ماذا صرتَ اليومَ يا جوناثان؟


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7424 - 2022 / 11 / 6 - 13:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

منذ سنوات كتبتُ مقالا عن صبيّ صغير بترت "بوكو حرام" الإرهابية ذراعَه. طفلٌ أسمرُ مليحٌ اسمه "جوناثان" من شمال نيجيريا، ضرب الإرهابيون بيتَه بقنبلة، واستطاع أفراد الأسرة الهروب والنجاة، لكن "جوناثان" تعثّر وتسببت الشظايا في تمزيق ذراعه اليمنى، وبُترت من مِفصل الكوع. ترك المدرسةَ وظلّت أمُّه تُمرّنُه على الحياة بذراع واحدة. وبعد عامين من الكارثة، استجاب اللهُ لدعاء الأمّ الحزينة وخرج الصبيُّ ابن الثانية عشرة من اكتئابه وعزلته. وفي صحو نهارٍ مشرق استيقظ "جوناثان" وقد عقد العزم على مواصلة تعليمه. وبالفعل ذهب إلى مدرسته والتقى بزملائه القدامى الذين سبقوه بعامين دراسيين، وانتظم مع زملاء جدد في تلقّي العلم بالمدرسة الفقيرة، التي فارقها يوم فارقته ذراعُه. عكف على تمرين نفسه على الكتابة باليد اليسرى، ويومًا بعد يوم، تحسّن خطُّه وشارف أن يغدو مقروءًا. عزيمةُ الطفل الصلبة جعلتني أفكّر أنه قد يغدو مع الأيام أديبًا ذائع الصيت مثل النيجيري "تشينوا آتشيبي"، أو عالمًا في الفيزياء مثل "آينشتين"، أو أو فيلسوفًا مثل "فرنسيس بيكون"، أو حتى فلاحًا جميلا يزرع لأهل بلدته القمح والشعير وزهورَ السوسن؛ التي تضعها الصبايا في أكاليل أعراسهن ليزددن جمالاً فوق جمال. لكنه لن يغدو مثلما أراد له إرهابيو "بوكو حرام" أن يصبح: إنسانًا أكتعَ عاجزًا يتسوّل لقمته من العابرين والسابلة. لكن "جوناثان" كان يحلم أن يلتحق بكلية الحقوق ليصبح محاميًا. اختار الصبيُّ مهنةَ "الحقّ" الذي حُرم منه، مثلما حُرمت منه كلُّ بقعة فوق الأرض دخلها أولئك الإرهابيون سُرّاق الحياة لصوص الأرواح. حينما عقد عزمه على مواصلة تعليمه المُغتال قال كلمته الشهيرة التي اتخذتها جريدة "الجارديان" البريطانية مانشيت عنوانها الرئيس: School is Good "المدرسة جميلة”. وأضيفُ أنا على قوله: “الإرادةُ جميلةٌ. حبُّ الحياة جميلٌ. الإصرارُ على هزيمة القبح والظلم جميلٌ جميل. تذكرتُ "جوناثان" وأنا أزورُ مؤسسة لرعاية "ذوي الهمم" الشهر الماضي، وتساءلتُ: هل حقق حلمه؟
تلك الكائناتُ الشريرة التي تكوّنت في عالمنا في غفلة من منظومة القيم والجمال، وتحت مظلّة الاتجّار الرخيص بالدين طمعًا في المغانم والسلطان، ليست إلا كائناتٍ بغيضةً هشّةً وضعيفة مثل أوراق شجر يابس. "طالبان"، "داعش"، "بوكو حرام"، "الإخوان"، مسوخٌ شوهاءُ لا قوامٌ إنسانيٌّ لها، ولا هياكلُ أخلاقيةٌ صلبةٌ تتكئ عليها، ومن الممكن هزيمتُها وإفناؤها، لو أرادت البشريةُ النظيفةُ هزيمتَها وإفناءها. تلك الخلايا السرطانية لا تهزمها الأسلحةُ والقنابل والقرارات السياسية وفقط، هناك شيء أهم وأخطر قادرٌ على سحقها. هو "الرغبة" في سحقها، وتفعيل "الإرادة" من أجل هزيمتها. وهذا ما فعلناه في مصر يوم دحرنا الإخوان في 30 يونيو 2013، بمساعدة جيشنا العظيم، وقائدنا الجسور عبد الفتاح السيسي، حفظه الله لمصر والمصريين. وشرعنا في بناء مصرَ "الجمهورية الجديدة"، تلك التي تزدادُ حسنًا يومًا بعد يوم.
هل تذكرون "عائشة"؟ الفتاةَ الأفغانية الجميلة التي جدع إرهابيو "طالبان" أنفَها وأذنيها لأنها قالت: “لا" لزوجها الذي كان يُهينُها ويضربُها ويهدرُ آدميتَها. تصدّرت صورةُ وجهها الجميل مجدوعِ الأنف أغلفةَ مجلات العالم وقتذاك. لم تَخَفِ الصبيةُ العزلاء من جحافل الإرهابيين ذوي السيوف الذين يخافهم رجالٌ ذوو شوارب، ولم تخجل الجميلةُ السمراءُ من أنفها الغائب الذي بتره زعيم طالبان المجنون. بل سافرت دون أنف إلى دول تحترمُ الإنسانَ وتقدّسُ حقَّه في الحياة وأكملت مشوارَ حياتها، والرعبُ لا يعرف إلى قلبها طريقًا.
ثمة سلاحٌ ماضٍ في يدِ كل مخلوق من بني الإنسان، اسمه سلاح "الإرادة". نُهزَم فقط حين نفقدُه، وليس حين يُشهرُ الظالمُ سيفَه في وجوهنا. تلك المسوخُ الإرهابية التي ملأت الدنيا صخبًا ودماءً، يستمدون قوتهم من ضعفنا ومن تسليمنا قوادنا لأياديهم السوداء. دون ضعفنا، هُم ضعفاء، وبقدر قوتنا في مواجهتهم وإصرارنا على التمسّك بحقوقنا، نكتشف كمَّ هشاشتهم وخوائهم.
ستظلُّ أنفُ "عائشة" المجدوعة في أفغانستان، وذراعُ "جوناثان" المبتورة في نيجيريا، وأُذن "أيمن ديمتري" المقطوعة في مصر، شواهدَ حيّةً على إرهاب "تيار الإسلام السياسي" الذي يحاول الآن سرقة مصر من جديد، ولكن هيهات! لم نعد نصدقهم وهم يهدرون الدمَ ملوحين بكارت الدين، وبسم الله الرحمن الرحيم، حاشاه جلّ جلاله وتعالى عمّا يفعل الظالمون! تبكي السماءُ حزنًا حين ترى الإنسانَ يظلمُ أخاه الإنسانَ! لكن تلك السماءَ ذاتها تفرحُ وتفخر بنا حين تجدنا أقوياء ذوي بأس وإرادة وعزم للحفاظ على حق الحياة وسلامة الأوطان من خونة لصوص يتربصون بنا لكي يسرقوا الوطن من جديد. حمى الله مصرَ وحفظ شعبها معافىً من التضليل وحفظ رئيسنا العظيم وجيشنا الباسل.
               ***