أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - جهود وتجارب مسرحية عربية















المزيد.....



جهود وتجارب مسرحية عربية


منصور عمايرة

الحوار المتمدن-العدد: 3869 - 2012 / 10 / 3 - 20:50
المحور: الادب والفن
    


جهود وتجارب مسرحيّة عربيّة
إن جهود التجارب المسرحيّة العربيّة تنبع أهميتها، لإيجاد مسرح عربي أو مسرح في الوطن العربي، ومهما قيل عنها، بأنها تجارب مسرحية عاشت مرحلة التاثر بالمسرح الغربي، ومازال التأثر قائما، إلا أن التجارب المسرحيّة العربيّة برّزت أسماء كبيرة في المسرح، وقد يكون تمثل المسرح العربي للمسرح الغربي لأن " العرب الأقدمين لم يقرأوا نصوصا مسرحية قط، لا من اليونان ولا من فنون الشرق الأقصى، فكان المسرح بهذا كفكرة غير وارد عليهم "1 فالعرب عرفوا المسرح بمعناه العالمي، وما محاولة العودة إلى جذور المسرح عند العرب، إلا من أجل خلق بنية مسرح عربي يقف ندا للمسرح الغربي والمسرح الآسيوي مثلا، وقد ميز على الراعي بين مسرحين فوسم الأول الذي بقي يدور في فلك المسرح الغربي بمسرح المثقفين وأشار إلى المسرح الشعبي العربي كقصة أخرى.2 ومسرح القصة الأخرى، شهد جهودا كبيرة من قبل المسرحيين العرب، وهم يرجعون المسرح العربي إلى جذوره المتشبثة بالتراث العربي الشعبي مثل: مسرح الحلقة والبساط والقوال والتعزية والحكواتي والأراجوز أو الفرافير والتعليلة. ولا بد من الإشارة إلى دور المسرح العربي في معالجة قضايا متنوعة على المستوى العربي والوطني، حيث تناول مسرح التراث قضايا عربية قومية، والمسرح الاحتفالي طرق القضايا القومية والوطنية في بلدان عربية مختلفة.
***
البدايات : إن بدايات التجربة المسرحيّة العربيّة كانت اقتباسا من المسرح الغربي، على يد مارون النقاش 1817-1855م بمسرحيته البخيل عام 1847م، فالمسرح العربي بدأ باستيراد المسرح الغربي إلى بلاد العرب " لم يكن هذا شأن شكسبير، حينما جلس يكتب مسرحياته مستندا إلى فن الأقدمين من اليونان والرومان، كما استمد النبع الشعبي الكبير الذي تراكم في بلاده، وموليير اعتمد على فنون السيرك والكوميديا المرتجلة الإيطالية، وبرنارد شو قدم الفرجة في مسرحه إلى جوار الأدب، ومضى في كتابة مسرحه على أساس من سبقوه في استخدام التراث المسرحي الشعبي كالمهرج والبهلوان والانماط الشعبية كالسيرك"3 وفي البدايات الأولى ظهرت ثلاثة أنماط مثلت المسرح المجلوب للوطن العربي، والتي مثلها رواد مارون النقاش 1817-1855م وأبو خليل القباني توفي عام 1903م، وهذه الأنماط " المسرحيّة الجادة التي تعتمد على النص الأدبي وتتجه إلى محاولة رفع شأن الناس وتبصيرهم، والمسرحيّة الكوميدية الانتقادية ذات الأساس الشعبي والتي تحمل تفرعات من الكوميديا والأوبريت، والمسرحيّة الغنائية التي تتخذ حوادث قصة واهية البناء... وظل المسرح العربي يقدم هذه الأنماط الثلاثة مقتبسة أو مؤلفة تأليفا متهافتا حتى ظهور المؤلف المحلي"4
***
التراث/الاحتفالية/تأصيل المسرح العربي: إن التراث الذي نتحدث عنه هو هوية وجود، محفورة في المكان العربي، الأرض العربيّة، ولأنها محفورة بالأرض بقيت الذهنية العربيّة تحتفظ بها، لأنها تمثل وجودها عبر العصور المختلفة " يبلغ عمر الثقافة العربيّة بما فيها الفترة الإسلامية حوالي ألفي سنة تقريبا... في حين أن جانبا واحدا من جوانب الثقافة العربيّة بقي غامضا لا يعرف عنه شيء، ألا وهو المسرح... علما بأن عناصر الفن المسرحي موجودة في كل مكان في الطقوس العربيّة... لذلك فمن الغريب القول أن المسرح العربي لم يظهر إلا منذ فترة قريبة في أواسط القرن الماضي"5 ولهذا سنرى أن العرب لم يتوانوا لحظة عن الحفر في كل مقومات الثقافة العربيّة، ما يؤكد حضورية الأصل العربي دائما، وهذه حقيقة، فالاحتفالية هي حفرية بالأصل التراثي العربي المتنوع، والمسرح جزئية من هذا الحفر الأصلي، ومع أنه لم يعرف بهذا الأسم عند العرب إلا في العصر الحديث، ومع وصول العصر الحديث نقبل المسرح الغربي بحرفيته، ولم يتنبه الأوائل بشكل واع وربما بشكل مقصود بعيدا عن الغفلة، بأن هناك جذورا للمسرح العربي، ونامت تلك الرؤية ردحا طويلا من الزمن حتى الستينيات، ومازلنا نرى استمرارية الحفر حتى هذه الأيام وبشكل دائم، والسبب أن العرب حتى الآن لم يستطيعوا تقعيد مسرح عربي يتكأ عليه، ولكن " العرب والشعوب الإسلامية عامة قد عرفت أشكالا مختلفة من المسرح، والنشاط المسرحي لقرون طويلة قبل منتصف القرن التاسع عشر"6 إن الاحتفالية والتراث بشكل عام، تمثل حركية الإنسان، لهذا من الطبيعي أن تكون لدى الشعوب اثنوغرافيا داخلية تتعالق ما انثربولوجيا جغرافية خارجية ممتدة، إن البحث في الاحتفالية يشكل البحث عن الذات التي تختلف عن الآخر، إن صيحة يوسف إدريس تبحث عن مسرح "يتناول حياتنا بالأسلوب المسرحي الشعبي مطورا إلى المستوى الذوقي والجمالي والمفهومات الفنية العالية" 7 وهذا نابع من رفض إدريس لهيمنة المسرح بصفته الغربية اليونانية، ولهذا لجأ إلى السامر الشعبي المصري، ليكون نواة للمسرح المصري، والعربي، لأن " المسرح بشكله العالمي المزعوم أصبح يهدد المسارح الشعبية الأخرى في كل بلاد الدنيا... وهذا المسرح هو الذي قضى على مسرحنا الخاص بنا، والذي كان محتما أن يظهر إلى الوجود يوما... فالفن كاللغة جزء لا يتجزأ من طبيعة الشعب وخصائص وجوده"8 ويبدو أن السبب الرئيس الذي صار إليه المسرح العربي كما يراه عزالدين المدني أنه كان يفترض بالعرب المعاصرين ألا يتبنوا من الفن المسرحي إلا النوع وحسب، لأنهم بتقليدهم الفنيات الغربية ومجاراتهم لها، قد جعلوا من الفن المسرحي فنا مقصورا على الحضارة الأوروبية...9 وهذا يؤكد من جانب نقاد آخرين حمّلوا الأوائل هذه المسؤولية "إن الخطأ كان في البداية التي كانت تقليدا أعمى إذ أخذنا عن الأوروبيين مسرحهم حسبما وصلوا إليه في القرن التاسع عشر"10 من هذا القول نتبين مدى اهتمام المسرحيين العرب بإيجاد شكل عربي للمسرح، لأن هذا الشكل هو ما يعبر عن أماني وتطلعات الشعوب العربيّة، وكذلك ترسيخ فرجة عربية كمتعة وتسلية. فالاحتفالية " قضية قبل كل شيء، قضية الإنسان الباحث عن إنسانية في العوالم المتوحشة، وقضية المواطن المدني الباحث عن المواطنة في مدن اسمنتية، وقضية الكائن البشري الحي، الذي تهدده الآلة وتشوه روحه الاحتفالية "11 بسبب حضور هذا التشوه يبدأ الإنسان بالبحث عن " ارتباط عضوي ووجداني بالواقع والحقيقة، وله ارتباط جسدي وروحي بالأرض والسماء، والتاريخ والجغرافيا، والأشياء والكلمات" 12 فلا أحد يستطيع أن ينكر بأن التراث واستلهامه أصبح ذا أبعاد ثقافية متنوعة، وهذا يعني أن من الضروري، وبشكل إلزامي استنطاق هذا التراث من أجل المقاومة لمنع تشويهه، وربما أكثر من ذلك ضياعه، فضياع التراث العربي لأي بلد عربي، هو بالتالي اعتداء على كل الأمة من دون مبالغة بهذا القول، لأن جذور التراث العربي لا بد أنها تتلاقى بشكل أو بآخر. ومن جانب آخر إن الاحتفالية العربيّة والتراث العربي لا ننظر إليه من خلال كوة زمنية قصيرة، بل ربما نعود إلى البدايات التي قد تشكل لنا قالبا مسرحيا، وبالنظر إلى تلك السيرة الشعبية القديمة التي مثلت بعدا تراثيا عربيا أصيلا، مثل حركة السيرة الهلالية، والتي قد تشترك بتصور مسرحي عربي كما يرى ذلك توفيق الحكيم " هنا إذن المنبع الذي نستطيع أن نخرج منه بشيء، فإذا أضفنا إلى هذا المنبع الشعبي منبعا آخر من تراثنا الأدبي في روايات الأغاني للأصفهاني وفيما ورد عن الجاحظ والحريري وبديع الزمان وغيرهم من شخصيات ومواقف وحوار، فإننا يمكن أن نخرج برأي في أمر الشكل أو القالب المسرحي الذي نحاول الكشف عنه" 13 ولا نعدم الحقيقة إذا ما قلنا أن التراث الشعبي العربي المبثوث في كل البلاد العربيّة، تمتد جذوره بالأساس إلى تلك الإشارات الثقافية العربيّة.
***
جهود يوسف إدريس وتوفيق الحكيم: أحسّ المسرحيون العرب أن هناك قصورا في المسرح العربي؛ وذلك لأنه يتمثل بالمسرح الغربي، فارتفعت أصوات تطالب بتغيير هذا النهج لاستحداث مسرح عربي خالص، معتمدة بذلك على التراث بكل أنواعه، ومنها التراث الشعبي، فكانت جهود يوسف إدريس في مسرحية الفرافير عام1964م هذه المسرحيّة التي تعتمد على التراث حيث نادى إدريس بالتمسرح كنظرية للمسرح العربي، وتكمن هذه النظرية بأن يكون الجمهور مشاركا في العرض المسرحي" فلجأ إدريس إلى الأسلوب المسرحي الشعبي، وفي مسرحية الفرافير كيف يحكم الناس أنفسهم وكيف تكون العلاقات بين الأفراد والجماعات "14 إن إدريس "أعطى الفرفور صفة مهرجي السيرك باللباس والتعبيرات اللفظية، ويعطي هذه الشخصية سمات الكوميديا الشعبية حيث يتوجه الممثل بالخطاب المباشر إلى الجمهور، ومثل تعبير المهرج عن نفسه وعواطفه بالحركات الصامتة، والقيام بحركات بهلوانية ليضحك الجمهور لأن هذه الحركات تؤدي إلى مآزق، ويستخدم إدريس مواقف من الكوميديا المرتجلة مثل أن يقوم الخادم بدور السيد والسيد بدور الخادم بعد أن يتناقش السيد مع خادمه "15 وينبع هذا المسرح من نظرة إدريس للمسرح الذي يصفه بأنه " يتناول حياتنا بالأسلوب المسرحي الشعبي مطورا إلى المستوى الذوقي والجمالي والمفهومات الفنية العالية "16 ويؤكد إدريس على أن المسرح إنساني غير مقتصر على شعب دون آخر " يجب أن نفهم وندرك ونعي أن الفن ظاهرة إنسانية اجتماعية لا بد لإنتاجها من بيئة معينة تتبع شعبا معينا وتنتج من أجل ذلك الشعب"17 ويؤكد على وجودية الفرفور في المجتمع المصري، ولكنه ليس ممثلا بمعنى الكلمة الآن "إنه ظاهرة اجتماعية موجودة كإنسان ساخر بسليقته وبطبعه"18 ويبن فرانك هوايتنج أن " المسرح كان طقسا دينيا عند الإغريق لخدمة المجتمع وتضاءل في العصر الروماني إلى ما يشبه المتعة الرخيصة التي يتكفل بها الأرقاء من أجل الترفيه عن أسيادهم" 19 ويؤكد على ماهية المسرح " ولكن المسرح الجيد يتخطى مجرد الترفيه ... إن فن المسرح يعتمد في جوهره على حصيلة المعرفة في شمولها العام على قدرة الإنسان على الاستكشاف والتعجب والتأمل "20 ونجد أن بريخت والمسرح الملحمي نادى بالتغيير علاوة على كل تلك الأشياء التي ذكرها هواينتج. إلا أن مفهومية المسرح تبدو تتحدد في نظر هوانتج على مستويين الجمالي والذهني " فالجمالي يعمل على سد حاجات الانسان العاطفية واشباع نهمه إلى كل ما هو جميل مثل الفنون الأخرى كالموسيقى والرسم والرقص، والمستوى الذهني يتضمن التعبير عن نسبة هائلة من أعظم الأفكار التي تفتق عنها عقل الإنسان "21 وفي كتاب بيتر بروك المساحة الخالية حيث دعا إلى "إبداع جديد من العرض المسرحي الدرامي يجمع بين الانفصال الوجداني الذي ينص عليه المسرح البريختي وبين الصدق والاندماج الذي ينص عليه أسلوب التمثيل الواقعي والطبيعي "22 فالمسرح " لا يهدف إلى الانفصال عن الواقع والارتفاع فوقه بقدر ما يهدف إلى تكثيفه أي تكثيف وعينا به بحيث نتأمله من جديد وقد زالت غشاوة الألفة عن عيوننا فنسترد الإحساس بالدهشة "23 وتوفيق الحكيم انتبه إلى التراث حيث يقول " عام 1962 حيث كانت محاولة أخرى لربط بعض ملامحنا الشعبية القديمة بأحدث مظاهر الفن المعاصر في " يا طالع الشجرة " وكان تساؤلي فيها هو: هل نستطيع أن نلحق بأحدث اتجاهات الفن العالمي عن طريق فننا وتراثنا الشعبي؟24 ثم يشير بعد ذلك إلى منبع التراث العربي إلى جانب التراث الشعبي "في روايات الأغاني للأصفهاني والجاحظ والحريري وبديع الزمان وغيرهم فإننا يمكن أن نخرج برأي في أمر الشكل او القالب المسرحي الذي نحاول الكشف عنه "25 ويستطرد أكثر لصلاحية هذا الشكل "أن يكون صالحا لكل المسرحيات على اختلاف أنواعها من عالمية ومحلية قديمة وعصرية، فنحن نسمي القالب الغربي قالبا وشكلا لأنه تصب فيه كل الموضوعات والأفكار من الغرب والشرق على السواء"26 ويقول عن شرط القالب المسرحي العربي أن يستطيع الأوربيون أن يصبوا في قالبنا العربي أفكارهم وموضوعاتهم. وعلى هذا يؤكد أهمية الحكواتي "يقوم قالبنا المسرحي على الحكواتي والمقلداتي والمداح، ولن يكون لقالبنا هذا خشبة مسرح ولا ديكور ولا إضاءة ولا مكياج ولا ملابس، سيكون مسرحنا بهذه البساطة كما كان يفعل الحكواتي وسنعود به إلى النبع الصافي الذي يتصل مباشرة بالجوهر"27 ويطالب هذا القالب أن يكون كما في الغرب ليتعامل مع المتلقي بوعي ولا يكتفي بكسر الإيهام بل "لا يكتفي بأن نقدم له اللعبة ولكنه يريد أيضا أن نقدم له كيف صنعت اللعبة، إنه يريد أن يشارك في الخلق... فهو لن يكتفي برؤية خدع الحاوي بل يريد كيف صنع الخدعة، ولهذا في الغرب بعض المسارح كانت تركب الديكور في حضور الجمهور بعد فتح الستارة وأثناء العرض لا قبل ذلك "28ثم يتطرق إلى أدوار الحاكي مثل مدير العرض وتفسير بعض المعاني والمواقف والأفكار العسيرة.
***
جهود سعد الله ونوس: إن ونوس قد تعرف إلى المسرح الغربي وبدا متأثرا به وخاصة في المسرح الملحمي، ولكنه استند بتقيد مسرحياته كمسرحيات مرتجلة مثل مسرحية "حفلة سمر من أجل5 حزيران" ومسرحيته "مغامرة رأس المملوك جابر" وهو يسعى لمزج الممثل بالمتفرج في حدث مسرحي واحد، وباستناده إلى التراث تراث ألف ليلة ولية أخرج مسرحيته " الملك هو الملك " استند على حكاية هارون الرشيد حينما ضجر ذات يوم فقرر أن يخرج بصحبة وزيره، حيث سمعا أحدهما يقول آه لو كنت ملكا، لأقمت العدل بين الناس فيقرر الخليفة أن يأخذه إلى قصره، ليجعل منه خليفة ليوم واحد.. وقد عمد ونوس في هذه المسرحيّة " لتطويع تراث ألف ليلة وانتشاله من حالة جمود الماضي إلى حيوية الحاضر وتوظيفه لخدمة رسالة سياسية "29 فمسرح التسييس عند ونوس ينظر إليه من زاوية فكرية وجمالية "فالفكرية طرح المشكلة السياسية من خلال قوانينها العميقة وعلاقاتها المتشابكة داخل بنية المجتمع الاقتصادية والسياسية، وعليه فإن الطبقات التي يتوجه إليها مسرح التسييس هي الطبقات الشعبية التي تتواطأ عليها القوى الحاكمة، ومن الناحية الجمالية يعد مسرح التسييس سياسيا تقدميا يتوجه إلى جمهور محدد جمهور وعيه مستلب وذائقته مخربة..30 في مسرحية الملك هو الملك ، يقول عرقوب ... المهم استقرت أخيرا بلادنا الميمونة على قدر الممنوع . السياف: نعم المسموح على قدر الممنوع ، وفي التوازن السلامة والأمان. عرقوب : أن نتخيل. السياف : مسموح . عرقوب : أن نحلم. السياف : مسموح ولكن حذار. عرقوب : أن يتحول الخيال إلى واقع . السياف : ممنوع . عرقوب : أو يتحول الوهم إلى شغب . السياف ممنوع . عرقوب : أو تتحد الأحلام ، وتتحول إلى أفعال . السياف : ممنوع . عرقوب : تلك هي الحكمة الميمونة التي تسير على هديها دولتنا الميمونة، المسموح على قدر الممنوع.
وقبل هذا يقول ونوس بأن هذه المسرحيّة هي لعبة ، ويردد هذه الكلمة شخصيات المسرحيّة بما فيهم الملك ، عندما يقول نحن نلعب... ولكنه يصرح فيما بعد في نهاية المسرحيّة ، الملك هو الملك، والطريق الوحيدة المفتوحة أمام الملك هي الإرهاب والمزيد من الإرهاب" ... فهذه اللعبة يقرر الملك أن تنتهي ، الملك : لعبة ، ربما كانت لعبة ، من الآن فصاعدا اللعب ممنوع ، والوهم ممنوع ، والخيال ممنوع ، والحلم ممنوع . وما هذا القرار إلا لبقاء الحاجز الفولاذي الذي يفصل ما بين الحاكم والمحكوم، عندما يتوهم أو يتحقق الملك بأن هناك مؤامرة ، ليبقى النظام الفردي يقرر ، والرعية تطيع ، والملك يحكم والرعية تركع ، والنظام الفردي يوزع أعطيات الشعب على الشعب، ويجب على الشعب أن يقنع ويخضع، والنظام الحزبي الواحد والإيديولوجيا الواحدة تسطر حياة الناس وتقمع الرؤى الأخرى.
ويقول عزالدين المدني عن مسرح ونوس "وجد طريقه في الركوب على الإيديولوجيا والسياسة واتسم مسرحه بنهله من الأحداث العربيّة الكبرى، مثل النكسات والهزائم وكذلك فعل ميخائيل همام وألفريد فرج وأنا أحترم هذه التجارب"31 ونجد أهمية ونوس على أنه " أفضل من مثل المسرح السياسي في مسرحية حفلة سمر من أجل5 حزيران، ثم تعمق بتعريب نصوص عالمية خاصة بسكاتور وبيتر فايس وبريخت كرد فعل جماهيري وثقافي على الانظمة العربيّة والثقافة التقليدية، فغدت ثيمة المسرح السياسي مرتبطة به تأليفا وإعدادا"32 إن ونوس ارتبط بالمسرح السياسي والتسجيلي والملحمي، ويعود تاريخ المسرح الملحمي إلى بسكاتور 1893-1970الذي الف كتاب"المسرح السياسي"1930 وإلى برشت الذي ألف كتابا أكثر نضجا من كتاب بسكاتور"الأرجانون الصغير للمسرح" 1949 والفكرة الرئيسة في مسرح بريخت ليس تفسير العالم بل تغييره"33 إن منهجية المسرح الملحمي تتعدى النص إلى كل مقومات العمل المسرحي المتعارف عليها الآن، المخرج والممثل والديكور، وقاعة المسرح وكل ما يتعلق بالعرض المسرحي، فالممثل " حر يضيف للمسرحية ولا يأخذ منها... ويميل الى تحسس الأمكنة والشعور بوجودها ويطلق أعنة الممثلين لتجسيدها حركيا، والديكور يعكس بشكل تعبيري واقعية فعليه بأن يشتغل على خشبة المسرح بطريقة درامية ملء القاعة كي ينشغل الجمهور بالمشاركة الفاعلة مع العرض وقد اطلق الفيلسوف فالتر بنيامين على هذه الطريقة الفن التآلفي، والمسرح كما يقول كارل فون مصمم البرلين انسامبل يفضل أن تكون علاقة هذه الفنون وثيقة ببعضها البعض، لأنه مجموعة خطط درامية يعمل كل فن ضمنها حسب وسائله"34 إن بيتر بروك من خلال التراث " يؤمن ان التلقين لا يكفي بل المعيشة داخل المسرح والتتبع لكل مجريات الحدث، ليكون التراث مادة وطريقة حديثة مغايرة لما كان يراها الكلاسيكيون، إنك تروي نصا ولا تشترك فيه، في بلادنا العربيّة أصبحت العودة للتراث صفة تحديث كبرى في تأليف النصوص المسرحيّة، وطورت تقنيات وقدرات فنانين ومسارح واتجاهات، وقدم التراث بطريقتين إحداهما تلتزم بالنصوص التراثية ويقدمها لاكتشاف الدرامية فيها، وتقديمها يتم بطريقة حديثة فنية كما لو انه يقدم شكسبير برؤية معاصرة بينما يظل شكسبير موجودا كما هو. والثانية:الكاتب يسوق الحكاية والموروث بما يلائم وحاسة الاعتراض والرفض والاحتجاج على الأوضاع الراهنة ويعيد الالتزام بالقديم نصا ولكنه يحرف لصالح موقف نقدي معاصر"35 وبما أن ونوس توجه إلى الجمهور يربط فعالية الجمهور بثلاثة شروط: " أن يعي أهميته بوصفه طرفا أساسيا في العرض… أن ينهي سلبيته، لأن ما يدور أمامه يستهدفه، ومن ثم لابد له من موقف "36 لأن كل ما يحدث أمامه يعنيه ويعني وطنه، وعليه يعتبر مسرحه يتطابق مع ما يحدث في الواقع المعيشي اليومي، ونجد هذا مثلا في مسرحية "حفلة سمر من أجل5حزيران" وغيرها.. وونوس مرة أخرى يتأثر ببيتر فايس في مسرحه التسجيلي " الذي يعمد إلى وضع الحقائق تحت منظار التقييم اجتماعيا وسياسيا، فهو يعرض وجهات نظر مختلفة في تلقي الأحداث، ويوضح الأسباب والدوافع التي تحركها"37 ويبدو أن ونوس كان يؤمن بوجود مسرح أو تجارب مسرحية عربية ليست غربية " له هوية عربية متميزة يدعو إلى الإصلاح بأفكار مشتقات من تاريخنا وتراثنا ليكون أكثر إقناعا وإمتاعا "38 إن ونوس يسعى لمسرح جماهيري يصبو لتحقيق آمال المستضعفين والمهممشين من خلال مشاركتهم بصياغة الحياة التي يعيشونها، ويبحث عن وجود مسرح عربي مهما تقاطع مع المسرح الغربي ليمثل قضاياه المختلفة بالرجوع إلى التراث بأنواعه المتعددة. ولكننا سنجد أن مسرح ونوس مثل تناصا مع كثير من التجارب المسرحيّة الغربية وقد تطرق إليها الدكتور عبدالله أبو هيف في كتاب المسرح العربي المعاصر فمسرحيات " حكاية جوقة التماثيل" 1965تناص مع الأساطير والمسرحيات اليونانية، مثل مسرحية "الرسول المجهول في مأتم انتيجونا"، ومسرحية "ميدوزا تحدق في الحياة" 1963. ومسرحيته "حفلة سمر من أجل5 حزيران" 1968م تناص بين مسرحية بيراندللو "ست شخصيات تبحث عن مؤلف» ومسرحية أروين شو "ثورة الموتى" ومنهج بريخت الملحمي، ولاسيما كسر الإيهام. ومسرحية "الفيل يا ملك الزمان" 1969تناص مع الموروث الشعبي، ومسرحية "رأس المملوك جابر"1971تناص مع التاريخ وكتابة المؤرخين والقصاصين الشعبيين عنها. ومسرحية "سهرة مع أبي خليل القباني" 1972تناص بين وقائع حياة هذا الفنان وبعض مسرحياته. أعدّ ونوس مسرحية "الدروايش يبحثون عن الحقيقة" 1972م لمصطفى الحلاج للمسرح القومي، وأعد "توراندوت" عن مسرحية بريخت التي تحمل العنوان نفسه1976، وأعد "يوميات مجنون" 1976لجوجول، وعُرضت في المسرح التجريبي بإخراج فواز الساجر وتمثيل أسعد فضة عام 1977. وكتب "الملك هو الملك" 1977 وهي تناص مع "رجل برجل" لبريخت ومسرحية مارون النقاش. وأعاد تأليف مسرحية بيتر فايس "موكنبوت" في مسرحيته "رحلة حنظلة من الغفلة إلى اليقظة" 1978م. وكتب مسرحية "الاغتصاب" 1989، وهي تناص مع مسرحية انطونيو بويرو باييخو "القصة المزدوجة للدكتور بالمي". ووضع مسرحية "يوم من زماننا»1993وهي تناص مع مسرحية "كل شيء في الحديقة" لجايلزكوبر،وكتب مسرحية "منمنمات تاريخية"1993، وهي تناص مع الوقائع التاريخية والنص الخلدوني التأليفي والسيري. ومسرحية "طقوس الإشارات والتحولات"1994، تناص مع يوميات البديري الحلاق ووقائع التاريخ الدمشقي القريب. ومسرحية "ملحمة السراب"1995م تناص مع أسطورة فاوست. وثمة تناصات كثيرة في مسرحيته الأخيرة "الأيام المخمورة"1997مع مسرحية شكسبير"هاملت" وسواها.39 إن جهود ونوس سلطت المسرح على القضايا العربيّة المعاصرة ، وهي قضايا كبرى ، ولا ننسى أهمية هذا المسرح التي تنعكس على الفرد الإنسان العربي ، لأنه يمثل قضاياه ومشاكله اليومية والقومية.
***
جهود روجيه عساف: إن الحكواتي مفهوم واضح لدى الإنسان العربي، وخاصة أن هذا الفن انتشر في البلاد العربيّة بصيغ لفظية ذات معنى واحد مثل: الحكواتي والقوال والمحدث. الدكتور عبد الحميد يونس يعرف الحكواتي" ممثل فرد يقوم بتقليد الأشخاص والأصوات ويتوسل بمحاكاة الحركة والإشارة أيضا، ولم يكن ينقل أصوات الناس فحسب بل كان يقلد أصوات الحيوان، وكان الشعب لا يلتمس عنده تمثيلا جادا، وانما يلتمس عنده ما يثير الضحك ويشيع البهجة ولا تزال له نظائر في الفنون الهزلية الى اليوم "40. والحكواتي بمسمياته المختلفة " يطلق عليه في عهد العباسيين السماجه، يسم الممثل الذي اوجد هذا النوع من الفن الشعبي"41 بدأت الدعوة للحكواتي مبكرة، وقد أشار توفيق الحكيم بالدعوة إلى التراث الشعبي " تلك المرحلة التي كنا فيها بعيدين عن فكرة التمثيل أو التشخيص، إنه العهد الذي ما كنا نعرف فيه غير الحكواتية والمداحين والمقلدين"42 ويستذكر الحكيم ما كان يحدثه هذا الفن الحكواتي من متعة وتأثير. إن مسرح الحكواتي، يحمل المتعة والفكر، لإحداث تغيير في المجتمع من خلال ممثل حفظ في الذاكرة الجمعية في المشرق العربي، بما ينقله للناس من أخبار وقصص، فإن إنبعاث الحكواتي من جديد، وبمواضيع عصرية جديدة، تتواءم مع الزمن المعيش والواقع المعيش، كان من اهتمامات روجيه عساف الذي طبع بهذا النوع من المسرح الشعبي التراثي، وقد أسس عساف فرقة محترف بيروت المسرحي 1968" ليكون نواة لمركز درامي يكون همه المباشر تقديم عروض مسرحية خلال المواسم المسرحيّة على أن يكون طموحه الأكبر أن يقدم خدمه مسرحية حقيقية لجمهور الناس "43 ونجد في مسرح الحكواتي تجريب المسرح البريختي، حيث إن الحكواتي "الراوي" اهتم به المخرج العربي بقصد كسر الإيهام؛ ليرجع إلى تأصيل مفهوم الراوي الشعبي في الوجدان العربي، فلقد كان الحكواتي يشمل الأسلوب الملحمي في تقديم عرضه الفني للجمهور.. فالحكواتي يقدم الحكاية وبطولات الأبطال، وعلاقتهم ببعضهم البعض، وبصور انفعالات الناس بتلك البطولات وانعكاساتها عليهم من خلال إطار مشوق لقصة مكتوبة شعرا، ويؤديها الحكواتي غناء أو ترتيلا يرافقه لحن بسيط، وكانت عملية القطع والاسترسال والتواصل تأتي عن طريق الانتقال من حدث إلى حدث ومن موقف إلى موقف ضمن الملحمة وفي إطار السرد نفسه"44 من خلال هذا نجد أن الحكواتي يقوم بكسر الايهام بينه وبين المتلقي، وجعل المشاهد في حالة يقظه وهو يتابع القضايا المعروضه أمامه، لأن المتلقي مدعو للمشاركة، ولهذا نجد أن "الجمهور يدخل في علاقة جدلية مع الحكواتي من خلال قطع الحدث أحيانا "45 ويبدو نجاح الحكواتي يتمثل "بتطويع التنظيرات الاحتفالية لصالح رؤية وقراءة معاصرة للحاضر"46 من خلال هذا التراث ليشكل هوية وممارسة مسرحية عربية. روجيه عساف طوّع تراث الحكواتي، ليعبر عن موقف إنساني وموقف سياسي وفكري، وهذا ما فعلته مديرة مسرح الشمس " إريان منوشكين "حيث أخضعت الأعمال التي اختارتها " لاسقاط راهنية اجتماعية وسياسية بتحويل دلالات النص القديمة الخاصة بالكاتب وبنواياه، إلى دلالات ترتبط بموقف سياسي أو فكري أو إنساني هو هدف التجربة المنفتحة الجديدة "47 إن فرقة المحترف لروجيه عساف قدمت عدة عروض مسرحية بدءا من العام 1968 بمسرحية المفتش أعدت للمسرح اللبناني عن جوجول، سلسلة اسكتشات منوعه 1968، ماجدالون 1970، كارت بلانش 1970، إضراب اللصوص 1971، مرجانة وياقوت وتفاحة 1972، أزار اكتوبر 1972، "وقد جاءت معظم هذه العروض ثمرة "للارتجال الجماعي"، وهو الاتجاه الفني الذي اتخذه المحترف كوسيلة للخلق، وكان يحدث أثناء هذا الارتجال الجماعي يكلف كاتب ما بتتبع المراحل المتعددة التي يمر بها العمل النهائي وبهذه الطريقة أعيدت صياغة هذه المسرحيات" وجاء في بيان مسرح الحكواتي عام 1979" ينطلق مسرح الحكواتي فيحكي حكاياته الشعبية مباشرةً، ويستخدم أدوات مسرحية مبسطة ومكشوفة لتجسيد مشاهدها، فيحقق بذلك إزالة العازل التقليدي بين خشبة المسرح وكل ما هو خارجه؛ من ناحية مكان العرض الكواليس، الديكور، خدعة الإضاءة... ومن ناحية الواقع الاجتماعي الزمن الوهمي، تقمص الشخصيات،... ويحقق كذلك إلغاء المسافة بين الممثل والصالة، يؤدي هذا الأسلوب أيضاً إلى ربط المشاهدين وتركيز اهتمامهم على الحكاية بتركيبها ومنطقها وما تعبر عنه، ويسقط من حسابهم الانفعال المعتاد بالشخصيات ومغامراتها..غير أن هذا الأسلوب يكتسب قيمته الفعلية بقدر ما تستطيع القصة بنوعيتها وحبكتها أن تعيد جمهورها إلى علاقته بواقعه"48 ويبين بول شاوول بالقول "إن تجربة عساف تناص مع تجربة إريان منوشكين ومسرح الشمس، والذي بدأ من تشكيل فرقة "محترف بيروت للمسرح" فاستفاد من تجربة "مسرح الشمس" الفرنسية والتي تشرف عليها المخرجة الفرنسية "إريان منوشكين" وأشار شاوول بالاستفادة من العمل المسرحي الواحد، من حيث الدلالات الرقمية، فإننا نجد مسرحية منوشكين والتي حملت عنوان رقمي1789، ومسرحية عساف الأولى تحت مشروع مسرح الحكواتي والتي حملت أيضا عنوان رقمي1936، وأيضا المادة المسرحيّة في كل مسرحية، وهي الاحداث التي جرت في تلك الاعوام، في مسرحية "مسرح الشمس 1789 ومسرحية فرقة "الحكواتي1936" مشابهات ومطابقات كثيرة في تحديد الموضوع التاريخي والعمل عليه وكتابته وتقديمه، ودور الكتابة الجماعية وطبيعة النص، والفضاء المسرحي، الأولى تحكي عن وقائع تاريخية مهمة بالنسبة للذاكرة الجماعية الفرنسية ومسرحية "الحكواتي" ايضا تحكي عن وقائع تاريخية مهمة للذاكرة الشعبية العربيّة"49 مهما يكن تأثر روجيه عساف واضحا، إلا أنه مثل تجربة مسرحية سعت، ليكون المسرح حاضرا في تبني القضايا التي تعيشها الأمة العربيّة وينقلها إلى الناس، ومهما يكن فإن المسرح العربي وبكل تجاربه المسرحيّة، متأثر منذ زمن مارون النقاش حتى الآن بالمسرح الغربي على كل المستويات بما فيها طريقة الاشتغال على خشبة المسرح " إلا أن الحكواتي عمل على إحياء وقائع هي أحداث راهنة في الوقت نفسه: أهمية نضال الإنسان العربي ضد أعداء الخارج والداخل معاً، وإعادة الجمهور إلى علاقته بواقعه، أي وعي ذاته.50 ونجد الحكواتي تميز بالعمل الجماعي من خلال إنتاج النص حيث رفضت النص الجاهز ، فمسرحية 1936 كتبت جماعيا من خلال سماع رأي الناس في تلك الحادثة التي وقعت في بنت جبيل عندما هاجم الناس سراي بنت جبيل للإفراج عن زعمائها الوطنيين الذين اعتقلتهم سلطات الانتداب الفرنسي، فعملت الفرقة على جمع المعلومات من الفئات الشعبية الذين تحدثوا حول رواية تلك الأحداث ، وعملت فرقة الحكواتي على التواصل مع الناس لمعرفة آماله وآلامه، والارتجال من صلب عمل الفرقة ، وعملت على رفض المسرح السائد في لبنان بحجة أنه " يمثل فكرا دخيلا أوروبيا لا يتواءم وذوق الجمهور الشعبي العربي "51 ولهذا لجأت الفرقة لإيجاد المسرح البديل عن المسرح الأوروبي، ولجأت الفرقة لاستخدام أدوات بسيطة وغير مكلفة في الديكور والأزياء والاضاءة والتجهيزات وبالاعتماد على جهود الجماعة في الفرقة " ليتيح لها الاستقلال والتخلص من أثر الأساليب الداخلية والانتشار الوسط الجماهيري لإبراز المسرح الشعبي "52 ويمكن أن نستنتج من تجربة الحكواتي:- العمل الجمعي وقدرة الممثل على الارتجال وعدم الخروج على الموضوع الاصلي للحكاية. – إنشاء علاقة بين الممثل والمتلقي من خلال كسر الإيهام وإزالة الجدار الرابع. – عرض الأعمال بعيدا عن المسرح مثل المقهى أو ساحة أوحديقة ويكون المكان متوافقا مع المضمون. – التوجه إلى حيث يتواجد الجمهور. – لا تحدد البداية في وقت محدد. – ترتدي الشخصية زيها وتخلعه أمام الجمهور. – يكاد يخلو العرض من الإضاءة ويكتفي باللون الطبيعي. - إشعار المتفرجين بأن ما يجري ليس تمثيلا، وإنما هو اجتماع بالممثلين لاسترجاع الاحتفالات التاريخية وتجسيدها في إطار فني احتفالي. – المغزى من العرض إشراك المتفرجين. – استخدام الدمى والأقنعة وفنون السيرك وكل ما يحقق الفرجة المسرحيّة ويعمق الإحساس بالجو الاحتفالي. – تصميم الديكور بالغ البساطة عند التركيب والتفكيك، وهذه البساطة ملائمة لأماكن العرض. – زمان العرض تمليه حياة الجماعة، كأن يكون في لقاء اعتيادي شبه يومي أو لقاء احتفالي جماعي ليعبروا عن يقين مشترك وعاطفة مشتركة.53 ونجد أن هذه الفرقة تلتقي مع ما دعا إليه توفيق الحكيم ويوسف ادريس وعبد الكري برشيد والصديقي وعلولة والمدني ..
***
جهود يوسف العاني: ومن الذين ارتكزوا على التراث الشعبي لإخراج مسرح عربي يوسف العاني الذي استخدم الأغنية الشعبية في مسرحية " المفتاح 1968 وفي هذه المسرحيّة يبقى العاني مشغولا " بالإنسان وقضاياه " 54 إن الأغنية الشعبية تمثل أبعادا اجتماعية وسياسية ومعيشية في المجتمع، فهي لا بد أنها تحمل في طياتها مضمون حياة الإنسان وقضاياه الفردية والجماعية، فالصندوق المغلق لا بد له من مفتاح، والمفتاح عند الحداد والحداد يريد الفلوس، والفلوس عند العروس والعروس بالحمام، والحمام يريد القنديل والقنديل ساقط بالبير، والبير يريد حبلا والحبل بقرن الثور، والثور يريد الحشيش والحشيش بالبستان، والبستان يريد المطر والمطر عند الله. فالصندوق يتعلق بأشياء كثيرة حتى ينتهي إلى المطر وهو عند الله. في مسرحية المفتاح استهلال لعرض المسرحيّة فالعاني يطلب من الجمهور أن يعي ما يدور أمامه وهذه الدعوة هي مشاركة من قبل المتلقي : عندنا حكاية حلوة محناية / هي حكاية وليست حكاية / هي سالوفة لكنها غير مألوفة / هي قصيدة بلا أساس/ بلا ذيل وبلا راس / وبلا وزن ولا قياس. وهذا العرض دعوة لشد الانتباه وإثارة أسئلة لدى المتلقي من خلال مشاركته في العرض الذي يتابعه، إن العاني اعتمد على منهج بريخت فيحرص على إبقاء المتلقي يقظا، من خلال طرح الرسالة التي يتضمنها العمل، فالحياة ليست ثابته بل تسير نحو المستقبل وهذا يعني التغيير، وهذا التنوير يوصله العاني للناس لإحداث تغيير على مستوى الفكر ومستوى المجتمع. إن مسرحية المفتاح نتلمسها من خلال شخصية حيرة وحيران، شخصيتان مختلفتان حول الإنجاب، حيرة وهي الأم تريد طفلا من دون أية ضمانات إنها العاطفة عاطفة الأمومة ، والتي تفضل رؤية طفل لها مهما كانت الحياة تفتقر لهذه الضمانات.. ولكن حيران وهو الأب يتطلب ضمانات العيش اليسير لابنه ، إنه يمثل الصورة الواقعية إن لم تكن رؤية فكرية من خلال الاطمئنان على مستقبل ابنه ، هذا الخلاف بينهما يقودهما إلى استشارة الجدود برفقة أخ الزوج نوار، الجدود منحوهما كعكة وثوبا، الكعكة والثوب لا يبليان ، ولكن يشترط الاحتفاظ بهما في صندوق، يجدون الصدنوق ولكنهم معوزون لمفتاح الصندوق، فيبدأوا بالبحث عن الحل، عندئذ يتوجهوا إلى الحداد لصنع مفتاح للصندوق، ولكن كل هذا بدا متعبا وهذا ما نلاحظه في الأغنية الشعبية التي بدت رحلة شاقة، بل إن تحقيقها ليس بالأمر السهل ، وبعد صناعة المفتاح يفتح الصندوق أخيرا، وتكون الدهشة المفزعة لحيرة وحيران فالصندوق فارغ ، ولم يجدوا الكعكة والثوب ، أمام هذا الاندهاش ينطق نوار ليبين عن المسرحيّة بأن الجهد لم يوجه بشكل سليم، فالبحث يجب أن يقترن بأهمية معرفة الهدف، ولكن بالسير إلى الأمام المستقل وليس التقهقر والرجوع إلى الوراء.. ومسرحية الخرابة 1970هي مسرحية أخرى تعرض مشكلة الخير والشر في معانيه الاجتماعية السياسية، الأخلاقية، الاقتصادية، وقد مثلت هذه المسرحيّة أشكالا مسرحية متعددة " المسرح الوثائقي الدعائي، المسرح الشعبي، مسرح العرائس "55 ومسرحية " الخان وأحوال ذلك الزمان " 1976 بهذه المسرحيّة " يوازن العاني بين أحوال ومصائر سكان الخان وبين الأحداث القومية الكبرى التي كانت تدور في العراق آنذاك "56 ونجد العاني يوضح رأيه في الحكاية الشعبية عندما يقول بأنه " ابن بيئة شعبية وأعرف الحكايات الشعبية وبدأت أتجه شيئا فشيئا نحو استلهام التراث بشكل من أشكال تأصيل المسرح"57 ومما لاشك فيه تأثر العاني بمنهج بريخت ، والعاني قد سافر إلى ألمانيا في العام 1957 وحضوره لفرقة " البرليز انسامبل" وحضوره لعروض بريخت في المدن الألمانية.
***
جهود عز الدين المدني: كانت جهود عز الدين المدني منصبة على خلق مسرح عربي خالص بعيدا عن المسرح الفرنسي والأوروبي، ولهذا فقد قام بتأليف عدد من المسرحيات ذات الشهرة الواسعة في العالم العربي، ويعتبر المدني شخصية مسرحية خدم المسرح العربي، فهو يستقرئ التراث العربي ويسقط تلك القراءة على الواقع المعيش للإنسان العربي، ليتعرف قضاياه وهمومه " وعز الدين المدني يحاول أن يقدم المسرحيّة العربيّة في الشكل والمضمون مستندا إلى ما في وجدان الإنسان العربي بما فيه من أفكار وأحاسيس وصور، ومن واجب فنان المسرح العربي التعمق في التفكير العربي والتشبع به والوقوف على خصائصه وسبر أغواره " 58 فالذي كتب " ديوان الزنج " تتمثل لديه رؤية مسرحية تنص على أن " المسرح العربي الحالي عربي بالاسم و اللغة والشخصيات فقط ولكنه ليس عربيا بالاهتمامات. وأن الاتجاه إلى استخدام الأشكال التراثية في المسرح لا يكفي في حد ذاته لخلق المسرح العربي، فلابد من الغوص في التراث وتفهمه على ضوء الحاضر والمستقبل مع الامتناع عن تقديسه أو معاملته معاملة القطع المتحفية، فكتب المدني مسرحيات " ثورة صاحب الحمار1971 رحلة الحلاج1973 ديوان الزنج1974 الغفران1976 مولاي السلطان الحسن الحفصي1977، وكانت غاية المدني من هذه المسرحيات التراثية " استغلال التراث العربي وتطويعه لخدمة المسرح وتوثيق رباطه بالناس، ويبدو أن للمدني نظرة من التراث أن الكلام عن مسرح عربي دون التوصل إلى صيغة درامية عربية هو كلام في مجال الأماني لا يجاوزها إلى التحقيق"59 ونجد المدني يبين بصراحة عن رؤيته للتجارب المسرحيّة العربيّة "هي تجارب متواضعة تعتمد على أساليب قديمة ووسائل عتيقة، هناك التجاري والثقافي، وحتى هذا الثقافي متأخر ومتخلف في أغلبه، هناك بعض الشذرات والنقاط المضيئة ولكنها قليلة... وقد تطرقت في أغلب أعمالي إلى الواقع التونسي والعربي وخاصة في فترة ما بعد الاستقلال، كذلك أحاول التطرق إلى الجوانب المنسية والمعتم عليها وأبحث عن قيم جمالية وأفكار تقدم الإضافة "60 ويبين أن الكتابة المسرحيّة هي بعيدة كل البعد عن التاريخية " شخصية "الحلاج" في مسرحيّتي تعبير عن إرادة الإنسان الحر وليست لها أية علاقة بالماضي سوى الاسم وكذلك "ابن رشد" و"ابن خلدون"... في أعمالي أستأنف التراث وأوظفه بوعي لقراءة الحاضر واستشراف المستقبل"61 وهو يرفض النظرة إلى التراث نظرة تقديس وحالة جامدة، ويدعو إلى قراءته وإثارة الأسئلة حوله.
إن عز الدين المدني يبحث عن خلق مسرح احتفالي متنوع ، وهو يرفض تلك الصيغة الأوروبية والفرنسية التي وصلت إلى العرب، ليكون لهم مسرح خاص بهم. ويبين أن ديوان الزنج فيه " أحجام وارتفاعات متعددة ومختلفة، وأن تكون- قدر الإمكان- مندمجة في الجمهور حتى تلائم ماجاء في هذا الديوان المسرحي من عمل درامي" 62 إن تقنية الاستطراد عنده دعوة لتأصيل المسرح بالشكل والمضمون ، وهو يصفها بقوله " والاستطراد عندي هو ذاك في خطوطه العريضة ، حيث تكون كل جزئية ترتبط بسائر الجزئيات المكونة له، وتتفاعل معها، بلا اعتباط، ولا عفو، ولا خلط، وإنما عمدا وقصدا، من أجل استحواذ على الواقع المتشعب من معظم أوجهه. 63 وقد جعل المدني من مقولة الاستطراد شكلا مسرحيا يبين أنه جديد وغير متوفر في المسرح الغربي " كأن تلقى الخشبة موزعة على ثلاث أو أربع خشبات، تتحدث عن الخشبة الأولى ثم الثانية ثم الرابعة..."64 ويبدو أن للمدني مقولات متعددة في المسرح فهو عندما يتحدث عن التعليم في المسرح الملحمي ، يبين أن اهتمامه في المسرح بتكوين الجمهور فكريا وذوقيا وحضاريا ، وهذا ليس تعليما كما عند بريخت " إن التكوين ليس تعليمياً ـ كما هو الشأن لدى بريخت الذي يريد أن يفرض إيديولوجيا معينة، لا، إنما التكوين الذي أقصده هو الذي يطرح الأسئلة الأساسية "65 والمدني لا يكف عن النبش والحفر في التراث العربي ليكتشف مقولات جديدة يوظفها في المسرح، لم يتطرق إليها الآخرون كما يقول ، وكما هو الحال بالاستطراد يكتشف المدني مقولة العنعنة التي يوظفها في المسرح " هنا أخذت الحكاية أو كيف نحكي الحكاية؟ وكيف نجسمها في شخصياتنا. مثلاً في مسرحية جديدة تحمل عنوان "ابن رشد" أخذت أشياء قديمة جداً لا تمت بصلة الى المسرح ظاهرياً، لا توجد أي علاقة، لكني وجدتها حكاية نكتبها عن قضية الرواة. روى فلان عن فلان عن فلان... "العنعنة" سلسلة من الأشخاص يتكلمون عن حدث، ثقة تمتزج بالحقيقة وجعلت منها، هي، شكلاً... إنه تجريب جديد لا يخضع للمقولات الغربية " 66 وهذا التجريب الجديد عند المدني يعطي شكلا مسرحيا عربيا جديدا، إن عز الدين المدني يمثل جهدا تجريبيا على مستوى المسرح العربي، وهو يكتبه وينظر له بعيدا عن التأثر بالمسرح الغربي ، وكان هذا ديدنه من أجل صياغة مسرح عربي.
***
جهود عبد القادرعلولة: اقترن اسم عبد القادر علولة بالحلقة، واشتغل على الاحتفالية، لأنه سعى "نحو مسرح يستجيب لمتطلبات المجتمع الجزائري الجديد فواكب التجارب العالمية في المسرح ليغوص في مواضيع شتى يحاكي فيها هموم شعبه خاصة الفئات المحرومة... 67 فعلولة يستمد نظرته إلى التغيير من خلال المسرح الملحمي فاستلهم التراث الشعبي في مسرحيات "القوال، الأجواد، اللثام " وما يتعلق بمسرحية "حمق سليم" مقتبسة من المسرح العالمي غوغول الأوكراني، واعتمد فيها على السرد الملحمي.68 إن الحلقة التي عمل عليها علولة مستفيدا من المسرح الملحمي تعتبر شكلا أدائيا قديما في شمال أفريقيا وهي "تتجلى كفرجة شاملة تمثيل رقص غناء، ويشارك فيها الجمهور عن طريق شتى الصور التي تصدر عن المداح أو الحلايقي أو القوال"69 ولذا ما سعى إليه علوله من خلال مشاركة الآخرين لإحداث تغيير وتوعية الشعب، وهو يبين ذلك في حديثه عن الأجواد " من أجل كل الذين يبدعون في بلدي بغية الوصول إلى مجتمع حر وديمقراطي خال من استغلال الإنسان للإنسان" 70 ويبدو أن بريخت أثر كثيرا في عولة، وهو يقدم مسرحياته مبنية على التراث الجزائري في الأقوال والأجواد واللثام حيث يقول" أعتبر بريخت كان ويبقى من خلال كتاباته النظريه وعمله الفني خميرة جوهرية في عملي، وتكاد تجتاحني الرغبة في أن أقول بأني أعتبره كأبي الروحي، أو خير من ذلك، صديقي ورفيق دربي المخلص" 71 من هنا نجد أن مسرح علولة " التراث " بني متأثرا بما يحمله الفكر البريختي من إحداث تغيير، مشاركة الجمهور في العرض المسرحي لإحداث التغيير المطلوب من خلال الفرجة المسرحيّة، فيعرف العمل المسرحي عند بريخت " ليس بشكله بل بهدفه ودوره الاجتماعي "72 يعد عبد القادر علولة من أهم المبدعين والمخرجين الجزائريين الذين حاولوا تجديد المسرح العربي وتأصيله وتأسيسه على أسس تراثية. ومن هذه الأسس الفنية والجمالية والدرامية نستحضر: فن السيرة والحلقة والقوال وفن السرد كتابة وتمثيلا وإخراجا وتنظيرا... أما بالنسبة للجزء الفني في مسرح علوله حيث" استعمل علولة الأفضية المفتوحة، والخطوط الدائرية، والفرجة الشعبية القائمة على الحكي والحلقة والقوال والسيرة، واستعان ببساطة الديكور، وتقنيات المسرح الفقير، وملامح المسرح البريختي، وبعض خصائص المسرح الاحتفالي فيما يخص الجمع بين الملقي والمتلقي في احتفال جماعي مباشر"73 إن الحكي عند عبدالقادر علوله باستغنائه عن الحوار لأنه استند إلى التراث الشعبي الجزائري " القوال " ويعتبر هذا التراث قريبا من وجدان الشعب، وخاصة أنه استطاع أن يوظفه للقضايا المعاصرة في وطنه، القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. ففي مسرحية حمق سليم وهو يتحدث عن العساس " دخلت نجري مع الدرج خوفا إذا كان يشدني بالهدرة بحيث هدّار وعنده مشاكل قوية : عنده مشكل السكن مشكل النقل، مشكل الدراري، ... " 74 هذه الأشياء التي تحدث عنها علولة هي قضايا مجتمعية تبحث عن حلول من أجل راحة الإنسان وحصوله على حقوقه. ويقول عندما يدخل مكتب المدير " وحطيت الملف فوق المكتب ، المكتب واسع يلمع لميع ، يقدروا ينعسوا فوقه ستة من الناس وإلا سبعة ، مداورين به كراسي كلهم جلد ، تمنيت يكون عندنا في الدار كرسي مثل هذا الكراسي نترايحو عليه أنا والوالدة " 75 وهذه الفقرة تبين عن حالة الفقر في امتلاك الأشياء التي تعين الإنسان على الراحة ، وتشير إلى حالة التمييز ما بين شخص وآخر. ولم يبق علولة في هذه المسرحيّة يوجه النقد الاجتماعي بل تعداه إلى الثقافي وهو يتكلم عن المسرح " مشيت للمسرح وشاهدت تمثيلية اجتماعية وهزلية لاحظت باللي الممثلين كانوا يلعبوا الأدوار متاعهم بخشونه كأنهم ماشي مأمنين بالكلام اللي ينطقوا به وبالخصوص ذوك اللي يمثلوا في لعبهم رجال الشعب ، ولاحظت أن مؤلف المسرحيّة هربان شويه على الحقيقة استعمل معاني ومواقف هزلية تجلب الضحك وإنما خارجة عن الموضوع " 76 نجد توجيه النقد للمثل الذي يجعل فاصل كبير بينه وبين الدور الذي يمثله ، وتقمص الشخصية سمة رئيسة للتواصل ما بين المتلقي والممثل، وقضية إعداد الممثل قضية شغلت الكثيرين من المخرجين الغربيين، وبخصوص النص يعلق علولة على إقحام مشاهد لا تغني المسرحيّة بل تضعفها، وربما يكون هذا النقد موجه للذين يقحمون الضحك في العمل المسرحي ظنا منهم لجذب الجمهور وإصباغ المتعة على المسرحيّة. ثم يتعرض علولة للنظام الإداري البيروقراطي.
إن هموم علولة بإنشغاله بوطنه ، جعله يكتب أكثر من أجل الوطن الذي أحبه ، وأراد أن يكون بصورة مشرقة ، فهو يقول بأن مسرحية الأجواد عرس قائم للأعين والقلب والفكر، كتبته وأخرجته أولا وقبل كل شيء من أجل كل الذين يعملون ويبدعون في بلدي، بغية الوصول إلى مجتمع حر وديمقراطي، خال من استغلال الإنسان للإنسان.. 77 هذا ما كان يبغيه علولة من هذه المسرحيّة التي تمثل مسرحا سرديا اغترفه من التراث الشعبي الجزائري القوّال " أما من حيث المضمون في هذه المسرحيّة كما يقول " إنه مسرح ينطلق من حيث المضمون من المشاكل اليومية ومن المعاش الحقيقي واليومي لشعبنا " 78 وهذا يعني أنه انشغل بجعل المشاهد في إطار الاحتفالية ، فالمشاهد ليس سلبيا أو متلقيا سلبيا ، وما يدور أمامه يعنيه ، إذن لمسرح علولة وظيفة للمتلقي " وظيفة تحرير إبداعي للتخييل وللتجربة المعاشة لجماهيرمنا الشعبية " 79 واعتمادا على المسرح السردي الذي يتحدث عنه علوله على اعتبار أن " المسرح كلام ، والكلام مسرح " 80 ينظر علولة لانقطاع مسرحه عن المسرح الذي كان سائدا وهو يقصد المسرح البرجوازي والكولونيالي كما يقول. وعن المسرح الخاص الذي أراده علوله فهذا المسرح " يعطي الأفضلية للقدرات السمعية وبالتالي القدرات التخييلية ذات القوام البصري " 81 وفي المسرح السردي الذي ينظر له علولة، يجب على الممثل أن يتقمص الدور تماما ، ويجب عليه أن يتفاعل مع الجمهور، لأنه لا يوجد هناك جدار رابع يمنع التواصل ما بين والممثل والمتلقي؛ وإنما الممثل يكون بمواجهة المتلقي.
***
جهود عبد الكريم برشيد: إن المسرح ليس حبيس علبة كلاشيه Cliché ، معينة تبدو متغطرسة بوجودها في حالتها الخام الأولى مع بعض التغيير الذي طرأ على المسرح ما بين مرحلة وأخرى، فكان إن بدأ المسرحيون الحداثيون بالنظر إلى الشرق، للتخلص والانقلاب على المسرح الغربي الذي نشأ بين ظهرانيهم، وقد بدأ هذه اللفتة أرتو وبريخت بالنظر لما في الشرق من مسرح، فكان حضور الجسد كصورة تنوب عن الكلام هي حالة جديدة أتى بها أرتو من أجل تطعيم المسرح الغربي برؤى جديدة، فالمسرح لم يعد كلاميا بالدرجة الأولى بوجودية أشياء وأساليب تعبيرية قد تكون أكثر تعبيرا عن الكلام من الكلام وهذا ما تمثل في حضورية الجسد فهو"ساحة تصورات لكل ما يؤثر فينا هنا وهناك، ومجال رهانات سياسية وثقافية واجتماعية ودينية وميثية" 82 إن المسرح الاحتفالي العربي قد خطا خطوات كبيرة تقدر كثيرا. ويؤكد عبد الكريم برشيد في حديثه عن التيارات المسرحيّة التي أثرت في المسرح العربي، أن المسرح الاحتفالي " صناعة عربية وأن الذين اختاروه أرادوا أن تكون جرعة الاجتهاد في تجاربهم أكبر وأخطر"83 إن أهمية الاحتفالية تتمثل بحضورها " الواقعية الشعبية التي تتجسد في معانقة هموم الفقراء والطبقة الكادحة وتمثل مسرحية ابن الرومي في مدن الصفيح خير نموذج درامي يعبر بكل وضوح عن النظرية الاحتفالية باعتبارها بديلا للمسرح الغربي الأرسطي... إن مصطلح الاحتفالية يعني وجود في كلمة احتفال ما يلائم الإرث الحضاري العربي الإسلامي خاصة في مجال الإبداعات الشعبية ويلائم الطقوس التي عرفها الإنسان، والاحتفالية مصطح قادر على استيعاب الإبداعات العالمية كيفما كانت.. ويمثل الأداة التعبيرية الشاملة "84 والاحتفالية صناعة مسرحية تمثل حالة تأسيس للمسرح العربي، من خلال التجديد للتراث " رؤيتنا للتراث وتجديد علاقتنا به استجابة لتغيرات العصر ومستجداته "85 ولكن قراءة هذا التراث لا بد أن " تتجاوز مرحلة نقله وتصويرة إلى مرحلة فهمه، فهم فلسفته وجوهره، وفهم أبعاده الرمزية والتي تتجاوز المنظور الشكلاني"86 من هنا ندرك أهمية العودة للتراث ليكون مسرحا عربيا خالصا من خلال مقدرتنا على فهمه واستلهمامه، ليكون مسرحا نسقطه على الواقع المعيش. ومن هذا نتبين مفهومية النحن التي تتمثل في البعد المسرحي الاحتفالي، وهنا يؤكد برشيد على أن النحن " ليست واحدة ولا موحدة، وأن الأصل فيها أنها متشظية في النفوس وفي الذوات الفردية والجماعية ولهذا تعدد النحن، ما بين عالمة وجاهلة أصيلة ودخيلة رصينة فلكلورية حقيقية وواقعية حاضرة وغائبة.. 87 ويؤكد برشيد أن هذه النحن في الاحتفاليه تم تقديمها من قبل البعض حيث تعاملوا " تعاملا برانيا فقدموا السيوف واللحى والطرابيش..88 في المسرح الاحتفالي شيء جواني وجداني روحي وهو يمثل" الغموض الذي يساهم في تثوير الحياة اليومية وفي تنوير الوعي الجماعي، وفي تجديد الإحساس بالوجود والموجودات وأن يكون مبشرا بالقيم الجديدة في المجتمعات الجديدة، وفي الحقب التاريخية المتجددة، وهذا يتحقق من خلال رؤية نقدية للواقع، فالتراث هو جزء أساسي من هذا الواقع "89 الجوانية هي القضية، قضية أنا وأنت ونحن ، إنها قضية الفرد من خلال الجماعة ، والجماعة من خلال الفرد ، هذه هي قضيتنا جميعا من أجل وجودنا، هذه الجوانية " النحن " هي قضية الفرد وقضية الجماعة وقضية النظام الذي يسير المجتمع، وهذه الجوانية هي التي ستبرز عند برشيد، إنها قضية الإنسان العربي كفرد وجماعة ، أمرؤ القيس يرد على عامر الأعور الذي جاء إلى باريس ليسمعه حديثه: بماذا يمكن أن تحدثني ياعامر سوى عن الصحراء والظباء وحروب الثأر والنار؟ أنت الآن في أرض أخرى مغايرة ، فحاول أن تفهم هذا عش لحظتك الآن وانس ما كان، أنت في باريس ولست هناك، باريس عرس دائم يا عامر ، فانظر حولك ، تأمل أضواءها وناسها ودروبها هنا يمارس الناس العشق جهرا يا عامر، فلا شيء محرم أو ممنوع ، كل شيء مباح أما هناك فكل مرغوب محرم ، العشق حرام الهمس حرام الحرف حرام التنفس حرام كل شيء حرام حرام حرام حرام شرع القبيلة من جهة وشرع أبي من جهة أخرى خنقنا في الناس لذة الحياة وفرحة العيش... في الطاحونة الحمراء أطحن همي وعذابي، في بيكال نفجر قنبلة زمنية موقوته ، في كهوف المترو آخذ الفحم واكتب ، أترحم همي حرفا يعانق حرفا ، ألعن الظلم والقهر جهرا ، الناس هنا يتقنون صناعة الحلم والعشق ، إنهم يحلمون وهم يمشون ، يحلمون على الأرصفة وفي الحانات وتحت قناطر السين ، كل الدنيا مختصرة في هذه الأرض ، كل الأزمنة... ، ألا ما أعظمك من مدينة ، باريس غابة من العيون الزرق والخضر ، عابة من السيقان والشفاه الحمر الممتلئة حتى التخمة بالابتسام والتقبيل ، هل تذكر يا عامر ماذا قال أبي يوم ودعني ؟ عامر الأعور : نعم قال ارحل على بركة الله ، اذهب إلى باريس يا ولدي فهناك الجامعات والمعاهد ولتعد لنا بالشهادات .. أمرؤ القيس : وطفت كل أرجاء باريس رأيت الحدائق والكنائس والمتاحف وأرصفة المومسات ، رأيت الأسواق والحانات وبيوت الدعارة ، رأيت كل شيء يا عامر في هذا البلد ، إلا الجامعات والمعاهد ، كذبوا عليك يا أبي فما في باريس غير أسواق اللذة ، وقد اغترفت من بضاعتها، والحمد لله الشيء الكثير ، هذه هي شهادتي وعلومي ، ومن كان يملك أحسن منها فليتقدم. عامر الأعور : ... تغيرت الدنيا ؟ امرؤ القيس : ماذا أسمع ؟ لا شك أن وراءك أشياء غامضة عامر : نعم ، هل تريد أن أخبرك بها ؟ امرؤ القيس : لا ليس الآن ، اليوم خمر فقط .
إذن لا بد أن تتوافر الاحتفالية على قراءة متجددة، فالتراث متجدد وليس حقلا معرفيا جامدا. وفي ضوء تعليق برشيد على المسرح الاحتفالي الذي عنى به فقد "أسس للمسرح الاحتفالي ونظر له وكتب وأخرج في ضوء ما نظر له وما فهمه"90 فيتحدث عن المقامة التي برزت فيها المواجهة ما بين القديم والجديد ليؤسس الحركة والمعاني، لتبدو الفروق واضحة ما بين تلك المقامة البلاغية والمقامة الدرامية والتي اسماها " المقامة البهلوانية " وهذا ما يؤكد بخصوص الحكواتي أيضا والذي تفاعل معه بخيال المجنون الحكيم وأدوات الساحر لتولد حكواتي جديد يناسب هذا الزمن الجديد والمناخ الجديد فكانت احتفالية مسرحية سماها " الحكواتي الأخير " وبتناوله الموال الغنائي الشعبي الذي تذوقه تذوقا صوفيا فأنتج موالا آخر يحمل اسم " يا ليل يا عين " وفي حديثه عن الشعر العربي يبين أنه قرأه قراءة مسرحية مغايرة تعايش مع الكلمة والمعنى والصورة والشخصيات والأسماء فظهرت دواوين مسرحية تحمل اسم "عنترة في المرايا المكسرة" "ابن الرومي في مدن الصفيح" أمرؤ القيس في باريس" "ليالي المتنبي" فهو بهذا لا يستظهر التراث ولكنه يعيد إبداعه من جديد...91 إن ما قام به برشيد لا يعتبر نقلا لشكل أو جنس أدبي إلى شكل جديد "المسرح" من دون إضافة أو تفاعل وجداني وروحي وبدون مواجهة فكرية ونقدية، لذا فالمسرح يؤسس مجتمعا وعلى هذا فهو " مؤتمر شعبي تنطلق فيه القرارات من القاعدة إلى القمة "92 ولهذا فإننا سنجد الاحتفاليه لدى برشيد تؤمن بالممكن أكثر من إيمانها بما هو كائن، وما هو موضوع بشكل عادي لا يمكن أن نلتفت إليه ولا يحرك في القاريء المتفرج حاسة الفضول..93 في مسرحية ابن الرومي - التي حملت تعرفين لهذا الجنس الكتابي ، نص مسرحي ، واحتفال مسرحي في سبع عشرة لوحة ، وتصريح في بداية المسرحية على لسان ابن دانيال يؤكد على التعريف الثاني : المسرح حفل واحتفال هكذا علمونا.. - المقدم وهو يحدث أهل الحي القصديري : " يضحك " اسمعوا هذا المنشور " يحرج منشورا وقبل أن يقرأ " لا لا لن أقرأ يجب أولا أن تتهيأوا نفسيا حتى لا يسقط أحدكم مغشيا عليه ، من يدري ؟ الفرحة قد تقتل ، ... يقرأ لقد قرر أعضاء المجلس ابلدي أن يقوموا بترحيل سكن الحي إلى مكان ما ، الدراسات الآن جارية والموقع لم يحدد بعد ، ولكن اطمئنوا، وعليه فلا بد من إفراغ حي القصدير حالا حتى يمكن هدمه وبناؤه فنادق سياحية جميلة ، فكروا في السواح والدولار والدينار ، فكروا ... حيث إن الحي وبناء على التقارير الطبية لم يعد صحيا .. سعدان : عجبا ، كأنه من قبل كان صحيا ؟ المقدم : على أن السكان وأنتم منهم يعانون وضعا لا إنسانيا مزريا فقد قرروا ما قرروا ، أيها السادة تأملوا هذه الشهامة .. رضوان : تريدون أن نخرج من الحي ، سنفعل ذلك إكراما لعينيك المقدم / حقا سعدان نعم ، ولكن ليس الآن المقدم لست أفهم حمدان : نحن من يختار الوقت لا أنت ... 94 ولكن الاستغفال يستمر بشتى الطرق، حمدان: لم تحبرني يا ابن دانيال عن مصير مدينة القصدير ابن دانيال : تسألون عن حي ابن الرومي ؟ رضوان نسأل عنه ؟ ابن دانيال / عجبا وحيكم المهدد بالهدم في ل لحظة ؟ سعدان : كنت تبعدنا عن قضايانا ابن دانيال : ابدا سعدان : تحذرنا كالأطفال بالأغاني والحكايا رضوان : وتبقى الدنيا كما كانت. ابن دانيال : لا اسمعوا ، انني لا احسن لغة الجيل ، لذلك اترك الحديث لابنتي دنيا زاد حدثهم يا ابنتي دنيازاد : سادتي ، إن بغداد الحكاية ليست بغداد التي تعرفون ابن دانيال : نعم انها هذا الحي نسخة اخرى من مدينتكم هذه دنيا زاد : ودعبل وجحظة وعيس وأشعب وابن الرومي وعريب ، كل هذه الأسماء إن هي إلا أقنعة تخفي خلفها نماذج بشرية من هذا الحي من هذه المدينة. ابن دانيال فابحثوا عن أنفسكم خلف الأقنعة . فلا تسألوا عن حي ابن الرومي . دنيا زاد : اسألوا عن حيكم عن قضاياكم. ابن دانيال : أنتم وحدكم من يملك الجواب. المشكلة لا يعاني منها واحد أو مجتمع هناك وحده ، المشكلة يعاني منها واحد ومجتمع هنا ، والمشكلة ليست هناك في حي ابن الرومي المشكلة هنا في حينا وحيكم في حي كل واحد منا. سعدان يقول لعاشور : من أين أتيت بهذه القبع يا ملعون . حمدان : السماء لا تمطر القبعات . عاشور : تمطر السواح والأجانب والمغامرين والدولار أيضا ... لقد جاء الحي رجال من التكساس ..يرتدون قبعات جميلة ويدخنون السيجار رايتهم يقيسون الأرض ويدونون أشياء في الأوراق. رضوان : انهم المهندسون ، أتوا لتحطيم الحي يا غبي ... انظروا إن اصحاب القبعات يتراجعون أمام الحناجر الغاضبة ... سيعودون ... دنيا زاد تلحق بالأجانب وتطلب إلى أبيها أن يمضي معها وهو يقول: وقصة ابن الرومي يا ابنتي إنها لم تتم بعد دنيا زاد : اطمئن سنكملها في مسرحية أخرى. 95 إذن فالمسرح عملية استمرارية مادام هناك غش واستغلال وجبروت واستغفال وسرقة حقوق الآخرين.
مسرحيات برشيد تبين عن مقدرته في كتابه المسرحيّة، وقد نظر إلى الاحتفالية كثيرا عبر سنوات طويلة، فقد نجد من المرتكزات الرئيسة في الاحتفالية عنده: - المسرح حفل واحتفال غني باللغات اللفظية والحركية. - توظيف الذاكرة الشعبية أو الأشكال ما قبل المسرحيّة.- تشغيل التراث وعصرنته ونقده تناصا وتفاعلا. - استخدام المفارقة والفانتازيا في تشغيل العناوين. - المزاوجة بين الأصالة والمعاصرة. - تداخل الأزمنة. - السخرية في وصف الواقع وتفسيره وتغييره. - الحفل الجماعي والتواصل الاحتفالي المشترك. - التعبير الجماعي. - تعرية الواقع قصد تشخيص عيوبه وإيجاد الحلول المناسبة له.- التأصيل قصد تأسيس مسرح عربي. 96 وقد بدا برشيد متأثرا بمصادر كثيره في مسرحه الاحتفالي مثل" المسرح اليوناني بكل ظواهره الاحتفالية. والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي احتج على المسرح/العرض وطالب بعودة الحفل. والكتابات النظرية والإبداعية لأنطوان آرتو الذي طالب بتوظيف الأشكال الطقوسية السحرية الاحتفالية وخاصة في كتابه "المسرح وقرينه". والمخرجين الذين أرجعوا أصل المسرح إلى جوهره الحقيقي ألا وهو الحفل كما نجد عند آدولف آبيا، كوردن كريج، جاك كوبو ومايرخولد. وكتاب ألفرد سيمون" العلامات والأحلام، بحث في المسرح والاحتفال". والدراسات السيكواجتماعية التي ركزت على الجانب الاحتفالي عند الشعوب مثل: دوركايم وفرويد في" الطوطم والطابو" وجان دوفينو في"احتفالات وحضارات" وهارفي كوكس في"احتفال المجانين". والاحتفالات العربيّة كمسرح السامر والحكواتي والفداوي والمداح وخيال الظل والقرقوز والمقامات... كما نبه إلى ذلك حسن المنيعي وعلي الراعي ويوسف إدريس وتوفيق الحكيم ومحمد عزيزة ومحمد أديب السلاوي والطيب الصديقي. والكتابات الإبداعية والنظرية لعزالدين المدني والمنصف السويسي وبريخت وتوفيق الحكيم.97 إن توظيف برشيد للشخصيات التراثية "مجرد أقنعة فنجد شخصيات مثل عطيل وقراقوش وشهريار وزرقاء اليمامة وسواها تصبح كمعادلات مسرحية لأشياء أخرى، فعطيل هو المعادل المسرحي لكل إنسان العالم الثالث، وهذا الإنسان الذي نجده حالياً في المناجم الأوروبية، وفي معامل السيارات، وكأجير حقير في الغرب، والذي وجدناه كمرتزق في الحرب العالمية الثانية عندما فرض الاستعمار الفرنسي على أبناء أفريقيا أن يحاربوا في فيتنام أو ألمانيا. لذلك فقد وجد الإنسان المغربي أو إنسان شمالي أفريقيا نفسه يحارب الفيتنامي ويحارب شعباً ينتمي إلى قدره نفسه وإلى ظروفه التاريخية نفسها"98 ومهما أمعن برشيد في احتفاليته محاولا الرجوع إلى الطقس الاحتفالي والخلاص من الوحدات الثلاث ليبتعد عن القالب الأرسطي تبقى هناك مشكلة " بالتحرر من الخشبة الإيطالية ومستلزماتها السينوغرافية والإخراجية التي تتناقض والنظرية الاحتفالية التي تدعو إلى فضاء مفتوح كالساحات والأماكن العمومية والفضاءات المنفتحة وأماكن الحلقة... ومهما تفهمنا تبريرات برشيد عن استحالة وجود هذه الفضاءات الاحتفالية لأسباب سياسية وأمنية فإننا لن نقبل باحتفالية جزئية تلبس قالبا أرسطيا وغربيا ومضمونا عربيا"99 مهما قيل حول الاحتفالية والتنظير لها، إلا أنها نجحت بتمثيل بنيات كبرى في التراث العربي على مستوى المقامات والشعر والشخصيات التاريخية، والميثولوجيا الشعبية، وإسقاطها على الواقع المعاصر للشعوب العربيّة.
***
جهود الطيب الصديقي: الطيب الصديقي صاحب جهود كبيرة في المسرح " كفنان محترف كبير مؤلف للعرض المسرحي بالكتابة والإخراج والتمثيل "100 ويمتاز الصديقي بتنوع أعماله، بما هو "تراثي وتاريخي وما هو شعبي"101 والطيب الصديقي وظف التراث العربي في "ديوان سيدي عبدالرحمن المجذوب" و"مقامات بديع الزمان الهمذاني" و"سلطان الطلبة" و"الأكباش يتمردون" ليصبح مادة لمسرح عربي قريب من قلوب الجماهير. ويروي علي الراعي مشاهدته لمسرحية "ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب" على نوعين من المسارح المسرح النظامي على الطريقة الإيطالية، والمسرح المرتجل، حيث تولى الصديقي دور المجذوب الذي أداه باتقان كبير. وهذا يدل على مقدرة الصديقي الفنية ، واستخدم الصديقي تراث الحلقة في هذه المسرحيّة " ولقد ركز الصديقي على الممثل الحكواتي، الممثل الذي يعرف كل شيء، ويحسن كل شيء، يمثل ويغني ويرقص ويقوم بالألعاب السحرية والبهلوانية وينشد الاشعار ، الممثل الذي يعتمد على البديهة ، فيرتجل عندما تدعو الضرورة ويحس بالجمهور ويتفاعل معه وتكون له عين ثالثة مركزة عليه " 102 وعن هذه التجربة المتميزة لدى الصديقي يقول الكغاط إن تجربته تميزت بـ :- استلهام التراث كالحلقة والملحون والأغاني الشعبية وكتب الأدب القديمة. – تسخير التقنية الغربية لخدمة التراث. – الثورة على البنائية المسرحيّة الإيطالية. – تحقيق الإدهاش النصي مع الاهتمام بالعرض. - قيامه بالتطبيق إلى جانب أفكاره النظرية. – التحام الشكل بالمضمون والنص بالعرض.103 ففي ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب يستلهم الصديقي أشعار " رباعيات المجذوب " وهي من نظم المجذوب ويتخللها أشعار للصديقي فهذا الديوان "مسرحية تدعو للتعامل مع التراث والاستفاده من خصائصه من أجل خلق قالب مسرحي صالح لتصب فيه مواضيع كثيرة يمكن أن تؤخذ من الشعر الجاهلي...104 في ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب يبين عن حالة مفارقة بين المجذوب والمجتمع، حيث يتحدث صديق المجذوب ، الصديق : شحال من عاقل سليم الطوية ... اتظاهر بالحمق وافقد كل مزيه ... مجذوب ما هو مجنون بين الرعية ... ما فهموه ما ذاقوه القوم المعمية ... لسيدي بنعيسى ساقوه ناس خيرية. في اللوحة التاسعة والعشرين كما مر تبين زيارة المجذوب لسيدي الهادي بنعيسى، ويتكون ديوان المجذوب من إحدى وثلاثين لوحة. وعن موقف الصديقي من التراث " يعتبره مادة صالحة للتعلم والتعليم حيث يقول على لسان الراوي : الراوي1: بفضل الشيخ المجذوب ، عاش وتعذب وحب وجرب ، نظم أشعاره بضوء عينه ، وبدقات قلبه ، وتشوق وكواته الهجرة بلهيب ما ينطفي، حب الناس وحب الطبيعة ، وكون الله العجيب ، وافهم وفهم ، اما احنا غير روينا تجربته وحكينا سيرته، باش السامع يبلغ الغايب ، والقريب يخبر البعيد ... وفي مسرحية ديوان سيدي عبد الرحمن يربط الصديقي الحاضر من خلال النظرة في الماضي عندما يقول :
الراوي2: برجوع الشيخ لأوطانه، انتشرت أخبار المغرب فالدول العربيّة والأزمة اللي عايش فيها.
الراوي1: فكل بلاد قامت المعركة ضد الاحتلال الاجنبي ، من أزمور والبريجة ضد البرتغال ، فطنجة وأصيلة ضد الاسبان ، فالحدود الجزائرية ضد الخطر العثماني.
واستلهم الصديقي التراث في مسرحية "مقامات بديع الزمان الهمذاني" ومثل الصديقي مسرحية أخرى تحتاج إلى مكان مفتوح فمثل مسرحية "وادي المخازن" من تاريخ المغرب، والتي تعالج الصراع العسكري بين السلطان المتوكل وأخيه عبد الملك، وهذه المسرحيّة عرضت في ملعب لكرة القدم ومثل فيها أكثر من 500 شخص معظمهم من الجيش المغربي، وربما قد تكون هذه التجربة تنسجم تماما مع ما ينادي به الصديقي من أن المسرح الإيطالي يخنق فن التمثيل ويقيم هوة بين الممثل والمتفرج" 105 ويشير حسن المنيعي إلى مسرحية "ديوان سيدي عبد الرحمن" 1967 إلى أنها تمثل ميلاد مسرح شعبي حقيقي "106 وفي العام 1971 أخرج أوبريت "الحراز" وفي هذه المسرحيّة أشرك الجمهور في العرض من خلال ترديدها للشعر الملحن.107 ويطلق على عمل الصديقي المسرحي "الريبرتوار Lerepertoire وهو مجموع الأعمال المسرحيّة التي أبدعها المؤلف الواحد، وكان بعض الدراميين المغاربة قد عمدوا في بداية الاستقلال إلى تقليد الكتابات المولييرية واللجوء إلى ريبرتوار يتأرجح بين إبداعات أوروبية وعربية، الإيطالي كارلو اوزفالدو غولدوني(1707-1793) الإنجليزي الكاتب المسرحي والممثل والشاعر المعاصر لشكسبير بن جونسون Ben Jonson‏) 1572-1637، شكسبير 1564ـ1616، توفيق الحكيم (1898- 1987) إلى آخره "108 وهذه دلالة على أهمية ما قدمه الصديقي للمسرح المغربي والعربي. الصديقي وهو ينظر إلى تاريخ المغرب وتراثه وكيفية كتابته وإخراجه وتمثيله، لم يدخر جهدا كما يقول في حواره مع عبد الرحمن بن زيدان " في أن أحتك بالمؤلفين الكبار، وأقرأ نصوصهم، وأحتك ببلاغة أساليبهم، وأتعرف على تقنيات وحيل الكتابة الدرامية... لقد كان موليير، وكان غولدوني، وكان بومارشي، وشكسبير، ويوجين يونسكو، وصامويل بيكيت ـوغيرهم كثيرـ مدرستي الأولى في معرفة المسرح، ومعرفة أشكال بناء الحوار والشخصيات والفرجة لقد كانت هذه المدارس بهؤلاء الأعلام وبكتاباتهم عاملا مساعدا ساعدني على تغيير النظرة التي كانت لدي عن المسرح، بعد أن فهمت أن المسرح في صيغه المتطورة كانت من الغرب، لكن عندما بدأت أقارن بين ما لدينا، وما عند هذا الغرب، أيقنت أنه لا يمكن إيجاد مسرح مغربي وعربي بالتقليد، أو البقاء تحت رحمة المعرفة المسرحيّة الغربية بشكل مطلق."109 ومع هذا القول نلمح أنه لا يوافق على تسمية التقليد لتمثل مسرح الآخرين "المطلوب هو البحث عن صيغة مسرحية عربية لفرجة عربية تناسب الذوق العربي، وتتلاءم والخصوصيات المحلية ذات الدلالات الإنسانية"88 وهو يشير إلى التراث العربي مثل المقامات لصناعة فرجة عربية يقول"إن هذا المسرح في صيغته العربيّة، وبالمفهوم الحديث مسرح أقدم من المسرح الأوروبي الفرنسي والإنجليزي بسنوات وقرون، من هنا جاء إصراري على تقديم فرجة مسرحية عربية مستمدة من التراث العربي كخزان حقيقي للشكل المسرحي الملائم لصناعة الفرجة العربيّة."110إن الاحتفالية المغربية مثلت بنية مسرحة كبرى للمسرح في الوطن العربي على مستويات الكتابة والإخراج والتمثيل.
***
التجريب المسرحي: هذه الدراسة تتحدث عن شيء واقع تماما بما يخص التجارب المسرحيّة العربيّة، وهذه التجارب تمثل عناصر رئيسة تعني المسرح وهي "النص/ الكتابة الدرامية، العرض والإخراج، المتلقي ، والنقد المسرحي" هذه العناصر تتجمع لتشكل مسرحا، ولكن هل استطعنا في الوطن العربي أن نشكل مسارا مسرحيا عربيا خالصا؟ ليكون رؤى وأفكارا، ليكون تجريبا يمكن أن ينقل إلى الآخر، فالغاية من المسرح التجريبي في الوطن العربي "خلق مسرح أصيل وتفاعلي مع المناخ السياسي والاجتماعي الراهن" هذا منطلق من منطلقات التجريب برأي ونوس ورفاقه، وتأثر المسرح العربي بالمنهجيات المسرحيّة المختلفة.
التجريب والجوائز المسرحيّة : إن ما يتعلق بالجوائز المسرحيّة وكأن الحصول على الجوائز المسرحيّة عملية تجريب، فبعضهم يحلو له القول بأن المسرحيين العرب على مستوى النص والعرض والتمثيل والإخراج نافسوا الغربيين بالحصول على الجوائز وربما فازوا عليهم، متى كانت الجوائز تعبر عن أن هذا مسرح تجريبي وهذا مسرح غير تجريبي؟ ولا ننسى أيضا أن هذه الجوائز قد يدخلها الشيء الكثير من التحوير، تحت دائرة الشهرة والتنفيع والواسطة والمحسوبية والتوازنات، وكل هذه الأشياء كما ندرك جميعا يحاربها المسرح لأنها تمثل فسادا, ولا ننسى أن بعض العروض المسرحيّة - والتي ربما تكون أفضل - لم يسمح لها بالمشاركة في هذه المهرجانات لأسباب كثيرة. ربما التجريب ينطلق أصلا من تأصيل المسرح، أو وجود نواة أصلا، ما دام أنه خلق وابتكار وبهذا الصدد يقول صبري حافظ " الجمود في قوالب ثابتة بالنسبة للفن كرى وسبات بينما التجريب والبحث الدائم عن الجديد صحو وحيوية، ولا غرو فإن المسرح يدين بوجوده نفسه إلى تلك النزعة المتشوقة لاستشراف المجهول ولتجاوز كل ما أنجز وتحقق، فلولا هذا التجريب الذي دفع ثيسبس إلى إجراء حوار بين رئيس الجوقة وأفراداها في الاحتفالات الديونيسيسة القديمة لما ظهرت الأجنة الأولى للمسرح الأغريقي، ولو تشوف اسخيلوس إلى الانطلاق بتجربة ثيسبس إلى آفاق جديدة لما ظهرت التراجيديا العظيمة التي عمقتها مغامرات سوفوكليس ويوربيديس مع التراجيديا ورغبتهم في توسيع دائرة المتحاورين وبالتالي في تثبيت دعائم التراجيديا الاغريقية وترسيخ جذورها، ولولا رغبة ارستوفان في تقديم شيء مغاير عما قدمه عمالقة التراجيديا الاغريقية الثلاثة لما ولدت الكوميديا، فالملهاة المسرحيّة كالمأساة تماما تدين بوجودها ذاته إلى تلك الجذوة : صبوة الخلق والتجريب"111 إن هذا الصحو يقود لتأصيل المسرح واستمراريته.
جهود المسرح التجريبي: ألم يبدأ مسرح التجريب مع مارون النقاش؟ وبالإشارة إلى بداية المسرح التجريبي في سوريا عام 1976 والذي كان ونوس مديرا لهذا المسرح الذي أوجدته وزارة الثقافة " فعند تقديم العرض المسرحي الثاني تقدمت إدارة المسرح التجريبي بكلمة ورد فيها: أثار العمل الأول الذي قدمه المسرح التجريبي وهو " يوميات مجنون " عدداً كبيراً من الالتباسات، وكان مرد هذه الالتباسات في مجملها، نقطتين أساسيتين: الأولى تركزت حول تحديد مفهوم التجريبية، والثانية حول اختيار نص يوميات مجنون، وحول النقطة الأولى كان ثمة خلطٌ بين التجريب كما تحدد في سياق التجربة المسرحيّة الأوروبية وبين مفهومنا الخاص عنه، ففي أوروبا، المسرح التجريبي هو في معظم الأحيان بحثٌ شكلي ونخبوي يرمي إلى شقِّ ثغرة في الطريق المسدود الذي وصل إليه المسرح هناك. أما بالنسبة لنا، فالتجريب يعني البحث عن المسرح الذي يلبي حاجاتنا الثقافية والتاريخية. يعني خلقَ مسرح أصيل وفعال في المناخ السياسي الاجتماعي الراهن. كنا نحلم بتجربة مفتوحة تتحقق مع جمهورها الحقيقي متنامية كل مساء. لا شيء ثابت، لا الكتابة الدرامية ولا طرق تدريب الممثل ولا مكان العرض"112 إن التجريب في المسرح العربي يبين عن إشكالية المثاقفة التي أدت إلى" الانخراط الكلي في تجربة الغرب المسرحيّة المأخوذة عن إنجاز المسرح اليوناني، في تقديم مسرحيات حسب المفهوم الأوروبي، وخفت صوت التأصيل قبولاً لواقع الحال، وشاع رأي مفاده أننا ندور في حلقة مفرغة، واكتملت الدائرة في إعلان العجز هنا وهناك عن الهدف ألا وهو خلق مسرح عربي...113. إن المثاقفة تقودنا إلى مقولة التأثر والتأثير، لا توجد هناك ثقافة بمجملها لم تتأثر بثقافة أخرى، وهذا دليل واضح على التواصل المعرفي والثقافي بين المجتمعات، وهذا ما كان في المسرح العربي من تأثر كبير بالمسرح الغربي بدءا من البدايات الأولى حتى الآن.
وعندما نتحدث عن التأثير فهو مثاقفة لا يعني النظرة الاستعمارية أي العلاقة ما بين المستعمر وأصحاب البلد المستعمر، وهذا لا يعني المحاكاة والنسخ، ومهما كان التأثر الغربي في المسرح العربي، ستبقى هناك ميزات تجعله يوجه مسرحه إلى فئات مستهدفة، وهنا الحديث عن الشعب العربيّ لما له من خصوصيات تختلف عن شعب آخر، وللشعب العربي مطالب جمة في ميادين مختلفة، ولهذا سيكون لها مسرحها، ولكن المثاقفة ليست بالمعنى السلبي وسنجد للتثاقف " acculturation " تعريفا في قاموس المورد " تعديل يطرأ على ثقافة الفرد أو الجماعة أو الشعب عن طريق الاقتباس من ثقافة أجنبية ما ، وهو تمازج ثقافي ناتج عن الاحتكاك فيما بينها"114 وفي هذا الخصوص يقول توفيق الحكيم " كل المحاولات منذ القرن الماضي، وكل إنتاجنا الأصيل منه وغير الأصيل إنما يتحرك داخل الأشكال والقوالب العالمية.. حتى السامر ذاته وما فيه من مشاهد مسرحية إنما عرف بعد دخول الحملة الفرنسية مصر، وما جاءت به من تمثيل"115 ويتساءل توفيق الحكيم" هل يمكن أن نخرج عن نطاق القالب المسرحي العالمي ونستحدث لنا قالبا وشكلا مسرحيا مستخرجا من باطن تراثنا؟ إن الإجابة عسيرة وتحقيق ذلك أعسر لأن القالب العالمي حصيلة جهود متراكمة لكافة الشعوب والأحقاب، واستخدامنا له فيمن استخدمه من شعوب ليس فيه غضاضة، بل فيه النفع والدليل على وجودنا الحي في قطار الحضارة المتحركة "116 ولكن الحكيم يدعو مع وجود هذا القالب العربي لعدم الانصراف عن قالب المسرح العالمي المعروف وما يسير فيه من اتجاهات وتطورات " حتى لا ننفصل عن الركب الحضاري العام في جميع خطواته وتطوراته"117 ونجد بريخت أثر كثيرا على التيارات المسرحيّة العربيّة في الستينيات مثل "مسرح السامر، مسرح الفرجة الحكواتي، والمسرح الاحتفالي حيث تجاوبت مع المد البريختي كقضية المصير العربي والاهتمام بقضية الحرب والسلام وكذلك الظروف الاقتصادية ونقد السلبيات ونقد الذات العربيّة"118 إن آراء المسرحيين العرب حول المسرح في الوطن العربي تمثلت بثلاثة تيارات"الأول: يدعو باستمرار إلى أشكال مسرحية عربية كانت في الظاهرة المسرحيّة المتواترة في الشعائر والتقاليد والمأثورات والأدب، وبرز هذا التيار فعالاً ومؤثراً في الستينيات ومطلع السبعينيات في المغرب وتونس ومصر، ومن ممثليه الطيب الصديقي وألفريد فرج وعزالدين المدني ومحمود دياب والطيب العلج وعلي الراعي. والثاني: لا يرى فائدة تذكر في نبش الماضي، وعلينا أن نرسخ استخدام الشكل المسرحي السائد في الغرب بوصفه شكلاً عالمياً ونتاجاً حضارياً سارت عليه الشعوب، وماتزال، ومن أبرز ممثلي هذا التيار صلاح عبد الصبور الذي كتب مقالات عديدة تأييداً لدعوته، وجمهرة عريضة من المسرحيين في لبنان عبر الممارسة. والثالث: اتجه إلى عناصر المسرح باعتباره "فرجة" ووسيلة اتصال جماهيرية أصلاً، فمن المفيد أن يخلق المسرح العربي تقاليده أثناء التجربة التي لابد أن تصقل جوهر الظاهرة المسرحيّة، وهذا واضح في أعمال فنانين وفرق عربية معتبرة في سورية ولبنان وتونس والمغرب والعراق مثل روجيه عساف"مسرح الحكواتي" وسعد الله ونوس، والفاضل الجعايبي ورفاقه "المسرح الجديد" وعبد الكريم برشيد "الواقعية الاحتفالية"... إلا أن العديد من هذه التجارب لم ينجز تقليده المسرحي معتمداً على عرض أو موسم ثم ينتاب عمله الخذلان والكسل أو اليأس.119 ربما نتوقف عند سؤال أخير، هل المسرح في الوطن العربي تواصلي؟ أي أن ما يحدث في المغرب والمشرق مسرح تراكمي يبنى عليه، أم أنه ينتهي في المهرجان سواء أكان في المشرق أو المغرب، فبالتالي يبدو المسرح في الوطن العربي جهدا فرديا ووطنيا ولا يمثل الجهد العربي التواصلي، أليست اللغة العربيّة ترسخ مبدأ التواصل بين البلدان العربيّة؟ لكن اللهجة العامية تحد من هذا التواصل.
أؤكد أن البحث عن كيفية تأصيل مسرح عربي ينطلق من القاعدة، أي من الريف والتجمعات السكانية، التي هي بداية تقعيد لمسرح عربي يمكن أن يكون له تأثير ورؤى بصياغة أشكال مسرحية عربية وتبنيها وتطورها.. وهذا ينطبق على النص المسرحي، ليكون معروفا في كل البلدان العربيّة، كأن يكون موجودا في المكتبات العامة في الجامعات مثلا، والنقد كذلك، وهذا ينطبق على العروض المسرحية، هذا معنى التواصل، ويجب التركيز على أهمية إقامة ورشات مسرحية ولكن ليس على استحياء، والتركيز على أهمية المختبر المسرحي في الجامعات. سيبقى لدينا مسرح عربي خاص بنا، مادامت لدينا قضايا خاصة بنا على مستوى الفرد والمجتمع وعلاقتنا بالآخر.
انتهى
الهوامش:
1 علي الراعي ، المسرح في الوطن العربي الكويت ، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ،ط2 ، 1999.
2 الراعي، المرجع نفسه،
3 الراعي، المرجع نفسه،
4 الراعي، المرجع نفسه،
5 - تمارا الكساندروفنا بوتيسيفا ألف عام وعام على المسرح العربي ترجمة توفيق المؤذن دار الفارابي بيروت ط1 1981
6 - علي الراعي مرجع سابق
7 - علي الراعي المرجع نفسه
8 - يوسف إدريس، مقدمة مسرحية الفرافير، مكتبة غريب، مصر، القاهرة .
9 - علي الراعي مرجع سابق
10 - سلمان قطاية المسرح العربي من أين وإلى أين ؟ اتحاد الكتاب العرب، سوريا دمشق 1972
11 - عبد الكريم برشيد توظيف التراث في المسرح المغاربي، الملتقى العلمي الجزائر، وزارة الثقافة، 2010 ،
12 - برشيد المرجع نفسه
13 - توفيق الحكيم، قالبنا المسرحي، مكتبة الناصر، القاهرة، مصر، 1967
14 الراعي، المرجع نفسه،
15 الراعي، المرجع نفسه،
16 يوسف إدريس الفرافير ، علي الراعي مرجع سابق
17 يوسف إدريس ، الفرافير ، مرجع سابق
18 يوسف إدريس ، الفرافير ، مرجع سابق
19 فرانك م. هوايتنج، المدخل إلى الفنون المسرحيّة، ترجمة كامل يوسف وآخرون، نشر بالتعاون مع مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر القاهرة نيويورك 1970.
20 هوانتج ، المرجع نفسه ،
21 هوانتج ، المرجع نفسه ،
22 جوليان هلتون، نظرية العرض المسرحي، ترجمة نهاد صليحة، مكتبة المسرح مركز الشارقة للابداع الفكري.
23 هليتون ، المرجع نفسه،
24 الحكيم قالبنا المسرحي ، مرجع سابق
25 الحكيم، قالبنا المسرحي ، مرجع سابق ،
26 الحكيم، قالبنا المسرحي ، مرجع سابق ،
27 الحكيم، قالبنا المسرحي ، مرجع سابق ،
28 الحكيم، قالبنا المسرحي ، مرجع سابق ،
29 علي الراعي مرجع سابق ،
30 جميل الحمداوي، النظريات المسرحيّة بين التجريب والتأصيل، الانفتاح على تقنيات الغرب ملتقى الجزائر2010 ،
31 عبد المجيد دقنيش العرب أونلاين موقع إلكتروني .
32 ياسين النصير ،اسئلة الحداثة في المسرح، الامارات الشارقة الهيئة العربيّة للمسرح 2011
33 النصير، المرجع نفسه،
34 النصير، المرجع نفسه ،
35 النصير، المرجع نفسه ،
إدريس الذهبي، وحيد الغمري، المسرح عند سعد الله ونوس، موقع الكتروني. 36

37 إدريس الذهبي، ، المرجع نفسه.
38 إدريس الذهبي، ، المرجع نفسه.
39 عبدالله أبو هيف كتاب المسرح العربي المعاصر اتحاد الكتاب العرب 2002،
40 أحمد العشري، مسرح برتولد بريخت بين النظرية الغربية والتطبيق العربي مجلة عالم الفكر الكويت مجلد 21 الحادي والعشرون العدد الثلث 1993
41 العشري ، المرجع نفسه ،
42 الحكيم، مرجع سابق،
43 الراعي
44 العشري مرجع سابق
45 العشري ، مرجع سابق،
46خزامى رشيد ، الاحتفالية في المسرح العربي بين النظرية والممارسة. موقع الكتروني.
47 ياسين النصير ، مرجع سابق،
48 بديع منير روجيه عساف في بوابة فاطمة يعبر بنا إلى مسرح الحدث ، شرفات موقع الكتروني
49 أحمد شرجي ، حكواتي روجيه عساف المسرح العربي بين الاستعارة والتقليد، إيلاف موقع الكتروني.
50 أبو هيف ، مرجع سابق،
51 شوكت عبد الكريم البياتي، تطور فن الحكواتي في التراث العربي ، دار الشؤون الثقافية العامة ، بغداد 1989
52 المرجع نفسه
53 المرجع نفسه
54 الراعي، مرجع سابق
55 الراعي مرجع سابق ،
56 الراعي مرجع سابق ،
57 أحمد شرجي ، الكتابة الجديدة في المسرخح العراقي، مجلة البحرين الثقافية ع59 2010 وزارة الثقافة البحرين.
58 الراعي مرجع سابق ،
59 الراعي مرجع سابق ،
60 عبد المجيد دقنيش، العرب أونلاين موقع إلكتروني.
61 المرجع نفسه.
62 الراعي مرجع سابق
63 الراعي مرجع سابق
64 عبد الرحمن بن زيدان ، جريدة المستقبل - الخميس 1 أيلول 2011 - العدد s2494 .
65 عبد الرحمن بن زيدان ، المرجع نفسه.
66 عبد الرحمن بن زيدان ، المرجع نفسه.
67 لخضر منصوري، الحلقة فضاء قديم جديد للتجريب المسرحي، ملتقى المسرح الافريقي بين الاصالة والمعاصرة، الجزائر 2009
68 عبد الكريم برشيد توظيف التراث في المسرح المغاربي الملتقى العلمي 2010 الجزائر.
69 المنصوري ، مرجع سابق،
70 عبد القادر علوله ديوان أعماله الكاملة الجزء 2 وزارة الثقافة الجزائر 2009
71 عبد القادر علوله ، المرجع نفسه
72 أحمد العشري، مسرح برتولد بريخت بين النظرية الغربية والتطبيق العربي مجلة عالم الفكر الكويت مجلد 21 الحادي والعشرون العدد الثلث 1993
73 نظرية الفرجة الشعبية عند المبدع المسرحي الجزائري عبد القادر علولة الدكتور جميل حمداوي موقع دنيا الرأي 4-11-2010
74 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
75 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
76 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
77 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
78 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
79 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
80 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
81 عبد القادر علوله ، مرجع سابق
82 إبراهيم محمود، الجسد والزمن، مجلة كتابات معاصرة، 1997
83 برشيد توظيف التراث في المسرح المغاربي الملتقى العلمي 2010 الجزائر .
84 النصير، مرجع سابق،
85 برشيد، المرجع السابق
86 برشيد المرجع السابق
87 برشيد المرجع السابق
88 برشيد المرجع السابق
89 برشيد المرجع السابق
90 النصير، مرجع سابق
91 برشيد المرجع السابق
92 برشيد المرجع السابق
93 برشيد المرجع السابق
94 عبد الكريم برشيد ، ابن الرومي في مدن الصفيح ، الدار البيضاء ط2 2006-2007
95 عبد الكريم برشيد ، المرجع نفسه،
96جميل حمداوي موقع الكتروني عود الند.
97 جميل حمداوي الموقع نفسه .
98 عبدالله أبو هيف كتاب المسرح العربي المعاصر اتحاد الكتاب العرب 2002،
99 حمداوي مرجع سابق.
100 الراعي، مرجع سابق
101 النصير، مرجع سابق،
102 عبد الكريم برشيد، الكائن والممكن في المسرح الاحتفالي، الدار البيضاء، ط1، 1985
103 محمد الكغاط، بنية التأليف المسرحي بالمغرب ، دار الثقافة ، الدار البيضاء،
104 الكغاط ، المرجع نفسه ،
105 الراعي، مرجع سابق
106 الراعي، مرجع سابق
107 الراعي، مرجع سابق
108 أحمد بلخيري، المصطلح المسرحي عند العرب، البوكيلي للطباعة والنشر والتوزيع، المغرب، ط1، 1999م.
109 عبد الرحمن بن زيدان، موقع الالكتروني
110 عبد الرحمن بن زيدان ، المرجع نفسه.
111 بلخيري ، مرجع سابق
112 هيثم خواجه، لقاء مع عبد الرحمن بن زيدان ، مجلة نزوى ، العدد السابع ، 2009.
113 أبو هيف ، مرجع سابق ،
114 قاموس المورد. Acculturation
115 الحكيم ، مرجع سابق
116 الحكيم، مرجع سابق
117 الحكيم ، مرجع سابق
118 العشري مرجع سابق
119 أبو هيف ، مرجع سابق،
***
منصور عمايرة كاتب وناقد مسرحي أردني
[email protected]



#منصور_عمايرة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المونودراما/ مسرح الموندراما
- الممثل المسرحي الذات والأداء والمعرفة
- المسرح الأردني ، إثنوسينولوجيا الفرجة الأردنية - التعليلية -
- المسرح والوسائط


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - منصور عمايرة - جهود وتجارب مسرحية عربية