قرار القاضي عويدات: أخطاء سياسية وخطيئة


محمد علي مقلد
الحوار المتمدن - العدد: 7505 - 2023 / 1 / 28 - 10:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

نظام التفاهة(8)
قرار القاضي عويدات:
أخطاء سياسية وخطيئة

لست من أهل الاختصاص لأرمي مقالتي في تهلكة السجال حول قانونية القرارات التي تقاذفها القاضيان طارق البيطار وغسان عويدات، ولست من السذاجة لأضع نفسي موضع من أدرجتهم في سلسلة مقالاتي تحت باب "نظام التفاهة"، لأنهم، في سلوكهم وتصريحاتهم لا يحترمون مبدأ الكفاءة.
غير أن مساحة مشتركة بين ميادين العلم والمعرفة والثقافة العامة تتشكل من مبادئ علم المنطق ومن منظومة القيم الاجتماعية فتبيح مقاربة الموضوع من جواره الأخلاقي والسياسي لا من داخله الفقهي.
خطأ القاضي عويدات الأول عودته عن التنحي من غير تسويغ ولا تبرير، ومن غير التزام بإجراءات إدارية هو أدرى بها. خطأه الثاني إطلاق سراح جميع الموقوفين خلافاً لأبسط المبادئ الإدارية التي تنص على أنه لا يبطل قرار إلا بقرار ولا مرسوم إلا بمرسوم ولا قانون إلا بقانون وأن إبطاله مناط بالجهة ذاتها التي تصدره.
في ختام مقالتنا السابقة قلنا إن القاضي بيطار أحسن صنيعاً حين سحب القضية من أيدي سجالات التفاهة ووضعها في مكانها الصحيح وجعلها "معركة فقهية وقانونية داخل الجسم القضائي سعياً وراء أفضل الاجتهادات وأعدل الأحكام"، وانتظرنا أن يكون الرد عليه بمطالعة مماثلة تستند إلى مراجع قانونية واجتهادات فقهية، لكن ردة الفعل سرعان ما سلكت سبيلاً آخر بدت معه القضية، بحسب أحد المراجع القضائية، كأنها خلاف شخصي وكأن جذورها عقد نفسية فحسب.
كان يمكن للقاضي عويدات ألا يرد على استدعائه للتحقيق، أسوة بسياسيين وأمنيين امتنعوا عن تنفيذ المذكرات الصادرة بحقهم، بانتظار أنتهاء المحقق العدلي من إعداد قراره الظني، فيكون المجلس العدلي هو الجهة الصالحة للمعالجة. غير أن ردة الفعل لم تكن موجهة ضد الفعل بل ضد القضاء وهيبته وضد الدولة وسيادتها وضد القضية وضد ضحايا جريمة التفجير وأهاليهم، فضلاً عن انتهاكها"الضوابط والأصول بشكل صارخ يهدم أساسات العدالة والقانون"، بحسب ما ورد في بيان نادي القضاة.
خطأه الأكبر تجلى في صياغة القرار الذي صدّره بآية من القرآن وأخرى من الإنجيل. وقد تناولت أقلام الصحافة ووسائل التواصل ركاكته اللغوية ومضمونه. لكن أخطر ما فيه انتهاكه "الضوابط والأصول"، وهو واحد من المؤتمنين على احترامها.
حين طرح مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية في عهد الرئيس الياس الهراوي، اعترضنا عليه لأنه، بالتحديد، ينطوي على إلغاء القوانين المذهبية، ذلك أن ما يشكل، في نظرنا، تعدياً على سيادة الدولة ليس تعدد القوانين بل تعدد المؤسسات الموازية والمنافسة، واقترحنا أن يكون للدولة قانونها غير الموحد إلى جانب قوانين الطوائف على أن يتولى القضاء المدني، لا القضاء المذهبي، إصدار الأحكام استناداً إلى القانون الذي يختاره صاحب العلاقة. وبذلك تكون التسوية مبنية على اعتراف الدولة بتعدد مكوناتها الطائفية مقابل سيادتها الحصرية على المؤسسة القضائية أسوة بحصرية سيادتها في المجالات الأمنية والمالية والعلاقات الخارجية.
بعد كشفه أخطاء لغوية في صياغة نص القرار خلص أحمد بيضون إلى القول "سَوِيّةُ الرجلِ في البَلاغةِ هي نَفْسُها، والحالةُ هذه، سَويّتُهُ في القانونِ وفي طَلَبِ العَدْلِ للشعب..." معناه أن الخطأ يتحول إلى خطيئة حين يصدر القاضي المدني حكمه بموجب(بحسب نص القرار) آيتين من كتب الدين، بدل أن يصدره بموجب القانون، وحين يفتتح أحكامه باسم الله أو باسم الآب والإبن، بدل أن يفتتحه باسم الشعب اللبناني.
حتى لا يتحول القضاء المدني إلى قضاء مذهبي، أعلن تعليق اقتراحي إلى أن يستعيد القضاء اللبناني طابعه المدني مستحضراً من سيرة الكبار من رجاله، وما أكثرهم، لغة الدستور والقانون.