سرُّ إشراق السير مجدي يعقوب: PPHH


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7445 - 2022 / 11 / 27 - 11:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

كانت سعادتي هائلة حين نهض هذا الرجلُ العظيم ليصافح ابني المتوحّد "عمر" بتواضع، هامسًا في أذني: "تذكّري أن المتوحدين عباقرة!" فأومأتُ بالموافقة والدمعُ يترقرقُ في عيني وأنا ألمحُ فرحة ابني بمصافحة هرم إنساني بحجم السير “مجدي يعقوب”. كنا في أسوان في ضيافة رجل الأعمال الوطني "منير غبور" على هامش افتتاح فندق "سونستا النوبة" الذي يُشرق على ضفاف نيل أسوان الجميل، وتم بناؤه على الطراز النوبي البديع. من المصادفات النادرة أن تلتقي بالبروفيسور "مجدي يعقوب" في مناسبة! فهو عازفٌ عن شؤون المجتمع، منخرطٌ في علاج القلوب. لن تراه إلا بمعطف العمليات الفيروزي. فهو لا يخرجُ من غرفة عمليات إلا ليدخلَ أخرى، ولا ينفُضُ يدَه من ورقة بحثية إلا بدأ في غيرها. فارسٌ نبيل يقضي يومَه وليلَه يُداوي ويُطبِّب ويبحثُ ويُطوِّر ويتعلّم ويُعلّم ويصنع كوادرَ جديدة تُنقِّبُ عن إكسير القلوب المُتعبة. يهربُ من الأضواء والتكريمات؛ لأنه يعتبرُ أن كل لحظة يقضيها في حوار تليفزيوني أو على منصّة تكريم، مخصومةٌ من وقت جراحة قد تُبرئ طفلا يتألم. وهذا عيدُ ميلادُ "مجدي يعقوب"، فهل من قبيل المصادفات الطيبة أن يتفقَ مع "اليوم العالمي للتسامح" (١٦ نوفمبر)؟! تلك هي "فلسفة المصادفة" التي انتخبت للتسامح رجلا نذر عمرَه من أجل قلوب المتعبين.
حين سُئل "مجدي يعقوب" عن سر نجاحه قال: Passion وهو الشغف بما تعمل، Persistence وهو الإصرار على إتمام الرسالة رغم المشاق، واخيرًا، Humbleness أي التواضع. وجُماع ما سبق هو: PPH. وليسمح لي السير أن أضيف H أخرى: Humanity الإنسانية، لنحصل على خلطة "مجدي يعقوب" كاملة: PPHH.
لهذا الرجل خفقةٌ في كلِّ قلبٍ مصريّ، وصورةٌ على كل جدار. له مكانٌ على منصّات العلم في أرجاء العالم، ومبضعُ جراحة على كلّ طاولة تُطيّبُ قلبٍ موجوع. له حلمٌ في صدر كلِّ إعلامي يودُّ استضافته في لقاء، وله ومضةُ عدسة في كلِّ كاميرا تلاحقُ إنجازاته الطبية لصالح الإنسان. لكنه هاربٌ من الضوء، زاهدٌ في الحديث، عازفٌ عن الدروع والأوسمة. إنه مشغولٌ بضبط إيقاع قلب طفل يكادُ يفارقُ الحياة قبل أن يدركها، أو قلب رجل تتضرّعُ أسرتُه إلى الله لكي يعودَ إليها، أو قلب أمٍّ يبكي أطفالُها في انتظار عودتها إليهم.
هو المايسترو الذي منحه اللهُ عصا قادرةً على ضبط إيقاع القلوب على نغمة الحياة. تأتي إليه القلوبُ الكسيرةُ وقد ضرب إيقاعَ قلوبِها بعضُ نشاز، أفسدَ موسيقى الجسد، فيعيدُ المايسترو "دوزنة" الخفقِ، ليتّسقَ مع أوكتاڤ الحياة. لا نلمحُ ضحكتَه إلا بين أطفال يتحلّقون حولَه يُمطرونه بالقُبلات والعناقات لأنه ضبط إيقاع قلوبهم الموجوعة على نغمة التمام. ولا نلمحُ فرحتَه إلا لحظة خروجه من غرفة العمليات وقد أنقذ إنسانًا من الموت. فيما عدا هاتين اللحظتين، لا نلمحُ في ملامحه إلا هدوء القديسين وصمت العلماء. وفي مقابل هاتين اللحظتين في حياة مجدي يعقوب، هناك لحظتان أخريان في حياة مئات الآلاف من المرضى الذين دُوِّنت أسماؤهم في سجلات "مركز مجدي يعقوب لعلاج أمراض القلب”. لحظتان فريدتان في عمر كلِّ مريض منهم. لحظةٌ تعسةٌ كسيرةٌ فاقدةٌ للأمل، مع دخول المركز بقلب عليل لا يكاد يقوى على الحياة، ولحظةُ فرحٍ وأمل وانطلاق مفعم بالحياة، مع الخروج من المركز بقلب سليم قوي يرسم لصاحبه غدًا مشرقًا حاشدًا بالعمل والنجاح. ما بين اللحظتين الفارقتين في عمر كل مريض، ثمّة عقلٌ يفكّر، وقلبٌ يحبُّ، ويدٌ تحمل مشرطًا مغموسًا في بوتقة العلم والحب، من أجل تحويل اللحظة الأولى إلى اللحظة الثانية. من أجل تحويل التعاسة إلى فرح، واليأس إلى أمل، والموت إلى حياة.
قائمة المرضى في مركز "مجدي يعقوب" لا تعرف شيئًا اسمه: غنيّ وفقير، مسلم ومسيحي، أبيض أو أسود، إلى آخر تلك التصنيفات العبثية، كل ما تعرفه تلك القائمة، وترتّب على أساسه أولولياتها، هو أن هناك قلبًا موجوعًا يجب أن يُشفى. سافر البروفيسور "مجدي يعقوب" من أسوان إلى القاهرة لينقذ حياة ابنة بائع شاي من بسطاء القاهرة، لم تستطع السفر لأسوان لتدهور حالتها. أجرى لها العملية مجانًا ودفع من جيبه تكاليف ما بعد العملية من متابعة وأدوية وأشعات وفحوص. هذا هو "مجدي يعقوب"، معجزة مصر الطيبة، وأحد أهراماتها البشرية الشاهقة، أسطورة الطب الذي قالت "الملكة إليزابيث" وهي تمنحه لقب "فارس Sir": "إنه هدية مصر للعالم”. فطوبى لمصر بكَ، وطوبى للعالم بعلمك الرفيع وروحك النبيلة. وفي عيد ميلادك أقول لك: كل سنة وأنتَ في ملء الصحة والفرح مثلما تهب الصحة لأطفالنا المرضى بإذن الله، وتمنح الفرحَ لأمهاتهم وآبائهم.

***