الدين بين طورين ح 4


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7449 - 2022 / 12 / 1 - 00:36
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

العنوان الأساس لهذه الرسالة الفكرية يشقيها التاريخي والعقيدي هي التقرب من مقولة "أعرف دينك أيها الإنسان"... الخطاب هنا عقلي منطقي علمي لا مجال فيه للعواطف ولا هو أنحيازا لتراث أو التبشير بدين يقال عنه أنه أندرس، بل هنا من يقول أن الوجود البشري سائرا بقوة نحو العلم والحقائق المجردة تاركا خلفه الأديان والمعتقدات في متاحف التاريخ، لم نعد نطيق تحكم الدين وأهل الدين وحكايات أكل عليها الدهر وشرب، هذا حلال وهذا حرام جنة ونار موت وفناء وبعث وحساب، لقد أصبح كل ذلك ورائنا، مشكلة الإنسان اليوم هو أين سيضع قدمه الأخرى في الخطوة الثانية، وضع صحيح ومنتج لا يمكن أن نخطو خطوة بدون حساب ومنطق يعد اليوم، أكتب هذا التأصيل ليس لنصرة معبد ضد معبد ولا تفضيل دين على دين، ولا هي محاولة مني لجر الإنسان من سعيه للمستقبل حتى أعود به مجبرا معتقلا بأغلال الدين للماضي، هذا بحث للحقيقة فقط كما أظن... لا يهم أن تؤمن أو لا تؤمن حتى لو كنت ملحدا فالحقيقة وحدها هي دين العقلاء.
بداية أقول وأستسباقا لكل قراءة هنا أو في مكان أخر، أن العراقيون القدماء هم أول من عرف الديانة الكاملة قريبا من أصل الحقيقة وأصول الإيمان المباشر مع حقائق الكون والوجود، لمتكن ديانة تعبدية فقط بل كانت نظاما كونيا يفسر ويعلل ويوضح الحقيقة مجردة، بتفاصيل لم نستطع أن ندركها مع كل التطور والمعرفة وسلالات من الأنبياء والرسل والكتب والروايات والموسوعات، لسبب بسيط أننا لم نقرأ هذه الديانة بلغتها العراقية القديمة لغة سومر وأكد وبابل وأشور، تلك اللغة التي نسميها اليوم بالعامية أو لغة المعدان أو لهجة الشروكية، إنها أم اللغات وكل من نطق بحرف مدين للغة المعدان الجنوبيون أهل الماء والطين والسمك والبردي صناع الحضارة وعباد الرب القديم الذي لم يتجدد الواحد الذي لم يتوحد، الله الذي هو "أني الله" أن ليل و أنو رب السماوات وإله الأرض المتحكم بكل شيء والقادر بلا حدود أن يخلق الوجود بقوله "أني الله".
الدين العراقي القديم كل شيء مفصل ومؤرخ ومؤرشف بدون تغطية ولا تورية بكل المسميات لا حياء في التفاصيل، لأن بعض الحياء يعني تغطية الحقيقة بالشك، كان مجمع الملائكة المحيطة بـ "أني الله" والتي تنفذ مشيئته وتضبط حركة العالم والوجود مجموعة من الذكور والإناث منهم من تخصص منفردا ومنهم من تخصص بالاشتراك ومنهم من كان على خط الخدمة ينفذ ما يطلب منه في كل مرة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم (6)، لا إشكاليات في العقيدة الدينية العراقية ولا مطبات فكرية وتساؤلان تحتاج إلى أجوبة منا نحن البشر، فقد قطع رب الديانات عنا الوحي ولم يعد ممكنا سؤاله عن شيء، الديانة العراقية سطرت ما كان وما يكون في منظومة معرفية كبرى تصلح لأن تكون الدليل على كل سؤال، لأن رب العراقيين القدماء كان يتكلم معهم وما زال، ولأننا لم نعد نطيق أو نفهم لغتهم وكلامهم لم نعد نفهم لغة الله وكلامه.
في الديانات الإبراهيمية مثلا هناك ألف سؤال بلا إجابة تضعك موضع التشكك والخوف الذي زرعه كهنة المعبد أن الله لا يريد منا أن نسأل، فقط نطيع كالقطيع والله أكبر عن السؤال وأعظم على الجواب، لدينا في تاريخنا ألف إشكالية وإشكالية فكرية منطقية عقلية محيرة أولها موضوع خلق آدم كيف ولماذا آدم وحده خلق ووضعه موضوع الأصطفاء الذي يعني التعدد والخيار بين عدة مختارين، الله ليس غبيا للدرجة التي تقدمه الأديان ككاتب رواية ثمل يكتب ما يأت على لسانه دون ربط أو إحكام في ترابط الحدث مع المنطق والواقع، لأنه وهو ن خلق الإنسان حكيما يعرف أن الحكيم سيسأل غدا عن كل ثغرة وكل علامة لا جواب لها، ديانات أبناء إبراهيم مشوشة في معظمها متفاوتة في مقدار ما يجب أن تعرضه لجمهورها المؤمن والغير مؤمن لأنها لا تقول كل الحقيقة كما أمن بها أهل العراق قديما، فهي تسكت ولا تجيب بجواب منطقي أو حقيقي مجرد تأويلات ظنية لا مجال حتى لأصغر عقل من أن يقبلها.
النقطة الأخرى والأهم في رأي والتي تشكل قناعة أولية لما سيكون من بعدها هي إشكالية أبناء آدم كيف تناسلوا في الأرض؟ بعد أن جزمت طل دياناته القديمة والجديدة بحرمة جواز الأخوة من صلب واحد ورحم واحد، فإن سلمنا بالرواية التوراتية مثلا فكل البشر هم أبناء حرام نتجوا من زواج محارم غير شرعي، القرآن ذاته لم ولن يجيب أصلا على المسألة ولم يتطرق لها حتى، النقطة الأهم وعلميا ومن خلال نصوص الدين الإبراهيمي أن آدم الزوج والزوجة من طينة واحدة، أي أنهم يحملون نفس الصفات والرموز الجينية، وبالتالي عند تطبيق قوانين مندل وما بعدها الخاصة بالوراثة، فأنها ستنتج لنا أجيالا متشابهة في كل شيء لا يمكن معها قبول التعدد اللوني والجسدي والبدني والسلوكي الموجود فعلا لدى أبناء آدم1 .
الحقيقة التي لا يمكن لأحد أن يقولها بهذا الوضوح والمنطق والعقلانية العلمية هي في دين المعدان الشروكية أهل الماء والطين والطير والسك والسماء المفتوحة بلا حدود، إذن الحقيقة العارية من قدسية الديانات الزخرفية والهالات الكبريائية وحدها عند العراقيين القدماء، عندما قالوا أن الله خلق سبع مثاني من آدم والقرآن في النص لا يعني كتاب محمد ولكنه قرآن الثنيوية القاعدة الحاكمة الإنسان والشيطان (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين)، فحكاية الحلق تبدأ من السبع المثاني ومعهم الشيطان " أداپا" لا كما يفسرها الناس لنها إنها سورة الفاتحة أو السبع الطوال 2 مع عدم ذكر كلمة القرآن في التفسير ودورها الدلالي الذي يربط السبع المثاني مع القرآن في وحدة صياغية، أو لماذا سميت المثاني إذا وهن مفردات؟، فالمثاني هي الكائنات المخلوقة أثنين أثنين زوجين أثنين ومعهم القرين الشيطان الذي هو في قرآن كامل معهم وهم ما ذكرتهم ديانة أهل المعدان العراقيين القدماء السبعة " "أبكالو Apkallu"، بلغة العراقيين "أبو الكل"، فالكل هم البشرية من أبناء آدم والآباء صهرا وقرابة ولكنهم في الإشارة الدينية أبناء آدم أختصارا وتخصيصا وإن لم ينكر النص الإبراهيمي أن آدم مصطفى من الأباء الكل، فالكل إشارة لجموع البشر وكل له شكل ولون وصفة مميزة 3، وأنزلهم الأرض ليخضعوا لعملية الأصطفاء المذكورة، ووزع عليهم الملكات الطبيعية التي سيتم التفاضل عليهن، فكام آدم أو أدابا صاحب الحكمة الذي فاز بخيار الأصطفاء من رب السماء" أني الله: أو "أني" العظيم.
العلم الحالي الذي كثر ما وقف موقف المعارض وأحيانا المضاد لبعض المفاهيم والأفكار والمقولات الدينية وخاصة الإبراهيمية منها، ويظن البعض أن موقف الدين المتزمت بمقولات لا يمكنها الإجابة على تساؤلات العلم وأستشكاله على الكثير مما هو مدون أو متداول، يرجع فيه إلى فصور العلم في فهم الحقيقة الدينية الكاملة، تلك الحقيقة التي تتمترس خلف مفاهيم الغيب والميتافيزيقيا التي ر يعلمها إلا الله والراسخون في العلم، وكأن الدين المنزل في جانب منه حكايات وطلاسم ليس للإنسان حق فهمها كما هي، بل عليه أن يؤمن بالدين كسلة واحدة تحمل كاملة أو تترك كاملة، العلم هذا يقف موقف المصدق والمؤمن والمؤيد لطروحات الدين العراقي القديم وبدون تحفظ وكما سنرى في مباحث الكتاب القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. . الحديث عن السلالات البشرية the races of mankind، لابد من التساؤل أولاً كيف نشأت السلالة؟ ومع الإقرار بأن الإنسان وحيد النشأة، بمعنى أنه نشأ من أب واحد وأم واحدة، وهذا يعني أنه بالتأكيد سيحمل بما كان يتصف بصفات جسمانية متماثلة واحدة لا تتغير، ومهما كثر عدده في هذه الحال فلا يجوز القول إن السلالة قد وجدت في داخل النوع والعرق الواحد المتماثل، لأن معنى كلمة السلالة تعني: «مجموعة من الناس متماثلة في صفاتها الجسمانية»، أو متشابهة في هذه الصفات على الأقل، ومن ثم فهي تتميز بهذه الصفات من المجموعات الأخرى من الناس. فكيف ظهرت السلالة إذاً.
زادت أعداد الإنسان بعد خلقه نتيجة التزاوج المتعدد والمتتالي بين أفراد المجموعة الواحدة من داخلها أو من خارجها ، فانتشر السلالات في جهات كثيرة من العالم، ومادام قد انتشر في بيئات طبيعية مختلفة، فلابد لكل مجموعة تستقر في بيئة من البيئات، أن تكتسب صفات متطورة ومتكيفة "جسمانية وسلوكيا" لتتلاءم معها. لكن تلك المجموعة لم يستقر بها المقام في بيئة واحدة، فحدث نتيجة ذلك أن اختلطت تلك المجموعة ذات الصفات الجسمانية المعينة بمجموعات أخرى ذات صفات أخرى، فصار في المكان الواحد جماعات ذات صفات جسمانية مختلفة.
هذا النوع من الاختلاط هو النوع البسيط الذي لم يتعد إقامة الناس مع بعضهم، ثم حدث بعد هذا اختلاط آخر، وهو الاختلاط بالزواج، فأصبحت الصفات الجسمانية تختلط مع بعضها اختلاطاً كلياً، وتدخل هنا عامل جديد هو عامل الوراثة، فالنسل يحمل عادة صفات الأبوين، ومعنى الأبوين هنا ليس الأبوين المباشرين وحسب، وإنما يحمل صفات من الأجداد، سواء أكانت عن طريق الأب أم عن طريق الأم.
2. . تفسير السعدي : ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم
يقول تعالى ممتنًّا على رسوله ولقد آتيناك سبعا من المثاني وهن -على الصحيح- السور السبع الطوال: " البقرة " و " آل عمران " و " النساء " و " المائدة " و " الأنعام " و " الأعراف " و " الأنفال " مع " التوبة " أو أنها فاتحة الكتاب لأنها سبع آيات، فيكون عطف القرآن العظيم على ذلك من باب عطف العام على الخاص، لكثرة ما في المثاني من التوحيد، وعلوم الغيب، والأحكام الجليلة، وتثنيتها فيها. وعلى القول بأن " الفاتحة " هي السبع المثاني معناها: أنها سبع آيات، تثنى في كل ركعة، واذا كان الله قد أعطاه القرآن العظيم مع السبع المثاني كان قد أعطاه أفضل ما يتنافس فيه المتنافسون، وأعظم ما فرح به المؤمنون، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون.
التفسير الوسيط : ويستفاد من هذه الآية
ثم أتبع- سبحانه- هذه التسلية والبشارة للرسول صلى الله عليه وسلم، بمنة ونعمة أجل وأعظم من كل ما سواها، ليزيده اطمئنانا وثقة بوعد الله- تعالى- فقال: وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ. والمراد بالسبع المثاني: صورة الفاتحة. وسميت بذلك، لأنها سبع آيات، ولأنها تثنى أى تكرر في كل ركعة من ركعات الصلاة. قال صاحب الكشاف: والمثاني من التثنية وهي التكرير للشيء، لأن الفاتحة تكرر قراءتها في الصلاة أو من الثناء، لاشتمالها على ما هو ثناء على الله- تعالى- .
3.. يتخذ الباحثون عدداً من الصفات مقياساً لتصنيف الناس إلى سلالات أو أجناس، وأغلبها صفات ظاهرة، يمكن مشاهدتها، وإدراكها بنظر الإنسان إليها، ومنها، لون البشرة والعيون وطول القامة وشكل الشعر وملامح الوجه وغيرها.
ومن هذه الصفات ما يحتاج إلى مقاييس، مثل شكل الرأس. وإن كانت لا تصلح صفة واحدة من هذه الصفات لاتخاذها مقياساً، فلو قُسم الناس بمقتضى لون البشرة إلى أبيض وأسود وأصفر، لتبين أنها تشمل طوال القامة وقصارها، عراض الرأس وطولها. وكذلك إذا أخذ طول القامة مقياساً لوجد أن طوال القامة يضمون فيما بينهم ألواناً مختلفة، وكذلك الحال عند قصار القامة، يضاف إلى ذلك أن الصفات الجسمانية اختلطت في الوقت الحاضر اختلاطاً كبيراً، حتى أمكن القول إنه من المستحيل رؤية سلالة أو عرق نقي في الوقت الحاضر، ويعبر عن هذا بعض الكتاب بأن كلمة سلالة أو عرق ليس لها في الحقيقة معنى إلا في ذهن الباحث، أما في الطبيعة فإن هذه الكلمة لا وجود لها، اللهم إلا في أماكن العزلة التي يهيمن عليها أثر الوراثة، لعدم اختلاط الناس بعضهم ببعض، وفي هذه الأماكن فقط تُرى بعض الصفات الجسمانية النقية، وأماكن العزلة هي تلك الأماكن التي يرغب الناس عن سكناها مثل، المناطق الجبلية ومناطق المستنقعات ومناطق الغابات الكثيفة والمناطق الفقيرة (مناطق الجوع).