الحِزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ التُّركِيّ
السموأل راجي
2012 / 1 / 9 - 08:42
واحد من أعضاء النّدوة الأُمَمِيّة للأحزاب والمُنظّمات الماركسِيّة اللّينينِيّة المُنبثقة عن إعلان كيتو/الإكوادور 1994 هو الحزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ التُّركِيّ الذي نشر وثيقةً عن مراحِل تطوُّرِه بعنوان :"حِزبنا وتجاربه" أقُوم بتعرِيبها وتُنشر لأوّل مرّة .
تأسس الحزب الشيوعي الثوري في تركيا (TDKP) في فبراير /شباط 1980. وطِيلة هذه السنوات ال 32 وعِوَضًا عن الإستِقرار والتوسُّع،عاش ظُرُوفًا قاسِيَةً من إحتداد الصِّراع وتشدُّد الخِناق والمُلاحَقة وحتّى التّصفِية الجسدِيّة . لمعرِفة وفهم العناصر الرّئيسية للصّراع التي رسمت الملامِح الحالِيّة للحِزب لا مجال للمحِيد عن التّحلِيل المادِّي لتاريخِه في سياق الصّراع الطّبقِيّ في تُركِيا مِمّا أتاح لهُ تبوّأ مكانةً هامّة لدى الطّبقة العامِلة وإحتِلال مراكز مُتقدِّمة كِفاحِيّة بعد إضمِحلال أو تراجُع عدد من تنظِيمات "اليسار" المُدَّعِية للثّورِيّة والطّلائِعِيّة .
مَرّ الحِزب في سيرُورتِه بمراحِل حتّمها تزاوُج الذّاتِيّ والموضُوعِيّ فمِن وضعِيّة مُقاتِلِين في الجِبال إلى حِزب سِياسِيّ إلى تصفِية شامِلة إلى إنشِقاق فإعادة بِناء على قواعِد نِضالِيّة والحسم الطبقِيّ مع الشّوائِب البُورجوازِيّة الصّغِيرة وتمهيد الطّريق من فوق لبناء هياكِل وبُنَى حِزبِيّة ولِجان وتأطير شبيبة ونساء ؛يُمكن الحديث خلال كُلّ هذه الأطوار عن مرحلتَيْن مفصَلِيَّتيْن :مرحلة التّصفِية الأولَى من قِبَل القُوّة الغاشمَة المُناهِضة للثّورة والشّعب (بعد هزيمة الإطار الأوَّل وَالِدُ الحِزب أي جيش التّحرِير الشّعبِيّ التُّركِيّ (THKO) )في عام 1971 بمُساعدة عسكرية خارِجِيّة للقُوّات الفاشِيّة،والثّانِيَة مُحاولات حلّه بعد الإنقلاب العسكريّ في سبتمبر/أيلُول 1980 بقيادة الجنرال كنعان ايفرين) ، ثم المرحلة الثّانِية المُتمَيِّزَة بمُحاولات تصفِيَتِه من قِبَل الجناح التّصفوِيّ في الحِزب خلال سنَتَيْ 1985-1987. ومع ذلك ، ورغم حجم الإنتِكاسات والضّربات المُؤلِمة المُوجَّهَة لهُ تمكّن الجِهاز القِيادِيّ في التّنظِيم من تجاوُز نِقاط الضُّعف والوُقُوف عند مواطِن الخَلَل وإعادة تجمِيع قُواه وتجدِيدِ هياكله والعمَل على الإرتِباط والإلتحام الوثِيق بالطّبقة العامِلة والشّعب.
واصَلت الطّلائِع الثّورِيّة للطّبقة العامِلة التُّركِيّة مسارَها مُقابِل مساعِي حفّارِي القُبُور الرّأسمالِيّة لِسَحقِ المُمكِنات الكِفاحِيّة ولم يكُن بالإمكان منع الشّيُوعِيِّين الحقِيقِيِّين المُتبَنِّين لبرنامج الثّورة العُمّالِيّة والعامِلِين من أجلها ميدانِيًّا من الإستعادة السّرِيعة لتركِيزِهِم على مهامِّهِم التّارِيخِيّة حتّى في لحظات الإعلان التّصفَوِيّ عن "الوُجُود السِّيَاسِيّ" للحِزب .
جيش التّحرِير الشَّعبِيّ التُّركِيّ THKO والمسار المُفضِي إلى تشكُّل ملامِح الحِزب
مثّلَت سنة 1968 وما تلاَهَا فترةً خِصبةً للحراك الشّبابِيّ في أُورُوبّا والعالم هزّت قِيَمًا ونقضَت مفاهِيم وتأثّر قادتُها ببعض الطّرُوحات الماركسِيّة وإنعكست أجواؤُهَا على الشّباب التُّركِيّ المُناضِل الذي تداوَل فيمَا بينهُ كأقرانِه في باريس وبرلين ولندن المفاهِيم المُجرَّدة والمِثالِيّة للحُريَّة فإكتَسَت الحركة بطابعٍ فوْضوِيٍّ رغم حمل التّنظِيمات المُنبَثِقة خاصّةً بعد سنة 1970 لمُسمَّيَاتٍ إشتراكِيّة وبروليتارِيّة إلاّ أنّهُ لم يكُن لها أيّةُ علاقةٍ بالنّظرِيّة أو بالطّبَقَة وإنّما كانت عُصْبَات عمل برجوازِيّة صغيرة تُعنَى بالتّرف الفِكرِيّ وإحتِراف النّقاشات البيزنطِيّة دُون الإلتِصاق بالواقِع وفي كلمة كانت تنظِيمات وحركات لا تُفَكِّرُ برأسِها وإنّما بالكلاسيك دُون إتِّخاذه كمُرشدٍ وأداةً للتّحلِيل وفهم الواقع والتّخصِيص .
وإذا ما تركنا جانبا وبِصِفةٍ قصدِيّةٍ العوامِل الفِكرِيّة الطّبقِيّة الدّاخِليّة والخارجيّة مِنْها ،فإنّ أبرز سِمات الضُّعف المُؤدِّي ضرُورةً للإنحِلال تمحْوَرَت حول تعالِي شباب ما بعد 1968 على البرُولِيتارِيا وعدم إلتِحامه بالشّعب ، وعلى الرّغم من النّقائِص الكارِثِيّة ،فلقد أنتجت الموجة مُثقّفِين ورُوّادًا من الشّبابِ ومُناضِلِين ذاقُوا ويلاَت القمع مع وعيٍ طلِيعِيٍّ بضرُورة التّنظُّم ، واحدة من تلك التّنظِيمات كان جيش التّحرِير الشّعبِيّ التُّركِيّ THKO النّواة المُنْبَثِقِ مِنها الحزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ التُّركِيّ ،تأسّس على يد دُنيز جزمِيز (Deniz Gezmis) وحُسيْن عِنان ويُوسِف أصلاَن وسِنان سمجِيل (Sinan Cemgil) ورِفَاقِهِم .وتميَّز دُنِيز بشخصِيّتِه الفذّة وبِنِضالاتِه التي جعلت مِنهُ رمزًا لحركة الشّباب التُّركِيّ في 1968 كما تحَلَّى رِفاقه بحجم تأثِيرٍ شبابِيٍّ هامٍّ إستغلّهُ جيش التّحرِير ليَكُون في وقتٍ قِياسِيٍّ من أبرز المُنظّمات التُّركِيّة رغم بُعدِه عن الطّبقة العامِلة .
إعْتَقَد مُناضِلُو الجيش أنّ مجمُوعة صغِيرة مُسلّحة قادِرة على إنجَاز الثّورة وجَرِّ عُمُوم الشّعبِ لمُعسكَرِها وخَطِّها ، مِمَّا دَفَع بهِم إلى إمتِلاك السِّلاَح وفهم أسالِيب العمل بِهِ ونَشْر الكِفاح المُسلَّح في أرجاء البِلاد ،جديرٌ بالذِّكر أنّ هذا الشّكل النِّضالِيّ لم يكُن جديدًا في تُركِيا وإنطلَقَ مُجدَّدًا في 1968 ليخفُت صوتها مع إندِلاع الحِراك الجماهِيرِيّ العامّ والذي إنخَفَض نَسَقُهُ بِدايةً من سنة 1970 بإرتِباط مع الهجمة الرّأسمَالِيّة وتوالِي الدّعم من الإمبريالِيّة الأمرِيكِيّة وضخّ الإستثمارات بما حدَا بقادة الشّبابِ المُنتَفِض إلى اللُّجُوء للسِّلاَح وتكوِين فِرق مُقاتلِين ضِدّ داعِمِي النِّظام شبه العسكرِيّ الحاكِم في أنقرة وإرتِداء "زيًّا يسارِيًّا" .
إنتشر الإستياء في الشّارِع التُّركِيّ بعد إنقِلاب ممدُوح طُغماتِش المُعْتَضِدِ بفيالِق شِبه عسكرِيّة يمِينِيّة أُطلِق عليها دُولِيًّا الغلادِيُو لتُعلَن الأحكام العُرفِيّة ويضرب العسكرُ بِيَدٍ من حديدٍ ونارٍ على أيادِي المُعارَضة في 12 مارس/آذار 1971 ،وحُضِرت المُنظّمات المِهَنِيّة وحُلَّت النّقابات وإتّحادات الشّباب وسُحِقت الحركة الشّبابِيّة كما ذُكِرَ وزُجَّ بآلاف الطّلبة والنُّشطاء والمُثقَّفِين للسُّجُون والمنافِي وجرت عملِيّات تصفِيةٍ كثيرة وأُفْتُتِحت "محاكم التّفتِيش" الصُّورِيّة ووُضِع البرلمان تحت قبضة المُؤسَّسة العسكرِيّة وأُعْدِم يُوسف أصلان يوم 6 مايو/آيار 1972 برِفقَة حُسيْن عِنان وأُلقِي القبض على دُنيز جزمِيز في طريقِهِ إلى سبسطِيّة (سيواز) وأُعدِم معهما بعد مُحاكمة جرت يوم 16 يوليو/تمُّوز 1971 برِئاسة الجنرال علي الوردِيّ (Ali Elverdi) ونُفِّذ الحُكم في آخر ساعات اللّيل وآخر كلماتهم هي :"عاشت تُركِيا،عاش الإخاء بين الشّعبين التُّركِيّ والكُردِيّ،المجد العالِي للماركسِيّة اللّينينِيّة،نخدم الشّعبَ وتتذيّلُون للإمبريالِيّة،..."وبِتصفِيَتِهِم،مُنِيت الحركة بخسارةٍ فادِحةٍ.
يُمكِن تقيِيم حِراك 1971 على أنّهُ ذُو مضمُونٍ ديمُقراطِيّ ،ومثَّل جيش التّحرِير الشّعبِيّ التُّركِيّ تنظِيمًا ثورِيًّا لعِب دورًا رئيسِيًّا في تلك الفترة على أنّ خَطَّهُ بُورجوازِيّ صغير مشُوبٍ بالمُغامراتِيّة لم يرتَقِي إلى المُتطلِّبات الماركسِيّة اللّينينِيّة للحِزب ولا تمكّنَ من عَرْضِ ونشر الإشتراكِيّة العِلمِيّة وبرنامجَهَا السِّياسِيّ الخُصُوصِيّ للشّعب التُّركِيّ فتحتَّم عليه الإنهِيار وتلقِّي الهزِيمة السّرِيعة أمام آلة القمع خاصّة مع تنامِي قُوى الرِّجعِيّة واليمِين بالنّظرِ لتموقُع تُركِيا في محوَر حلف الأطلسِيّ الدّاعِم العسكرِيّ والمالِيّ الرّهيب للعسكريتاريا والبُورجوازِيّة الكُبرى العميلة في البِلاد ،كما لم تشهد السّاحة دورًا يُذكَر للحزب التّحرِيفِيّ المُوالِي لمافِيا الكرملِين فجسّدت أولَى مُحاولات تصفِية التّجارب الثّورِيّة التُّركِيّة خسارةً قام الشّباب المُناضِل بتقيِيمها ونقدِها وفتح أبواب النِّقاش في كافّة تفاصِيلها مع الإنطِلاق من نُقطة إتّفاقٍ عامّة حول تحرِيفِيّة مُوسكُو وأحزابِها.
في البِداية ،إستبعد النُّشطاء المُتبقِّين لجيش التّحرير كُلّ القُوى الإصلاحِيّة وركّزُوا على الجوانِب التّنظِيمِيّة والسّياسِيّة والخطّ السّائِد فتوصّلُوا لِتَبَنِّي الماركسِيّة اللِّينِينِيَّة على أساس أنّها النّظرِيّة الثّورِيّة للطّبقة العامِلة وأداة التّحلِيل المركزِيّة للشّيُوعِيّين الحقِيقِيِّين بما يقتضي ضرُورةً الشُّرُوع في بِناء خطٍّ للحزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ كطرَفٍ مُستقِلٍّ عن التّحرِيفِيِّين من اليمين واليسار ليكُون هيئة أركانٍ برُوليتارِيّة . قاربت عملِيّة النّقد الذّاتي على نِهايتها في مرحلة إعادة التّأسيس بين سنتَيْ 1973/74 وإتُّخِذَت أُولى الخطوات الحاسِمة سنة 1975 بدعمٍ وتأييدٍ من الحِزب الشّيُوعِيّ التُّركِيّ الماركسِيّ اللّينِينِيّ الذي أسّسهُ إبراهِيم كايباقايا ( Ibrahim Kaypakkaya ) الميّت تحت التّعذيب في مايو/آيار 1973 وكذلك بمُشاركة من الحِزب/الجبهة الثورِيّة لتحرير الشّعب (le TKP(ML)) بقِيادة دُورصُون كاراتاس ( Dursun Karatas). ومثَّل إصدار وتوزِيع كُتيّبات "النقد الذاتي لِماضِينا" و "مشكلاتنا والماركسيّة اللّينينيّة" تتوِيجًا للمَسَار المُعزَّزِ بتأسِيسِ اللّجنة المركزيّة المُؤقّتة في عام 1975 لِيَتِمّ إقرار نشر اللِّسان المركزِيّ النّظَرِيّ بِصِفةٍ غير قانُونِيّة بالطّبع تحمل إسم :"الرّفِيق" تحمّلَت أعباء الحرب ضِدّ الإصلاحِيِّين والمُراجِعِين قديمهم وجديدهم والتيّارات المُغامِرة واليُسراوِيِّين وعلى صفحاتِها نُشِرَت أُولَى لَبِنات الأُسُس الفِكرِيّة والتّنظِيمِيّة لحِزب الطّبقة العامِلة التُّركِيّة ؛ كما جسّدت النّشرِيّة محطَّةً فارِقةً سَرَّعت من النّقد والنّقد الذَّاتِيّ ودَفَعت التّنظيمات الثّورِيّة الصّغِيرة للإنصهار في المشرُوع الماركسِيّ اللِّينِينِيّ وكرَّست آلِيّةً ملمُوسةً للوُصُول إلى الوِحدة الحدِيدِيّة كأروعِ ما تكُون الوِحدة بين الثّورِيِّين وهدفُهُم تأسيس الحِزب .
إحتَضَن العدد الأوّل من "الرّفِيق"(Yoldas) نُصُوصًا عن "نقد المُغامراتِيّة البُورجوازِيّة الصّغيرة " وعن "النِّضال من أجل أن تكُون الثّورة من صُنعِ الجماهِير" عبر تحلِيل وفهم دورِها التّارِيخِيّ والإجتماعِيّ وبالتّالِي العمل على توعِيتِها وتحديد مهامّ الطّبقة العامِلة ومن ثمّة الإنغراسُ فيها وإنتداب عناصرها الأكثر كِفاحِيّة ووعي بمَا وضع على المِحكّ مهامّ الإرتِقاء نوعِيًّا بجيش التّحرير الشّعبِيّ (THKO) إلى حِزبٍ ثورِيٍّ مُستقِلٍّ للبروليتارِيا بدُونِه يستحِيلُ التّغيِير الجِذرِيّ وتتحوّلُ الإشتراكِيّة إلى مقُولةٍ جوفاء مُجرّدة .
رغم وُجُود العُيُوب في بعض نُصُوص "الرّفِيق" وتوفُّر الأخطاء ، فإنّهَا بيّنت على الأقلّ ورسمَت الملاَمِح المُستقبلِيّة للتّنظِيم والخطّ الفِكرِيّ والسِّياسِيّ لهُ وحدَّدَت نِهائِيًّا دربَهُ بما جعلهُ حِزبًا ماركسِيًّا لِينِينِيًّا نواته القِيادِيّة هيئة عُليا ولجنة مركزِيّة مُؤقّتة وتسُودُ حياته المركزِيّة الدِّيمُقراطِيّة وحدّد حتّى أُولَى مُؤتمراته .
إعادة بناء المُنظّمة وقرار إنشاءِ الحِزب
أُعتِبر تشكيل اللّجنة المركزِيّة المُؤقّتة ونشر "الرّفِيق" (Yoldas) إنْطِلاقةً ملمُوسةً في إعادة بناء المُنظّمة ،بالتّوازِي مع إنتِعاشِ الحركة الجماهيريّة، على أساسٍ جديدٍ ، وإقتضَى ذلك القِيام بِنقْدٍ عمِيقٍ للتّنظِيرات ومُختلف المنظُومات الفِكرِيّة الوَلِيدة في إتِّساقٍ مع ما تشهدُه الحركة الشّيُوعِيّة في العالم من مُختَلَف الزّوايا . وقدَّمت النّشرِيّة المركزِيّة إجاباتٍ في المُستوى الفِكرِيّ حيثُ وضعت الخيط الفاصِل بين طرْحِها وطُرُوحات المُراجِعِين الجُدُد وجماعات الكرملين والمُعادِين التّرُوتسكِيِّين وسلَّطَت الضّوء في الوُضُوحِ على موضُوعات ومباحث وعُلُوم الماركسِيّة ومُؤلّفات القادة دُون الإنزِلاق في تحوِيل المُنظَّمة لمُنتَدَى نِقاشاتٍ مفصُولة عن إنجاز مهامٍّ ميدانِيّة والإقتِصار على مُناضراتٍ في مسائِل حُسمت على أرضِ الواقِع للتّأكِيد على أهمِّية الإلتِحام بالجماهِير والإنغراس في البروليتارِيا وقيادة الإضرابات والإعتصامات وجدوى التّوزِيع المُوسَّع وإستقطاب الشّباب . في فبراير/شباط 1976 تمّ إصدار نشرِيّة جماهِيرِيّة بعنوان :"إنعتاق الشّعب" ( Halkin Kurtulusu) كأداةٍ لتوعِية وتنظِيم الجَماهير بما يعكِسُ جِدِّيَة الجُهُود في إتِّجاه تأطِير الحركة العُمّالِيّة والشّعبِيّة والسّعي لتأسِيس الحِزب.
ساهم المُناضِلُون في النِّقاش العالمِيّ حول الإستِقطاب الثُّنائِيّ الدّائِر بين بيكين ومُوسكُو ،ورغم تبنِّي طُرُوحات ماو إلاّ أنّهُ بمُجرَّد صُدُور نظرِيّته التّعِيسَة حول العوالِم الثّلاَثَة وحول صراع الخُطُوط داخِل الحِزب تمّ إعتبارُه إنحرافًا يُسراوِيًّا وأُدِين طرحُه الثّالُوثِيّ في العدد الثّانِي من النّشرِيّة النّظرِيّة ونُقِشَت أُطرُوحة "الفاشِيّة الصّاعِدة" ( theory of "rising fascism") لتعمِيق خطّ المُنظّمة السِّياسِيّ في العدد الرّابِع . إلاّ أنّ عدم المُناقشة المُعمّقة لماو وعدم الحسم الجِدِّي مع نظريّته في العوالِم الثّلاثة مكَّن جُيُوبًا من قوى اليمين وعناصر التردُّد من التسلُّل إلى التّنظِيم لِتَتَكَتّل فيما بعد وتندلِع معركة داخِلِيّة بين عامَيْ 1976/77 تحوَّلَت إلى مُعِيقٍ جِدِّيٍّ للمُضِيّ في ثنايا التّأسِيس وإحدى أهمّ لحظات تاريخ الحِزب .
عمل الشّيُوعِيُّون الحقِيقِيُّون على التصدِّي للتكتُّل الولِيد على المُستوى النّظرِيّ بنِقاش أعمال ماو في كُرّاس "النّضال ضِدّ الإمبِريالِيّة ومسألة التّحالُفات الدّاخِلِيّة" كما صِيغ مبدأ " في الصِّراع ضِدّ الرِّجعِيَّة،لا يُمكِن الإعتِماد على قُوّةٍ رِجعِيَّةٍ أُخرى" كما رُفِضت الإئتِلافات داخِل الحِزب ودُحِضت الأجنِحة ونُوقِشَت مسألة تناقُض مقولة صِراع الخُطُوط داخِل الحِزب مع اللّينينِيّة . مثَّل وُجُود وإختراق اليمِين فِعْلِيًّا إرهاقًا للتّنظِيم كَلَّفَهُ إضعاف مواقِعِه صُلب العُمّال والشّباب وتمظهر الحُضُور الماوِيّ التّحرِيفِيّ في تردُّد وإرتِباك المواقِف والتّكتِيكات والإنزِلاق الجُزئِيّ في اللاّجماهِيرِيّة والنُّخبوِيّة مِمّا أجّج الإنتقادات الدّاخلِيّة وخاصّة من الرِّفاق المساجِين المُدافِعِين عن النّقاوة الماركسِيّة اللّينينِيّة والمُنادِين بالحسم مع المجمُوعة المُتكتِّلَة بإرتِباط مع مُعاداتها للشّيُوعِيّة .
بعد وقت قصير من بداية الرُّكُود والتّراجُع التّنظِيمِيّ ، شرعت اللّجنة المركزِيّة المُؤقّتة في عملِيّة تقييمٍ ونقدٍ ذاتِيٍّ وحُسِم الخِلاف برَفتِ المجمُوعة التي أوصلت التّنظِيم لنتائِج مُدمِّرة خاصّةً بعد مُواصلة دِفاعها الأرعن عن نظرِيّة العوالم الثّلاثَة ، وبِذلِك وُضِعت الأقدام على أهمّ درجات التّأسِيس عبر توجِيه سِهام النّقد لكافّة أعمال ماو وصدرت نشرِيّة إضافِيّة نظرِيّة بإسم "راية الحِزب" (Parti Bayragi) مرفُوقة بالأرضِيّة السِّياسِيّة ولعِبت "الرّفِيق" دورًا لتأطير النِّقاشات الدّاخِلِيّة في حين كانت "راية الحِزب" حاضنةً لنقد خمسين سنةً من الإنحراف الماوِيّ والتّحرِيفِيّ والتروتسكِيّ والمُراجعات الحدِيثة الأمر الذي جعَل من التّنظِيم قارِئًا لتاريخ الإتّحاد السُّفياتِيّ ومُتموقِعًا في الحركة الشّيُوعِيّة العالمِيّة وحاسِمًا في كُلّ الطُّرُوحات المُعادِية للماركسِيّة اللّينِينِيّة ؛ وخِلال فترة قصِيرة،حدَّدت المُنظّمة الخطّ الطبقِيّ الحاسِم بينها وبين بقِيّة الأطراف المُدَّعِية للإشتراكِيّة والشّيُوعِيّة .
لم يكن التقدم في المُنظّمة يستند فقط على نشر مسائِل نظريّة وسياسيّة ، أو فقط على مُحاولات إعداد أسُس البرنامج إذ عملت اللّجنة المركزِيّة المُؤقّتة على إعادة التنظيم على قاعِدة السريّة وتطوِير الإمكانِيّات للإستفادة من الأساليب القانُونِيّة مُستنِدًا إلى تعاليم لينين حول :الحِزب السِرِّي والنِّضال القانُونِيّ" فشُرِع في بعض الخطوات الهيكلِيّة ورُبِطت نواتاة مُنظّمات الحِزب ونُظِّمت حلقات التّكوين والتّثقِيف وشارك مُناضِلُو جيش التّحرير في المسيرات والمُظاهرات .
في ظُرُوفٍ كهذِه،عقد الحِزب ندوةً وطنِيّة وشرح معالم خطّه وتصوّراته لعُمُوم مُناضِلِيه أواخِر سنة 1977 حيث جُدِّدت دعوات الوِحدة الدّاخِلِيّة وأُقِرّ موعِد المُؤتمر وتشكّلت اللِّجان التّحضِيرِيّة . في أكتُوبر/تشرين الأوّل 1978إنعقد المُؤتمر في جلساتٍ مُغلقة وبإحتِياطاتٍ أمنِيّةٍ فائقة وأُقرّت وثائق اللّجنة المركزِيّة المُؤقّتة المُتعلِّقة بالنّقد والنّقد الذّاتِيّ كما ناقش إجراءاتها التّنظِيمِيّة وقرّر المُؤتمرُون تغيير إسم جيش التّحرير الشّعبِيّ إلى الحِزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ-مُنظّمة البِناء (TDKP - IO).
بِناء الحِزب ونِضالاته
بدأ جيلُ ما بعد المُؤتمر الأوّل في نِضالِه بأكثر ثِقةٍ خاصّة بعد رفتِ القُوى التّحرِيفِيّة ووضع لوائِح التنظُّم ومُقرّرات المُؤتمر بما ساهم في إعادة بِناء السِّمات الثّورِيّة للهياكِل المُشوّهة جزئيًّا بالإختراقات اللّيبراليّة الأمر الذي عمّق وُضُوحه المُؤتمر الثّانِيّ.
بعد خمس سنوات النّضال الشاقّ مُنذ سنة 1975 وعبر النّقد الذّاتي والتّقيِيم المُستمِرّ نجح التّنظِيم في توثيق الرّوابِط مع الطّبقة العاملة وكرّس التوجّه للماركسيّة اللينينيّة ، فأسّس الحِزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ TDKP الذِي نالَ مركزًا مرمُوقًا في النُّخب السّياسِيّة التُّركِيّة والكُردِيّة وفي الأوساط الشّعبِيّة والحركة الشّيُوعِيّة العالمِيّة .
خاضت هياكِل الحِزب من جديد صِراعًا مع المجمُوعة التّصفوِيّة التي تبَنَّت مبدأ حَلِّ التّنظِيم والإعلان عن الإستقالة السِّياسِيّة وخرجت الكُتلة سنة 1987 بما منح التّنظِيم إمكانِيّةً إضافِيّةً للإنغراس وتقييم المواقِف وصياغة التّكتيكات المُعاقة خاصّةً بعد المُؤتمر التّأسِيسِيّ في 2فبراير/شباط 1980 المُنعقِد في إزمِير ، مِمّا جعل من الفترة المُمتدّة من ذلك التّارِيخ لحين مُؤتمره الثّانِي فترة صِراعٍ حسمها مُؤتمر 1996 كنُقطة تحوُّلٍ نِهائِيّةٍ صحَّحَت أوجه القُصُور في عملِيّة إعادة البِناء المُنبثقة عن الصّراع ضِدّ الكُتلة التّصفوِيّة على قواعِد ثورِيّة وأرضِيّةٍ تقطعُ مع التّحرِيفِيّة ونزعات المُراجَعَة المُرافِقة لعملِيّة الإنهيار الأخير للكرملين . ولِتحقِيق أهدافِه وضع الحِزب نِقاطًا تتمحورُ حولها مهمّاتهُ التّنظِيمِيّة بالأساس ، وتتلخّصُ في :
-ضرُورة الكِفاح من أجل تحوُّل الحزب إلى الجماهِيرِيّة عبر الإلتحام بالبروليتارِيا وإحتِضان القوى الثّورِيّة اليقِظة من الشّعب وبتطوِير وتعدُّد مُبادراتِه ونِضالاته وإسهاماته في الحِراك اليومِيّ الميدانِيّ وتوعِية العُمّال بدورِهِم في الصِّراع الطبقِيّ حتّى يكُون عن جدارةٍ الطّليعة التّنظِيمِيّة للعُمّال والشّعب.
-يُبنَى الحِزب على أساسٍ كبيرِ من الوِحدة الحدِيدِيّة وبإرتِكازٍ على المركزِيّة الدِّيمُقراطِيّة ويمتدُّ عبر المُنظّمات الجماهِيرِيّة ويُؤثِّرُ في النّقابات .
-يعمَلُ على إسناد الأعداد المُتزايِدة من الشّغِيلة الواعِيَة عبر دفعِها لتسريح عجلة الصِّراع الطّبقِيّ والتحلِّي بالجُرأة وتشكِيل مُنظّماتِها المِهَنِيّة.
الخلاصة : خِبرة في النِّضال ونجاحٌ في المهامّ
تاريخ نضال الحزب الذي صنَع حاضِرَهُ وشكّل موقِعهُ ومواقِفَهُ وحدَّد إتّجاه تطوُّره ينُمّ عن تجرِبَةٍ وزخمٍ كبيرٍ راوح بين المَدِّ والجَزر ، ووصل إلى وضعِه الرّاهِن عبر كِفاحٍ شاقٍّ راكم الفشل والهزائِم والنّجاحات وجذَّر النِّضالات في سبِيل تحقيق أكبر قدْرٍ من نجاعة الإنصهار والإلتحام بالطّبقة العامِلة .
على دربِ التحوُّل لمُنظّمةٍ جماهِيرِيّة،تدرّج الحِزب من جيش التّحرير الشّعبِيّ في السّبعِينات للحزب الشّيُوعِيّ الثّورِيّ الحالِيّ فكان حاصِلاً لمجمُوع منظّماتٍ للطّليعة الثّوريّة وقلْبًا لعُمُوم الحركة العُمّالِيّة والشّعبِيّة في تُركِيا ، شاهِدًا في سيرُورتِهِ أحداثًا مُتناقِضةً وأنساقًا مُتفاوِتةً صُعُودًا ونزُولاً يُوجِّهُ خِطابَهُ إلى الشّباب الثّورِيّ والعُمّال والأقليّات المُضطهدة .
لم تنعدِم على الإطلاق ثِقة مُناضِلِي الحِزب في الشّغيلة والشّعب رغم المِحن ولم يغِب الجوهر العُمّالِيّ لمواقِف الحِزب عن أدبِيّاتِه وسلُوكه فكان خطُّهُ ولا يزال مُستنِدًا على التُّراث النظرِيّ الفذّ لماركس وإنغلس ولينين وستالِين مُستفِيدًا من التّجارب التّارِيخِيّة للحركة الشّيُوعِيّة العالمِيّة مُتميِّزًا بِشجاعته في طرح الموضُوعات ومحاوِر النّقد والنّقد الذَّاتِيّ وتحوّل وضع المُناضِل أمام إختِبار إعتماد الماركسِيّة اللّينينِيّة كمُرشِدٍ وأداةً للتّحليل إلى قانُونٍ داخِلِيٍّ ، والمُمارسة والنِّضالِيّة تُحدِّدُها الميادِين وحدَهَا والمقدرة على الإنغراس وتوسيع القاعدة الحِزبِيّة .