مواسم الانتخابات في العراق.. وفلسفة مبادئ المشاركة فيها


علي عرمش شوكت
2024 / 10 / 25 - 22:47     

بدأت تهب علينا رياح الانتخابات التي شاهدناها وساهمنا في عملياتها السابقة، غير اننا قد ظللنا على يقين بانها شبيهة بمزنة مطر صيف ، لا تترك لها اثراً من شأنه ان يبلل حتى الريق المتيبس تبعاً لجفاف العملية السياسية، بل العكس يبقى الحال موميائياً محنطاً بشكله الماضي لا روح فيه، ولذلك لم ترض اصابع السبابة ان تنغمس بحبر البنفسج، لانها لم تهجس تغييراً يذكر فاصطفت على رصيف المقاطعة . هل ان الايادي الوطنية النظيفة يناسبها خندق الانعزال والمقاطعة مهما كان السبب وهي ولية الدم بجدارة قبل غيرها لحال الوطن ..؟، وطالما السواعد السمرالثائرة وفي ذات الوقت ناصعة البياض، فمن حقها ان تبقى شامخة، وتخوض المعترك وتتزاحم حتى بالمناكب لكي تحتفظ بمكانها الضروري، اما وجود العقبات والصعاب فينبغي ان لا يساوراحد الظن بانها دائمة وان كانت مربوطة خيمتها بحبال الخارج. لان رياح التغيير كفيلة بقلع اوتاد تلك الخيمة وتجارب التاريخ خير شاهدة.
ان المشاركة بالانتخابات هي بمثابة المشي في طريق الحق حتى وان خلا لبعض الوقت من الناس. ولكن المنطق يقول لا ينبغي التجرد من امتلاك الوسائل الضامنة لغاية الوصول الى الفوز والوقوف على ناصية هذا الطريق لانقاذ البلد من الهلاك المتظر. وهذه المهمة النبيلة تستحق الابتعاد عن السبل الفاشلة وتكرار الاختيارات العشوائية غير المدروسة ولا بأس من الاستفادة من التجارب الناجحة على ان تحسّن وفقاً لمتطلبات العملية الانتخابية وراهنات ظرفها . هذا كله مرهون برجاحة القوانين وبيئتها النظيفة وسلامة الديمقراطية، فلا يجوز القبول بما يفصله الفاشلون الفاسدون. لان ذلك يحول السائرين من سلوك طريق الحق الى التوهان في طريق الفشل، وان توهم البعض الخيّر من ولوجه.
ومما لا شك فيه سيكون تكرار الفشل كفيل على عدم الصمود امام الانجراف نحو الاعتزال، وما ادراك ما هو الاعتزال في السياسة. بمعنى التحول الى هامش بائس لايحقق حاجه الناس، وخراب واطلال لا تنتظر الا الازاحة من الساحة. وبهذا يمكن ان تسمى الحالة بـ " العقوبة الموضوعية "، التي تفرض نفسها التي لا مرد لها. وهنا استوجب ان نسدد بالكلام ولنأكد ان حصاد الخيبة المشار اليه اعلاه لايوجد في ضيعة الثوار المدنيون الديمقراطيون على وجه التعيين. لكونهم يمتلكون رؤية سليمة ومرجعية سياسية علمية تراكمت فيها الخبر والتجارب الفذة. وهم اهلها لا تفارقهم عزيمة التضحية ولا شجاعة النهوض العارم لاداء المهمة. وكانت انتفاضة تشرين الباسلة خير شاهد تجبرعلى الثقة والتصديق .
هنا استوجبت العودة على بدء بالقول ان الانتخابات البرلمانية والمشاركة فيها تفرض فهم فلسفتها، التي هي الاخرى لها مبادئ تتمثل في صدارتها رصانة العلاقة مع الجماهيرعلى ان يكون لها مدى تاريخي سابق، اذ انها لا تتم وفقاً للحاجة الانية. فتخيلوا كم هو الجهد الذي من شأنه بناء الترابط مع الناس وتوثيقه، الذي لم يترسخ من خلال رفع الشعارات الفضفاضة والاغرائية، بل يتطلب التماهي مع متطلبات الحياة اليومية المباشرة لاوسع الجماهير، والتصدي بحزم لكل من يحاول اغتصاب هذه الحقوق والاستحواذ المسلح على مقدرات الناس، كما من مبادئ فلسفة خوض الانتخابات تقديم " سيفي" له معزز برصيد نضالي تاريخي مشهود، ولا ياتي ليشارك" بفلوسة " او بنفوذ سلطوي ممنوح له مقابل تخادم مع اسياده.. لان الجماهيرلا تمنح الثقة اعتباطاً بل من يريد هذه الثقة عليه ان يعطي قبل ان يأخذها وان يجود بعطاء ليس مقيداً بفئة او جماعة مصحوباً ولا يقل عنه شأناً بالعطاء السامي للوطن العزيز.
بذلك يعتبر من يريد المشاركة بالانتخابات قد اوفى بثمن كارت دخول معترك الانتخابات عن جدارة ومن دونه يصبح مثل ذلك الذي يريد مشاهدة لعبة كرة القدم وليس لديه بطاقة دخول الملعب. فيحاول تسلق الجدار والقفز بين الحضور فلا يجد له مقعداً يجلس عليه في المدرّج.. وحينئذ ليس امامه الا البقاء واقفاً على قدم واحدة مراوحاً بالقدم الاخر.. والى متى فعنده الحساب !! ؟ لنا عودة.