من أهم أسباب الأزمة الحالية للاتحاد العام التونسي للشغل
محمد علي الماوي
2025 / 5 / 8 - 16:12
إن السبب المباشر الذي فجّر الأوضاع الداخلية للاتحاد العام التونسي للشغل هو تعمّد البيروقراطية النقابية تنقيح الفصل 20 من القانون الأساسي بهدف المحافظة على وجودها على رأس المنظمة والتمتع بالامتيازات التي يوفرها لها موقع المكتب التنفيذي مع الإشارة إلى أنها تعسفت على العديد من النقابيين من خلال عملية التجريد والتجميد وتزوير الانتخابات لفرض الموالين.
ولم تقتصر الأزمة على الصراع بين القواعد العريضة و"القيادة المركزية" التي فوّتت في مطالب المنخرطين بل طالت المكتب التنفيذي نفسه الذي انقسم إلى شقين: عشر عناصر بمن فيهم الأمين العام أطلق عليهم اسم "العشاري" وخمسة عناصر بزعامة بن قدور (الخماسي) ولا يكمن الخلاف بين الطرفين في تضارب البرامج والحلول للخروج من الأزمة بل اقتصر على اختلاف شكلي يتعلق بتاريخ المؤتمر بحيث أصر الخماسي على عقد المؤتمر في أقرب الآجال في حين تمسّك العشاري بعقد المؤتمر في وقته أي 2027 أو 2026 إن تطلب الأمر ذلك، واتضح أن الصراع بين الشقين هو مجرد صراع على الكرسي وتحديدا على منصب الأمانة العامة للاتحاد.
وبغض النظر عن السبب المباشر فإن أزمة البيروقراطية النقابية هي أزمة دورية ارتبطت دوما بأزمة النظام وتحديدا بتفاقم تناحر الكتل صلب السلطة الحاكمة في مواجهة الاحتجاجات الشعبية.
كانت البيروقراطية النقابية دوما في صف النظام وكانت جل العناصر "القيادية" منتمية إلى الحزب الحاكم من حشاد إلى بن صالح وعاشور أو من جاء بعدهم، فقد كانت دائما مدافعة علنا عن سياسة النظام في كل المجالات وهي مكلفة بمهمة ترويض القواعد وفرض السلم الاجتماعية بشتى وسائل الترهيب والترغيب.
فقد انخرطت في "السياسة التعاقدية" منذ بداية السبعينيات (1973-1974) وأمضت الاتفاقية الإطارية المشتركة بين اتحاد الشغل واتحاد الأعراف بإشراف وزارة الشؤون الاجتماعية وبمساعدة منظمة العمل الدولية. وقد تنكر النظام في العديد من المناسبات لمحتوى هذه الاتفاقية وظل يحكم بمفرده دون استشارة الاتحاد حتى في مجال الزيادات في الأجور مثلما فعلت حكومة مزالي في منتصف الثمانينيات.
وبإيجاز تعددت الأزمات (بعد 1978 إذ نجد أزمة 1984- 1985وتنصيب الشرفاء ثم 1990-2010) والآن تهميش الاتحاد بعد 25 جويلية 2021
فقد سارعت البيروقراطية النقابية إلى تزكية مسار 25 جويلية وبذلت كل جهدها للتقرب إلى السلطة ، وأعلن الاتحاد مبادرة رباعية مع بقية منظمات المجتمع المدني وحاول عبثا قيادة الحوار. غير أن سلطة 25 جويلية تجاهلته وأغلقت باب الحوار والتفاوض وشرعت في تنقيح مجلة الشغل دون تشريك الاتحاد بل قامت بحملات تشويه ضد قيادات جهوية والتهديد بمحاكمة البعض في إطار سياسة التخويف وشل تحركات النقابيين.
وهكذا فقدت البيروقراطية النقابية سندها الرئيسي أي السلطة التي عملت منذ البداية على عزلها وتشويهها لدى أوسع القواعد بالاعتماد على عناصر موالية ل25 جويلية اندست حتى في المعارضة النقابية لتأجيج التناقض بين البيروقراطية والقواعد والتحكم بالتالي من جهة في مصير المكتب التنفيذي المنقسم الى "العشاري والخماسي" وفي تحركات المعارضة النقابية من جهة أخرى . هذه المعارضة التي تطرح الحل خارج أطر الاتحاد أي "هيئة نقابية مؤقتة تتولى الإعداد للمؤتمر الرابع والعشرين والإسراع بتنظيم وتوحيد قوى المعارضة النقابية الحقيقية"(1) دون ذكر تركيبة الهيأة وكيفية تسيير الاتحاد في الفترة الانتقالية إداريا وخاصة ماليا.
وفي ظل تواصل الأزمة يظل الحل محل صراع بين السلطة التي لم تعد تقبل أطرافا وسيطة أحزابا كانت أم منظمات وبين القواعد التي تطمح إلى عقد
المؤتمر 24 الاستثنائي، (دون ترشح المكتب التنفيذي الحالي) يكون المدخل لا فقط لتجاوز الأزمة وإنما أيضا لبناء منظمة من نوع جديد، منظمة وطنية مستقلة وديمقراطية ومناضلة وموحدة الصفوف.
6 ماي 2025
(1)
(مقتطف من البيان التأسيسي - التنسيقية الجهوية للمعارضة النقابية بجهة اريانة)
(1)
" "رحيل كامل اعضاء المكتب التنفيذي الحالي واتخاذ جميع الإجراءات لمحاسبة كل من استغل صفته النقابية للحصول على فائدة لنفسه ولغيره. _رفع كل العقوبات الجائرة في حق النقابيات والنقابيين الذين عبروا عن معارضتهم للبيروقراطية الانقلابية. _اعتبار مؤتمر صفاقس وما تلاه باطلا وانجاز المؤتمر الرابع والعشرين بالرجوع الى القانون الأساسي والنظام الداخلي كما أقرهما المؤتمر العام العادي الذي انعقد في ديسمبر 2017، ويكون ذلك تحت اشراف لجنة من النقابيات والنقابيين، تُشكل على قاعدة شروط محددة تضمن الحياد والاستقلالية"
"ثانيا: نعتبر ان استغلال البعض من اصحاب الاجندات السياسية ومن الموالين للسلطة الحاكمة للأزمة التي يمر بها الاتحاد العام التونسي للشغل اليوم ومحاولاتهم المحمومة كسب المعركة لصالح السلطة بأقنعة نقابية هم جزء من الأزمة وطرف مهادن في صراع الشقين وفي الصراع ضد المعارضة النقابية، وان السلطة التي وضعت في اوليات مهامها ضرب الأجسام الوسيطة وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، امتثالا لأوامر صندوق النقد الدولي ،لا يمكن ان تكون اطلاقا طرفا في حلها ، بل هي على نقيض ذلك لا تعمل الا لتجني للأسف الشديد، ثمار ازمة انتظرتها طويلا"."