|
عقدة الخواجة ... المثقف العربي بين التأصيل والتغريب
مؤيد بلاسم العبودي
الحوار المتمدن-العدد: 3098 - 2010 / 8 / 18 - 00:46
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
عندما تقترح على مجموعة من المثقفين التغريبيين غرس نخلة من نخيل البصرة ..في اصقاع سيبيريا المنجمدة ، فلا شك انهم سيقذفونك بشتى التهم المعلبة ، أهونها اتهامك بالجنون ،
وعندما تبادرهم بسيد الأسئلة : لماذا؟
يسارعون إلى إجابتك قبل أن تكمل سؤالك بمنطق الخبير : لان طبيعة النخل لا تتحمل بيئة جليدية قاسية مثل سيبيريا..
لكنهم سيحيرون بالتأكيد حينما ترشقهم بسؤال عن كيفية اعتناقهم فكرا مستوردا من البورصات الفكرية للغرب أو الشرق لا تتحملها بيئتنا الثقافية ولا يقبلها مجتمعنا المحافظ (الرجعي). ولا يحارون لك حرفا.. رغم كونهم يحيلوننا ( زرافات ووحدانا) إلى فئران تجارب لتقليعات النيوليبرالية .. أو الاشتراكية المودرن .. وآخر مستحضرات ( صيدلية) فرانسيس فوكوياما للفكر والتنظير..
ان واحدة من اكبر المشاكل التي تواجه البناء الفكري لمجتمعنا هي ( عقدة الخواجة)
اي الإحساس بالنقص الثقافي والحضاري المعرفي واجترار فكرة استنساخ النمط الغربي في العيش والتفكير..والتبعية للنموذج الغربي بالمطلق. وضياع الهوية والاتكال بل والتطفل الثقافي على نتاج الاخرين..
وهي عقدة تشبه في اعراضها ومدلولاتها العللية الأمراض الحضارية من حيث أن لها بعدين:
البعد الأول : بعد نفسي ( سيكولوجي) على المستوى العمودي (الشخصي) و الثاني هو بعد اجتماعي (سوسيولوجي) على المستوى الأفقي ( العام).
ومن مظاهر هذه الحالة – العقدة الشعور اللاإرادي بتعظيم وتقليد وإجلال كل ما هو غربي الاسم والمضمون وتفضيله على كل ما هو شرقي اللب والمظهر.
تتصل هذه المشكلة – العقدة بكونها نتيجة التفكير الاستهلاكي الرائج في مجتمعاتنا.. وبغريزة أخرى تتمثل في اكتشاف الآخر (الناجح او القوي) ومحاولة تبني مشروعه لحل المشكلات القائمة ( اجعل لنا الها كما لهم الهة) .. خصوصا وان اغلب مثقفينا يشعرون بحالة من الاغتراب داخل المجتمع..
إن النزعة الاستهلاكية تتجلى في كوننا مجرد مستعملين users في اغلب مجالات إنتاج المعرفة الحديثة ومقلدين حتى في أدوات البحث الابستمولوجي .. فضلا عن تطفلنا على عالم التكنولوجيا الحديثة .. بينما يحتكر الآخر المتقدم كونه designer)).
كما يمكن ملاحظة ان الهوس الشبابي بتقليعات الملابس الغربية وتسريحات الشعر كاحد الاثار الجانبية لهذه العقدة حتى في مجال الرياضة حيث انقسم شبابنا الى انصار النادي الملكي( ريال مدريد) والكتالوني ( برشلونة).
ومما قيل في ذلك شهادة الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر في كتابه (المنبوذون في الارض) : كنا نحضر اولاد رؤوس القبائل واولاد الاشراف والاثرياء والسادة من افريقيا واسيا ونطوف بهم بضعة ايام في امستردام ولندن والنروج وبلجيكا وباريس فتتغير ملابسهم ويلتقطون بعض انماط العلاقات الاجتماعية الجديدة ويرتدون السترات والسراويل ويتعلمون منا لغاتنا واساليب رقصنا وركوب عرباتنا وكنا نتدبر لبعضهم احيانا زيجة اوروبية ثم نلقنهم اسلوب الحياة ضمن اثاث جديد وطراز جديد من الزينة ، واستهلاك اوروبي جديد وغذاء اوروبي ، كنا نوحي لهم ونلهم في اعماقهم الرغبة في تغريب بلادهم ثم نرسلهم الى بلادهم .. ونقنعهم بان بلادهم المتخلفة لا تتطور الا بتبني نمط العيش الغربي .. وهناك يقتنعون فعلا انهم مفكرون وما هم الا صدى لاصواتنا .. نقول فكرة .. فتتردد بينهم ... كأنهم ببغاء.. )
ومن ابرز الكتاب المرضى بهذه العقدة موسى سلامة وشبلي العيسمي وصادق العظم ومنصور حكمت .. وهم كتاب معروفون على النطاق الاقليمي بانهم رواد فكر التغريب.
واصحاب هذه العقدة، كبارهم وصغارهم ، يتجاهلون نقائص الحضارة الغربية مع علمهم بها، وكأن ايمانهم بتفوق العقل الغربي ونجاح مجتمعه قد بلغ الايمان بقدرته على حل جميع المشاكل ، او كان التفكير بنقائص هذه الحضارة الغربية في كثير من اوجهها يجب ان يؤجل حتى نصبح جزءا من هذه الحضارة بالفعل، كما يقول د. شكري عياد. وصدق القائل( قل ان تشبه احدا بقوم الا وأوشك ان يكون منهم )
وللحقيقة يجدر هنا القول، ان الامر لا يستحق ان نتنكر لواقعنا الثقافي والحضاري ، كما يجب الا نستنسخ التاريخ في عودة ماضوية تستحدث مشاكل الماضي لنقف على نصوصه القديمة باذهان متخشبة خالية من اي علامة للمرونة في التعامل مع متغيرات عصرنا الراكض في اتون الثورة المعلوماتية او ما بعد عصر التصنيع و التكنولوجيا، بيد اننا لو اردنا العبور الى القرن الحالي بدون ان نكون هامشيين يجب الا نصنع مجتمعا ينتمي الى العصور الوسطى تحت مظلة ادعياء الاحياء وسدنة السلفية التقليدية ، كما فعلت طالبان وتفعل النسخة اللادنية، وهو ما تعاني منه الوهابية الرسمية في مملكة ال سعود وبعض رجال السراديب.
اذ ان هناك مساحات ثابتة في الاسلام واخرى متغيرة بحسب الظروف الزمانية والمكانية، يمكن ان تملأ بالاجتهاد القائم على مواكبة روح العصر .
فلا يمكن لاحد ان يحجر على تجارب الاخرين او ممارسة التطهير الفكري وانتاج نسخة اسلامية عن محاكم التفتيش، لان عقيدتنا تعتمد روح الحوار والانفتاح على روح العصر باسلوب حضاري حتى في اسس التربية، بل ومحاولة الاستفادة من تجارب الاخرين مهما كانت انتماءاتهم ، كما يقول رسول الله صلى الله عليه واله : اطلب العلم ولو في الصين ، وكما يقول امير المؤمنين عليه السلام :الحكمة ضالة المؤمن ... خذ الحكمة حتى من الفاسق .
#مؤيد_بلاسم_العبودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمسيات على ميناء الفؤاد
-
اخر قصيدة سومرية
-
ترانيم .. من انجيل الغرام
-
ربيع الديمقراطية في الكويت يغرس اربعة ورود في البرلمان و يدش
...
-
المسافة بين المقاومة والمقاولة
-
افغنة العراق وتفجيرات دهب
-
بين تفجيرات مصر و افغنة العراق
-
مرحبا بكم في مملكة طالبان العراقية
-
تفجديرات عمان صراع بين ارادة الموت وارادة الحياة
المزيد.....
-
العراق في عيون مرشحي الرئاسة الأميركية
-
لماذا يؤجج مذيعو التلفزيون الحكومي الإيراني نيران الحرب؟
-
-خلافا للشائعات التي تروّج على منصات عبرية-.. طهران تنفي إغل
...
-
رئيسة مولدوفا تعلن فوزها في الانتخابات الرئاسية في البلاد
-
مركز المصالحة الروسي: أكثر من 5.5 ألف شخص عبروا حدود سوريا ق
...
-
الجزائر.. حادث مروري مروع راح ضحيته 7 أشخاص جنوب البلاد
-
نائب أوكراني خلف القضبان: زيلينسكي مهزوم ولا يريد ترك شهود ع
...
-
الأمريكي مارتنديل: اعتقد أن عملية منحي اللجوء السياسي في روس
...
-
بيلوسي تحذر من مخاطر وفاة ترامب في منصب الرئاسة
-
بعد تعرضه للرشق بالطين.. ملك إسبانيا فيليب السادس يصدر بيانا
...
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|