ما العمل؟
طارق فتحي
2025 / 7 / 18 - 23:04
رأي خاص وشخصي
أحد اهم النصوص الكلاسيكية لفلاديمير لينين، أصدره في بدايات القرن العشرين، رسم وحدد فيه لينين شكل النضال السياسي والنقابي ومعالم العمل التنظيمي؛ أراد من خلال هذا الكتاب بناء حزب ماركسي تقدمي عال الانضباط، حيوي وفعال، يواجه به طبقة بورجوازية شرسة؛ كان السؤال الذي يدور ويقلق الجميع هو "كيف تسيطر الأفكار البورجوازية على المجتمع" ؟، وقد رد لينين على ذلك بالقول "أن الأفكار البرجوازية أقدم بكثير في الأصل من الأفكار الاشتراكية، ولذلك فهي أكثر تطوراً، ولديها وتحت تصرفها أدوات للدعاية بدرجة لا تقاس"، لذلك وجب تزويد العمال والفلاحين والمضطهدين بأداة ومنهج تنظيمي وسياسي.
عٌد هذا الكتاب منهجا لكل ماركسي ينخرط في التنظيمات الماركسية، كان ذلك في وقت مضى، كانت فيه الماركسية شعلة وهاجة، تقاتل على عدة جبهات فكرية وسياسية واجتماعية؛ الان، فأن السؤال الذي يتبادر للذهن: ترى هل لازال هذا الكتاب صالحا؟ هل تلك الرؤية التنظيمية لا تزال فعاله ويمكن ان تكون أداة بيد الفعالين الثوريين؟
تغير العالم كثيرا، الرأسمالية كنمط انتاج مهيمن ومسيطر على العالم لا زال قويا ويستطيع الخلاص من تناقضاته التي ينتجها هو ذاته، صحيح انه يزداد شراسة وتوحشا وتغولا، فإحدى خصائص هذا النمط هو مراكمة الأرباح بكل الطرق، لهذا هو يسير بشكل حثيث نحو المزيد من الوحشية والبربرية، وما الحروب التي نشاهدها الان الا تأكيدا على قباحة هذا النمط.
النقيض الطبقي لهذا النمط هو الان غائب أو مغيب، لا يستطيع ولا يملك القدرة على مجابهة الرأسمالية، لأسباب كثيرة، قد يكون أهمها مثلما عبر لينين "قدم الأفكار البورجوازية" وامتلاكها لكل "أدوات الدعاية"، وأدوات الدعاية هذه ليست التي كانت على عهد لينين، وسائل الدعاية صارت متطورة الى ابعد حد، مواقع التواصل الاجتماعي والفضائيات والذكاء الاصطناعي، كلها اخضعتها البورجوازية لعملها، إضافة الى المدارس والجامعات والمعاهد والمؤتمرات والورش والمهرجانات مع شلة كبيرة وواسعة من مثقفي ومفكري هذا النمط، هذه الأدوات المادية مع الأفكار البورجوازية القديمة من أفكار دينية وذكورية وعشائرية وقومية وطائفية وليبرالية وعرقية، كل هذه الأفكار يستخدمها هذا النمط لفرض سيطرته وهيمنته على الناس، واخضاعهم وجعلهم أدوات يحركها لخدمة مصالح طبقته البورجوازية، ولتأبيد وديمومة بقاؤه.
بعد كل هذا فهل بالإمكان مواجهة هذا النمط بالطرق التقليدية والقديمة؟ هل لا زال "ما العمل" صالحا؟
لنأخذ قسما من هذا الكتاب ونرى مدى صلاحيته كورقة عمل، قسم جوهري عنونه لينين ب "ما هو طراز المنظمة التي نحتاجها"؟ وهذا سؤال جدا مهم، بل أنه بالغ الأهمية بسبب ان كل الأحزاب الشيوعية تعاني من قصور واضح في أدائها السياسي والتنظيمي، لهذا هي تبحث عن الطراز الذي يمكنها من ان تكون فيه ومن خلاله قوة اجتماعية وسياسية.
المنظمة التي يرسم خطوطها لينين هنا عنصرها الأهم هو التماسك بين أعضائها، هذا التماسك يأتي عبر "تعاون الجميع على اصدار جريدة عامة"، تستطيع هذه الجريدة مهاجمة العدو؛ الآن هذه الفكرة "تأسيس جريدة" هل هي مجدية في العمل التنظيمي الحالي بوجود وسائل الدعاية الحديثة هذه؟
لقد مر على كتاب لينين "ما العمل" أكثر من 120 عاما، كان فيها منارا وطريقا لملايين الناشطين من الطبقة العاملة، لأنه كان حيوي وفعال جدا بالنسبة للمنظمات الشيوعية، ولأنه كان يتضاد بقوة مع حركة نمط الإنتاج الرأسمالي والطبقة البورجوازية في ذلك الوقت، أما الان فقد شاخ هذا الكتاب في الكثير من جوانبه، وأصبح ارشيفا وارثا للحركة الشيوعية في العالم.
يجب تطوير العمل النضالي ومحاولة كسر الجمود الذي يلف الأحزاب الشيوعية، ويجب مواكبة التطورات الحاصلة في هذا النمط، خصوصا في قضية الذكاء الاصطناعي، فهو أحد أسلحته المهمة التي اخضعها للحفاظ على مصالحه وديمومة أرباحه.