها أيضا في فلم آخر.
وماعدا كل ذلك .. كيف سيعيش وحده.
... بدد وحشته المطلقة كلب مسن أتى من بعيد ..
كان الكلب يلقي باتجاهه بعض النظرات يتبعها استغفال كأنه يهزأ به ... لكنه فاجأه بالمرور من أمامه وهو يسلم عليه بصوت البشر:
- السلام عليكم
- وعليكم السلام .... لحظة من فضلك ... قالها متمالكا نفسه خوفا ان تنهشه الدهشة وينقض عليه الشعور بالجنون.
- نعم تفضل
- ما الذي حدث .. اين ذهبوا ؟
- نعم ؟ أين ذهبوا ؟ كيف لاتعلم أين ذهبوا ؟ أين كنت ؟
- انا كنت نائما وكانت عائلتي معي وقبل ان ادخل البيت كان الناس يجوبون الشوارع ... استيقظت فلم أجد أحدا ... فكيف لي ان افهم ماحدث ؟
- اها؟ وقبلها ... الم تسمع بقنبلة الزمن الأسود؟... ثم جلس على الرصيف وقد وضع رجلا على رجل.
- لا .. ماذا تعني هذه القنبلة؟
- عندك سيجارة؟
- نعم .... أعطاه سيكارة أخرجها من علبة في جيبه ... ثم اشعلها وهي في فم الكلب .. بعد أن أقنع نفسه أن تكون مسترخية لعجائب ومهازل ماتبقي من الحياة..
- أخي العزيز.. ايها المواطن الصالح .. (قالها وهو ينفث الدخان من فمه بحرقة نفسية شديدة )... لقد فعلتموها انتم البشر .. وأنهيتم الحياة كلها على كوكب الأرض بعد أن ملئتموها صخبا وعراكا وقتلا .... حضارتكم وأبنيتكم لم تكن غايتها سعادتكم، وانما كانت من أجل ان تحتموا بها وتحموا خلفها الاعيبكم الشريرة ... وكان آخرها لعبة قنبلة الزمن الأسود.
- لحد الآن لم أفهم ...... ولم تقل لي ماهي هذه قنبلة الزمن الأسود؟
صمت الكلب ثواني وهو يضع ابهام اصبع يده التي تحمل السيكارة على خده محدقا بنظرات تبطن استهزاءه بـ(خليفة البشر).... ثم قال وكأنه يعلِمُ طفلا:
- حبيبي ... البارحة ... ظهر رئيسكم ... رئيس الأرض في كل فضائيات العالم التلفزيونية وقال: ان الحياة لم تعد مجدية على كوكب الأرض.. الآف السنين عشنا فيها نحن البشر ولم نصل الى السعادة ولم نفهم ماهي أصلا... آلاف السنين ... من الروتين القاتل هنا .. توالي لولادة ثم موت .. يتخللها تكرار لاينتهي لألم وكراهية ودماء وشقاء وبناء ليس له جدوى .. مقابل فترات راحة نترقب فيها مستقبل مجهول. عجلة من ألم لاتتوقف.. وحتى الكائنات الحية المسكينة .. تولد ثم تموت بدون أي معنى ... لذلك ... دأب فلاسفتنا وعلمائنا أن يخرجوننا من هذا البلاء، ففكروا واستنتجوا ان الزمن هو (مادة) الوجود لأن الزمن هو حركة ... والحركة مستويات .. يمكننا ان نشبهها بألوان وأعتبروا: ان الكائنات الحية كلها ومنها الانسان ماهي الا زمن أبيض ملتف...
- مامعنى زمن أبيض ملتف؟
- وهل أنا عالم فيزياء حتى أفهم مامعنى زمن أبيض ملتف ... أنا أعيد ماقاله رئيسكم .. صحيح أنا حاصل على شهادة الدكتوراه في علم (اجتماع)الكلاب وأخرى ماجستير في (لغة) الكلاب من أعلى الأكاديميات الكلبية عندنا، لكنني لم افهم في الفيزياء.
لم يستطع ان ان يخفي تماما رغبته للانفجار من الضحك فتماسك نفسه ليعبر بابتسامة صغيرة لئلا يزعل الكلب ويذهب ... وكتم حتى استهزائه واعتراضاته في اعمق مكان من دماغه، فربما يكتشف ان لهذا الكلب قابلية في تخاطر الافكار ... والا ... أي زمن هذا الذي غفل هو فيه عما جرى، ثم يأتيه كلب يحمل شهادة الدكتوراه... فيستنجد به رغما عنه.
أكمل الكلب:
- ثم أكمل رئيسكم : لذا .. قررنا ان نصنع قنبلة الزمن الاسود وسنفجرها بعد قليل ... ستتفكك كل اجساد الكائنات الحية التي التفت وتشكلت من الزمن الابيض وتختفي من على كوكب الأرض ليعاد تأليفها في كوكب آخر .... ثم ... ضغط رئيسكم على زر كان في جهاز أمامه .. وماهي الى لحظات واختفى كل شي حي ..
- طيب ولماذا لم نتلاشى نحن ونختفي معهم؟
انفعل الكلب لهذا السؤال المحير والذي لم يجد له اجابه قبل ان يلتقي بـ(خليفة البشر) هذا الذي كان من المفروض هو من يجد الاجابة عنده، فألقى سيكارته بعيدا بانفعال شديد ووقف يرقص .. هز وركه وشابك اصابع يديه وهو يطقطقها مغنيا .... حظنا ... حظنا ... حظنا.
ثم مشى خطوات ليجلس على الجهة الثانية من الرصيف وهو يقول ضاحكا بينما كان يزحزح جسده لاتخاذ افضل وضع للجلوس:
- ربما انا وانت التفت أجسادنا من زمن أحمر فنحتاج الى قنبلة زمن أخضر ها ها ها ها.
- طيب دكتور ... وماذا سنفعل؟
- لا أدري ... لكن اتصور باننا ماعلينا الا أن نعيش على ماتبقى من الارض الى ان نموت.
- وكيف سنموت؟
لم يستطع الدكتور الكلب ان يتمالك أعصابه من توالي الاسئلة لهذا الانسان الغبي الذي شاءت الاقدار ان يكون هو من تبقى من البشر وربما فعلا سيكون خليفتهم، فهجم عليه غارزا مخالبه في صدره وهو يردد:
- هكذا تموت ياغبي
استفاق لغرز أبرة حقنت في جسده... انتعش لرؤية زوجته وابنائه ... قالوا له:
- الحمد لله على سلامتك ...
- ماذا أصابني؟
- أصابتك حمى شديدة ... وهذه هي الابرة الثانية التي حقناك بها من أجل تخفيض حرارتك .... كنا نسمع هلوستك اثناء نومك بسب الحرارة المرتفعة ... لكنها كانت فعلا جميلة... فكرة قنبلة الزمن الاسود.



#رائف_أمير_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعويم الشعر العربي .. مقاربة بين ظاهرة الشعر و ظاهرة النقد ا ...
- شجرة برتقال
- عبور
- تخطي
- ظل الزمن
- حوار فلسفي
- مسيرة
- مرآة الزمن
- سعيد العتال
- مشروع صفر
- شارع الاطباء
- الصرح الزراعي
- الوطن وحقوق الانسان
- وجهها
- فلم الماتريكس.. جنة الأحلام على أرض أجهزة الكمبيوتر
- أرجوحته
- انبثاق
- هروب الزمن
- نظرية الأوتار من وجهة نظر فلسفية- قراءة في كتاب الكون الانيق
- الديمقراطية من وجهة نظر مادية


المزيد.....




- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...
- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رائف أمير اسماعيل - قنبلة الزمن الأسود