- الربيع- و الشباب . . اليسار و - المتمدن - 3


مهند البراك
2011 / 12 / 15 - 21:38     

و من الطبيعي ان تجد القوى اليسارية و الديمقراطية بظروفها المارة الذكر، في "الربيع" فرصة لتفعيل دورها في التحركات الجماهيرية السلمية الواسعة التي تنادي باهدافها ذاتها من اجل تحقيق مطالب اوسع الفئات الشعبية بكل اطيافها، فشاركت و تفاعلت كما مرّ، و عززت مبادراتها و نشاطها و تفاعلها، و حدّث قسم منها خطابه و رؤيته و تنسيقه مع الآخرين المتواجدين معاً، و انفتح على مطالبات الجماهير و الشارع . .
و اخذت تنضم اليها اوساط شابّة جديدة من شباب و شابات برز كثير منهم من نضالات الشارع و صاروا يقودون تلك الإنتفاضات و اثبتوا جدارتهم و قدراتهم، رغم المواجهات العنيفة التي تلقّوها من قبل الحكومات وفق اوضاع البلد المعني . . في ظروف تغيّرت و تتغيّر فيها المُثُلْ و تصبح خليطاً معقداً من اقطاعية و تجارية و شبه راسمالية طفيلية، الى متعطّشة للحرية و منادية للحداثة و لتقدم البلاد الحضاري اسوة بما يجري في العالم . .
من جهة اخرى يرى متابعون ان انتفاضات الربيع قد دفعت قوى اليسار والديمقراطية اكثر الى ادراك اهمية توحيد صفوفها في بيت يساري ديمقراطي يُتّفق على مواصفاته، و صار هناك تحركاً اكثر نشاطاً نحو توحيد قوى اليسار الناشطة، التي تشتت بفعل عوامل و ضغوطات و اغراءات، غالبها موضوعية الآن، اضافة الى الذاتية التي لم تعد خافية . . بعد ان ادركت اوساط اوسع، ان تشتت قوى اليسار و انشغالها بصراعات فيما بينها، لا يضعفها ويهمش دورها وعلاقتها بالمجتمع وأهدافه فحسب، بل ويفوت عليها حتى فرصة المشاركة في الدفاع عن المجتمع و آفاقه، و في التأثير على الأحداث الجارية والمشاركة الفاعلة فيها . .
ففيما وصل قسم منها الى الفوز في الإنتخابات سواء في قوائم متفرقة او كشخصيات . . رغم الإعلام الكثيف الذي غطى تغطية مقصودة و بتهيئة قوى دولية و اقليمية كبيرة، و اوصل الى اعتقاد البعض بانه فوز ساحق للقوى الإسلامية لوحدها(1). . في وقت لعب فيه التشتت و انعدام الوحدة و التنسيق بين القوى و الاحزاب و القوى اليسارية و الديمقراطية بسبب عدم الإتفاق على كيفية الجديد و بسبب ادوار المال و اغراءات السلطة في ذلك . .
دفع الشعور باهمية وحدة اليسار الحزب الشيوعي اللبناني لعقد مؤتمر ناجح لقوى اليسار الديمقراطي اللبنانية في العام الماضي، و بنفس النبض و بتأثير ضرورات النشاط في ربيع المنطقة اعلنت وحدة " جبهة القوى الإشتراكية في مصر" (2)، و استطاعت القوى اليسارية و الديمقراطية و المستقلة التقدمية في العراق تشكيل التيار الديمقراطي العراقي، بمشاركة الحزب الشيوعي العراقي . . التيار الذي عقد مؤتمرا تاسيسيا علنيا ناجحاً . .
و في وقت يرى فيه مجربون ان مفهوم الحزب الصغير ذو الجماهيرية التي تؤمن موقعا و نجاحاً في الانتخابات هو الأهم في هذه المرحلة تحديداً . . يرى آخرون ان قيام وحدة عمل اليسار الديمقراطي وفق الظروف الملموسة تتمم ذلك، سواء في هيئات تنسيق ميدانية مؤقتة او ثابتة، هيئات تنسيق عليا، جبهة و ميثاق منظّم للعمل، مجلس او قيادة كونفدرالية للجميع مع احتفاظ كلّ مكوّن بكيانه . . سواء كان ذلك ستراتيجياً او بتحديد هدف مرحلي مثلا لقيامها، للإنطلاق الى وحدة نضال القوى اليسارية و الديمقراطية و العلمانية و الليبرالية السلمي من اجل " الحكم المدني " . . وفق الواقع الملموس في كل بلد . .
من جهة اخرى و فيما يتساءل قسم هل ان " الربيع " هو ربيع الإسلام السياسي، الذي بدا و كأنه يهيمن على ساحات المنطقة ؟ يجيب آخرون بكأنه " اسلام جديد "، ابرز ملامحه هو الابتعاد عن التطرف و عن ايديولوجيات جماعات الاسلام السياسي التي تؤمن بالعنف كتنظيم القاعدة. او الإسلام الحاكم في ايران . . بعد ان وجدت القوى الاسلامية انها لاتستطيع الفوز دون الحصول على دعم الغرب بتطمين مصالحه، و ان ذلك قد يوقعها ان استلمت الحكم حتى كمناورة في مطبّات و ازمات لاتحسد عليها ـ راجع بي بي سي ـ صحف في 5 كانون اول الجاري ـ .
و يتساءلون الى اي حد تطور الإسلام السياسي الجديد عن مسيرته في توظيف مشاركة القوى التقدمية لتعزيز حكمه وقت حاجته . . كم سيستفيد الاسلاميون من تلك المشاركة ليتثبّتوا و يعملوا على قولبة المجتمع المتخلف برؤيتهم، لينهالوا خصماً بعدئذ ؟؟ كيف سيواجهون ضغوط التمدن و الانفتاح على العالم بشباب يزداد تعلماً و ادراكاً لشعوب منطقة لايزال يغمرها الربيع ؟؟ هل بالقوة و اساليب الأمن و الكواتم و التضييع كما جرى و يجري تحت حكم الإسلام السياسي الى الآن ؟
و يجيب كثيرون و اضافة الى ماتقدم حول حقائق نتائج الإنتخابات التي تجري اثر سقوط الدكتاتوريات، ان المهم هو ليس الفوز الآن رغم كل تعقيدات ذلك . . و ان الأهم هو بروز دور الجماهير و زخمها بعد ان غيّبت و جرى تنويمها طويلاً اثر قمع الدكتاتوريات الدموي القاسي، لأن الجماهير بتلك الروح، بتطور تنظيماتها، و بمواصلتها على لعب دورها ذلك سلمياً هو جوهر التغييرات الداخلية التي حصلت و حققت سقوط الدكتاتوريات . .
و انها ان تسلحت بالوعي و الإستمرارية و اليقضة لقادرة على مواجهة البدائل المصطنعة و التزييف و القوانين الناقصة التي تسن و انواع الخدع و الفساد الذي سيستمر ان لم يجرِ تحطيم النظام القديم و اقامة نظام برلماني مؤسساتي قضائي حقيقي قابل للتطور ديمقراطياً بدله، تلعب فيه منظمات المجتمع المدني و النقابات و الصحافة و غيرها من المؤسسات المهنية و الإبداعية، دورها الحقيقي كمعبّر عن اماني و ارادة الشعب من اجل تقدم و رفاهية لأوسع الأوساط الشعبية و للشباب و المرأة . . فالشباب ومن يساندهم من فئات الشعب، يدركون أن مستقبلهم و نجاح ثورتهم مرهون بمواصلة العمل لإرساء اسس معمول بها للحياة الجديدة . . التي منها فكر تنويري يتسامح مع الآخر و يجعل المواطنة اساس التعامل . .
حيث تلعب الأحزاب اليسارية و الديمقراطية بوحدتها دورها الفاعل في المؤسسات انفة الذكر، في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الإستبدادية سواء بالمشاركة فيها او من خارجها، وفق واقع كلّ بلد و على اساس مايمكن ان يتحقق للشعب في تلك العملية السياسية . .
فهي ان شاركت من خارجها، فإن تحرّكها الشعبي من اجل الإصلاح و من اجل حكم مدني يقوم على اساس التساوي بالانتماء الوطني لكل المواطنين و المواطنات، و من اجل مواجهة البدائل الناقصة التي قد تحاول ادامة التدهور و الفوضى و التدخلات الخارجية، لكسب الوقت لإدامة حكمها . . فإن ذلك سيقوّي دورها الذي سيزداد جماهيرية في المشاركة اللاحقة في البديل او في السعي لتنظيم معارضات برلمانية قانونية . . على اساس العمل على تكوين و توسيع حركة جماهيرية منظّمة تضم احزابا و قوى و تجمعات و شخصيات و منظمات مجتمع مدني تقدمية . .
من ناحية اخرى، يرى سياسيون مجربون ان التيارات اليسارية و الديمقراطية كتيارات سياسية تدعو الى التحرر و التقدم الإجتماعي و حقوق المرأة كنصف مجتمعات المنطقة . . يعنيها مواجهة السياسات الإستبدادية و التي تتخذ من الدين و المرجعية المذهبية وسيلة و ستاراً منافقاً لتحقيق مصالح سياسية و اقتصادية لأفراد و لفئات محددة تدفع الى عودة ديكتاتورية من نمط جديد . . و هي ليست معنية بمجادلات لا طائل من ورائها لإثبات ان " البيضة هي الأصل ام الدجاجة؟ " ، خاصة و انها قضية تتعلق بالحقوق الشخصية التي ينبغي ان تحترم . .
فالماركسية لم تقف موقفاً عدائياً من الأديان و المذاهب . . و انما وقفت بحزم ضد الإساءة للمجتمع باستخدام الأديان و اتخاذها ذريعة و وسيلة منافقة للايهام و لشل نصف المجتمع بالدوس على حقوق النساء، بتوظيف الجهل التي اورثته الدكتاتوريات بعد سقوطها، للإستمرار في تحقيق اعلى الأرباح السياسية و الإجتماعية و اتخاذها ذريعة لإشعال الحروب . . و محاولتها شراء المواقف و الذمم بالإغراءات المالية الخيالية !!
الأمر الذي يتطلب تحديث و واقعية اكثر لتفعيل الفكر اليساري و الديمقراطي المنتج للمنظمات بما ينسجم مع مستوى و واقع و وجهات الشباب بطاقاتهم اليوم . . كي يقبلوا على تبنيه لفائدته لهم في السعي نحو تحقيق طموحاتهم و آمالهم و روحهم الوثّابة التي تريد التغيير بطموحات و عين ناظر الى الأمام و ليس بعين حنين الى ماضي . . و يؤكد كثيرون اليوم على ان التطوير وفق الواقع للنهوض به بكل الصعوبات و التعقيدات، هو الامانة الحقيقية للشهداء . . للحفاظ على شعلة التغيير الثورية التي ضحّوا من اجلها نساء و رجالاً، متّقدة !!
و هي الفرصة لإعادة تنظيم الصفوف على اسس جديدة تناسب المرحلة كي يلعب الشباب و النساء ادوارهم في كل المستويات . . صفوف حَمَلة فكر يتطور دائما و ابداً وفق منهجيته العلمية ، و يستطيع النهوض بسرعة في زمن السرعة هذا، لحضاريته و للحاجة اليه في زمن الصراع بين الحقوق الاجتماعية للشعب و الشباب و المرأة، و بين اعادة تقسيم المنطقة للاحتكارات
و اخيراً و بعد المرور على اهمية دور التقنيات الحديثة في " ربيع المنطقة "، لابد من القول ان الكثيرين يرون، ان موقع مؤسسة " الحوار المتمدن " قد لعب دوراً رائداً في عروض و مناقشات و افكار و وجهات و تواصلات " ربيع المنطقة " منذ بواكير انطلاقته في تونس و بين الجاليات التونسية في اوروبا حينها، مروراً بكل العواصم التي مرّ " الربيع " بها، و خاصة دور " يوتيوب التمدن " لسرعة تداوله للأحداث المتسارعة . . وفي ايام ذكرى تأسيسه العاشرة، اتقدم باجمل تحية للموقع و لكل القائمين عليه و في مقدمتهم المناضل اليساري رزكار عقراوي، ولكل الكاتبات و الكتاب و القراء و المشاركين نساء و رجالاً، متمنياً للموقع المزيد من التقدم و التطوّر المتواصل كعهدنا به . (انتهى)



15 / 12 / 2011 ، مهند البراك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. و قد عكست ذلك و سائل اعلام متنوعة، منها ما وصفه مقال للسياسي وليد العوض عضو م. س لحزب الشعب الفلسطيني .. الذي تناقلته الصحافة و وكالات الإعلام و المواقع في اوائل ك1 الجاري بعنوان " نتائج الانتخابات في تونس والمغرب ليست انتصارًا كاسحاً للإسلام السياسي " . . وصف فيه بالأسماء و التفاصيل كيف ان القوى و الشخصيات اليسارية و الديمقراطية و العلمانية بمجموعها و على تفرّقها حققت فوزاً كبيراً قارب فوز القوى الإسلامية في تونس و المغرب، رغم انواع الضغوط و الإنتهاكات التي احاطت بالإنتخابات، الأمر الذي يجعل القوى الإسلامية قد لاتتمكن من تأليف حكومة دون اتفاقها مع اليساريين و الديمقراطيين الأمر الذي يلاحظ استمراره ذلك الى الآن في المغرب .
2. اعلنت خمس أحزاب في بداية الصيف الماضي عن تشكيل "جبهة القوى الاشتراكية" ، لتوحيد جهودها بشكل جبهوي موحد، وتهدف الجبهة إلى الدفاع عن حقوق الطبقات الشعبية والمصالح الوطنية، في مواجهة محاولات القوى المضادة للثورة، والاتجاهات المتطرفة والرجعية والطائفية، التي تهدد الثورة ووحدة الوطن ومستقبله، كما ورد في ميثاقها. و قد ضمت : التحالف الشعبى الديمقراطى، الحزب الاشتراكى المصرى، الحزب الشيوعى المصرى، الاشتراكيون الثوريون، و حزب العمال الديمقراطى، و قد أعلنت "الجبهة" سعيها الدائم للعمل المشترك مع كل القوى التقدمية والديمقراطية، من أجل تحقيق الأهداف الوطنية المشتركة.