اليسار لن يهزم


فلاح علي
2011 / 12 / 9 - 15:49     

عندما يتم الحديث عن اليسار , فلا بد من تناول طيف واسع ومتعدد من قوى اليسار احزاب شيوعية واشتراكية وحركات يسارية وعمالية ..... الخ . تلتقي هذه القوى في توجهات ما او وقد تكون استراتيجيات , ولكن يبقى فبما بينها اختلاف في الشعارات والتاكتيكات والرؤى والآليات . ومن وجهة نظري لا يمكن تجزأة اليسار كأن نعزل اليسار الاوربي عن اليسار الآسيوي مثلاَ او العربي , من حيث رؤيته للاحداث والتطورات ونظرته للعالم وموقفه من الاستغلال ومن الحروب والتطرف والارهاب والديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية ... الخ , مع وجود خصوصية لكل منهما . ان نهوض اليسار في بلد ما سيكون له تأثير على قوى اليسار والديمقراطية في بلدان اخرى .

من هذا ارى ان اليسار في العالم في حالة نهوض :

وهذا هو الواقع الذي يشهده العالم اليوم ففي امريكا اللاتينية ان اليسار لا يمر بازمة وانه في حالة نهوض , وهناك مجموعة بلدان في امريكا اللاتينية يحكمها اليسار وفاز في انتخابات ديمقراطية , في اوربا اليسار في نهوض وفي طريقه لتحقيق نجاحات كبيرة في فرنسا وايطاليا والمانيا وبلدان عدة وآخرها الانتخابات البرلمانية التي حصلت في روسيا حيث حصل اليسار على المرتبه الثانية فاز الحزب الشيوعي ب90 مقعد في البرلمان بنسبة 20% بعد ان كان لديه 57 مقعد في البرلمان السابق أي بزيادة 33 مقعد وحصل حزب روسيا العادلة اليساري المرتبه الثالثه وبعدد مقاعد 64 مقعد بنسبة 13% , هذا واقع ملموس وجود حضورقوي في البرلمان الروسي لليسار اضافة الى بلدان اوربا الشرقية وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق هناك حضور مؤثر في برلمانات هذه البلدان لقوى اليسار , وهناك بلدان آسيوية كثيرة لليسار حضور في برلماناتها اضافة الى بلدان افريقية , ما يهمنا هو اليسار في منطقتنا .

اليسار في منطقتنا خسر الانتخابات لكنه لن يهزم :

في البلدان التي مر بها الربيع العربي وانتفضت جماهيرها بوجه حكامها , كانت قوى اليسار والديمقراطية في ساحات الاعتصامات وفي الشارع منذ الساعات الاولى لبدأ الحركات الاحتجاجية في هذه البلدان , مع الشباب ومع نقابات العمال ومنظمات المجتمع المدني وفئات الشعب الاخرى , وقدموا الشهداء من اجل انتصار الحركات والانتفاضات الجماهيرية لاجل احداث التغيير بالاتجاه الديمقراطي , واكدت قوى اليسار العربي انها حقاَ قوى فاعلة ومؤثرة في المجتمع . ولكن بعد الانتخابات وبالذات في مصر نرى ان اليسار خسر الانتخابات كما خسرها في العراق , وان قوى الاسلام السياسي هي التي قطفت ثمار الربيع العربي وفازت في الانتخابات التي خسرها اليسار اي خسر معركة الانتخابات رغم ان هذا مؤشر على انه لا يزال مشتت ويعيش في ازمة لكنه لن يخسر دوره وتأثيره في صنع الاحداث وفي الحياة السياسية في كل بلد ولن يخسر المستقبل فاليسار لن يهزم . ورغم فوز الاسلاميين في تونس والمغرب لكن اليسار لن يخسر الانتخابات في هذين البلدين .

اسباب خسارة اليسار للانتخابات :

هناك اسباب كثيرة ذاتية وموضوعية لكني هنا اشير لبعضها ومنها ان قوى اليسار ليس لديها تمويل مالي من دول اقليمية او شركات , وهذا بعكس قوى الاسلام السياسي حيث المال السياسي يتدفق عليها ومن مصادر عدة ومنذ عقود واقامة مشاريع ومؤسسات خيرية في العديد من البلدان . المال عنصر قوة في الحملات الانتخابية ,اليسار لا يمتلك هذا العنصر , والعنصر الثاني الهام جداَ والذي تفتقر اليه قوى اليسار والديمقراطية هو الاعلام , حيث هناك العشرات من القنوات التلفزيونية سواء داخل البلد الواحد او في بلدان اخرى , هذه القنواة تحت تصرف الاسلام السياسي في حملاته الانتخابية , وبما انه هناك اكثر من نصف المجتمع هو امي في كل بلد , فان هذه الكتل البشرية في الحملات الانتخابية هي تقع تحت تأثير الاسلام السياسي من ناحية المال والاعلام , وهذه السمة هي الطاغية في كل البلدان العربية وتعد من نقاط قوة الاسلام السياسي ومن نقاط ضعف قوى اليسار وهي الحاسمة في المعارك الانتخابية . ان غالبية جماهير البلدان العربية لا تتعامل مع وسائل الاتصال الحديثة الانترنيت والفيسبوك لأىسباب عدة والتي يتحرك من خلالها اليسار . يستخدم الاسلام السياسي اماكن العبادة في حملاتهم الانتخابية ويستخدمون القمع الآيدلوجي ومن خلال شيوخهم , وعادتاَ تظهر فتاويهم ضد قوى اليسار في الحملات الانتخابية , اغلب البلدان العربية لم يسن فيها بعد قوانين للاحزاب , فلهذا نجد ان الانتخابات مخترقه بوسائل وآليات لا ديمقراطية وهذه عادتاَ ما تؤثر على خيارات الناخب . العامل الخارجي له دور مؤثر في كل بلد في ظل نظام القطب الواحد فنجد ان العامل الاقليمي المتمثل بدول ( ايران وتركيا والسعودية وبعض دول الخليج) لها تأثير مباشر في كل بلد من البلدان العربية, والعامل الدولي المتمثل بالولايات المتحدة الامريكية لديها اليد الطولى في التدخل بشؤون هذه البلدان , نجد ان مصالح هذه القوى الخارجية المؤثرة انهالا تلتقي مع قوى اليسار وانما تلتقي مع قوى الاسلام السياسي فتحظى قوى الاسلام السياسي بدعم ذو شأن وتأثير من قوى خارجية اقليمية ودولية وهذا له تأثير مباشر على نتائج الانتخابات . ومن نقاط ضعف اليسار انه غير موحد وحتى في الانتخابات لم ينزل اليسار بقوائم انتخابية موحدة , وهذه من اهم اسباب ضعفه الذاتي حيث انه يسهم في خسارته , وممما هو واضح عدم تجميع القوى يؤدي الى تشتت الاصوات . اليسار تعرض لهجمات بوليسية واسعه زج في خيرة مناضليه في السجون والبعض الآخر اضطر لمغادرة الوطن للخلاص من المطاردة والسجن والتعرض للموت , وهذه بلا شك اسهمت في اضعاف لليسار , في حين نجد ان الاسلام السياسي كثير من فصائله مارست التقية في ظل الانظمة الدكتاتورية , وان تعرض بعض منها للملاحقه والسجن , لكنها في نشاطاتها كانت ذات طابع علني وتعرفه الانظمة وتسمح فيه حيث اتخذت من الجوامع ملاذات لها لنشر فكرها وتجميع المؤيدين له ولم ينقطع الدعم المالي والاعلامي عنها.

اليسار يمتلك عناصر قوة لسبب ان مستقبلية الفكر اليساري لاتشكيك فيه :

رغم ان اليسار لن يخسر الانتخابات في تونس والمغرب فقد كان له حضور جيد في البرلمانيين لكن خسارته هو انه لم يكن موحد في قوائم انتخابية مشتركة , ولكن نجد ان اليسار خسر الانتخابات في العراق ومصر وبلدان عربية اخرى اي خسر معركة ولم يهزم كما يصوره اعدائه والبسطاء ومن ليس لديه رؤية بعيدة المدى , ان قوة اليسار هي حاضرة وتتجدد يومياَ في الشارع العربي ولكنها تحتاج الى تراكم من خلال جهد ونشاط متنوع وبالذات في هذه الظروف الصعبه , وتكمن قوة اليسار في جوهر فكره الذي يعبر عن اهم حقوق الانسان وهي : العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين والحرية والديمقراطية . هنا قد يطرح سؤال ان بعض هذه الحقوق او المفاهيم موجودة في الاديان ولم ياتي اليسار بشيئ جديد ؟ من وجهة نظري صحيح ان العدالة والمساواة كمفاهيم موجودة في الاديان كمفاهيم ولكنها كواقع على الارض غير موجودة في فكر الاسلام السياسي , ان اليسار ناضل ضد الاستغلال وبين اسبابه بمعطيات ذات ابعاد علمية واستند الى حجج علمية ومعرفية ليؤكد على اهمية القضاء على الاستغلال , وتشريع الحقوق بقوانين وهو يناضل من اجلها , وهذه تعتبر من عناصر قوة اليسار لانها حقوق طبيعية لكل انسان ولم تحصل عليها الشعوب العربية الى الآن في كل البلدان العربية .

ان فاز الاسلام السياسي اليوم في الانتخابات فانه الخاسر غداَ : هذا ليس تفائل فحسب وانما هو حقيقه تؤكدها تجارب الاسلام السياسي . وعلى سبيل المثال ان الاسلام السياسي غير قادر على بناء دولة المواطنة , وغير قادر على اعطاء حقوق المرأة , وغير قادر على بناء مؤسسات ديمقراطية , ولم يتمكن من ادارة شؤون الدولة لانه لا يمتلك المعارف العلمية والفكرية لبناء دولة حديثة , ومن هذا فان الاسلام السياسي ليس لديه حلول للازمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية , وان الاسلام السياسي غير قادر على توفير الخدمات وحل مشكلة البطالة , وعلى الصعيد الاقتصادي فان رؤية ومصالح الاسلام السياسي تلتقي مع الراسمال وشركاته الاحتكارية , وهذا ما يؤكد على ان الازمات الاقتصادية والفقر والتهميش الاجتماعي وغياب الحقوق والحريات هي سمة مميزة للاسلام السياسي . ما يمتلكة الاسلام السياسي هو القمع وفي مقدمته القمع الفكري , وان فاز في الانتخابات لاسباب عدة بعضها قائمة في المجتمعات لاسباب والبعض الآخر بفعل عوامل اخرى , لكن الاسلام السياسي لا مستقبل له , كما ان فوزه في الانتخابات يؤشر على المدى البعيد خسارة للوطن ولمصالح الشعب بسبب ان الاسلام السياسي يوظف الديمقراطية كآلية للوصول الى الحكم ولا يصون الحقوق والحريات , من وجهة نظري على اليسار ان لا يخشى من فوز الاسلاميين في الانتخابات , ان شعار الاسلام هو الحل لا يبني دولة المواطنة , والفشل في ادارة الدولة سمة مميزة ومشتركة لكل قوى الاسلام السياسي . اليسار لن يخسر الشارع بل كسب الريادة والخبرة والمقدرة في تحريك الشارع , الحاجة الى وحدة عمل ونشاط قوى اليسار والديمقراطية والى فعل جماهيري واعلامي ونقد خطاب الاسلام السياسي وتطوير آليات النضال الجماهيري , من وجهة نظري ارى ان فوز الاسلام السياسي في الانتخابات هي حافزاَ بان يقدم اليسار على التجديد في الفكر والسياسة والتنظيم والخطاب السياسي وان تكون عملية دائمة ومتواصله والاستفادة من تجاربها وتجارب الجماهير في حركاتها الاحتجاجية ودراسة واقعها وحاجاته والحاجة الى اعلام جماهيري كقناة تلفزيونية تساهم في نشر الفكر اليساري والثقافة الديمقراطية .

وبهذه المناسبة ذكرى مرور عشرة سنوات على تأسيس الحوار المتمدن احيي هذا الموقع اليساري الديمقراطي الرائد الذي فتح نوافذ واسعة في البلدان العربية للفكر اليساري الديمقراطي والتنويري , ويخوض معارك فكرية يومية مستخدماَ بذلك وسائل الاتصال الحديثة , اقدم احر التحايا واجمل التهاني لهيئة ادارة الحوار المتمدن وكاتباته وكتابة وقارئاته وقرائة , وبانتظار اشعال الشمعة الحادية عشر سنجد عندها ان الحوار المتمدن قد حقق نجاحات اعلامية وتطور لصالح نشر الفكر اليساري والديمقراطي سويتاَ مع المواقع اليسارية والديمقراطية الاخرى .

9-12-2011