أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوعيادي - شفرة قديمة















المزيد.....

شفرة قديمة


محمد البوعيادي

الحوار المتمدن-العدد: 3779 - 2012 / 7 / 5 - 09:12
المحور: الادب والفن
    


انزوت إلى ركن ركين في الغرفة، فوق السرير تكومت، يتخاتل الطيف إليها من خلال ثقوب الذاكرة و الأحداث، تسكن في عزلة هذه الغرفة المهترئة و لا شيء يغير من إيقاع الغياب الأزلي، مغص الرحيل المُفاجئ لازال متقدا في بطنها الممزق، كأن ذلك الحب وليد لم يكتمل نموه، كأنه جاء إلى العالم بولادة قيصرية مزقت خلالها الحبل السري و انفجرت فيها المشيمة قبل الولادة بدهر طويل فاندلق ماء الرحم مهراقا كشلال من الحروق و الألم....
ترنحت من صعقة الذاكرة، و أخذت قلما قديما في يدها، تختط له بعضا مما لابد من قوله قبل إغماد نصل الانعتاق في شريان الألم:
من طفلة الأَخْيِلَةِ إليك أيها النَّازِيُّ القبيح. بدون تاريخ.
حبيبي:
البارحة استلمت رسالة من علبة البريد تتضمن التحاليل الكثيرة التي أجريتها نزولا عند رغبتك، تفحصت قبل قليل بعضها و رميت الباقي في القمامة التي لم أفرغها مُذ أسبوع أو أكثر، قال لي الطبيب أن عندي حالة اكتئاب حاد و أرق مهول، حاول تفسير الاكتئاب في بضعة سطور: هو حالة فقدان للرغبة في الحياة تصاحبها أعراض عديدة كالتفكير في الموت و الانتحار - الشعور بالحزن و الإغراق في السوداوية- فقدان المتعة في الأكل و كل الأنشطة التي كانت تسعدني من قبل ؟؟- هبوط في الطاقة - إحساس بعدم القيمة و جلد الذات ؟ - تغير في الوزن...
في الحقيقة (و لا حقيقة على الإطلاق) لا أدري ما الذي يخربقه هذا المعتوه، فكل ما يقوله لا يرتبط بحالتي في شيء، زاد وزني بعض الكيلوغرامات و انفتحت شهيتي للأكل، لكني لم أندم على زيارته على كل حال، فقد أمتعني أن أشاهده و هو يمضغ الكلام الغليظ المُفرغ من أي معنى، أفكر أحيانا أن الأطباء نشالون أكثر من صعاليك حيّنا القديم، المستشفيات ذاتها مؤسسات للاختلاس غير المباشر، فكيف ستعمل إذا شفي كل الناس؟ و ماذا سيربح الدكاترة إذا شفي المهزومون و محروقو الذاكرة، بل ما الذي ستفعله غسالات الجثث لتوفير خبز أطفالهن اليومي؟ إنهم يدسون السموم للناس و يساهمون في إمراضهم عن سبق إصرار و تغوط ..
في أول حصة من حصص العلاج النفسي كنت أفكر فيك بكل جوارحي، قلت ربما كنت الطبيب الوحيد الذي يستطيع انتشالي من هذا الوحل، كنت أفكر أن حقنة واحدة في اليوم من شفتيك قادرة على تسكين الألم و لو لحين، لكنك لم تكن هناك، عمدت إلى مبدإ التقية الشيعي، أتعرفه؟ ، بمقتضى هذا المبدأ أستطيع إخفاء الحقيقة و إظهار ما ينتظره الخصم مني حتى أشل تفكيره، فعلا ألفيت الطبيب خصمي منذ الوهلة الأولى ، أراد أن يدخل إلى أقصى نقطة فيّ ليعري ذاكرتي و يبسط تاريخي الملوث فوق طاولة مكتبه المغبرة، لكني لم أكن في حاجة إلى استرجاع ذاكرتي و لا تاريخي المنبوذ، كنت في حاجة لرجل غبي مثلك يستمع لتراهاتي عن الله و الكون و المرأة و الشهوة و الغواية و الحضارات الغابرة من بابل الألوهة إلى روما التي أحرقها نيرون و هو يضحك...
ما أردته طوال فترة غيابك هو بوق كبير بحجم منزل، أزرعه في صحراء المكسيك الخالية و أصرخ فيه يوميا بدون كلل ، أصرخ حتى تتمزق أرجاء المكان و تتمزق معها حبالي الصوتية، و لا يسمعني أحد سوى السحالي و الرمل و الفضاء اللامتناهي مثل جوفي، أحكي كل شيء عنا و عن الماضي و الرؤى التي تنخر جمجمتي كل ليلة حتى مطلع الفجر، وكأن حبات الرمل جمهوري الخاص و أنا النجمة الوحيدة هناك...هي ذي رغبتي المستعرة المجنونة التي تعوضني عن الانفجار العظيم.
كنت أريد شخصا أستطيع أن أصب في أذنيه شبق ذاكرتي المتعبة، فأنا كما تدري (أو ربما لا تدري) أعشق الحكي عنّي، عن متاهاتي الدفينة و أشيائي الصغيرة بتفاصيلها العبثية، لكن الناس لا يستمعون لأن أذواقهم متبلدة...لكن أنت استمع الآن.
كنت أنظر إلى الطبيب بشفقة، كل ما يعرفه عن حالات المرض قرأه في كتب صفراء و يعتقد من كل قلبه و بكل وعيه و جوارحه أن المرأة صدى أو ميدان تجريب لتلك الترهات التي قرأها...
لا علم له بأن الشيطان لا يسكن التلافيف الصفراء، و بأن الرغبة المجنونة لا تظل محبوسة في الرفوف في انتظار قارئ ما..
لا علم له بتاريخ الغلمة و الغواية، بأرتيميس و تُعامة أصل السماء و الأرض و لا علم له بِلوسالومي التي جننت ربه في العلم و مرجعه الأكبر، حاولت أن أنظر في عينيه و هو يتخبط كطفل يتعلم المسير، يقول ما أحفظه عن ظهر بطن في الكتب، " استرخي ، اتركي لنفسك حرية الكلام و التعبير..." التداعي الحر الذي ينهجه مع المكبوتين، أولئك المساكين الذين يبكون ماضيهم عند أول خروج عن الوعي تحت غطاء الثقافة الشمولية، الثقافة التي تشرع غياب العقل في حالة التطبب، لكن هل أنا عاقلة حتى أغيب عن العقل؟
كنت أقرأ استراتيجيته كاملة في داخل مخيلتي، أتوقع كل خطوة من خطواته و لا يخيب توقعي أبدا، يا له من ملل.
لو أنني غبت عن حالة التناسق في القول،لو عبرت عما كنت أفكر فيه آنذاك كنت لأصيبه بسكتة قلبية، لا يعرف الدكتور أن فرويد أصيب بالجنون بسبب امرأة و أن راينر ماريه ريلكه شاعر النمسا العظيم أصابه الاكتئاب بسب المرأة نفسها، أربعة عظماء كادت أرواحهم تزهق بسبب غواية قطة نمساوية شهباء،آخرهم مجنون القوة و الإرادة، و الآن، هو النكرة التي لا ذكر لها يحاول تحليل نفسية امرأة؟
كنت أراقب الأشياء في الصالون المرتب على أبجدية كلاسيكية، بعض التماثيل البرونزية الصغيرة من العصر الفكتوري، كتب صفراء على رفوف قديمة، يبدو أن الدكاترة يستمتعون بمظهر المكتبات الخشبية المُترفة و بالمدفئات من طراز العصر الوسيط..أذواقهم لا تختلف كثيرا، في سديم روتيني واحد يصطفون كالجراد..
في أول جلسة لم أرغب في الكلام، بقيت أستمع إليه و هو يتدفق، قال الكثير عن الحياة و الناس، سألني عن محيطي و بعض الأصدقاء و الأشياء التي تشممها كالكلب لينفذ منها إلى داخل قلعتي، لم يكن يعلم أن لا قلعة لي و أني ملكة في الريح، إمبراطوريتي على عروش الخمائل و السنديان، حيث حدودها من أرائك الوهم...
لكنه مثلك يا حبيبي كان مجرد رجل، فأنّى له أن يفهم؟
لا أريد اليوم أن أكتب لك عن أشيائي الصغيرة، فأنا أعرف أنك لا تقرأ رسائلي كاملة، ربما لا تقرأها على الإطلاق من يدري؟ قد تكون زوجتك عالمة بمراسلتي لك، قد تكون أحرقت كل الرسائل التي وصلت و كل الرسائل التي تصل دون أن تخبرك عن شيء، فالنساء جبانات جدا في هذه البقعة الخربة مثلهم مثل الرجال، لكن من يهتم ؟...
سأروي لك شيئا عن الجلسة الأولى ، لأنك من نصحني بالطبيب و أعطاني عنوانه...
كان يتحدث عن ضرورة التعاقد الأولي بين الطبيب و المريض و أشياء أخرى مملة:
+ ستكونين في أمان تام ما عليك سوى أن تخبريني عن كل شيء، إحساساتك، مشاكلك النفسية و العاطفية، الأدوية التي أخذتها، كل شيء، ثم استرخي تماما و افعلي ما أطلبه منك و ستشفين أكيد...
آخر زياراتي لصديقك الطبيب كانت قبل أسبوع، مدّني بهاتفه الخلوي الخاص و قال في ثقة تامة:
+ أنا في الخدمة دائما، اعتبريني صديقك و متى شعرت بحاجة إلى التحدث اتصلي...
في الغسق الأخير من الليلة الماضية جاءت الرؤى من جديد،كنت مهتزة قليلا، نمت على الوسادة و قلبي يجتزه الهلع، أحسست برطوبة الثوب الأبيض تنحت جداول بشرتي الرطبة و تدغدغها بلين يبعث على الشك، الضوء في الغرفة خافت و هادئ، كان الضوء يستريح، شممت رائحة النسيم قادمة من فتحة صغيرة من النافذة، و رائحة شجرة المسك الليلي فغمت أنفي حين اهتز الإزار الأبيض فاسحا لها مسلك العبور، أحيانا تكون الروائح الطيبة مبعثا على الخطر و الخوف ...
آخر مرة رأيت فيها تلك الرؤية كانت قبل فراقنا بأسبوع، بعدها تعدد الزوار و تعددت المسارات التي تتبعها الأحداث كل ليلة..
حين أحسست بأزيز الباب الخارجي للبيت اتصلت بالدكتور، قال :
+ هي مجرد تهيؤات طبيعية لفترة النقاهة، حاولي أن تفكري في شيء آخر، استثيري عقلك الباطن بالذكريات مثلا...
كان صوته مقتولا بالنوم و التعب..قطع الاتصال.
حاولت أن أشعل ذاكرتي بشيء ما، كنت أنت زيت و وقود ذلك الاشتعال، على أن رماد النار تكوم بسرعة في ثخوم الثغرين، لم تدم نار الذاكرة طويلا حتى خمدت، فقد هاجمت سيول النافذة موئل الشعلة، أطفأتنا بسرعة مثلما تنطفئ الفراشات المضيئة آن حلول الفجر..
كنت هنا فوق السرير ( حيث أكتب الآن هذه الرسالة)، ذات ليلة أذكرها و لا تذكرها، تسربل الثوب تحت فخذين مشتعلين حد الاحتراق، في الليلة الموعودة كانت مدارج النور تخفت حينا و تنضو عنها غبار السواد حينا آخر، لتشب نار القداسة في نهدي، يداك احترقتا باللهب المقدس، اخترقتني، لازالت أذكر كيف ضمّدتُهما بقبلتين بيضاوتين كشريط طبي، في احتكاكهما بنتوءات الصدر اشتعلت نار صغيرة عند رؤوس الأصابع..
أحاول أن أوقظ هذه الذاكرة، العقل الباطني يريد، لكن أطراف جسدي ترتعش مخافة أن ينفلت الريق الأخير من حلقي..
كان ضوء الغرفة خافتا و أصفره ينعكس على ألوان الجدران الناعسة، لثمتَني بين عيني و قلت ما معناه: لن تأتي الرؤى بعد اليوم، سأطردها..
صدقت آنذاك أن النافذة الصغيرة ستظل مفتوحة إلى الأبد، دون أن أخاف أنا.
فتحت سلسلة الثوب الأحمر بهدوءِ إله من جبل الأولمب، صدفات الصدر تطايرت لوحدها كأن جاذبية ما ضايقتها في مرساها على حافتي النهدين المتوسلين في بكاء، امتد الكفان مغلفين برغوة ساخنة نحو عنقي، فككت إبرة الحجاب عن شعري و رميت الشال المطرز فوق أرض الغرفة الباردة فدسناه بقدمينا، لامست المسافة الطويلة بين آخر الدقن و أول الكتف و حككت رمانتي الكتف بلطف و توأدة، كانت أقدامي تهتز و ركبتاي تصطفقان ككوبي قهوة و تسري في رعشة الخلق الأولى، في سيالتي العصبية كانت أشولك الغلمة تسافر متسارعة كإيقاع مرح...ثم لحست عنقي بشفتيك كما قطة شامية مرقطة، ببطء يبعث خذرا لذيذا ( يجتاحني لحد اللحظة كلما تذكرت) مسحت جغرافية الجيد و طوبوغرافية الجسد شبرا شبرا، آه كم كان البيت آمنا ذاك المساء؟، لم تكن الرؤى لتشغلني و أنت تفتح فيّ شوارع الرغبة، في عاصمة الشبق، متروبول اللذة، كنت أحس كأني آمنة أكثر من برج بابل، كصندوق حديدي بأقفال عملاقة كانت ذراعاك، لففت ذراعك حول خصري و ضغطتني برفق و حنو وبعض الخشونة حتى تكسرت ضلوعي دون ألم.. صنوين في الجرح كُنّا ، طفلين يلعبان تحت مطر الجسد و لا همهما أن تتسلل القطرات بين مسام الجلد، كان الدفء و كنت تملأني و تملأ المكان...
أحاول أن أطرد الأشباح الآن، من خلال تلك اللمسات المحرقة ، تختلط في مخيلتي صور تلك الليلة، ما قبل الأخيرة، كأننا كنا عريسين على مذبح آلهة القمر..
من الباب الخلفي يأتي نقير خفيف على الدفتين الكبريتين، و خطو خفيف يقترب، تثاءب الدفء الليلي من النافذة و كان القمر يتوهج وسط هالة من النور الشفاف..
من خلال الزجاج تبدت لي صورتك، كأنك القادم، تبسّمت ثم بكيت، ثم شعرت بالفزع..لم تكن أنت القادم بل كانت الأخيلة، فكيف أطردها؟
أعود إلى ذاكرتي ( لا تعترض دعني أذكرنا كيف كنت تحييني قبل أن تنثرني رمادا على سفح الغياب)..
أعود إلى ذاكرتي أحاول أن أستحضرك، أن ألدك من رحمي كي تؤنس وحدتي في خلاء البيت الشاسع، أرغب في الصراخ لكن بيتي الصغير ليس صحراء المكسيك، قد يحملني الجيران إلى صديقك الطبيب البليد..
أحاول أن أغافل الطيف الذي ينظر إلي من فتحة النافذة الصغيرة، عيناه مبرقتان كالرعد، يحملق في فأشعر أن برودة ما تشقق صدري و شفاهي، فأين أنت؟
قلت أين الدفء الذي منحتني إياه؟ ( لا أعاتبك الآن بل أحكي فقط فلا تعترض)، قلت أين صدرك أغرس فيه أنفي لأحس الأمان في رائحة جلدك الغريبة..
أريد أن أتنشقك لا أريد العلاج، أنت ، كنت وحيدة في البيت ، إبان مرور الطيف إلى الشق الآخر من النافذة، تصورتك تتحرك حول البيت كفراشة ربيعية رشيقة، أيام كنت تعود سكرانا ، تغني فأسمع صوتك قبل ولوج الباب الخلفي، أتعطر و أتزين لك فقط، أشعر بالدفء يغزو المكان، لم تكن الأطياف لتتجرأ على دخول البيت، وحدك كنت تدخله و تدخلني متى تشاء..
الرابعة و النصف، حان آذان الفجر، كلٌّ إلى صلاته و أنا أتلو أوردة غيابك، لازلت أمسك القلم و الطيف يحوم حول البيت، أشعر به قريبا جدا، سقط القلم من يدي فحملته مرة أخرى ، تذكرت...
كنت أكتب شيئا ذات ليلة ماطرة، جئت كالقطار في وقتك المحدد، على سكة الشوق و الحرائق المشتعلة جئتني، ضممتني فوق الكرسي من خلف، مررت يدك على جبهتي و في ساقية ظهري بلطف فسقط القلم...
سقطنا معه و لم نقم ...
يتصاعد الآذان بالتكبير و يتصاعد في جسدي رعش الخوف الآن، غطاء السرير يرقص تحتي من الخوف، أنتظر لحظة انخطاف قصوى يقتحم فيها الطيف باب الغرفة و يذبحني من عيني بشفرة حلاقة قديمة..
يغرس أصبعيه في عيني و يقتلعهما ثم يقطع أوصالي و يأكل قلبي بنهم وحش من وحوش الغابة، يمضغ أحشائي يلفظها على أرض الغرفة ثم يسحقها بحذائه العسكري...
كنت أنت قبله تقطع أوصالي بالشهوة، تقطع شفتي، تمزقني ...
تحت المكتب تعانقنا، تصاعد آذان ربّهم ، ضحكنا، مزقت ثوب النوم الشفاف على جسدي، فتطاير مزقا مزقا في فضاء الغرفة، انهمكت فيّ كأنك تحفر عن كنز في أرض الغرفة، و كنت ضئيلة منكمشة تحتك كقطة أليفة، في دفئك كنت منزوية، تملِكُني فأهيم في سقف الصالة بعينين معربدتين، تكتسحني غائرا كجرح عميق، فأرخي جفوني في سكرة العشق، أموء تحتك كما قطة مشردة و يغمرني الأمان من أخمص قدمي إلى منتهى جبهتي..
كنت أحبك حد التمزّق و كانت ثقتي فيك كبيرة كبر البحر و بعد السماء، ماذا الآن؟ تريدني أن أزور صديقك الطبيب؟...
حبيبي: ( سأظل أناديك حبيبي إلى آخر نفس رغم كل الخرائب التي خلفتها في روحي و جسدي و رغم كل الحروق التي تركتها على جلدي).
فلتذهب أنت و صديقك الطبيب إلى الجحيم، فلتغرقا في حمم الخراب و العفن، أنا لست حمقاء و لا مريضة، أنا أحبك فقط...
(تبكي و هي تخط الحروف)
أرجوك اعذرني عما قلت أرجوك، أحبك، أحبك أحبك...
لا أريد أن أعود إلى الطبيب، لازال الطيف يأتي كل ليلة، أريدك أن تطرده أنت، أن تأتي و تأخذني في حضنك كسداة صغيرة في قلب وردة، أن تطوقني بذراعيك فقط، هناك الآمان و سر الخلود و هنائي الأبدي...
سأعترف لك الآن، أنا أخاف وحدي هنا، أشعر أن كل شيء يحملق في بكره و ضغينة، جدران المنزل تهمس في أذني: أكرهك أكرهك، أخاف أن تجتمع و تلتصق علي في الممر إلى بيت النوم فتسحقني...الستائر تتمايل هامسة لي: خلفي هناك طيف سيثقب صدرك و يسلخ جلدك ثم ينشره حصيرا على أبواب المنزل الخارجية..
الكراسي و الطاولات تغير مكانها، لست أدري ما يحصل لي، الآن و أنا أكتب لك يتناهي إلي صفير حاد من الغرفة المجاورة، هناك حركة و صخب في الممرات، و النوافذ تصطفق رغم أني أغلقتها، في كل مرة تنفتح لوحدها.
أنا خائفة جدا وأفكر في قطع شرايين يدي، فهلاّ تأتي أيها الحُلم القصي...؟
ماذا لو تترك كل تاريخك و تحضنني هنا، نعود لنلتف كما كنا، كحبق متبرعم في سيقان شجرة، إن لم تأت سوف...
لا شيء لا شيء، سأظل لا شيء، قشة ضائعة في الريح لا وجهة لها سوى الوراء، سوى الغرق في ذاكرة تفيض بالدّمَلِ المفقوءة.
أتمنى أنك قرأت هذه الرسالة فقط، أتمنى أنك تشعر بوخزة واحدة من بحر الإبر الذي يرتق جلدي و يخيطني كلّما مزّقني إليك الحنين...
أحبك " فتاة الأخيلة.
حين انتهت من خط الرسالة، انزوت إلى ركن ركين من الغرفة، غادرت سريرهما الذي طالما ركضا فيه مع الخيول و استقرت على أرض غير مفروشة إلا من شال أحمر في الركن، تغرغر في حلقها ماء المرارة مشفوعا برحيق حار يأتي من أعماق الكبد...
أخرجت شفرة مُستعملة من علبة قديمة كانت تحت السرير...
و بقيت الرسالة مرمية هناك، لم تسافر إلى بريد الرجل الذي مزق أوتار القلب المُعنّى.
بقيت الرسالة هُناك وحيدة في ظلمة الغرفة .



#محمد_البوعيادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهقة جسد
- جمرتانِ
- زرهون يا معشوقتي
- خريف الجسد


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد البوعيادي - شفرة قديمة