قوة شعوب تهزم حكومات دكتاتورية ..!


جميل عبدالله
2012 / 10 / 6 - 23:55     

النظام العربي دائما وأبدا يبرر هزائمنا العربية والانكسار والاستسلام للإدارة الغربية والإسرائيلية بأنها نتاج عصر الهيمنة الرأسمالية الأمريكية , وخروج الاتحاد السوفيتي من اللعبة , وهزيمتنا في حرب الخليج ...لدرجة أنه لم يحمل نفسه أية مسؤولية عن هذه الهزائم , ولم يحدثنا على الأقل عن واجباته , أو حتى واجباتنا كعرب للخروج من هذه المصائب , بل على العكس تماما راحت هذه الأنظمة تسوق لنا الهزيمة بكل الطرق , وتروضنا على القبول بالأمر الواقع ومحاولة زرع اليأس والهزيمة والإحباط من التفكير في هذا الواقع , حتى حملت لنا رياح التغير والتجديد نسائم النصر المفقود .

على سبيل المثال ما يحدث في سوريا الشقيقة والذي هو العنوان الصحيح والواضح لمعنى ثورة شعب على دكتاتور , والملفت في انتصار الشعب السوري أنه جاء في هذا العصر بالذات , وتحت أصعب المراحل , وبعد أن استحكمت حلقاته , حيث كان هذا هو سر عظمته لا حجم الانتصار ذاته , ولا الهروب للنظام السوري المذعور تحت جنح الظلام , سره في المعاني التي جاءت به , والمعاني التي جاء بها هذا الشعب الجبار , سره في انه فكرة ...فكرة طرحت نفسها ولم يساعدها أحد , بل جاءها الشعب طواعية وقناعة , فكرة لم تسوق نفسها بالإعلام المضلل كما يفعل النظام السوري , ولا طمعت حتى إلى السلطة , فكرة تكلم أصحابها بصوت خفيف ومتعقل , لكن عصاها كانت قوية للغاية ..! فحالت دون إقامة قاعدة واحدة لإيران في سوريا على غرار ما جرى في البقاع حيث تزرع القواعد لحزب الله في كل مكان .

وقدم هذا الشعب نموذجا لكيفية مقاومة المجازر المرتكبة بحقه من قبل الشبيحة وعناصر حزب الله والحرس الثوري الإيراني , نموذجا لم يهزم نظام الأسد في سوريا فقط , وإنما هزمت إيديولوجيا التوسع الإيراني في المنطقة , فكرة نجحت ونجح أصحابها في إقامة علاقة متوازنة بين خطاب الشعب المقاوم وخطاب النظام الحاكم , فلم يستطيع هذا النظام أن يقدم نفسه بديلا عن الشعب , وحالت دون التأمر على الشعب , بل أجبرت النظام الحاكم على الخوف من قدرات هذا الشعب البسيط المقهور , وبذلك قدم الشعب نموذجيا لتكامل الموقف الوطني ووحدته في مواجهة الجيش السوري ومن معه .

من ناحية أخرى حين يحمل الشعب السوري نصره كل هذه المعاني , فان الخشية عليه تصبح أكبر , لأنها مقاومة لشعب لم تعد حالة سورية فقط بل أصبحت وليدها المعنوي ابنا لكل العرب وعنوانا لكل المضطهدين في عصر العرب بدعم الغرب , وأول من نخشى منه عليها هو ذاتها وأصدقاؤها فحجم التأييد والتبجيل والمديح الذي تلقته قد يدير الرؤوس ويدفع نحو الغرور , تمنيت أن يترفعوا عن الاستماع لهذه المدائح بالقول إلى الفعل , وكلنا نتذكر حالات عربية سابقة كيف بدأت متواضعة ونقية وصادقة , وكيف صارت بعد ذلك نفاقا وكذبا , لذلك فان مجاهدة النفس كما يقولون , ومقاومة نمو الذات قد تكون أصعب مهمات الشعوب في المرحلة المقبلة , بل قد تكون أصعب عليهم من كل تجاربهم الماضية في مقاومة المحتل , وإذا كان لنا من ثمن على محبي المقاومة بنصرها ونصرهم , فهو أن يخفضوا من التعبير عن حبهم أو أن يتواضعوا فيه ...!!

والخشية الثانية أصدقاء الشعب السوري الإقليميين الذين لا ينكر أحد ولا حتى نحن حجم الدعم المقدم , ولكن ليس حبا فيهم ولا في وطنهم سوريا , وإنما خدمة لأغراض الإقليمية الخاصة بكل بلد , صحيح أن هذه الأغراض التقت مع إرادتها على هدف تحرير شعب سوريا من نظام الطاغية ودحر بشار الأسد ومن معه , لكن إلى أي مدى ستستثمر وحده الهدف هذا بعد تحرير شعب سوريا !! فهذه الأطراف الإقليمية ينخرط إحدى شقيها العربي في مفاوضات استسلام مع إسرائيل للوصول إلى تسوية تشمل جميع دول المنطقة , بل قد يكون من شروط الاستسلام عليهم بتعهدات تحتم المقاومة في تسويات رمي السلاح ....

وبعض هذه الأطراف غير عربي يجهد نفسه للخروج من دائرة الاحتواء والعزلة التي تفرضها الرأسمالية ممثلة في الإدارة الأمريكية , ونفي صفة الإرهاب وتصدير الثورات الرجعية إلى بلدان الجوار , والحقيقة قد قطعت جهودا في هذا المجال أشواطا كبيرة , على صعيد الخطط السياسية والإعلامية وعلى صعيد العلاقات المتطورة مع بعض الدول الأوروبية , أو حتى تخفيف لهجة الخطاب الأمريكي مع تخفيف بعض العقوبات الاقتصادية أيضا , وبالتأكيد فان موقف هذه الدول تجاه ما يحصل في الشعب العربي السوري سيكون من بين نقاط المساومة الرئيسية ...

في النهاية : ان طبيعة الخطوة القادمة للشعب العربي السوري في مواجهة موقف الأصدقاء وهي التي ستمكنه أو لا تمكنه من التصدي للمؤامرات التي يحتفظ بها نظام بشار الأسد ومعه الأنظمة القمعية الأخرى وتسحب من تحتها البساط , بل إن الخطوة القادمة ستقرر مصير النموذج والفكرة التي أطلقها الشعب العربي السوري وتعلق بها الشعوب العربية والناس .. انتهى .

سلامتكم ..

فلسطين الاصل اسدود