أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فتحي الحبوبي - في الثورة التونسيّة والإرهاب والفوضى العمرانيّة















المزيد.....

في الثورة التونسيّة والإرهاب والفوضى العمرانيّة


فتحي الحبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 4114 - 2013 / 6 / 5 - 07:17
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


عندما اندلعت الثورة التونسيّة وبدأت بشائرها تكتسح البلاد العربيّة ،معلنة ربيعا عربيّا ما زال متواصلا إلى اليوم، رغم التعثّر هنا وهناك، كانت أكثر التحاليل الإخباريّة تشاؤما تبشر بعصر جديد مختلف وديمقراطي للعرب الذين دشنوا ثوراتهم بثورة سلميّة أطلق عليها الغرب ثورة الياسمين وأطلق عليها التونسيون ما بات يعرف بثورة "الحريّة والكرامة" اختزالا لبعض الشعارات التي رفعت قبل هروب المخلوع بن علي، ومنها: "يا نظام يا جبان، شعب تونس لا يهان"، و "تونس حرّة حرّة، بن علي على برَّة"، و" خبز وماء، بن علي لا".
أمّا اليوم، وبعد أكثر من سنتين من تاريخ اندلاع الثورة التونسيّة، وبصرف النظر عن التسميات، فالمشهد والموقف يختلفان تماما عند الجميع، بمن فيهم المحلّلين السياسيين والإعلاميين. فالثورة السلميّة الناعمة التي وصفت، بداية، بالياسمين، لم تعد كذلك بعد أن أفرزت مظاهر كثيرة للعنف بمختلف أشكاله السياسيّة و النفسيّة واللفظيّة والماديّة، بلغت حدّ استعمال السلاح الأبيض والناري فيما بين، التونسيين الذين يختلفون في درجات فهمهم للدين أو العقيدة أو الشريعة، أو لعلهم يختلفون أحيانا في أسلوب تطبيق الشريعة فحسب، بالتدرج أو بدونه، والذين لهم موقف من الدين نفسه ضرورة انّهم يفضّلون القيم الكونيّة على غيرها من القيم الدينيّة، وهم العلمانيون واليساريون عموما. وقد أدّى هذا التطاحن والاستقطاب ما بين الفكري و الديني إلى حدوث معارك ميدانيّة عديدة. لعلّ أبرز تمظهراتها العنيفة التي شغلت الرأي العام الوطني والعالمي هي "أحداث الروحيّة" الإرهابيّة في شهر ماي 2011، ثمّ أحداث "بئر علي بن خليفة" في فيفري 2012، ثمّ أحداث قصر العبدليّة للفن التشكيلي، وحادثة الهجوم على السفارة الامريكيّة التي تلتها أحداث "القصرين وفرنانة " في شهر ديسمبر 2012، ثمّ حدث اغتيال المناضل اليساري البارز شكري بلعيد في فيفري 2013. وأخيرا أحداث جبل الشعانبي الإرهابيّة خلال شهر ماي 2013، وهي الأحداث الاكثر خطورة على الإطلاق لأنّ الفاعلين فيها، وهم سلفيون جهاديون من تونس والجزائر وليبيا، أعلنوا انتسابهم الصريح لتنظيم القاعدة بالمغرب العربي. بما يؤشر لإمكانيّة حدوث تفجيرات في المستقبل في بعض الاماكن العامة، بهدف ضرب أمن البلاد واستقرارها، إضافة إلى افشال الموسم السياحي الذي يشكو راهنا من ضعف الإقبال والإيرادات بالعملة الصعبة. وهو ما يعني ببساطة، أنّ الثورة التي انطلقت سلميّة قد انحرفت عن مسارها الناعم وتحوّلت إلى مسار آخر شكّل العنف والإرهاب أبرز سماته. لكنّ ذلك لا يفيد اطلاقا عدم تمتّع التونسي بحيز واسع من الحريّة في التفكير والتعبير والممارسة الديمقراطيّة الناشئة. لا بل يمكن القول أحيانا أنّ التونسي اليوم أصبح يتمتّع بفائض من الحرّة لم يكن يحلم بتحقيقها في السابق حتّى أعتى المعارضين للمخلوع.
في سياق متّصل أفرزت الثورة التونسّة، تطاولا على هيبة الدولة. فلم يعد المواطن العادي عموما يحترم القوانين المنظّمة للحياة العامّة في مختلف مجالاتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة والعمرانيّة ونحوها. ففي المجال الاقتصادي، وعلاوة على تفاقم ظاهرة التهرّب الجبائي ،برزت مجموعات التهريب بقوّة مذهلة ،عجزت أو تكاد، كافة أجهزة الدولة عن التعامل معها بفاعليّة و التصدّي لها بما يكفي من الحزم والصرامة الرادعة، الكفيلة بضمان الأمن الغذائي وصيانة مناعة الاقتصاد الوطني، والوقوف سدّا منيعا أمام إمكانيّة إنهياره كليّة. ومعلوم أنّ هذه المجموعات تعمل عادة بالتعاون الوثيق مع المجموعات الإرهابيّة. لأنّ المهرّب المحترف عموما، في حاجة إلى حماية، خاصة في بعض الوضعيات الخطيرة والحرجة، التي يكون فيها بين الحياة والموت المؤكّد، في مواجهة الجيش والشرطة ومصالح الديوانة.
أمّا المجال الاجتماعي فقد طغت عليه كثرة الاحتجاجات والاعتصامات والاضرابات النقابيّة في كل القطاعات العموميّة والخاصة، الوطنيّة منها والاجنبيّة- ولم يستثن منها أي قطاع-وكان أكثرها تضرّرا، إنّما هو قطاع الفسفاط الذي تكبّد خسائر مباشرة وغير مباشرة خلال السنتين الماضيتين بقرابة 4 مليار دينار أي بمعدل 2 مليار دينار في السنة وهو تقريبا نفس مبلغ القرض الذي تحصّلت عليه تونس من صندوق النقد الدولي في ماي 2013.
وأمّا المجال الثقافي والعمراني فقد تميّزا بانفلات وفوضى عارمة. حيث برزت انتاجات ثقافيّة جريئة، من بينها انتاج موسيقيّ مصوّر، يصف رجال الشرطة التونسيّة بالكلاب، وتتخلّله عبارات واشارات منافية للأخلاق. علاوة على ما ينطوي عليه من تهديد تجاه كل من أعوان الأمن والقضاة. يضاف إلى ذلك زحف البناء الفوضوي على الأماكن الاثرية وتشويهها، إن عن قصد أو عن غير قصد، رغم أنّها مصنّفة ضمن التراث العالمي. يحدث هذا التحدّي الصارخ، في ظل فورة عمرانيّة ساهمت في تشويه جماليّة المدن التونسيّة، وفي غياب كلّي لأعوان التراتيب البلديّة وتزامنا مع عدم تفعيل تشريعات المجلّة العمرانيّة التي تسعى فصولها العديدة لحماية المدن ومحيطها من الفوضى العمرانيّة بهدف اكسابها جماليّة وألق عمراني يليق بالعصر ولا يحيلنا إلى عصور الظلام والسكن في الكهوف والمغاور التي توحي به هذه الفوضى العمرانيّة العارمة وغير المسبوقة. باعتبارها فاعلا أساسيّا ساهم في ترييف المدينة في زمن يسعى فيه الغرب إلى تمدين الريف.
وأمّا البناء الفوضوي في بقية المساحات العامّة والخاصّة غير المعدّة للبناء فحدّث ولا حرج. حيث أن طوابق غير قانونية ولا تستجيب للمعايير الفنيّة قد بنيت دون ترخيص، وحيث أنّ أرصفة كثيرة، لا بل وكثيرة جدّا، تحوّلت –في عمليّة دبّرت بليل- إلى أكشاك متلاصقة لبيع التبغ والجرائد، عسّرت على المترجّلين عمليّة السير على الأرصفة، وساهمت في تعقيد عمليّة جولان السيّارات داخل المدن.
إنّي أزعم أنّ هذه الوضعيات وغيرها ما كانت لتحدث لو انتبهت النخبة السياسيّة إلى أهميّة العمل البلدي أو الديمقراطيّة المحلّية، فقدّمت الانتخابات البلديّة على انتخابات نواب المجلس التاسيسي، حتّى لا يتألّم المواطن من معاينته لهذا الشلل والعجز الذي تعانيه البلديات، في تعاطيها مع ظاهرة البناء الفوضوي وظاهرة تراكم الأوساخ وعدم رفعها، لا لشيء إلّا لأّنّها وقتيّة وغير منتخبة منذ هروب المخلوع وطرد أزلامه الماسكين بزمام كل البلديات في الزمن البائد.
المهندس فتحي الحبّوبي



#فتحي_الحبوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نيكولا دي كونْدرْسِيه: نهاية أليمة لعبقريّة عظيمة
- عن الغرب و العالم العربي الاسلامي
- الإنسان العربي بين الحلم واكراهات الواقع
- تونس ومصر... ثورتان بين خطا الخيارات وتصحيح المسارات
- الفكر الغربي وهلاميّة نهاية التاريخ
- لا للتعسّف الإداري*
- غزّة العزّة والإباء.. إشتدّي أزمة تنفرجي
- المجلس التأسيسي التونسي إمبراطوريّة للجشع
- لا للاستفزاز و لا للعنف المجاني واللصوصيّة المنظّمة
- وقفات نضاليّة خارح الإتّجار ومنطق الغنيمة السياسيّة
- الأجر الأدنى المضمون بين نوّاب المجلس التأسيسي التونسي والرئ ...
- جولة في زحمة عنف ما بعد الثورة
- عن الأسس النظريّة للدولة المدنيّة
- نقّاد الفكر الديني وثالوث التكفير والإضطهاد والقتل
- عن سيرورة تشكّل مفهوم الحداثة
- جدليّات الحداثة والقدامة والثورة وارتداداتها
- في علاقة المفكر الحر بالسلطة والفقيه
- المثقف بين السياسة والفكر
- بين هروب محمود درويش وهروب القادة العرب المهزومين
- فضل إنتعاش المقاومة على الثورات العربية


المزيد.....




- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...
- اعتقال عشرات المتظاهرين المؤيدين لفلسطين في عدة جامعات أمريك ...
- كلمة الأمين العام الرفيق جمال براجع في المهرجان التضامني مع ...
- ال FNE في سياق استمرار توقيف عدد من نساء ورجال التعليم من طر ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - فتحي الحبوبي - في الثورة التونسيّة والإرهاب والفوضى العمرانيّة