التلاعب السياسي عبر الأدلجة التضليلية للأزمة 2-2


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7416 - 2022 / 10 / 29 - 12:41
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

ملاحظة المترجم
أوردت في الحلقة السابقة الدلالات الايجابية و السلبية لمفردة الأيديولوجيا التي ميزها الناقد الأدبي الانجليزي تيري إيغلتن ، و التي تمثل مسحاً لاستخداماتها المختلفة المتداولة خطابياً . و قد فاتتني الاشارة للطابع الديالكتي المتعدد الأوجه لتلك المداليل و التي تشتمل على أفكار الطبقات الحاكمة ازاء الطبقات المحكومة ؛ قناعات الفرد ازاء المجموعة ؛ قلب الوقائع و الحقائق و تزييفها ازاء اماطة اللثام عن ذلك القلب و التزييف ؛ التمييز بين الجوهر و المظهر ، وبين النظرية و الواقع و الممارسة ، بين المنهج و التطبيق ، بين العقلانية و اللاعقلانية ؛ خلق الوعي الايجابي أو السلبي و ادامته ازاء تغييره تحويله .. والسبب في هذا المتضادّات هو حقيقة كون جذور الأيديولوجيا لا تنبت إلا على تربة الصراع الكائن في رحم العلاقات الاجتماعية القائمة ، لذا نجد أن هذا المحتوى الديالكتي الغني يغطي كل البناء الفوقي للمجتمعات كافة ؛ و هو يتأثر و يؤثر في بنائها التحتي شكلاً و مضموناً على نحو متواصل . لذا نجد أن ماركس و إنجلز (في مؤلفهما : الأيديولوجيا الألمانية ، 1845-6) يعتبران الأيديولوجيا هي : "إنتاج الأفكار ، والمفاهيم ، والوعي " ، كل ما "يقوله الناس ، ويتخيلونه ، ويتصورونه" ، و هي تتضمن أشياء مثل "السياسة ، والقوانين ، والأخلاق ، والدين ، والميتافيزيقا ، إلخ.".
وبقدر تعلق الأمر بطريقة فهم الاشياء ، فإنه يستحيل وجود أي تفسير و أي وصف أو نقد لأي ظاهرة فكرية أو اجتماعية خارج نطاق الأيديولوجيا بمعناها الايجابي أو السلبي ؛ أي استحالة وجود "فكر لا أيديولوجي" ، لأن حتى الرفض المعلن للأيديولوجيا إنما يستبطن بذاته نمطاً من أنماط الايديولوجيا ، شئنا ذلك أم أبينا .
كما فاتني التنويه الى أن معدّة هذا البحث – البيلاروسية : ايلينا ف. بيلجون – قد أعدته ونشرته هذا العام ، قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية المشتعلة الآن .
تكملة ترجمة نص البحث [الملاحظة بين الأقواس الكبيرة لي]:
"آليات التأثير في العلاقات الدولية
في عالم اليوم ، أصبحت الأزمات هي الذريعة والأداة للضغط على اتخاذ القرار السياسي بسبب تأثير تلك الأزمات المباشر على عواطف الناس ، وبالتالي على الرأي العام. فمن ناحية ، تفتح الأزمات مجالات جديدة للواقع الاجتماعي لأنها تحفز دائمًا انطلاق زخم جديد للنمو ؛ و من ناحية أخرى ، فإنها تعمل كذريعة للأدلجة المضللة للوعي الجماهيري. وتعتمد نتيجة نشاط المتلاعب هنا إلى حد كبير على "بيئة" تصريحاته . علاوة على ذلك ، ونظرًا للحاجة إلى هيكلة العلاقات الاجتماعية والسيطرة عليها في حالات الأزمات ، يتصدر مفهوم الأدلجة التضليلية هنا الى المقدمة . تعتبر الأيديولوجيا بمثابة نظام آراء يسمح للفرد والمجتمع بتلمس طريقه في المكان والزمان من حولهما. ولكن في نهاية القرن العشرين و بداية القرن الحادي والعشرين ، حصل هناك تحول في تفسير مفهوم الأديولوجيا ذاته من معناه الذي بدأ به أصلاً كتعبير عن مجموعة من الأفكار التي تتخذ شكلاً منهجياً.
لقد أصبح غرس الآراء المزيفة والتضليل الأديولوجي للوعي الجماهيري على الصعيدين المحلي والدولي أداة قوية للتأثير في العلاقات الدولية. و تبدأ ألأدلجة التضليلية للوعي العام عادةً عبر قلب الحقائق ، وتسليط الضوء الإيجابي على الأزمات ، وتبريز الجوانب السلبية للعمليات الإيجابية ، ونحو ذلك. و تتضمن عملية الأدلجة التضليلية للوعي الجماهيري وسط الأزمة استخدام عوامل اجتماعية وثقافية ولغوية بغية توجيه سلوك الجمهور ، وقد يُنظر إليها على أنها تقنيات تلاعب او مناورات . و تهدف الأيديولوجية المضللة إلى هيكلة العلاقات الاجتماعية ، وتقديم نماذج جاهزة للسلوك البشري بحجة : للحماية من الشر ، وللحفاظ على الخير ، ولتحقيق الأفضل ، ولضبط التوجّهات القيمة ، إلخ.
وتتخذ الأدلجة التضليلية للأزمة شكل الألاعيب التكتيكية. و يمكن أن تؤثر هذا الألاعيب على الحالة العاطفية والعقلية للهدف ، وأن تغير في موقفه ككل . كما يمكن أن يؤدي استخدام تكتيكات التلاعب إلى السلوك غير العقلاني من جانب السلطات. في ظل مثل هذه الحالة ، تفقد البلدان فرصًاً مربحة ويتم غلق أبواب التعاون والتضحية بالمصالح الوطنية. وقد تمت دراسة مثل هذه التكتيكات السلوكية من طرف الباحثين ضمن إطار نظرية الإدارة العامة ، كما تم تحليل ممارسات التلاعب السياسي في سياق المفاوضات الجماعية في المنظمات الدولية وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة. .
في خضم الأزمات ، تختلف أساليب التلاعب المستخدمة لأغراض سياسية (التلاعب السياسي) عن أساليب الإقناع وتكتيكات التأثير الأخرى. هنا يهدف التلاعب إلى هيكلة صنع القرار في حالات الأزمات التي تزيد في فرص اتخاذ القرار "الصحيح" المستهدف . أما الإقناع ، من ناحية أخرى ، فهو محاولة مباشرة للتأثير أو الضغط على صانع القرار لتغيير تفضيلاته. و يمكن أن يؤدي التلاعب السياسي في بعض الحالات إلى اتباع الخطوات والقرارات المطلوبة حتى و إن كانت لا تبدو للوهلة الأولى عقلانية و منطقية. ويمكن أن تساهم السياقات الظرفية والهيكلية للأزمة في نجاح تكتيكات التلاعب ، أو أن تحد منها. لذا ، فقد تستخدم التكتيكات الصحيحة أي أزمة لأغراض خاصة بغية الأدلجة المضللة للوعي الجماهيري ، لأن الأدلجة المضللة لحالات الأزمات تجعل من الممكن الحصول على تأثيرات سياسية عميقة. ويتم استخدام التكتيكات المتلاعبة لتحقيق أهداف الفاعل في سياق أزمة معينة لتعزيز صورة البلد ، وللحصول على المكاسب الاقتصادية والسياسية ، إلخ. أما زخم الأدلجة التضليلية ، فقد يكون إيجابيًا وقد يكون سلبيًا أيضاً . ويتضمن التلاعب في معظم الحالات الحصول على التأثيرات السياسية بدلاً من فرض عواقب سلبية على المتلقي. ويمكن للأحداث التي لها سياق سلبي في وقت معين أن تؤدي أيضًا إلى عواقب إيجابية في المستقبل. في هذه الحالة ، يجدر الحديث عن عمليات الأدلجة التضليلية ، حيث يمكن للفاعل توقع تطور الموقف وفقًا لنواياه العالمية لتقوية منطقة نفوذه أو حتى إنشاء نظام عالمي جديد.
ولإضفاء الأدلجة التضليلية على أزمة ما ، يستخدم الفاعلون في السياسة العالمية التكتيكات التالية: تكتيك إضفاء الشرعية على تصرفات الفاعلين السياسيين. إن من يهيمنون على السلطة هم دائمًا محتكرون للمعلومات ، ويمتلكون المعلومات الكاملة عن الشؤون الجارية ، ويعملون كضامن للسلام والأمن والرفاهية والعدالة ، ويمارسون السيطرة ويديرون العمليات الاجتماعية. أثناء معالجة الأزمة ، تلعب السلطات ، من ناحية ، دورًا مهيمنًا ؛ ومن ناحية أخرى ، تخاطر بسلطاتها اعتمادًا على نجاح إجراءاتها في التغلب على الأزمة. والأزمة بدورها تسمح للسلطات بإضفاء الشرعية على أفعالها. وخير مثال على ذلك هو ذلك الوضع في كازاخستان الحاصل في أوائل عام 2022. فقد أصبحت الزيادة المزدوجة في أسعار الغاز سببًا للاحتجاجات الجماهيرية وأدت إلى إعلان حالة الطوارئ في البلاد. وسرعان ما تحولت مطالب المحتجين إلى مطالب سياسية. ولكن الحكومة تغلبت على الأزمة بنجاح ، مما رسخ صورة الدولة المستقرة ، وكذلك سلطة الرئيس الحالي التي تضفي الشرعية على أفعاله أمام كل من الشركاء الدوليين وسكان البلاد على حد سواء .
وبفضل سياسة التوصيل الكفوء للمعلومات المختصة في الوقت المناسب ، فقد تم طمأنة الدول الغربية إلى أن الأزمة قد أثارتها شبكات إرهابية في محاولتها للاستيلاء على السلطة ، على الرغم من عدم وجود إرهابيين ، و عدم اعلان أي منظمة مسؤوليتها عما حدث. وقد أفضت تلبية طلبات المتظاهرين وحل البرلمان والإجراءات السياسية الأخرى المصحوبة بالتواصل المستقر مع السكان الى جعل الرئيس توكاييف يستمتع بدعم الشعب الكازاخي والى فوزه بمزايا أخرى من شأنها أن تبرزه كقائد قوي . كما أدت الى التقليل من نفوذ الرئيس السابق ورئيس مجلس الأمن ، نزارباييف ، ورسخت شرعية توكاييف ومقدرته على حل الأزمات.
وقد تسبب حل هذه الأزمة في كازاخستان بمشاركة قوات منظمة معاهدة الأمن الجماعي في اثارة رد فعل عنيف من جانب الولايات المتحدة. فقد جادل وزير الخارجية الأمريكي بلينكين بأن كازاخستان قد اضطرت لطلب مساعدة منظمة تهيمن عليها روسيا. في هذه الحالة ، استخدمت الولايات المتحدة تكتيكات الإدانة واللوم بقصد إظهار نفوذها ورعايتها لسكان آسيا الوسطى.
و تُستخدم الأساليب القسرية والعقابية على نطاق واسع بشكل رئيسي من قبل الجهات الفاعلة العالمية في العلاقات الدولية. على سبيل المثال ، تشمل سياسة العقوبات التي تستخدمها الدول المتقدمة في الغالب كعقاب على أفعال أو قرارات "خاطئة" لإجبار السلطات على اتخاذ خطوات "أفضل". على سبيل المثال ، كان سبب إدخال الحزمة الخامسة من العقوبات ضد بيلاروسيا هو وضع المهاجرين على الحدود البيلاروسية البولندية. وقد نشأت هذه الأزمة لأن الاتحاد الأوروبي ألغى من طرف واحد اتفاقية إعادة القبول للاجئين كإجراء عقابي بعد نتائج حملة الانتخابات الرئاسية لعام 2020. وتم استخدام هذا الوضع لإدخال تدابير تقييدية أحادية الجانب من قبل الدول المجاورة الفردية ، مثل ليتوانيا ، فيما يتعلق بمرور المنتجات النفطية القادمة من أراضي دولة الاتحاد إليها .
ويمكن أن تكون أدوات التلاعب ذات طبيعة ليست سياسية فحسب ، بل وبيئية أيضًا ، أي مرتبطة بجدول أعمال برنامج الأمم المتحدة لعام 2030. في هذا المجال ، تعد السويد واحدة من الدول الرائدة في العالم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs). ففي مؤشر أهداف التنمية المستدامة الدولي الذي تم نشره في عام 2020 ، احتلت السويد المرتبة (1s.4) . وفي نفس الوقت ، فقد تم تصميم تنفيذ جدول أعمال 2030 للأمم المتحدة لتعزيز صورة السويد في الخارج. وبذريعة تنفيذ أجندة 2030 ، تحاول السويد بسط نفوذها على الدول الأخرى. وبهذا المعنى ، فإن أداة التأثير الرئيسية هي التمويل والمساعدة للدول النامية. وتعد السويد حاليًا إحدى الجهات المانحة الرئيسية للمساعدات في العالم. ففي عام 2020 ، بلغ حجم المساعدة الإنمائية الرسمية التي قدمتها السويد للدول الأجنبية 4.3 مليار دولار. والمتلقون الرئيسيون لهذه المساعدات هم أفقر بلدان أفريقيا وآسيا (أفغانستان ، الصومال ، موزمبيق ، تنزانيا ، أوغندا ، إلخ) . كما يجري تنفيذ العديد من مشاريع المساعدة الفنية السويدية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية.
والشريك السويدي الرئيسي لبيلاروسيا في اطار التعاون التقني الثنائي هو الوكالة السويدية للتعاون الإنمائي الدولي (سيدا) وذلك منذ أن تم تبني الستراتيجية الإقليمية من قبل حكومة السويد مع بلدان أوروبا الشرقية ودول البلقان الغربية وتركيا للفترة 2014-2020 - والتي تم تمديدها حتى عام 2021. و لكن ، في آب من عام 2020 ، نشرت وسائل الإعلام السويدية رسالة مفادها أن السويد قد قررت وقف العديد من مشاريع المساعدة الفنية مع بيلاروسيا بسبب الأحداث المتعلقة بـحملة الانتخابات الرئاسية التي جرت في 10 سبتمبر 2020 . ثم أعلنت الوكالة السويدية للإنماء الدولي (سيدا) تعليق المشروع الثالث لمساعدة بيلاروسيا بسبب تصرفات الدولة بعد الانتخابات. وقام الجانب السويدي بتجميد التمويل بمبلغ 7 ملايين كرونة سويدية (حوالي 0.8 مليون دولار) لمشروع تعزيز حقوق الإنسان في الجامعات البيلاروسية. وتعليقًا على هذا القرار ، أشار وزير التعاون الإنمائي الدولي السويدي ، ب. إريكسون (2019-2021) ، إلى أنه "سيتم تقديم المزيد من الدعم لمنضمات المجتمع المدني ، في حين تم تجميد الجزء المخصص للمشاريع المقامة بمشاركة هياكل الدولة". كما تواصل السويد تنفيذ المبادرات في بيلاروسيا لتقديم الدعم المالي للمعارضة ، في محاولة منها للضغط على السلطات البيلاروسية .
والتكتيك التلاعبي الآخر المستخدم في العلاقات الدولية هو تكتيك توجيه الاتهامات. حيث يواجه الاتحاد الروسي في الوقت الحاضر الاتهامات بالعدوان. ويمكن لأي أزمة تقريبًا أن تكون بمثابة المثال لاستخدام هذا التكتيك ، لا سيما تلك التي تحصل على أراضي الدول الأجنبية: قضية سكريبال ، وانتخاب ترامب ، والأزمة على الحدود البيلاروسية البولندية ، وزيادة أسعار الغاز الروسي ، إلخ.
كما تواجه سلطات مينسك الرسمية الاتهامات التي لا أساس لها من طرف الدول الغربية. ففي صيف عام 2021 ، اتهمت الولايات المتحدة مينسك "بعرقلة البرامج الأمريكية في مجال التنمية الدولية". و كان قد تم تنفيذ برامج مماثلة في بيلاروسيا لأكثر من عام والتي تهدف إلى "تعزيز القيم الأمريكية" ، وكذلك زعزعة استقرار الوضع في البلاد. في هذا الصدد ، فقد تم إغلاق قسم العلاقات العامة في السفارة الأمريكية بمينسك ، و معه اغلاق مكتب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) ، بما في ذلك المركز الأمريكي في مينسك. مع ذلك ، فإن هذه الإغلاقات لم توقف المساعدات الأمريكية لأنشطة المنظمات البيلاروسية غير الحكومية التي يتم إجراؤها الآن عبر منصات الإنترنت ، وإحدى هذه المجموعات عبارة عن مجموعة على الفيسبُك Facebook تروج للمبادرات التعليمية تحت عنوان "فرص التعليم للبيلاروسيين".
وفي خطاب الأزمة المعاصر ، أصبح استخدام تكتيك "التهديد بالحرب" شائعًا على نحو متزايد. ويتم التعبير عن هذا التكتيك في البيانات المتعلقة بنشر القوات المسلحة ، وحيازة الأسلحة ، وإعادة انتشار الأسلحة النووية ، وعبور حدود الدولة بواسطة الطائرات بدون طيار ، وما إلى ذلك. ويشتغل هذا التكتيك في اتجاهين: حيث يتم استخدامه من قبل الفاعلين السياسيين للتأثير على الوعي الجماهيري على أراضي بلدهم لضمان الأمن القومي وحماية الحدود والسكان من التأثير الخارجي ، وكذلك لتحقيق أهداف معينة على الساحة الدولية لترهيب المقابل وللأدلجة التضليلية للرأي العام خارج بلدانهم.
كما أن هناك حالات لاستخدام أسلوب التضليل بمظاهره المختلفة ، وبما ينطوي عليه من تعمد إخفاء المعلومات والكذب والتشويه وقمع الحقائق. وتشتمل المعلومات المضللة عمليات تجميع الأدلة الداعمة والصور وإزالة سياق المعلومات (Krafft، Donovan، 2020، p.194). والجدير بالذكر فإنه في حقبة "ما بعد الحقيقة" ، فإن المعلومات المضللة تتسبب بعواقب وخيمة على الخطاب العام والسياسي والعمليات السياسية والحوكمة (Landon-Murray، Mujkic، Nussbaum، 2019، p. 512).[ يلاحظ بهذا الصدد ، مثلاً ، تأثير حملة ترامب لتضليل مؤيديه بكذبة سرقة الديمقراطيين لفوزه في الانتخابات الأمريكية الأخيرة وما أعقبتها من أعمال العنف المستمرة لحد الآن ضمن اطار حركة "أوقفوا السرقة" (Stop the Steal) . أما "حقبة ما بعد الحقيقة" الفاشية فقد دشنها القزم الصليبي بوش الإبن (بأموال خليجية) منذ عام 2001 في ترويجه لكذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، و نفس الشيء يحصل منذ عام 2005 (برشاوى صهيونية) بخصوص البرنامج النووي السلمي الايراني ، مع منع الكلام العلني بتاتاً عن الترسانة النووية الصهيونية الرهيبة الكافية لإبادة ملياري مسلم بغمضة عين عن طريق البحر (الغواصات النووية) والجو (الصواريخ العابرة للقارات القادرة على ضرب أي مكان في الكرة الارضية بتبجح ارهابييها العسكريين أنفسهم) . علماً بأن ماكنة الدعاية الامبريالية المبيدة للشعوب قد اصطنعت عبارة جديدة هي "الحقائق البديلة" (Alternative Truths) لتسمية مثل هذه الأكاذيب الفجة بغية التضليل الأيديولوجي للرأي العام بقلب الأكاذيب إلى حقائق بديلة . و مثل هذا اصطناع البنتاغون لعبارة "الأضرار الجانبية" (Collateral Damage) لوصف استشهاد و جرح الآلاف من المدنيين في عمليات قصف المدنيين التي تنفذها طائراتها الحربية الغائرة على المدن مثل الفلوجة و البصرة و الناصرية و الموصل ومدن ليبيا و اليمن و المئات غيرها ].
أما تكتيك "الإغواء" ، فقد تم تصميمه خصيصاً بغية كسب ثقة وولاء الدول الراعية. ويمكن للمرء أن يقدم كمثال بهذا الصدد حالة ليتوانيا ، التي رفضت في عام 2022 نقل البوتاسيوم البيلاروسي عن طريق السكك الحديدية اللتوانية ، بذريعة أن شركة بيلاروسكالي المصنعة لسماد البوتاس لا تلبي مصالح الأمن القومي لليتوانيا ؛ كما وفرضت الولايات المتحدة العقوبات على نفس هذا المشروع. في هذا المثال ، فقد انتهكت الحكومة الليتوانية التزاماتها التعاقدية المتعلقة بالشركة البيلاروسية - التي من شأنها الاضرار بالاقتصاد اللتواني نفسه- بغية الحصول على التفضيلات والولاء من سلطات واشنطن الرسمية.
ويتم التعبير عن تكتيك توجيه الإهانات إما بالألفاظ أو عن طريق الأفعال. فقد صرح وزير الخارجية الأمريكي بلينكين ، عقب نتائج عملية منظمة معاهدة الأمن الجماعي في كازاخستان ، قائلاً : "بمجرد دخول الروس إلى منزلك ، فسيكون من الصعب جدًا في بعض الأحيان إقناعهم بالمغادرة". وقد رد الجانب الروسي بالقول بأن وزير الخارجية الأمريكي انما "ينكت بإسلوبه الفظ المعتاد .. فعندما يكون الأمريكيون في منزلك ، فقد سيكون من الصعب البقاء على قيد الحياة ، وعدم التعرض للسرقة أو الاغتصاب ". إن أسلوب تبادل "المجاملات" هذا يوضح حالة الرهاب من روسيا والعداء ضدها من الجانب الأمريكي. و بدوره ، يطبق الجانب الروسي في رده هذا مبدأ "اجراءات المرآة العاكسة " في العلاقات الدولية ، ويعطي رداً دبلوماسياً ، في إشارته للأحداث التي سببتها السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. كما و يتجلى استخدام تكتيكات الإهانة أيضًا في وضع علم دولة أخرى رأساً على عقب أو استبداله بعلم بديل غير رسمي. و قد تمت ملاحظة حالات مماثلة كهذه في لاتفيا وألمانيا وأوكرانيا مع العلم الرسمي لجمهورية بيلاروسيا.
و يتمثل تكتيك تشتيت الانتباه ، أو الإلهاء ، بتصعيد دولة ما لحدث معين حاصل في البلدان المجاورة بهدف صرف انتباه الجمهور عن المشاكل القائمة داخل تلك الدولة . وغالبًا ما تستخدم مثل هذه التكتيكات في دول البلطيق. و تأتي تصريحات ليتوانيا حول نيتها بناء جدار على الحدود البيلاروسية الليتوانية لمنع تدفق اللاجئين على الحدود مع بولندا ضمن هذا التكتيك . علماً بأن ليتوانيا استقبلت فقط عددًا صغيرًا نسبيًا من اللاجئين ممن يستخدمون أراضيها للعبور إلى ألمانيا ، ولكن السلطات الليتوانية استخدمت تصعيد هذا الموقف لتحويل انتباه المجتمع الليتواني عن مشاكله الداخلية. فقد مكّنت هذه الأزمة الحكومة اللتوانية من تأجيل عملية تعديل الدستور الليتواني ؛ كما أتاح فرضها لحالة الطوارئ واستعراضها للقوة كسب المزيد من الولاء الاجتماعي .
إن استخدام التكتيكات المتلاعبة للأدلجة التضليلية لأزمة معينة يسمح للجهات الفاعلة بممارسة تأثيرات سياسية محددة. و ينبغي التمييز بين أثنين من هذه الآثار ، أحدهما يهدف إلى حشد المجتمع والشعوب والبلدان في مواجهة الأزمات - وبعبارة أخرى ، التوطيد. فعلى سبيل المثال ، كانت تكتيكات السلطات الروسية والبيلاروسية تهدف إلى إضفاء الشرعية على الإجراءات السياسية من خلال اعتماد 28 برنامجًا لرابطة الدول المستقلة ، جنبًا إلى جنب مع تكتيكات "التهديد بالحرب" وسط التهديد المتزايد لروسيا وبيلاروسيا من جانب الغرب مجتمعاً . و سيعزز المسار السياسي المشترك ، وإمكانات التكامل بين البلدين تحقيق التفاعل الأوثق ، مع تجميع الجهود من أجل تنميتهما المستدامة. أما التأثير الثاني - التشرذم - فيهدف إلى تقسيم المجتمع والشعوب والدول. علماً بأن تكتيكات "التهديد بالحرب" التي تستخدمها سلطات بلدان الغرب ضد دول الاتحاد ، إلى جانب تكتيكات "الإدانة واللوم" و "الإكراه والعقاب" ، من شأنها أن تؤثر على الوعي الجماهيري لدولة الاتحاد ، وتهدف إلى تقويض أيديولوجيتها من الداخل ، وتشويه سمعة السلطات ، وخلق خطوط الانقسام بين السكان.
وقد يؤدي استخدام الأزمات بهدف تقسيم البلد الى اجزاء إلى اثارة النزاعات الإقليمية ، والى وتصاعد مظاهر الكره للأجانب ، والى العدوان العسكري والتمييز العنصري ، وما إلى ذلك. وبالتالي ، فإن الأدلجة التضليلية لأي أزمة عن طريق التلاعب السياسي بها من شأنها أن تلعب دورًا حاسمًا في بناء الواقع. وتتم التلاعبات من خلال تصرفات الفاعلين السياسيين، ومن خلال الدعم التواصلي والإعلامي لهذه الإجراءات ، مما يخلق نوعًا من خطاب الأزمة. علماً بأن للأزمات أقوى الإمكانية للتأثير على الوعي الجماهيري. فهي من ناحية ، تؤثر على الحالة العاطفية للمجتمع ، وتحقق الحاجة إلى الحماية ؛ ومن ناحية أخرى ، فإنها تختبر قوة الدولة ، وتحث المجتمع على الحفاظ على النظام الحالي أو تغييره.
وينطوي التلاعب السياسي على الساحة الدولية من خلال الأدلجة التضليلية للأزمة و / أو السيطرة على الوعي الجماهيري عبر استخدام تكتيكات التلاعب السياسي على هدف دفع المتلقي كي يتخذ بفعل تأثيرها القرارات السياسية المفيدة لستراتيجية نشر النفوذ السياسي . هنا يصبح المتلقي لهذا التلاعب السياسي في وضع التابع على صعيد التحكم بالإرادة الذاتية وعلى صعيد ردود الأفعال. وبفضل آليات التأثير هذه ، فإن الجهات ذات التأثير في العلاقات الدولية (السلطة والمعارضة والدولة والشركات المتعدية الجنسية والمنظمات غير الحكومية وغيرها) تُرضي طموحاتها الجيوسياسية ، وتخلق أو تحسن صورتها على الصعيد السياسي ، وتنشر وتستنسخ أنماط السلوك السياسي على الساحة الدولية ، و تراقب وتمنع وتحيِّد ظهور المظاهر السلبية أو الإيجابية في المجتمع ، إلخ.
و من ناحية اخرى ، يحدد البعد العملي لخطاب الأزمة اختيار أساليب التمثيل والمعاني والظلال وفقًا للسياق الضروري ، ويحدد استخدام التكتيكات المتلاعبة ذاتها. فبالاستناد الى الأهداف المبتغاة ، يقوم الفاعلون من خلال وسائل الإعلام بزق الأيديولوجية المضللة أو المناهضة لخلق الوعي الجماهيري المطلوب . ومن أمثلة هذه التكتيكات التواصلية إضفاء الشرعية على أفعال الفاعلين السياسيين ، وتوجيه اللوم وعبارات الإدانة ، والإكراه والعقاب ، وتوجيه الاتهامات ، والتهديدات بالحرب ، ونشر المعلومات المضللة ، والإغواء ، وتوجيه الإهانات ، والإلهاء أو تشتيت الانتباه . وللتكتيكات المتلاعبة هذه وسط الأزمة تأثيراتها العاطفية والذهنية على المتلقي ، كما أنها تحفز اثارة المشاعر و / أو التفكير الفوري ، مما يسمح للمتلقي بتفسير ما سمعه أو رآه. وفي حالة الأزمات ، فإن تكتيكات التلاعب هذه تؤثر على كل متلقي على حدة وعلى الوعي الجماهيري ككل. وتسمح هذه الآلية للفاعل بممارسة التأثير لنشر القيم المعينة والمواقف السلوكية المستهدفة ، وعلى الهيمنة والاحتفاظ بالسلطة . وتساعد دراسة مثل هذه الآليات والمبادئ الخاصة باشتغالها على تشخيص حقائق التلاعب الحاصلة ، وتنظيم ردود الفعل المضادة لتأثيرها على المجموعات المستهدفة ، وحماية سيادة المعلومات للدول."
تمت .