إصلاح سياسة الأجور لتعزيز الاقتصاد وتخفيض البطالة

أحمد عوض
الحوار المتمدن - العدد: 7618 - 2023 / 5 / 21 - 21:58
المحور: الحركة العمالية والنقابية     

تعد هذه الأيام موسما للحديث عن سوق العمل والتحديات التي يواجهها، إلى جانب الانتقاص من الحقوق الأساسية التي يعاني منها قطاع واسع من العاملين والعاملات في الأردن، حيث يوم العمال العالمي الذي يصادف في الأول من أيار من كل عام.
موضوع الاختلالات التي يعاني منها سوق العمل الأردني، لم يعد موضوعا يتعلق بالانتهاكات العمالية وأنها تخالف المعايير الدولية فحسب، بل أصبحت تشكل معوقا أساسا من معوقات تعزيز مسيرة الاقتصاد الوطني، الذي يدور في حلقة مغلقة من التمنيات والأحلام والسياسات التي تعيق تقدم أي اقتصاد.
عندما تكون لدينا معدلات بطالة تقارب 23 بالمائة، وبين الشباب تقارب 47 بالمائة، وبين النساء تقارب 31 بالمائة، هذه ليست أرقاما عادية، وأي مراقب موضوعي يستطيع الإحساس بخطورة هذه الأوضاع بدون مؤشرات رقمية. لأن مؤشرات البطالة تعتبر خلاصة لمجمل السياسات الاقتصادية ومدى فاعليتها ونجاحها.
في مختلف أنحاء العالم ودوله، تستخدم مؤشرات البطالة لقياس مدى نجاح الحكومات في تنفيذ سياسات اقتصادية ناجعة وفعالة، وبناء عليها يتم التعامل مع هذه الحكومات وتقييمها. معدلات البطالة لدينا مستقرة على ارتفاعات قياسية ليس على مستوى الأردن فقط، وإنما على المستوى الإقليمي والعالمي، إذ إننا في الترتيب 16 بين جميع دول العالم من حيث ارتفاع معدلات البطالة، والترتيب 14 في معدلات البطالة بين الشباب، والثامن في البطالة بين النساء. نقول هذا، لأن الموضوع مرتبط بمستوى الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي للبلد. اذ من الصعب استمرار الأوضاع على ما هي عليه، لذلك مطلوب إعلان حالة الاستنفار لدي صناع القرار، للدفع باتجاه إجراء تخفيضات ملموسة في مستويات البطالة.
وعلينا أن نتعلم الدروس من تجاربنا السابقة، فمن غير المنطقي والمعقول أن نتوقع حدوث تخفيضات في البطالة، ونحن نطبق ذات السياسات الاقتصادية وسياسات العمل ذاتها التي نستخدمها منذ عقود.
هذا يتطلب التراجع عن فلسفة شروط العمل الضعيفة في الأجور والحمايات الاجتماعية لتعزيز الاقتصادي وتشجيع التشغيل، التي اتبعناها، فتحديد حد أدى منخفض للأجور لم يسهم في دفع عجلة الاقتصاد الى الأمام، ولا في توسع الاقتصاد الوطني، ولم يؤد إلى زيادة معدلات النمو الاقتصادي، التي هي أحد المفاتيح الأساسية لتوفير فرص عمل جديدة. لا بل ساهمت هذه السياسة في إضعاف الطلب المحلي، أحد أهم محركات النمو الاقتصادي الشمولي، لأن الأجور المنخفضة تؤدي إلى إضعاف القدرات الشرائية للغالبية الكبيرة من المواطنين والسكان، وبالتالي إضعاف القطاعات الاقتصادية المختلفة، واستمرار عدم قدرة مؤسسات الأعمال بمختلف أنواعها ومستوياتها على الصمود والتوسع. وسياسة الأجور المنخفضة أدت إلى الضغط بشكل أكبر على فرص العمل المتاحة، لأن العاملين في القطاعين العام والخاص صاروا يعملون في فرص العمل الجديدة، بدلا من أن يشغلها الداخلون الجدد إلى سوق العمل. وهذا أمر طبيعي، فأجورهم المنخفضة لا تكفي لتلبية احتياجاتهم واحتياجات أسرهم المتنامية، وبخاصة مع الارتفاعات المتتالية لمستويات الأسعار (التضخم) متعدد المنشأ.
هذا لا يقلل من أهمية العوامل الأخرى المتعلقة بالتشغيل وسياساته، والسياسات الضريبية التي خنقت الاقتصاد، وحالت دون نموه بشكل طبيعي.
الخلاصة، إضافة إلى إصلاح سياسات الأجور التي تحدثنا عنها، فإن إصلاح سوق العمل وتخفيض البطالة يتطلب اعتماد نهج متعدد الأوجه يعالج التحديات الرئيسية. من خلال الاستثمار بالتعليم والتدريب، وتوفير بيئة عمل صديقة للمرأة لتشجيعها على الانخراط في سوق العمل، وإنفاذ تشريعات العمل والضمان الاجتماعي، وتطوير أدوات تأمينية جديدة قليلة التكلفة تمكن مختلف أنواع العاملين من الحصول على حقوقهم في منظومة الضمان الاجتماعي، عندها سيكون لدينا سوق عمل أكثر ديناميكية وشمولية يستفيد منه جميع الأردنيين.