أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - قدري جميل - الماركسية اليوم















المزيد.....


الماركسية اليوم


قدري جميل

الحوار المتمدن-العدد: 635 - 2003 / 10 / 28 - 07:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


أعتقد أن أول سؤال ينبغي أن نسأله لأنفسنا، ماهي الماركسية؟ حول هذا الموضوع يدور نقاش واسع.. إذا قلنا نظرية، ففي اللغة العربية يوجد إشكالات لأن كلمة نظرية باللغة العربية يقابلها باللاتيني (تيوري) (theorie ) و (تيوريم) (theoreme). التيوريم هو عملياً قانون، بينما التيوري هي مجموعة تيوريمات، لذلك أعتقد أحياناً أن الموقف من الماركسية هنالك إشكال سببه أحياناً المقولات وحدودها في اللغة العربية.

يأتي شخص ويقول لك الماركسية ليست نظرية، وكل ذهنه أن النظرية هي تيوريم (theoreme) أي هي قانون. صحيح الماركسية ليست تيوريم (theoreme)، لكن الماركسية هي تيوري  (theorie). هي نظرية بمعنى أنها مجموعة القوانين والمقولات والفرضيات...إلخ..

هنا لتحديد المصطلح أي عندما نقول نظرية يكون هكذا قصدنا. وأنا أعتقد أننا لسنا مدعوين حتى نجد المكافئ باللغة العربية بدلاً من التيوري والتيوريم، لكن هذا الإشكال لابد من الإشارة إليه.

إذا كانت الماركسية تيوري (theorie) (نظرية) فهذا يعني أن الماركسية يجب أن يكون لها مكوناتها مثل أي تيوري أي أن الماركسية هي علم مثل العلوم التي لديها تيوريات، التي لديها نظريات.

أي علم حتى نستطيع أن نقول عنه أنه علم ينبغي أن ينطوي على المكونات التالية:

-    المنهج: أي الطريقة، أي الأسلوب، الطريقة أو الأسلوب هما أداة هذا العلم أو ذاك، الفيزياء كعلم لها طريقتها، مجموعة أدواتها في مخبرها، بالتعامل مع موضوعها، الماركسية لها طريقتها ومنهجها، ومنهجها هو المادية الديالكتيكية، والمادية التاريخية. هذا النهج بحد ذاته هو طريقة، ويغتني باغتناء العلم ككل، لأنها علم عام، وليست علم خاص يغتني باغتناء العلم، وأن هنا وأن هناك بون شاسع قطعته العلوم. والماركسيين بعد ماركس لم يستطيعوا أن يغذوا السير بالماركسية بقدر ماغذ العلم السير في طريقه.

يعني إذا حاولنا التفكير بنفس الطريقة في أوائل القرن الحادي والعشرين، العلم كعلم أين وصل، أعتقد يوجد ثلاثة أشياء كبيرة بالعلم ترينا البون الشاسع الذي قطعه العلم ككل، الهندسة الوراثية التي هي بالمناسبة امتداد إذا أردنا التكلم من الناحية المنطقية بالبيولوجيا لفكرة الخلية، الهندسة الوراثية وماتقدمه من إمكانيات عالية بالتحكم بالبيولوجيا، لدينا اليوم موضوع الاتصالات، والبرمجيات فيما تقدمه اليوم من إمكانية من أجل تكثيف العمل الذهني، تماماً كما كثفت الآلة البخارية العمل العضلي، مثل ماعملت الآلة الصناعية البخارية النقلة الهائلة بالعمل العضلي. مثلما كانت الآلة امتداد للعضلة وتكثيف لجهدها بشكل خارق. اليوم العلم بهذا المجال قدم لنا شيء، سمح لنا أن يصبح للعقل أداة تكثف العمل الذهني بشكل خيالي وخارق.

وبالتالي إذا كانت الآلة الصناعية هي الأرضية المادية لظهور الرأسمالية في ذلك الحين، فظهور الإنجازات الحالية يفرض علينا أن نطرح سؤالاً على هذا الأساس: ماهو الانتقال الجديد الاجتماعي و الاقتصادي الذي تقدمه هذه التكنولوجيا الجديدة؟ لذلك نحن هنا عند انعطافة كبيرة، يقدم العلم لنا فيها شيء هام.

-    النقطة الثالثة في الاكتشافات العلمية هي الفضاء، الأقمار الصناعية، الصواريخ..، التي أخرجت سيطرة الإنسان من إطار الكرة الأرضية إلى إطار ما فوق الكرة الأرضية.

إذاً، تقدرون معي ما هي المسافة التي قطعها العلم من وقت الاكتشافات التي ظهرت على أرضيتها الماركسية إلى اليوم.

السؤال سأطرحه بشكله البسيط:

هل قطعت الماركسية نفس المسافة التي قطعها العلم؟

إذاً، مطلوب من الماركسية أن تستند إلى أخر إنجازات العلم من أجل تدقيق رؤيتها وتطويرها. حتى تنجز ذلك الاختراق المطلوب منها والذي تتزامن كل نقلة نوعية بالعلم مع نقلة نوعية بالماركسية.

إذاً،نستطيع القول أننا عند نقلة نوعية بالماركسية تكونت أرضيتها وظروفها الموضوعية والحياة ستفرضها. فإذا كانت هذه هي مقدماتها الجديدة.

فما هي الماركسية؟

إذا ما عدنا إلى ماركس، فالماركسية كعلم هي وعي الضرورة أي وعي القوانين الموضوعية، فنحن مدعوون للتعامل مع هذه القوانين الموضوعية. إذاً الماركسية اليوم كعلم اجتماع هي علم التحكم الواعي بالعمليات الاجتماعية. كما العلم في مجالاته الأخرى هو تحكم واعي في كل مجال يطرقه.

من هنا دور الماركسية يأتي كونها ذلك الجزء الذاتي / الموضوعي بآن واحد (الذي هو الوعي)، في سياق التطور.

-    إذا كان دور الوعي عفوياً في سياق التطور السابق، فبفضل الماركسية اليوم فإن دور الوعي أساسي في التحكم بالعمليات الاجتماعية، وإذا كانت العمليات الاجتماعية جارية بشكل عشوائي دون أن يتحكم الوعي بمجراها فإن الماركسية تقدم لنا تلك الأداة ـ إذا ما أحسنا استخدامها ـ التي تسمح بتحول الوعي إلى عامل مؤثر في التحكم الذي يؤدي إلى تسريع التطور ووضعه على السكة الصحيحة كما أي علم آخر.

إذاً، ذلك هو مفهوم الماركسية، أما ما تبقى، حينما نقول: (اللينينية/ لالينينية، سوفييتية/ لاسوفييتية..إلخ..) أنا أعتقد أن تلك أمور تفصيلية مشتقة من المسألة الأساسية، يجب أن لانقلل من وزن اللينينية وقيمتها، وأوافق على ماقيل بأن اللينينية ظاهرة غير روسية، اللينينية هي جزء من علم التحكم الواعي في الظروف الجديدة، في الظروف الإمبريالية، قيمتها كونية ولكن هذا لايعني أن اللينينية أنجزت كل شيء مطلوب من هذا العلم. لذلك دعونا نرى ماذا أنجز هذا العلم وما الذي لم ينجزه: على يد ماركس، أنجلز، وبعدهما...

نلاحظ أن ماركس أنجز لنا مسألة أساسية، أنجز لنا ما نستطيع تسميته علم تهديم الرأسمالية، واكتشف القوانين الموضوعية للرأسمالية فقدم لنا أساس جيد وهام وكافي، وأنجز لينين مسألة تهديم الرأسمالية في الظروف الجديدة، الانتقال من المنافسة الحرة إلى الرأسمالية الاحتكارية، وقدم لنا أمراً إضافياً: علم الثورة الاشتراكية. أي الطريقة الملموسة لهذا التهديم باللحظة الانعطافية ولكن مالم يقدمهم أولئك جميعاً وكان من غير الممكن تقديمه آنذاك هو علم بناء البديل الذي هو الاشتراكية، قدموا لنا ملامحه العامة، طريقه العام، ولكن لم يكن من الممكن أن يقدموا لنا هذا العلم وذلك ببساطة لأن ماركس عندما اعتكف في المكتبة البريطانية ودرس الرأسمال كان يتعامل مع مادة خام عمرها ليس أقل من ثلاثمائة سنة من تطور الرأسمالية حتى استطاع إنجازمشروعه.

وكذلك لينين عندما استطاع تطوير هذا الاتجاه فقد تعامل مع مادة خام عمرها مئات السنين. وعندما استطاع إنجاز القسم الثاني (علم الثورة الاشتراكية)، على الأقل استند إلى كومونة باريس 1870 ولثورة /1905/ وقام بالتعميمات والاستنتاجات الرئيسية. إذاً ماالذي أنجزته الماركسية وذاك الذي لم ينجز؟

الماركسية كانت منهج كما أي علم، لكن هذا المنهج عندما طبق على حالة معينة وهي الرأسمالية استطعنا أن نكشف قوانينها الموضوعية ـ ليس بالطبع جميع القوانين ـ إنما  مااستطعنا اكتشافه.

إذاً الماركسية هي منهج وقوانين، والذين عملوا بمجال المنهج والقوانين كانوا على قدرة عالية علمياً بحيث استطاعوا وضع فرضيات. لذلك الماركسية هي مجموع هذا المنهج مع هذه القوانين التي تفعل فعلها إلى يومنا هذا، لأن موضوعها مازال موجوداً ألا وهو الرأسمالية، إلى جانب الفرضيات، والفرضيات هي احتمالات، إمكانيات. أين المشكلة؟ المشكلة أن الماركسيين تعاملوا مع الماركسية أحياناً بشكل تبسيطي، أي على طريقة الصح والخطأ، بشكل مطلق، إما صح مطلق، أو خطأ مطلق.وهي كأي علم آخر، تنطوي على الثابت، وعلى المتغير، وأعتقد أن مهمتنا اليوم كماركسيين أن نجد الحدود الصحيحة في ظروفنا الملموسة اليوم ما بين الثابت والمتغير، أي ما هي حدود الثابت والمتغير إذا ما أردنا التحدث نظرياً في إطار المنهج والقوانين والفرضيات.

يمكن وضع القضية بهذا الشكل:

-         المنهج: في قضية الثابت والمتغير، إذا أنجزت فإنها ستحل مشكلة مهمة بين الماركسيين.

إذا اتفقنا على أن الماركسية منهج كأي علم آخر، لها قوانين وفرضيات، والنصوص تحتوي على المنهج والقوانين وعلى الفرضيات، فالقضية ليست إطلاق صفات: هنا منهج، هنا قانون، هنا فرضية...إلخ..

القراءة العلمية للنصوص تسمح لنا بالتمييز ما بين القانون والمنهج والفرضية. وبالمناسبة، ماركس اكتشف /67/ قانون بالرأسمال ومازالت صحيحة إلى هذه اللحظة.

إذاً ما هو الثابت وما هو المتغير؟

أن المنهج يدخل نسبياً في إطار الثابت لأن التغيرات على المنهج بقدر ما تحدث، هي تغيرات نسبية، أما الفرضيات فهي بالمطلق في إطار المتغير. القوانين برأيي هي ما بين الثابت والمتغير. كيف؟

القانون دائماً يتجلى بشكل ومضمون:

مثال: قانون القيمة الزائدة في عهد المنافسة الحرة هو قانون القيمة الزائدة مثلما تحدث عنه ماركس، هو نفسه قانون القيمة الزائدة في عهد الرأسمالية الاحتكارية، هو قانون الربح الاحتكاري شكله صار ربح احتكاري، إلا أن جوهره هو قانون القيمة الزائدة.

اليوم، لقانون القيمة الزائدة تجليات جديدة، وإضافية غير تلك التي تكلم عنها لينين، مثلاً الموقف من الطبيعة، الاستغلال الجائر للطبيعة. إذا كانت القيمة الزائدة هي الاستيلاء على كميات عمل الآخرين الحالية، فالاستغلال الجائر للطبيعة من هذه الزاوية هو استيلاء على كميات عمل الآخرين ليس فقط الحالية، وإنما اللاحقة أيضاً.

لذلك هنالك احتياطات تستخدمها الرأسمالية تؤدي إلى أزمة، ليست فقط بينها وبين الطبقة العاملة التي تستغلها، بل أيضاً بينها وبين البيئة التي تعمل فيها، لذلك وضمن هذا المثال، الشكل تغير إلا أن القانون هو هو في جوهره.

لدينا قوانين تبقى بجوهرها وشكلها قائمة مثل قانون ميل معدل الربح للانخفاض مع تغير التركيب العضوي للرأسمال، هذا القانون من يعرفه ويفهمه لايؤخذ بتجربة مثل تجربة النمور الآسيوية، وكان بإمكانه توقع مجريات الأحداث اللاحقة، فماركس أعطانا معلومة تسمح لنا بالرؤية للأمام في هذا الموضوع. لهذا مثلاً هذا القانون يفعل فعله حتى هذه اللحظة شكلاً ومضموناً.

-         قانون القيمة الزائدة مازال جوهره ومضمونه، أما شكله فتغير.

القانون الأول (ميل معدل الربح) كله ثابت إلى هذه اللحظة.

القانون الثاني (القيمة الزائدة) قانون متغير وثابت بآن، ثابت بالجوهر، ومتغير بالشكل..

القوانين الجديدة التي لم يكتشفها ماركس ولينين، والتي لم يتم اكتشافها الآن، هي بالمتغير نسبياً ريثما تضاف للرصيد، فتصبح إما ثابتة أو متغيرة، أو ثابت ومتغيرة.

لذلك البحث في قضية الثابت والمتغير، مسألة معقدة جداً، إلا أنها ضرورية ولابد من تناولها منهجياً وإسقاطها عملياً على أرض الواقع، لأننا بهذه الطريقة، نحد من خطر تيارين يتعاملان مع الماركسية بشكل خاطئ: التيار النصوصي والتيار العدمي.

التيار النصوصي يتعامل مع الماركسية كنص مقدس، ويعتبرون أن «أنبياءنا» قد أنجزوها، وأي كلمة تتناقض مع ما قالوه، تصدر عنا، نعتبر بحكم الكفار وعلى العكس، ينبغي من وجهة نظرهم أن يتم البحث في كل حادثة جديدة ضمن دائرتهم وإيجاد الحلول ضمن هذه الدائرة أيضاً.

أما التيار الثاني (العدمي) فهو يعتبر الماركسية هي مجرد منهج وينفي قوانينها بشكل نهائي، وبالتالي ينفي تجربة /150/ سنة من التراكم المعرفي. والأخطر من ذلك، والمضحك بآن، هو الجهل بحدود الثابت والمتغير، فيأتي أحدهم ليعتبر الثابت متغير وبالعكس.

فمثلاً يقول: «ماركس تكلم عن انتصار الثورة في مجموع أوروبا وذلك ما بين أنه خطأ وبالتالي فالماركسية خطأ» إلا أن هذه فرضية وليست قانوناً.

تحدث لينين أيضاً عن إمكانية تجاوز الرأسمالية في البلدان المتخلفة، ولم يحدث ذلك إلا جزئياً، وذلك أيضاً كان ضمن إطار الفرضية.

نحن ما يهمنا هو النقاش الجاري بين الماركسيين بمختلف أطيافهم.. بمن فيهم النصوصيين أوالعدميين أو الجاهلين الذين يخلطون الثوابت بالمتغيرات.

 

النصوصية والعدمية ضدان شكلياً، يتطلب أحدهما الآخر،وكل واحد منهما تزداد قوته بزيادة قوة الآخر، ويضعف أحدهما بضعف الآخر، لذلك هما وجها عملة واحدة. مع أنهما في الشكل مختلفين جداً، لكن بالمنطق والجوهر هما واحدة. هذه ناحية وهنالك ناحية أخرى، المنهج هو القوانين العاملة تطبق في الفكر والمجتمع والطبيعة، هذا المنهج استخدمه ماركس مطبقاً على حالة خاصة اسمها الرأسمالية، عمل طوال حياته على هذه القصة، ومات دون أن ينتهي منها. لذلك قلت أنه وضع لنا علم هو تهديم الرأسمالية (نفيها)، علم نفيها، لم يكن ممكناً وضع علم بناء الاشتراكية لأن ماركس حتى استطاع وضع علم تهديم الرأسمالية كان يلزمه /300م سنة من مواد خام، كيف تريد أن تضع علم بناء الاشتراكية في وقت لديك فيه (صفر) من المواد الخام؟!

المسألة بكل بساطة هي بهذا الشكل..

بمعنى آخر نعود للعلاقة بين النطرية والتطبيق، النظرية والتطبيق هما بالآخر وجهان لعملة واحدة، هما فصل ذهني لتسهيل التعامل مع الحالة.

النظرية في نهاية المطاف هو التطبيق المتراكم، أي عملياً النظري والعملي موجودان في ذهننا أم الواقع فيختلف عن ذلك.

بالواقع هذه المقولات نستخدمها للفهم والتحليل والتجريد، إن أردتم الحقيقة ليس هناك شيء نظري بالواقع.. هنالك ممارسة.

نستنتج أن النظري هو التطبيق بشكله المكثف السابق، كالخريطة كالقاموس، نستخدمه فقط كأرضية معلوماتية من أجل التقدم اللاحق. والتطبيق على أساس ذلك هو أحد الحالات الخاصة للنظرية، لذلك ليس من الخطأ كلام لينين أن الماركسية في جوهرها هي وحدة النظرية والتطبيق.

المشكلة بالماركسية متى بدأت؟

بدأت عندما بدأ الطلاق ما بين النظرية والتطبيق، فقدت وحدتها النظرية، وبدأت النظرية تتعرقل وابتعدت عن الواقع، أصبح التطبيق أعمى في الواقع بنفس الوقت لأنه غير مستند على أرضية صحيحة، متى وكيف؟ هذا موضوع بحث آخر لن أدخل بتفاصيله الآن، هذا بحث آخر يحتاج لجهد آخر.. وأعتقد أنه بحاجة إلى البحث في أرضيتنا المعلوماتية وتاريخ التجربة لدينا، حتى ننطلق، ليس على أرضية (أورويل 1984) ننطلق على أرضية 2003.

لأننا نحن مع الأسف الشديد، بالأدراج الموجودة في عقولنا، ضخت إلينا كميات هائلة من المعلومات، خاصة في النصف الثاني من القرن العشرين على طريقة أورويل.

طريقة أورويل تعلمون ما هي: تغير القاعدة المعلوماتية يؤدي إلى تغير طريقة التفكير.. لذلك التجربة السوفييتية كلها تحتاج لإعادة النظر لأننا نحن ندرس الأرضية  المعلوماتية للمؤتمر العشرين الذي كان له موقف معين مما قبله، وندرس الأرضية المعلوماتية للغرب، التي قدمها النشتين عن التجربة السوفييتية أيضاً بعد المؤتمر العشرين.

ما قبله لانملك شيئاً عنها إذا ما أردنا الحقيقة، ما قبله كمعلومات كرؤيا، كتحليل واستنتاجات.

لذلك المطلوب أن نتجرد ليس لتبرير الماضي بل لفهمه.

الماضي ليس لديه مشكلة.

فأنا برأيي جرى تشويه مقصود حتى نتشوه ونتعثر ولانصل لأي مكان.نحن يجب أن نقدم رؤيتنا من مستوانا المعرفي لهذه القضية حتى نعمل نقلة بالسلم، ولو لدرجة واحدة، وهذا واجبنا، ونحتاج إلى جهد إضافي. ومشكلة هذا الجهد، إذا ما عدنا إلى تقسيمات إنجلز في (أنتي دوهرنغ) للعلوم، يقول أن العلوم الاجتماعية هي أعقد العلوم، وأنا أعتقد أن الماركسية أول علم اجتماع. فماركس وضع لأول مرة شيئا ًمتكاملاً بهذا المجال.

إنجلز قال أن العلوم الاجتماعية هي أعقد العلوم، ووضع مقياس هو القضية التالية: الفرضية وتطبيقها.

بالعلوم الدقيقة إمكانية التجريب تؤتي ثمارها سريعاً، أما بالعلوم الطبيعية فهي أعلى درجة بالتعقيد من الناحية الزمنية فقد تستغرق عدة سنوات، أما بالعلوم الاجتماعية فإنك تحتاج لمئات السنين. لذلك وحدة القياس عند إنجلز كانت بدرجة من التعقيد للعلوم هي المختبر وطول الفترة الزمنية ما بين الفرضية وإثباتها، أو رفضها.

هنالك أيضاً أمر إضافي، نظام الاحداثيات بالعلوم الدقيقة، الحركة، أقل بكثير من العلوم البيولوجية لأنها هي كحركة أدنى في مستويات الحركة، الإحداثيات أقل وأوجه الظاهرة أقل وبالتالي هي أقل تعقيد.

بالبيولوجيا أوجه الظاهرة أكثر، وبالتالي هي أكثر تعقيداً، بالمجتمع يحتوي على كل شيء، وبالتالي هو أكثر وأكثر تعقيداً..

الوعي يعني بنهاية المطاف اكتشاف القانون، فهمه، التحكم به، وهذا اسمه وعي الضرورة، أما الإرادوية فأن تقفز فوق القانون مثلاً، وتنسخه وترميه، بينما الوعي اللإرادوي أو الموضوعي، هو أن نراه، نحترمه، نسيره، أو نسير معه، أو نتحكم بمساره.

وبالعلوم الطبيعية يجري ذلك وهنالك مثال بسيط:

سقطت تفاحة على رأس نيوتن فاكتشف قانون الجاذبية الأرضية، هذا القانون خرقه إرادوياً ستالكوفسكي عندما اكتشف السرعة الكونية الأولى (10م2) ثا، فاستنتج أننا نستطيع أن نصنع صاروخاً، هذا إرادوي إذاً؟! مع العلم أنه احترم الجاذبية الأرضية لدرجة أنه اخترع جهاز تحكم بالجاذبية الأرضية عبرها، وخرج منها.

هذا لايعني الإرادوية، وإنما التحكم الواعي بالقانون.

وعي الضرورة هو وعي القانون، اكتشافه، صياغات المصطلحات لاشك تتطلب جهد.

قضية أخيرة: جوهر القيمة الزائدة عندما نتحدث عن قضية الشكل والمحتوى، جوهر القيمة الزائدة هو القيمة، إحداثيات القيمة الزائدة تتغير، بعهد المنافسة الحرة عرض وطلب عفوي، بالتالي أخذت الشكل الذي تحدث عنه ماركس.

ماهو جوهر القيمة الزائدة؟ الاستيلاء على عمل الآخرين، بالرأسمالية الاحتكارية أصبح هناك ربح احتكاري الذي هو القيمة الزائدة نفسها، زائد الربح من فرق سعر البضائع، من فرق قوة العمل، زائد الربح من فرق سعر النقد.

ظهر شكل جديد لفضل القيمة. لذلك الاحتكار الذي هو شكل جديد للرأسمالية حمل شكل جديد للقيمة الزائدة.

لينين يومها وجد من يكفره لأنه عدل في  نظرية ماركس وتكلم عن الشكل الجديد، بمعنى إذا كان هنالك شكل جديد للربح الاحتكاري فيجب أن نتحدث فيه، الرأسمالية كونية، وكل العالم رأسمالي عملياً، لكن هناك مركز متقدم، وهناك رأسمالية متخلفة، بمعنى آخر، الرأسمالية كسيادة إنتاج بضاعي صارت مهيمنة، والذي لم يكن بالرأسمالية بالستينات التحق بالرأسمالية اليوم، ولكن  لايملك حظ في أن يتحول  إلى رأسمالية متقدمة، فنادي الأغنياء الآن مغلق. خطه الوحيد هو الدخول إلى النادي الآخر نادي الفقراء، كما صار في روسيا.

هنا نستطيع النظر إلى قضية أخرى:

قضية القيمة الزائدة بالظروف الحالية، الربح الاحتكاري، على النطاق الكوني، هذا يتطلب منا التفكير في القانون الذي اكتشفه لينين: قانون التطور المتفاوت وفعله في الظروف الحالية، سأعود للوراء قليلاً، ماركس تكلم عن احتمال قيام الثورة في مجموعة بلدان للرأسمال أي علاقة ( v) بـ(c) بمعادلة القيمة، جاء لينين ـ وهذه فرضية ثانية ـ قال أن الفرضية أصبحت خاطئة، درس التركيب العضوي فلاحظ تفاوتاً في تطور الرأسمالية من خلال دراسته لـ (v) و (c) استنتج من هنا التطور المتفاوت والحلقة الضعيفة، وقال أن السلسلة ستنفرط من الحلقة الأضعف، بمعنى أنه نفى ماركس من حيث الفرضية، ومعه حق ضمن الإحداثيات الجديدة، ولاأعتقد أن ماركس غضب لذلك.

هذا القانون كيف فعله اليوم؟

التاريخ والفكر يتطور على أساس قانون نفي النفي، قانون التطور المتفاوت اليوم يعمل بين الجنوب والشمال بمعنى مجموعة بلدان ومجموعة بلدان، عدنا للمجموعات لكن التطور متفاوت.

السؤال الذي يبقى على الماركسيين حله هو أين هي الحلقة الأضعف؟

لينين نظر  إلى روسيا على أنها الحلقة الأضعف وتبين أن كلامه صحيح، التي هي أضعف البلدان الإمبريالية تطوراً.

إن قانون التطور المتفاوت يفعل فعله اليوم بشكل جديد، إمكانية ردم الهوة غير ممكنة. كيف كسر الحلقة، هذا السؤال مطروح على الماركسيين، ومن الصعب الجواب عليه الآن.

تحضيراً لانطلاقة مجلة «دفاتر ماركسية».. عقدت مساء يوم 5/7/2003 ندوة تحت عنوان: «الماركسية اليوم»، وفيما يلي مداخلة د. قدري جميل:



#قدري_جميل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعية قادرة أن تعود لتقف من تحت الرماد
- حول الثابت والمتغير
- ظرف دقيق وخطير تمر به البشرية والمنطقة وبلادنا
- كان هدفنا منذ البداية : إعادة تكوين ذلك الحزب الشيوعي الذي ي ...
- إن الانعطاف الذي توقعناه وتحدثنا عنه قد بدأ *!
- ميثاق الشرف- نقلة نوعية في حياة الحركة الشيوعية في سورية
- إزالة الخلل بين الأجور والأسعار ضرورة للاصلاح الاقتصادي
- ملاحظات أولية على برنامج الإصلاح الاقتصادي
- واقع الحركة السياسية وآفاقها
- المأزق الأمريكي.. من الانهيار الاقتصادي.. إلى الانتشار العسك ...
- الإصلاح الاقتصادي بين الأبيض والأسود
- وجهة نظر حول تطوير وتفعيل دور الجبهة الوطنية التقدمية: الظرو ...
- من أجل نظام انتخابي فعَّال ومتقدم
- النمو والنهب.. ضدان لايجتمعان
- إزالة الخلل بين الأجور والأسعار.. ضرورة للإصلاح الاقتصادي
- العولمة بعد 11 أيلول 2001 شلالات الدم.. لن توقف الانهيارالرأ ...
- الاشتراكية حلمٌ وعِلمٌ


المزيد.....




- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - قدري جميل - الماركسية اليوم