أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي حسن الفواز - الشخصية العراقية















المزيد.....

الشخصية العراقية


علي حسن الفواز

الحوار المتمدن-العدد: 2867 - 2009 / 12 / 24 - 13:05
المحور: حقوق الانسان
    


الشخصية العراقية.
ازمة التاريخ وازمة الرسالة الاعلامية

هل يمكن ان تكون الشخصية العراقية ضحية للتاريخ المضلل، وتاريخ الصراعات العميقة بين المكونات الديموغرافية المتعددة في المكان، او حول مصادر السلطة والثروة او النص؟ ام ان هذه الشخصية هي ضحية لتراكم الثقافات المأزومة التي انتجت طول قرون وعقود انماط ةمن المواقف والصور والرسائل الاعلامية/الاجتماعية اسهمت في اشاعة ثقافة التنحر والخلاف؟
هذه الاسئلة وغيرها كثيرا ما تحمل هاجسا عميقا في التعاطي مع اشكالات باتت الان مثار جدل وتساؤل عن الكيفيات التي يمكنها ان الاطار الحاضن والجامع للتعدد والتنوع، وبالطريقة التي تنظيم فاعلية هذا التنوع، خاصة بعد انهيار نظام المركز القديم، وانهيار منظومة انتاجه المهيمنة للسلطة والفكرة والمعنى والوظيفة، وللرسائل الاعلامية والثقافية والاجتهادية التي تسوغ المهيمنات وتعطي للسلطة القوة والمقدس والمزيد من المهيمنات..
ان اعادة دراسة الموجهات التي تمثلتها السلطة القديمة، ودراسة الرسائل والوظائف التي اشاعة خطابات السطوة والقسر والعسف، ودراسة تاريخ نشوء المنظومات الثقافية/الاعلامية وما كرسته من انماط مفروضة للتداول والاستخدام، يعدّ من الاسس التي تكشف عن حقيقة الازمة الوجودية والسسيولوجية التي رهنت الشخصية العراقية الى تاريخ طويل من الازمات المركبة والصراعات التي شوهت هذه الشخصية اولا، وجعلتها تقترح لنفسها العديد من الحلول القهرية التي تكرس فكرة التشظي والانعزال والانغلاق على اوهام غامضة للمقدس والانتماء ثانيا.
لقد احيطت الشخصية العراقية بالكثير الغموض والتعتيم وسوء القراءات، وكثيرا ما تحولت الى مادة سردية مثيرة للمتخيلات الثقافية، ولانتاج العديد من الشفرات اللغوية المضادة والحافلة بنص الكراهية والتنقيص والغلو والاشاعات الثقافية والشعبية. بل وضعها البعض في سياق ايهامي للجماعات المتخيلة التي تمتاز بخصوصية نافرة ومتمردة، جعلتها امام تشوش قصدي في التوصيف الاجتماعي وفي الاحتكام الى منظومة معقدة من الاحكام التي تستعير نصوصها ورسائلها من المهيمنات الاجتماعية والسياسية والطبقية.
هذه الاحاطة القصدية استمرأت معاينة ازمة هذه الشخصية، في ضوء ما كرسته الظواهر، ومافرضته الثقافات والمهيمنات السائدة، حدّ ان الكثير من علمائنا القدامى والمحدثين يتحدثون عن هذه الشخصية بنعوت تفتقر احيانا الى دراسة تلك المقدمات المسؤولة بدءا عن اصل المشكلة، بدءا من كتابات ابي حيان التوحيدي وانتهاء بما كتبه علي الوردي وقاسم حسين صالح وغيرهم..
هذه الطروحات نأت في الكثير من استقراءاها عن اعتماد مقاربات تاريخية وعلمية وتوجهات اناسية تضع هذه الشخصية في سياقها الانساني الباعث والمولد والمستجيب، وفي اطار ماتعرضت له هذه الشخصية من كوابت وكوابح وضغوط ومهيمنات وانماط من المعيش، والتي اسهمت جميعها الى حدّ كبير في صياغة العديد من ملامحها وتشكلاتها واستجاباتها، ونظام وجودها وهويتها وسلوكها وتعدد مسيوتان معيشها.
ازمة الحديث عن الشخصية العراقية يرتبط اساسا بازمة ادراك طبيعة هذه الشخصية في المكان والزمان والصراعات وانماط الثقافات التي كانت مسؤولة عن انتاج اشاعات على شكل رسائل افرغت نوازعها ومواقفها، خاصة ما يجعل ظاهراتية هذه الازمة خاضعة لوعي المرجعيات السياسية القهرية، والانماط الحاكمة التي فرضت سطوتها مقابل كبت وتقية هذه الشخصية، تلك التي جعلت صيرورة الشخصية العراقية رهينة بتراكم وقائع ضاغطة تاريخية وسياسة واجتماعية واقتصادية وكوارث طبيعية وعسكرية وغزوات دامية، كل هذه سحبت هوية هذه الشخصية الى ارتكاساتها النفسية، والى انماط استلابية في تداول ثقافات معينة وشفرات لغوية محددة وحتى رسائل اجتماعية واعلامية، فضلا عن الخضوع الى رهاب ما تمثله هذه الوقائع من علامات للدمار والعنف وللاخصاء الوجودي وللموت الانطولوجي.
وهذا ما جعل الشخصية العراقية تبحث دائما عن عوامل لمواجهة هذا المحو والرهاب، الذي ارتبط بعوامل خارجية(الغزو والكوارث والحروب) وداخلية مهيمنات السطلة وقمعها، ومهيمنات الايديولوجيا الطاردة لغيرها، والقوة الغاشمة للقوى المهيمنة(مؤسسات الامن، الارهاب، عسكرة المؤسسات، النظام الاعلامي والتداول القسري للمعلومات والافكار) من خلال النزوع الى ابتكار موجهات مضادة وشفرات مضادة ورسائل فيها الكثير من الرمزية العميقة. اذ نزعت هذه الشخصية بمواجهة هذه القوى الى صناعة مصدات ثقافية ونفسية للدفاع السري عن هويتها ووجودها وحتى عقائدها، جعلها الاقرب الى التماهي مع ثقافات (التقية) والثقافات الباطنية، الثقافات الدفاعية. وطبعا فان هذه الثقافات تعمد دائما لصيانة مشروعها الى عبر اجتراح موجهات داخلية/دفاعية تشرعن خطوط سرية للتحصن والمقاومة، فضلا عن نزوعها لصنع خطابات ثقافية فيها الكثير من الشفراتوالرموز التي يمتزج فيها المخيال السردي، مع نزعات العنف الدفاعي والاخلاقي. فهل ان الشخصية العراقية هو الوحيدة التي تمزج هذا العنف بقيم وشفرات تستوحي قوتها من عقائدها المسكوت عنها؟ وهل انها المتفردة في ايجاد هامش ثقافي لهذا العنف وهذه العقائد في نصوص وطقوس يشتبك فيها الرمز والاستعارة مع موحيات التقديس؟ وهل ان هذه الثقافة تربط بشكل او باخر بخصوصيات عبادية الديانات تؤسس خطابها على العلامات الطقوسية والرمزية باعتبارها اشكالا مقدسة لمواجهة القوة وسيطرة رمزية العنف السلطوي في المكان العقائد؟ وهل ان هذه المورثات هي المسؤولة عن صناعة المجال التوليدي لاستمرارية انتاج القسوة وسردية الحاكميات والحكومات، تلك التي وجدت في فرض عنف السلطة ضرورة للدفاع الغريزي عن نوعها وعن ذكورتها القهرية؟ وهل ان التاريخ السياسي للسلطة في مدن العراق بدءا من النموذج الاموي والعباسي وماتلاه في تاريخ الفترة المظلمة كما تسمى ونموذج السلطة العثمانية وانتهاء بالنموذج الوطني للسطة بدءا من عام 1921 ولغاية 2003، هو خارج سياق انتاج العنف الضاغط والمولد لثقافة العنف المضاد او العنف المكبوت في الشخصية العراقية؟
هذه الاسئلة تحرضنا دائما على الوقوف عند ظاهرة العنف الثقافي، فحصها والتعاطي مع اشكالاتها، لا باعتبارها ظاهرة انسانية غريزية دفاعية، بل باعتبارها نوعا من الثقافة الاقصائية التي تقوم على القصدية في محو الاخر، او فرض اشكال من الرهاب الثقافي اللغوي والرمزي والمادي عليه، بما يمنح هذا الاخر صفة العدو، المختلف معه، الكافر، الزنديق، الخارج عن الملة والامة كما تسميها بعض الادبيات، والتي توجب تكفيره، ولزوم قتله او طرده او تغييبه لانه يهدد النوع الثقافي والنوع السلطوي/الايديولوجي.
لقد شهدت الكثير من مراحل التاريخ القديم والجديد نماذج من هذا العنف الاقصائي، بدءا من نشوء المرحلة الزراعية التي حددت اول ملامح السيطرة الذكورية المرتبطة بعوامل القوة والهيمنة والامتلاك والسيطرة عى مصادر الثروة والقوة، ونشوء الدول الغازية التي سحقت الكثير من الحضارات والشعوب والدول والمدن والثقافات والهويات، واخرها نماذج(الاستعمارات) الغربية التي بدأت مع بدايات نشوء اوربا السياسية ومطامحها في السيطرة على رؤوس اموال وعمالات رخصية في الشرق وفي افريقيا وفي البيئة اللاتينية، واذي اسهم بشكل او باخر صناعة انماط من الصراع الدموي مع شعوب هذه المناطق، مثلما اسهم ايضا في صناعة اشكال اخرى للحكم والسيطرة وبمرجعيات متعددة لادارة هذه الشعوب ودولها، وانتهاء بانماط الديكتاتوريات المعاصرة التي جاءت بعد مرحلة(الاستعمار) وبمزاج(كارزمي) ذي مخيالات شعبية للسيطرة على الحكم وادارة الثروات الضخمة، فضلا عن ان هذه الديكتاتوريات العسكرية والايديولوجية والقبائلية عمدت الى(أنسنة) العنف تحت عناوين براقة استعارت من المقدس والمزاج الوطني الكثيرمن شعاراتها العمومية(الدفاع عن الوطن/الهوية/الدين/العرض/الاخلاق)ضد الغازي الكافر المستعمر، مثلما تم تحويل هذا العنف الى ثقافة ايهامية متعالية كرسته كشكل ووظيفة وموقف واحيانا كايديولوجيا، تجسد عبر الكثير من الحروب العبثية، ومواجهة التداعيات الاجتماعية الرافضة لوظيفة العنف، والتي اخضعتها الديكتاتورات الى توصيفات اخرى(الخيانة، معاداة المصالح الوطنية العيا، الارتباط بالاجنبي وغيرها) والتي تفرض على المتورطين فيها الخضوع الى احكام جائرة جنائية ومعنوية مثل السجن والاغتيال والقهر النفسي والحرمان الرمزي من الحرية والخصوصية والخصوبة والنفي القهري.. هذا العنف والعنف المقابل عمد الى اقصاء كل الافكار الانسانية التي ترفض اسيطرة والقوة الغاشمة، خاصة تلك الافكارالتي ارتبطت بالايديولوجيات ك(اليسار السياسي الايديولوجي، وبعض التيارات الدينية التي رفضت القهر الوطني والطائفي) والتي استدعت بالمقابل ايضا انتاج اشكال سرية وظاهرة للعديد من المواجهات عسكرية وحروب عصابات ونوع من السلوك الرمزي الذي اتبعه الصعاليك والشطار والعيارين، فضلا عن انتاج انماط اخرى من الثقافات الباطنية السرية التي اتبعت التقية والتراسل السري بين الوكلاء والاتباع والمريدين في صناعة ثقافة نوع اخر، تلك التي تعتمد العنف المضاد، العنف النفسي والتأويلي.
تاريخ هذا العنف السلطوي/ السياسي/ الاجتماعي وتراكماته وضغوطه القهرية، واثر الكثير من العوامل الخارجية خلق له امتدادات نفسية داخل الشخصية وداخل المجتمع، لان السلطة، اية سلطة كانت سياسية او ابوية او دينية تكرس نمطها عبر تأمين مصادر القوة والثروة والعنف، فضلا عن تحديد اشكال معقدة لقيود الانتماء والمصالح والتبعية وطبيعة نظام العمل وتأمين مصادر العيش والتربية، وهذا بطبيعة الحال يحدد العلاقة بين السلطوي والاخر وفق سياق يخصي الخصوصيات، ولايؤمن بالخروج عنها، يفرض شكلا من التماهي القسري.
ولاشك ان تراكم رهاب هذه العلاقة اسهم في تشكيل علاقات اجتماعية/ثقافية فقهية(ذات مرجعيات معروفة) تقوم على التطرف في القراءات النقلية وفي التقليد والتبعية، تلك التي خلقت لها رموزا وشفرات وسياقات وايهامات اكتسبت نوعا معقدا من(الثقافة) الاطارية التي تبرر اي سلوك واي موقف واي عنف، لانه سيخصع لتوصيف الايديولوجيا الدفاعية التي حددها شكل العلاقة المعقدة والغامضة بين التابع والمتبوع او الحاكم والمحكوم او بين الصاحب والمريد.
خطورة العنف داخل هذه الانماط الثقافية، تحوّل الى ظاهرة قهرية ضاغطة وموجهة انعكست على انتاج ظاهرة الدولة وظاهرة المجتمع، اذ ان الدولة الشرقية خاصة شرقنا العربي والاسلامي ومنها الدولة العراقية، ظلت قرينة عنف متواصل، لان اصل هذه الدولة ومنذ اكثر من الف سنة كان يقوم على فكرة عصاب النوع، وعصاب فكرة الرعوية، وعصاب فكرة القوة والسيطرة، لاتؤمن بالتعدد والاختلاف والحوار الاجتماعي والثقافي، لاتؤمن بالحريات وانتاج الافكار وتداولها خارج سياقها، وهذه العصابات هي اشكال عنف الدولة الذي خلق له مريدين ومهرجين ووعاظ ونصوص اكتسبت فيما بعد شكل المقدس وحتى التابو الاجتماعي. كما ان المجتمع بغياب الدولة العادلة تحوّل الى مجتمع طبقي ومجتمع سياسي وطائفي تتشرعن فيه مفاهيم القوة والعنف الاجتماعي والاقتصادي والسلوكي والثقافي بين القوى المتخاصمة، وانا اعتقد ان تاريخ العنف في الحياة العراقية هو في الاصل نتاج لعنف هذه الدولة التي لاشكل واضح لها، بدءا من دولة المناذرة ودولة الحروب خلال الفتوحات الاسلامية وصولا الى دولة الامويين ودولة العباسيين وحروب هولاكو وجنكيزخان وتيمور لنك والسلاجقة والبويهيين والصفويين ودول الخروف الاسود والخروف الابيض والعثمانيين وانتهاء بنمط الدولة الانقلابية الاكثر رعبا الذي بدأ منذ عام 1963 الى 2003. لان هذا العنف اسهم في صناعة سياقات اجتماعية ووظائف وتوصيفات رمزية مثل وظائف العسس والبصاصين والسيافين واصحاب الحسبة ورجال الامن والمخابرات والقناصين.
ان صناعة العنف في المكان العراقي، هي صناعة موجهة، ذو مرجعيات اشكالية، اسهمت في انتاجها عوامل السلطة القهرية، التي احكمت هذا المكان بانماط محددة من المعيش، والوجود، والعلاقة المأزومة بين الحاكم والمحكوم، او بين (السلطة والرعية) اذ كان رعب هذه العلاقة هو المولد لثقافة العنف والكراهية، فضلا عن ان شيوع الفقر والجهل والتخلف وهما جزء من مخلفات السلطة القهرية، اسهم هو الاخر في صناعة الشخصية المطلبية، الشخصية التي تبحث عن مصادر معيشها ووجودها، مثلما اسهمت في الشخصية الخانعة المستلبة الخاضعة لوجهات السلطة، وحتى شخصية(الشقاوة) في البيئة الشعبية العراقية هي في جوهرها صناعة دفاعية عن المكان والوجود لجأ اليها المخيال الشعبي للدفاع عن مكانه وهويته، والتي كثيرا ما وظفتها الايديولوجيات لصالح خطابها السياسي المقاوم، مثلما استخدمتها الديكتاتوريات لاغراض معينة واخر هذه المظاهر هوما عمد النظام المباد لاستخدام عدد محدود من(الشقاة) لغرض قتل المعارضين السياسيين، ولعل ما قام به هذا النظام بعد ذلك لتصفية كل هؤلاءالشقاوات دليل على احساسه بخطورتهم على ثقافة مهيمناته على المكان العراقي..
التوصيف العلمي الانثربولوجي يضع الشخصية العراقية خارج سياق توليد هذا العنف، لان هذه الشخصية تنتمي الى المناطق السهلية المعتدلة، وهذه الشخصية لايمكن ان تميل الى الطابع السلوكي العنفي، ولعل هذا التوصيف جعل البيئة العراقية اكثر حيازة على شخصنة الخصائص الثقافية كالشعراء والحكماء والعلماء والمتصوفة، وابعد عن الغلظة والسلوك الوحشي وان العنف في هذه البيئة هو دائما عنف من بيئات خارجية، مهاجرة، ولعل اية مراجعة للطغاة الذين مارسوا العنف في البيئة العراقية او الذين خلقوا سياقات ووظائف له نكتشف انهم غير عراقيين في الاصل، وليس لهم علاقة حققية بالمكان العراقي ومولداته الانسانية والاخلاقية والثقافية، فضلا عن خصوصيةالمدينة العراقية عبر(نواتاتها) الصغيرة في المجمعات السكانية والشوراع الضيقة والتي تتسم عادة بالحميمية والشراكة، ونبذ العنف القهري القائم على محو الاخر وطرده من المكان الحميم.. ان اعادة قراءة الشخصية العراقية يعتمد بالضرورة على قراءة كل ما يحوط هذه الشخصية من مشاكل عميقة الاثر في المكان المعيشي والمكان السياسي، لان العوامل الخارجية التي اصطنعتها المهيمنات الخارجية هي شوهت المكان، والمعيش، مثلما شوهت انسان وعلاقاته، خاصة اذا ادركنا اهمية المكان في الانثربولوجيا العراقية، اذ يقول البعض ان الانسان العراقي ابن مكانه، وان القهر المكاني والعنف المكاني وتشوهات المكان هي التي اسهمت في انتاج الكثير من ملامح هذا العنف السلوكي والرمزي والممارسات التي تحمل في جوهرها شفرات احتجاجية رافضة للسلطة ولقوة رأس المال والتملك بدءا من التملك الحكومي وانتهاء بالتملك الطبقي.. ولعل قراءة ظواهر مثل الحواسم، والعنف الطائفي ينعكس عبر قراءة الظواهر الاشكالية في المكان وانماط الثقافات المهيمنة خاصة الثقافات الفقهية التي تم توظيفها من قبل السلطة والايديولجيا بشكل مشوه لفرض المهيمنة، والتي اصبحت فضاء مفتوحا لانماط اخرى اكثر تطرفا وغلوا في تكفير الاخر واباحة دمه وماله وعرضه. ناهيك ان ظاهرة الحواسم لم تكن بعيدة عن الاختلاط الثقافي وتشوه موجهاته، والاثر النفسي العميق الذي يعكس نزعات دفاعية اكراهية عدوانية مقابلة للخطاب المهيمن الذي كان يملك كل شيء ويوزع دون عدالة الحقوق والثرورات عى الاخرين.
ومن هنا اجد اعادة انتاج الدولة كسلطة ونظام للحكم والوظائف الاجتماعية والثقافية، هو المدخل الاساسي للتعاطي مع الاشكالات الظاهرة والبائنة لظواهر العنف الاجتماعي والعنف السياسي وحتى السلوك العنفي في فرض المهيمن على الاخرين، لان هذا العنف هو الذي انتج فيما بعد ووربما حمى ظواهر اكثر استشراء للعنف الثقافي واللغوي ومظاهر التطرف الفقهوي وحتى الحروب العشوائية التي احتشد بها تاريخنا القديم والجديد. اذ ان هذه الدولة هي المركز الاشكالي المثير للجدل والمشاكل، لان هذه الدولة تحولت الى سلطة والية حكم تحوز لوحدها على مصادر الثروة والقوة والعنف، وان تاريخ الازمات السياسية والانقلابات والسجون والمنافي والحروب وكل الصراعات الدامية التي شهدها تاريخنا المعاصر يرتبط بهذه الدولة/السلطة. ومن هنا نجد ان الحاجة الى تفكيك مفهوم هذه الدولة/السلطة القديم، وتفكيك انماط ثقافاته ومنظومته الاعلامية هو الاساس الذي ينبغي فحصه والوقوف عن سياق ازماته وازمة صلاحياته واستحواذه العام على التاريخ الطويل لموجهات القوة والعنف، والعمل على تكريس الوعي الانساني والدستوري بصناعة الدولة، الدولة المؤسساتية، القانونية، الحاضنة والحامية للجميع، ناهيك عن اجتراح صناعة الجماعة السياسية التي تؤمن بالتعدد وبظاهرة الدولة كقوة جامعة، تلك التي تعمد الى انتاج سياقات مضادة تعمد الى صناعة الوعي والرأي اعام تبدأ من اعادة صياغة نظم التعليم الاولي والثانوي ومن الدرس الثقافي الاول ولاتنهي عند انتاج الكتاب والمعرفة التخصصية الاكاديمية والعلمية، لان تاريخ الازمة هو تاريخ طاعن في الجسد العراقي وبحاجة الى تطهير عميق، تطهير يرمم الخرابات ويؤنسن الوعي بالجمال والطبيعة والمدينة،ويعيد التوازن للشخصية العراقية في تعددها وتلونها، واحسب ان موت الدولة القديمة هو موت المركز الذي انتج المحنة وانتج القاموس القديم، وجعلنا عاطلين عند المقبرة والسجن والمتحف والمنفى





#علي_حسن_الفواز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرئاسة الاميركية/صدمة جائزة نوبل وقوة اوباما الناعمة
- محاولة في اصطياد النسيم
- محمد حسنين هيكل// ملفات وفضائح واسرار
- ان غدا سيجيء حتما
- علي جعفر العلاق/ مراثي الانا/ مراثي الممالك الضائعة
- صديقي الابيض جداً ..
- من يكتب؟ من يقرأ؟
- حديث العلمانية..ازمة المواقع وازمة انتاج الخطاب
- دفاعا عن اسئلة ادونيس
- الكتابة التفاعلية بوصفها لوحة اعلانات
- محمود درويش/ شاعر بامتياز الرؤساء
- الوعي المزيف.. المكان المزيف
- بدري حسون فريد//ذاكرة الايام العصيبة
- العالم بخفة النكتة
- كاظم جهاد/الترجمة واكتشاف المجهول
- جائزة ادونيس
- عنف الثقافة/ عنف المتحف
- ثقافتنا العربية الخليجية اسئلة تشبه الهيجان
- ما قاله ابو داود للحرب القابلة
- ثورات وهمية


المزيد.....




- بعد قانون ترحيل لاجئين إلى رواندا.. وزير داخلية بريطانيا يوج ...
- تقرير أممي مستقل: إسرائيل لم تقدم حتى الآن أي دليل على ارتبا ...
- الأمم المتحدة تدعو بريطانيا إلى مراجعة قرار ترحيل المهاجرين ...
- إغلاقات واعتقالات في الجامعات الأميركية بسبب الحرب على غزة
- مراجعات وتوصيات تقرير عمل الأونروا في غزة
- كاريس بشار لـCNN: العنصرية ضد السوريين في لبنان موجودة لدى ا ...
- رئيس بعثة الجامعة العربية بالأمم المتحدة: العمل جار لضمان حص ...
- الأمم المتحدة: نزوح أكثر من 50 ألف شخص بسبب المعارك شمال إثي ...
- بعد تقرير -اللجنة المستقلة-.. الأونروا توجه رسالة للمانحين
- مراجعة مستقلة: إسرائيل لم تقدم أدلة بشأن ادعاءاتها لموظفي ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - علي حسن الفواز - الشخصية العراقية