القرآن محاولة لقراءة مغايرة 126


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7435 - 2022 / 11 / 17 - 22:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

سورة النساء - سورة 4 - عدد آياتها 176
بِاسمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيمِ
يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقوا رَبَّكُمُ الَّذي خَلَقَكُم مِّن نَّفسٍ وّاحِدَةٍ وَّخَلَقَ مِنها زَوجَها وَبَثَّ مِنهُما رِجالًا كَثيرًا وَّنِساءً وَّاتَّقُوا اللهَ الَّذي تَساءَلونَ بِهِ وَالأَرحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا (1)
تبدأ هذه السورة بداية جميلة، فهي توجه خطابها إلى كل الناس، وليس إلى المسلمين خاصة بعبارة «يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنوا»، ثم تدعوهم ليتقوا ربهم، لأنه يستحق أن يُتَّقى، فهو «الَّذي خَلَقَكُم»، وجاء خلقه لكم «مِن نَّفسٍ وّاحِدَةٍ»، ولا ندري ما إذا كان المقصود بهذه النفس الإنسان الأول الذي كان في نفس الوقت حسب الأديان الإبراهيمية الرجل الأول، وبالتالي تكون عبارة «وَخَلَقَ مِنها زَوجَها»، أي خلق له زوجته، فالزوج تأتي في القرآن وفي عربية ذلك الزمان للرجل والمرأة، هذه الزوجة التي هي الإنسان الثاني والمرأة الأولى لم تذكر في القرآن بالاسم، ولكن البعض الذي يدافع عن القرآن بكونه يساوي بين الرجال والنساء، يقولون إن المقصود هنا بالنفس الواحدة، هي النفس البشرية، بقطع النظر عن الذكورة والأنوثة، وكون الله خلق منها زوجها، لأن خلق الذكور لا يكون إلا بوجود الإناث، وخلق الإناث لا يكون إلا بوجود الذكور. ثم إن الله «بَثَّ مِنهُما [أي من تزاوج كل زوجين من رجل وامرأة] رِجالًا كَثيرًا وَّنِساءً». وتكرر الآية الدعوة للتقوى بقول «وَّاتَّقُوا اللهَ الَّذي [تَـ]تَساءَلونَ بِهِ»، ولكن أضيفت هنا الدعوة إلى أن يتقي الناس «الأَرحامَ»، فيما هي معاملتهم لأرحامهم، والتي يجب أن تكون بالقسط والبر والإحسان، ومن أجل أن تحث الآية الناس على الالتزام بهذه الوصايا، تختم بقول «إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيكُم رَقيبًا»، فبدلا من أن يوجه الدين الناس إلى تجذير النزعة الإنسانية في نفوسهم، وإلى أن يجعلوا ضمائرهم رقيبا على سلوكهم، تراه يؤكد على رقابة الله لهم، وتخويفهم من عقابه أو تطميعهم بثوابه. لا بأس لو كان قد حصل هذا بشكل متوازٍ ومتوازن، ولو كان التطميع والترعيب قد أديا دوريهما. لكنن لا نجد أكثر المتدينين تحولوا إلى أناس طيبين مستقيمين يحبون للإنسان الآخر ما يحبونه لأنفسهم، ويكرهون له ما يكرهون لها. وإذا قيل إن العيب ليس في الدين، بل في المتدينين، وعندما نعلم أن الدين لم يؤثر إيجابيا وإنسانيا في أكثر المتدينين، يعني هذا إن الدين مشروع فاشل، وهذا أحد أدلة امتناع صدوره عن الله، إذ لا يمكن قبول فكرة أن الله يجرب مشروعا، ثم يتضح فشله.
وَآتُوا اليَتامى أَموالَهُم وَلا تَتَبَدَّلوُا الخَبيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأكُلوا أَموالَهُم إِلى أَموالِكُم إِنَّهُ كانَ حوبًا كَبيرًا (2)
هذه توصيات أخلاقية رائعة، خاصة ونحن نعلم أنه آنذاك لم يعرف المجتمع مؤسسات الدولة، كما في الدولة الحديثة العصرية، بحيث تكفل الدولة رعاية الأيتام والفقراء والمعوقين وغيرهم، كواجب من واجبات الدولة، وفق الدساتير العصرية، خاصة في الدول الديمقراطية العادلة، أو لنقل الساعية لتحقيق أكبر قدر ممكن من العدالة. لذا عندما كان أطفال يفقدون آباءهم، ولا أقول أمهاتهم، لأن عرف آنئذ ومما أقره الإسلام وكرسه يمنح الوصاية والرعاية للأب بالدرجة الأولى، عندها كان يكفلهم من له الرغبة والقابلية على كفالتهم، أو يتزوج أحد المسلمين بأمهم الأرملة، فتصار الوصاية لأطفال زوجته هذه إليه. وحيث إن الأطفال اليتامى كانوا في كثير من الأحيان قد ورثوا مالا من أبيهم أو من أبويهم، وبما أنهم كأطفال قاصرون، كانت توكل الوصاية عليهم لمن يكفلهم. ويبدو من أجواء الآية أن من هؤلاء الكافلين لليتامى أو المتزوجين من أمهاتهم الأرامل من يفعل ذلك ابتداءً طمعا في إرث الأطفال اليتامى، أو يطمع بها لاحقا، فيتصرف بأموالهم بحجة الوصاية بما يعود عليه بمنفعة مادية، أو منهم من كان يخلط مال اليتامى مع ماله، فيأكل مالهم إلى ماله كما تعبر الآية. ويمكن اعتبار هذه الآية من النصوص التي تحث على الأخلاق، لكن التعامل بأخلاق القسط والبر والإحسان والتعاون والعفو والتسامح والإنفاق والصدق وحفظ الأمانة واجتناب الكذب والخيانة والغيبة والنميمة والسخرية والتجاوز على ممتلكات وحقوق وكرامة الآخرين؛ كل هذا يجب أو يستحب الالتزام به بين المؤمنين أي في هذه الحالة بين المسلمين، وبالأخص الملتزمين، ولا يجب الالتزام به تجاه غيرهم. نعم يجب التمييز بين الإسلام والمسلمين، فكثير من المسلمين يتعاملون بأخلاق عالية مع غير المسلمين (الكفار حسب نعت القرآن)، وكثير من متدينيهم يتعاملون أيضا تعاملا أخلاقيا مع غير المتدينين (الفسقة أيضا حسب نعت القرآن)، ذلك إما لأنهم ذوو طبيعة طيبة، وغير مطلعين بعمق ودقة على أحكام دينهم، وإما أنهم يعلمون بأنهم لا ينبغي معاملة الكافر أو الفاسق معاملة لطيفة، لكنهم يفعلون ذلك، إما من قبيل الجذب والدعوة حسب النص القرآني «ادعُ إِلى سَبيلِ رَبِّكَ بِالحِكمَةِ وَالمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ»، وإما لتجميل صورة دينهم، أو لرجحان نزعتهم الإنسانية على الالتزام الدقيق بتعاليم الدين. وهذا لا يقتصر على الإسلام، بل يتعداه إلى الكثير من الأديان، كالدين اليهودي، الذي تأثر به مؤسس الإسلام بشكل كبير أكثر بكثير من تأثره بالمسيحية، رغم أن موقفه تجاه اليهود كان أشد بكثير مما هو تجاه المسيحيين. ولكن يبقى هناك مسلمون وفريق من علماء الإسلام من فقهاء أو مفسرين أو مفكرين لهم تأويل إنساني ومعتدل ومنفتح للإسلام، كما هناك غيرهم لهم فهم متشدد بأقصى درجات التشدد تجاه الآخر المختلف، سواء المختلف الخارجي أو حتى الداخلي، بل حتى بأشد ما يريده الدين منهم، وهناك درجات كثيرة بين الموقفين، وكل المواقف وصور الفهم والتأويل تستند إلى القرآن وسنة النبي وسيرته، لأن القرآن وعموم الإسلام بل وكل دين حمال أوجه، وقابل لمختلف التأويلات، مما يؤيد امتناع صدور الأديان من الله.