أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح رحيم - كُتُب في يوميّات: الطاحونة الحمراء لبيير دي مور














المزيد.....

كُتُب في يوميّات: الطاحونة الحمراء لبيير دي مور


فلاح رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 4187 - 2013 / 8 / 17 - 01:54
المحور: الادب والفن
    


قاطع ديزفول الأربعاء 3 حزيران 1981
ليس للنهوض الصباحي هنا على خط التماس ـ لقد عرفت من الآمر أمس أن المسافة التي تفصلنا عن الإيرانيين لا تتعدى 300 متراً وليس معنا غير سريّة عجلات مدّرعة ـ ليس للنهوض وقت محدد. فالآمر رجل يحرص أشد الحرص أن يخرج من هذا المكان سالماً لذلك فقد دفن ملجأه بمقادير أخرى من التراب بعد أن استلم شفل لهذا الغرض وضع فوق الموضع حوالى 500 طابوقة لا أدري من أين جاءوا له بها، إضافة إلى الكتل الكونكريتية لتصد الضربة المتوقعة. وهو إضافة إلى ذلك لا يغادر ملجأه لأي سبب كان، ويعطي أوامره من الداخل فلا يحاول أن يخرج بعد ذلك ليرى إن كانت قد نُفّذت أم لا. لذلك فهو لا ينهض مع الفجر كما كان يفعل، ونحن أيضاً لا ننهض إلا مع الساعة الثامنة أو التاسعة صباحاً، حسب المزاج. يبدأ اليوم بأن أذهب أنا أو شهاب إلى الموضع الثاني، وهو كبير نسبياً ومشكلته الوحيدة أنه يستقبل العديد من الشظايا يوميا لقربه من موضع القصف خلفنا. بعد تناول الفطور نعود إلى المواضع ينام كل منا في غاره المنحوت يتسمع إلى الراديو أو يطوف بخياله المدن الآهلة بالبشر يتبع علاقاته أو يلقي بعض الملاحظات ويحكي بعض الحكايات لحين. بالنسبة لي قضيت الأيام الأولى، حوالى ستة أيام، متجولاً في عالم مونتمارتر في باريس مع قصة حياة الرسام الفرنسي هنري دي تولوز لوتريك مع رواية Moulin Rouge التي ألفها Pierre la Mure ، وكانت شديدة الإمتاع استغرقتني بصورة تامة برغم القصف المركز في تلك الأيام. في بعض الأحيان كنت أستغرق فلا أشعر أنني في ساحة حرب، ثم تهزني قنبلة ميدان فلا أشعر إلا وقد تجمعت أنا وكتابي في زاوية من الموضع بسرعة غير متوقعة.
تتألف الرواية من افتتاحية وثلاث كتب وختام، وتقع في 438 صفحة من الحجم الكبير. يحاول الكاتب فيها أن يتابع حياة لوتريك منذ صغره حيث أصيب بمرض وحمى شوهتا بنيانه الجسدي وجعلتاه كائناً غريب الشكل لفرط قبحه، ثم بحثه عن مركز لحياته حيث يختار الرسم. تبدأ بعد ذلك مأساة بحثه عن الحب. فبالرغم من تفوقه الفني وثرائه لم يكن شكله ليتيح له تواصلاً صميمياً مع أية أنثى. وتصفه كل النساء اللواتي أحبهن بأن قبحه لابد وأن يمنعه من التقدم لأية فتاة. فالفتاة الأرستقراطية التي عاشرته طويلاً ونشأت بينهما صداقة حميمة، وهي (دنيس) كادت تُجنّ عندما عرض عليها الزواج. والعواهر رفضنه لقبح شكله. وعلاقته الطويلة مع (ماري تشارلي) وهي فتاة شارع مراهقة عاشت معه بثمن صفعته مرات عديدة وسخرت منه حتى ملّها وتخلص منها. وأخيرا علاقته مع (مريم) الفتاة اليهودية الساحرة التي عرضت عليه الصداقة فأحبها حبا جنونياً، خصوصا بعد أن قدمت له جسدها. ولكنها رفضت أن يقوم بينهما حب فتركته مع تاجر لوحات حتى أدمن الخمر ومات. إن القيمة الحقيقية لكل هذا البحث عن الحب هو طرح مسألة التواصل مع الآخرين وأهميتها للفنان. وقد أبدع الكاتب في التعبير عن الشعور المرير بالوحدة والاغتراب لدى لوتريك، الذي مال في النهاية إلى العيش في دور البغاء مع العواهر يرسمهن ويراقب أجسادهن العارية بصورة دائمة وهن مسترخيات غير آبهات بوجوده. وكان في ذلك مبدعاً. كما أن في الكتاب معلومات عن فنانين عاصروا لوتريك مثل فان كوخ وسيزان ومانيه وغيرهم كثيرين، وهو دخول تاريخي جميل في عالم الفن التشكيلي في أواخر القرن التاسع عشر حيث ظهر خيرة الفنانين الفرنسيين المبدعين.
بعد أن انتهيت من هذه الرواية أمر الآن بفترة راحة وتأمل. أما حياتنا بعد تناول طعام الغداء فهي استلقاء جديد في المواضع وانتظار للعصر حيث نخرج بوجوه مخنوقة شاحبة نتيجة سوء التهوية وعندها غالباً ما يشتد القصف فنضطر للعودة من جديد إلى ملاجئنا. حتى تصل الأرزاق مع حلول الظلام في السابعة مساء فيبدأ الزحام على الماء وفيه يظهر جلياً تعب الأعصاب وكثرة المشاجرات. ونستلم القصعة الباردة فنأكلها دون رغبة فيها. ونستلقي بعد ضوضاء الأرزاق والحانوت والماء ننتظر الضربات القريبة لنهرع إلى المواضع أو نغفو لشدة الحاجة إلى النوم ونحن نعلم أن نومنا سيكون مرتبكا. هكذا يمر اليوم هنا ... إنه فخ ناجح.
كتبت اليوم قصيدة بعنوان

المحارب والفأر

يشاطرني موضعي الفأرْ
يبتني د اره في الظلام على الحائط المنخفض
داره الهاديء المستكينْ
وفي الليل حيث أنامُ
وحيداً غريباً
يسامرني الفأرُ
يقفز من داره فيسّاقط الرملُ
فوق الجرائد حيث الكلام عن النصرْ
يوقظني الصوتُ والرمل والحرْ
وأسأل: يا أيها الفأرُ نم لحظة
وكفّ عن الضحك في الصخرْ
لكنه في نشاط غريب يدورُ
ويضحكُ،
حتى إذا سقطت في السكوتِ
القذيفة كفّ عن الضحك
عاد إلى داره الهاديء المستكينْ
وعدت أنا للفراش الحزينْ



#فلاح_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر وحمى الربيع والصيف
- كتب في يوميات: تونيو كروجر لتوماس مان
- كتب في يوميات: فيلكس كرول لتوماس مان
- موعظة الهوتو والتوتسي: أنف ومليون قتيل
- الموسيقى الألمانية واجتثاث النازية والأمريكيون
- فتحي المسكيني و ترجمة -الكينونة والزمان-
- ذكريات موسى الشابندر البغدادية : السيرة واضطراب لحظة التنوير
- سرد الذاكرة المضادة في أدب ألمانيا واليابان
- علي بدر ومارغريت أتوود: هل تموت الأيديولوجيا في العراق وتولد ...
- توقيع الروائي
- من باطن الجحيم: وثيقة الشاهد/الضحية - سلام إبراهيم


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فلاح رحيم - كُتُب في يوميّات: الطاحونة الحمراء لبيير دي مور