أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس















المزيد.....

امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس


محمد سمير عبد السلام

الحوار المتمدن-العدد: 2685 - 2009 / 6 / 22 - 04:47
المحور: الادب والفن
    


رغم حداثة الحركة النسائية – بمختلف توجهاتها – في العالم ، فإن التعاطف مع الروح الأنثوية له حضور في النقوش الجدارية ، و الكتابات القديمة ؛ و بخاصة ما يتعلق بعناصر الأمومة ، و الخصوبة ، و التناقض ، و التنبؤ ، و الإغراق في التأملات ، و الأخيلة ، و غيرها . و قد عرف عن يوريبيدس اهتمامه بالمرأة في أعماله المسرحية ؛ مثل ميديا ، و هيلين ، و نساء طروادة ، و يمكننا تتبع ملامح الروح الأنثوية في مسرحية نساء طروادة انطلاقا من تواصل الأفكار النسائية بين الماضي ، و الحاضر في هذا العمل المعقد ، و المتنوع من حيث الشخصيات ، و الاتجاهات العاطفية ، و الرغبات اللاواعية بين الانجذاب للذكر القوي كمخلص ، و المقاومة اللاواعية لمنطق الحرب الذكوري ، و من ثم محاولة تفكيكه من داخله في شخصية كاسندرا ، و التي أرى أنها أقرب شخصيات المسرحية لتوجهات الفكر النسائي الحديث من حيث بنيتها المتناقضة ، و إغراقها في الأخيلة النوعية المناهضة للقوة الأبوية .
و من أبرز الملامح المميزة للشخصيات النسائية عند يوريبيدس في " نساء طروادة " :
أولا : التعاطف مع تكوين المرأة نفسه ، و بخاصة في سياق مواجهتها للمأساة ، و يبدو هذا في تعليق الحدث المأساوي في الخطابات الطويلة للشخصية ، و الأخيلة المتناقضة بين التعالي ، و الدونية ، و القدرة الاستثنائية على التوحد بالماضي المجيد في طروادة الأولى ، فضلا عن لحظة الافتتاح التي تحولت فيها أثينا ضد الإغريق ، و تعاونت مع بوسيدون لعقابهم .
ثانيا : رغم ارتكازه على الأسطورة - على مستوى الحدث ، و الخطاب – فإن يوريبيدس يلج وعي الأنثى ، و يبرز ما فيه من مشاعر خاصة مثل ؛ الأمومة ، و الرغبة في التعالي ، و الحزن الممزوج بالأخيلة ، و الرغبة في تجدد الحياة رغم الحضور القوي للموت .
ثالثا : يكشف يوريبيدس عن العشق اللاواعي للأشباح في الوعي الأنثوي ، و ما يحمله من دلالات المقاومة لفكرة الحرب ، و من ثم تجدد الحب المتجاوز لحتمية الأسر ، أو الموت .
رابعا : اهتمام النساء بالتفاصيل الواقعية ، و اليومية ، و اختلاط هذه التفاصيل بالرغبة المستمرة في الخلاص ، و هي سمة ممتدة في الوعي الأنثوي تمنحه قوة كبيرة في مواجهة الصعوبات .
و نستطيع من خلال تأويل شخصيات العمل المتنوعة ، أن نكشف عن الثراء الدلالي للتجربة النسائية في هذه المسرحية ، و قد اعتمدت على النص في نسخته العربية ، و قد صدرت بعنوان " بنات طروادة " ضمن كتاب ( مسرحيات يوريبيدس / ترجمة أمين سلامة / مكتبة مدبولي بالقاهرة ) .
أولا : أثينا :
تشير أثينا في النص إلى القوة ، و التعالي مع التبديل المستمر في الهوية ، و تتحد برغبات بوسيدون التدميرية في اتجاهين :
الأول : الاندماج بتناقضات البحر / الماء ، و ما فيه من دلالات أنثوية تعزز من التغير ، و التبدل مع القوة ، و العاطفة .
الثاني : مقاومة مركزية النصر الذكوري ، حينما تم إضعاف العنصر النسائي عقب الحرب ، و من ثم فقد تحول انتصار طروادة إلى عواصف ، و مخلوقات غريبة بدت في رحلة أوديسيوس ، و هي تشبه في أبنيتها أخيلة الأنثى ، و تناقضاتها الانفعالية .
تقول أثينا في النص :
" عندما يبحرون من إيليوم متجهين نحو وطنهم ، عندئذ سيرسل زوس وابلا من الأمطار ، و البرد ... أما أنت فاجعل ممر بحر إيجة يزأر بأمواج كالجبال .. و اخنق خليج أيوبيا بالجثث " .
و من اللافت أن خطاب أثينا يقوم على خاصية انتشار الموت / الجثث كبديل عن ذروة النصر ، أو محاكاة لها ، و تناهضها من داخلها ، فضلا عن اتحادها بامتزاج الثورة ، و السكون في الماء .
لقد اكتسبت الأمواج سمة ذكورية ، و لكنها نبعت من وعي أنثوي يرغب في التبديل ، و التحول .
ثانيا : كاسندرا :
و هي من أهم الشخصيات الفريدة في الدراما الإغريقية ، و في هذا النص بوجه خاص ؛ فقد حولت المأساة بحد ذاتها إلى نصر يرتكز بشكل أساسي على الخيال الإبداعي للأنثى ، كما أنها صاحبة قدرة على التنبؤ ، و على صلة بأبولو .
إن كاسندرا تمتد في الأفكار النسائية الحديثة ، و بخاصة أفكار استقلال المرأة ، و خصوصية رؤيتها للعالم ، و كذلك تجاوز التبعية ، و شاعرية الخطاب ، و غيرها ، مما يجعل طيفها يجسد عمليات التجاوز المستمرة للحتميات الأبوية من خلال ديناميكية الوعي .
تقول كاسندرا في النص عن أوديسيوس ، ثم أجاممنون ، و كانت قد وهبت له :
" و يرى آكلي اللوتس ، و ماشية الشمس المقدسة التي يئن لحمها الميت بصوت بشري ، و هو صوت يخيف أوديسيوس ، و بالاختصار سيرى هاديس حيا ، و سيفلت من البحر ، و رغم هذا ، فعندما يبلغ وطنه سيجد متاعب لا تحصى ... هيا بنا كي يصير بوسعي أن أتزوج عريسي زواج هاديس .. سأذهب إلى موتاي متوجة بالنصر " .
تملك كاسندرا هنا قوة النبوءة المضادة لمأساتها الذاتية ، و كأن مضاعفتها الحكائية لمآسي أوديسيوس في البحر ، ثم موت أجاممنون تؤجل هزيمتها ، أو تبعيتها .
إن المأساة في وعي كاسندرا مقدمة لبهجة خيالية أنثوية دائرية تستعصي على أقوى الحتميات ، و هو الموت ؛ فهي تستشرف عودة الموتى في وعيها المبدع بنسبتهم إلى سياق تخيلي جديد يقوم على النصر ، و تجدد الحياة .
إنها تقاوم التجسد ؛ لأنه يخضع للتبديل الخيالي السردي الممزوج بقوة التنبؤ ، و لكن صوتها يظل مستقلا فوق لحمها المقطع . و الصوت هنا هو أصالة الطاقة الأنثوية المجردة في وعيها ، و قد انفلتت من المأساة ، و أعادت إنتاجها فيما يتجاوزها .
كاسندرا تفكك منطق الخطيئة – ممثلة في الانهزام الجسدي – في سياق تكراره ، و مضاعفته في كل من أجاممنون ، و أوديسيوس ؛ فكلاهما سيقع في شرك السلطة الأبوية ، و العقاب المتكرر ، و لكنها تذوب فيما وراء العقاب ، و يظل صوتها مرحا فوق آثار الجسد .
ثالثا : أندروماخي :
هي زوجة هكتور ، و تتمثل مأساتها في إعدام ابنها عقب انتصار الإغريق ، و من أهم الملامح الأنثوية التي تميزت بها الأمومة ، و مواصلة تفكيك منطق الحرب ، و الحتميات الأبوية ، و التناقض الداخلي بين الإحساس بالعبث ، و العودة المتخيلة للابن في وعيها .
تقول لابنها :
" أي بني المحبوب .. لقد أهلكتك بطولة أبيك التي كانت منجاة للآخرين .. إن هكتور الممسك برمحه الماجد لن يصعد من الأرض ، و يأتي ليخلصك ، بل ستسقط من مرتفع شاهق سقطة فظيعة ، أيها الطفل الغض ما أحلاك في عين أمك " .
إن أندروماخي تستعيد الصورة الأولى للطفل في ولادته الثانية / التي ترتبط بالوعي الأنثوي ، و تناهض عبث السقوط ، و البطولة المركزية للأب .
لقد كشفت أندروماخي في خطابها عن عنصر الانهيار في بطولة الذكر / هكتور ، و كأن منطق الصراع الذي يحدد هذه البطولة بنيويا ينهار من داخل الصراع الذكوري نفسه ، و يتفكك ذاتيا دون نهاية . أما الوعي النسائي فيستطيع إعادة إنتاج الطفل في المخيلة .
رابعا : هيلين :
تعد هيلين من الشخصيات النسائية المركبة في نص يوريبيدس ، رغم حضورها القليل ؛ فهي تفر دائما من السلطة ، ثم تعود إليها ، و تظل تمارس تناقضات الهروب ، و العودة ، و كذلك حب الحياة ، و الاستسلام المؤقت للعقاب .
تقول لمينلاوس عقب أسرها مع نساء طروادة :
" و عندما مات إسكندر ، و ذهب إلى هاديس ... كان ينبغي لي أن أهرب من أبهائه إلى السفن الأرجوسية ، و مع ذلك فقد حاولت هذا ، و شهودي هم حراس الباب ، و حرس الأسوار ، متدلية بالحبال سرا " .
إن هيلين تنتمي لمبدأ اللذة في توتره ، و تعارضه الجذري مع المجموع ، أو خضوعه الشديد للعقاب بشرط استمرار الحياة ؛ فشخصيتها ترتبط إيجابا ، و سلبا بالأبوية دون استقلال نسائي كامل .
خامسا : هيكوبا :
هي زوجة بريام ملك طروادة ، و تتباين في وعيها أخيلة القداسة ، و الدونية المفرطة عقب أسرها ، و هنا تكمن مأساتها ؛ فقد انقسم وعيها بين الفخر بأبنائها الموتي ، أو بناتها الأسيرات ، و حياة العبودية القادمة ، و لكن هذه العناصر تختلط في لاوعيها ، و تنتج حياة جديدة لهيكوبا الأخرى تنبع من تناقضاتها الداخلية ، و امتزاج الماضي بالمستقبل المجازي .
تقول :
" ما من سيدة طروادية ، و لا إغريقية ، و لا بربرية يمكنها أن تفخر قط بأمومتها لمثل هؤلاء ، و مع ذلك فقد شهدت مقتل هؤلاء برماح الهيلينيين ، و جززت خصلات شعري هذه عند قبور أبنائي الموتى .. قدنني أنا التي كنت أسير برقة في طروادة .. أنا العبدة الآن .. قدنني إلى فراش مغطى بالتراب " .
لقد جردت هيكوبا طاقتي الموت ، و الأنوثة من المخيلة ، و جمعت بينهما في سياق يستعصي على مركزية المشاعر الدونية ؛ فمازالت أطياف أبنائها تتكاثر في غموض الموت ، و التباسه بالحياة المتجددة للأخيلة النسائية التي تتوحد بالماضي البعيد ، مثلما تمارس صورتها الأولى كملكة طروادة نوعا من الإغواء المتعالي الذي يعيد تشكيل كينونتها في حياة جديدة .
إن مأساة طروادة عند يوريبيدس كشفت عن انقسام الوعي النسائي ، و من ثم انحيازه لعشق الأطياف ، و بناء حياة جديدة في المخيلة الإبداعية ، هذه الحياة التي تتكون من دوال الأمومة ، و الاستقلال الذاتي ، و مقاومة منطق القوة ، و الحرب ؛ فهذه المآسي المتنوعة حطمت الحواجز الزمكانية بين التجارب النسائية منذ حضور الأسطورة ، و الحكايات التاريخية ، و الأدبية حتى بدايات الحركة النسائية الحديثة بشكولها الاجتماعية ، و الثقافية ، و المجازية .
• هامش /
يوريبيدس ( 480 – 406 ق . م ) من أهم كتاب التراجيديا في اليونان القديمة ، و من أهم أعماله المسرحية ميديا ، و هيكوبا ، و إلكترا ، و نساء طروادة ، و هيلين ، و إيفيجينيا في أوليس ، و غيرها .
محمد سمير عبد السلام – مصر





#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياق شعري يشبه الحياة .. قراءة في تجربة فاطمة ناعوت
- تأملات جمالية في الأنا الأعلى
- تجاوز الذات التاريخية .. قراءة في أحب نورا .. أكره نورهان ل ...
- العولمة ، و الاختلاف
- شهوة الكتابة ، و نشوة الغياب .. قراءة في الرغام ل علاء عبد ا ...
- الأنا ، و إيحاءات الأشياء الصغيرة .. قراءة في اسمي ليس صعبا ...
- التأويل الإبداعي ، و دراسة التاريخ .. قراءة في دروس التاريخ ...
- الانتشار الإبداعي ، و التناقض في قضايا النوع
- تجدد الحياة في صمت النهايات .. قراءة في مواسم للحنين ل محمد ...
- صراع ضد الحتميات السائدة .. قراءة في نقطة النور ل بهاء طاهر
- دراسة الهوية الثقافية تتميز بالتعقيد ، و التداخل
- وهج البدايات النصية .. قراءة في حجر يطفو على الماء ل رفعت سل ...
- انطباعات حسية تقاوم العدم .. قراءة في نصوص منى وفيق
- الصوت في نشوء متكرر .. قراءة في إلى النهار الماضي ل .. رفعت ...
- مرح الغياب .. قراءة في كزهر اللوز أو أبعد ل .. محمود درويش
- السينما .. فن الأشباح
- الأخيلة المجردة للجسد .. قراءة في الطريق إلى روما ل شريفة ال ...
- عن الفوتوغرافيا
- الرغبة في تخييل العالم .. قراءة في قارورة صمغ ل فاطمة ناعوت
- القوة الخلاقة للرعب و التمرد في كتابة هنري ميلر


المزيد.....




- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد سمير عبد السلام - امتداد التجارب النسائية .. قراءة في نساء طروادة ل يوريبيدس