علي عبد الكريم حسون
الحوار المتمدن-العدد: 3766 - 2012 / 6 / 22 - 01:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الناصري لقب تلقبّ به أبناء الناصرية
كتابات عن الناصرية
علي عبد الكريم حسون
أفرد الحلوائي جاسم القيادي الشيوعي المعروف , صفحتان من ذكرياته الموسومة ( الحقيقة كما عشتها ) , عنونها ( الأقامة مع الناصريين ) في إشارة لأختفائه عام 1979 , ذروة الحملة الأرهابية البعثية ضد الحزب الشيوعي وكوادره , في بيت حزبي في البياع ببغداد , إتخذته محلية الناصرية مقرا لها , بعد تشتت شملهم في مدينتهم . وفيه سكرتير المحلية الشهيد مزهر هول الراشد (( أبو كريم )) , الذي قضى في أقبية أمن بغداد دون أن يكشف سر رفاقه . كذلك الشهيدة منى أمين منشد ( موناليزا ) وأختها كوثر بنات العم أمين منشد ذلك المسيحي الآتي من قرى نينوى والمتزوج بنت من عائلة ( عرب ) الآتية من الشمال أيضا والمستقرة في الناصرية والمنجبين لأولاد وبنات , جميعهم أصبحوا شيوعيين : داود / أمير / جمال / سمير / منى / سحر / كوثر .
الأسهاب أعلاه أعادني إلى لقب ( الناصري ) الذي تلقبت به ثلة طيبة من أبناء الناصرية . فالناس إعتادت أن يكون اللقب لعشيرة أو مدينة أو مهنة . ويمكن القول أن جميع أبناء المدينة لم يتخذوا لقبا من ذلك , إلا إن كانت عوائلهم معروفة به , وطالما أنهم يسكنون المدينة , ولكن حين مغادرتهم إباها للدراسة أو العمل أو الهجرة للشتات , فيتخذونه لقبا للتعريف والفخر بمدينة منجبة للطاقات والأبداع . فالمهندس حسين الدجيلي والمدرس ناجي السعيدي عضوي محلية الناصرية لغاية 1963 ولدا وعائلتيهما تحملان هذا اللقب . وفي داخل المدينة كنا نحمل الأسم الثلاثي , ربما لأعجابنا ببيت الشعر :
ليس الفتى من يقول كان أبي إن الفتى من يقول هاأنذا
ومع ذلك كان هناك الشاعر عبد القادر رشيد الناصري , الذي إتخذت عائلته هذا اللقب المديني إعتزازا بالمدينة , التي إستقرت بها , إثر هجرتها من كركوك وكذلك عبد الرزاق الناصري .
في أواسط الثمانينات , كان لي جار ببغداد يعلق على باب شقته لوحة معدنية بإسمه : الدكتور عبد الستار الناصري ... في يوم من الأيام , جاءت ثلة ممن يلبسون الزيتوني . طرقوا الباب , إستفسروا منه عن لقبه هذا , ظانين أنه ينتحله تقربا من التكارته , وبالتحديد آلبو ناصر الذين ينحدر منهم المقبور صدام حسين . أخرج لهم دكتور اللغة العربية هوية الأحوال المدنية وفي حقل اللقب مذكور , الناصري . أخبرهم أنه من الناصرية .
وهناك شاعر من مدينة الثورة ببغداد , أمه عندما أتاها المخاض , ذهبت إلى بيت أختها القابلة في رفاعي الناصرية لتلد نصيف الذي حمل اللقب مفتخرا به منذ 1960 ولغاية الآن وفي المهجر أيضا , ليعرف به : نصيف الناصري .
مرة حدثني طبيب الأسنان الدكتور عبد الوهاب عبد الرزاق الناصري , في عيادته بالحارثية ببغداد . بأن مريضا , ماأن إتخذ مكانه على كرسي الأسنان , حتى بدأ بسيل من الترحيب بالدكتور , وأنه صحيح جاء لعلاج أسنانه , ولكن اللقب هو الذي أتى به , وإن ( ريحة ) أهل تكريت قد جذبته وأنه مسرور باليافطة الكبيرة والأخرى الصغيرة التي تحمل هذا اللقب . لم تنفع شروحات وتوضيحات د . عبد الوهاب له , بأنه من الناصرية وليس من تكريت , وأصرّ المريض , أن كل ذلك يدخل تحت باب المزاح والنكتة من قبل الدكتور .
لصديقي سامي وادي , إبن أخ , جاءت خدمته العسكرية بكل سنينها في أماكن بعيدة عن الجبهة , لابل في أماكن ترفيهية , مثل حراسة القوارب النهرية على دجلة قرب القصر الجمهوري . كل ذلك جاء على خلفية هوية الأحوال المدنية التي تحمل لقب الناصري . ويبدو أن إبن الأخ جليل وادي لم يحاول تصحيح ذلك , بل كان يلوذ بالصمت تخلصا من الجبهة والحجابات والموت المجاني .
على صفحات الأنترنيت قرأت وتابعت مقالات الرفيق والأخ أحمد الناصري , فتذكرت شابا يافعا متوردا هادئا , طالبا في الثانوية ورفيقا في الحزب . ومن مقالاته عرفت أن له صديقا مقيما في المهجر أيضا يحمل إسم شاكر الناصري ... حتى أنا حملت هذا اللقب الرائع (( الناصري )) أيام الجامعة في الستينات . وكثرة من رفاق الحزب في العمل السري حملوا لقب ( ناصرية ) بعد إسمهم الأول .
في بغداد كانت كلمة الشجرة الخبيثة تطلق على المدينة . والمؤكد أنه كان وراءها أجهزة الأستخبارات العسكرية , زمن الحرب العراقية الأيرانية . وبالتحديد حقبة الثمانينات . فبعدها إختفت المفردة وقلّ تداولها . السبب وراء إطلاقها واضح وبائن , فهي وسيلة من وسائل النظام الفاشي للأنتقام من المدينة العصية عليه , والمنجبة لهذه الوفرة من الأدباء والفنانين والباحثين والسياسيين . وقد تصدينا لها نحن المقيمين ببغداد من أبناء المدينة وقلنا لهم بدون وجل أو خوف بأنها الشجرة الطيبة . وأن الكلمة أطلقت من قبل الضابط الأنكليزي الذي إستعصت عليه شجرة كان يطلق من ورائها أحد الثوار النار عليهم .
وجوه من أبناء مدينتي
-----------------------
# أولاد العم موسى جياد : لتقاربنا في السن , كان أحمد هو زميلي في الدراسة المتوسطة والأعدادية , وفيها أصبح طريقنا واحدا مشتركا وللآن , على الأقل بالنسبة لي , في إتحاد الطلبة ومن ثم في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي . عائلته عصامية بمعنى الكلمة , شقت طريقها ناحتة بأظافرها صخر التقاليد الأجتماعية وبشرف تعتز به . فكانت الأخت الكبرى حمدية , زوجة المرحوم عاجل كريم ( كانت والدته أول شهيدة تسقط في الناصرية صبيحة 8 شباط الأسود ) تتصدر المقاومات الشعبيات في بيئة لم تعرف السفور , الا بفتاتين آنذاك هما ( مي الدهش وحنان جبار خضير ) . وأخ هو الأكبر , ضرب مثلا يحتذى به متسلقا وبكفاءة سلم التعليم الأبتدائي والدراسة الجامعية الأولية ومن ثم مرحلة الماجستير ببغداد . ثم كبوة عزاها هو إلى تفضيل الحزب الشيوعي العراقي لقريب الوزير الشيوعي مكرم الطالباني عليه , لبعثة الدكتوراه . وأخ آخر جاهد ليحصل على شهادة في إختصاص علمي ونجح وهو عدنان الأصغر. تواصلت وبتقطع مع العائلة وهي تسكن ببغداد في شقة بمحلة ( أبو سيفين ) الشعبية في شارع الكفاح , تتقاسمها مع عائلة صديقة لها ( عائلة عبد الحسين جولان ) في هذه الشقة العلوية , التي تحوي الكلبة عشتار , التي جاء بها الأخ عدنان جياد , العائد من دراسته في الأتحاد السوفييتي عن علم البحار والأسماك وشهادة صحية للكلبة . يسكن أحمد العائد من بريطانيا بشهادة الماجستير بالأقتصاد , مع أختين فاضلتين لهما , يزورهما محمد , الساكن في حي المنصور مع زوجة عانى الكثير ليكسر موافقة أهلها للزواج .
كانوا يحاصروني على الدوام في زياراتي المتباعدة لهم في الشقة , بسؤال يسأله كل المخلصين للحركة وللحزب ... عن الجبهة وتسلكات البعث والمصير المحتوم لنا . الآن وبعد كل تلك السنين , يتوجع الأكبر محمد في ذكرياته , عن تشتتهم كعائلة بقارات خمس .
# أولاد العم حنتوش :
عرفنا الأب المرحوم حنتوش , وهو يقطع جسر المدينة , من بيته في محلة الأسكان إلى ( الصوب ) الآخر على قدميه يوميا ولمرتين على الأقل . وعرفت من الأبناء هاتف الحلاق , والذي كان دكانه الصغير يؤينا , نحن شباب المدينة وتلامذة ثانويتها , ومن ثم طلبة كليات بغداد ومعاهد المعلمين . نتحدث معه في كل الأمور وشتى المواضيع , لم يضق بنا ذرعا ونحن نجلس على أريكتين متقابلتين في دكانه هذا , غير آبهين ولا هو بمن يريد حلاقة رأسه من الزبائن .
كان متعاطفا مع فكرنا , ويحتضن من يخرج من أقبية جلاوزة البعث , فيجلس المرحوم كريم خميس القصاب , الخارج من قصر النهاية , أواخر الستينات , يقص علينا ماجرى عليه من عذاب . يطري جلساتنا هذه المعلم القاريء والملتهم للكتب عبد الحسن حمد . ويضيف تعليقا حلوا ونكتة وطرفة مدرس الأنكليزية كاظم البندقجي والذي كان يجند الشباب الثوري للمنظمات الفلسطينية وينجح بذلك على الدوام .
بعدها وفي زمالة التدريس , تعرفت وعن قرب على أخويه , مدرسيّ اللغة العربية , خالد والمرحوم ماجد . الأول جاءنا من الفكر القومي وتنظيماته , مقتنعا بنا , عاملا في صفوف تنظيماتنا . والثاني بإناقته وهدوء طبعه ودماثة خلقه والمبتسم بأدب جم , وهو يخفي مرضا عضالا لازمه لينهي حياته بعدما تزوج وأنجب .
لي عودة للحديث عن وجوه وطنية أخرى من مدينتي
#علي_عبد_الكريم_حسون (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟