القرآن محاولة لقراءة مغايرة 118


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7414 - 2022 / 10 / 27 - 13:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

أَوَلَمّا أَصابَتكُم مُّصيبَةٌ قَد أَصَبتُم مِّثلَيها قُلتُم أَنّى هاذا قُل هُوَ مِن عِندِ أَنفُسِكُم إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ (165) وَما أَصابَكُم يَومَ التَقَى الجَمعانِ فَبِإِذنِ اللهِ وَلِيَعلَمَ المُؤمِنينَ (166)
القرآن عندما يحقق المسلمون انتصارا أو نجاحا، ينسب ذلك إلى الله، فلا فضل لهم في ذلك، بل الفضل لله عليهم، وعندما تصيبهم مصيبة أو تحصل لهم إخفاقات، فهي من عند أنفسهم، وهكذا هو الأمر مع بني إسرائيل، الذي يكرر القرآن فضل الله عليهم، ويدينهم على سيئات أعمالهم. لكن بينما اعتبرت الآية الأولى أن ما أصابهم من مصيبة فذلك من عند أنفسهم، تتدارك الآية الثانية لتقول إن هذا حصل بإذن الله. وهذا من أجل أن ننصف القرآن ومؤلف القرآن، يمكن أن يعني أن الإخفاقات والمصائب إنما جاءت كنتيجة لمقدمات، وهم المسؤولون عن مقدمات فشلهم، ولكن كون الله قادرا على كل شيء، وإذا ما أراد شيئا فإنما قوله كن فيكون، لكنه لم يرد أن يتدخل، بل ترك نتائج المقدمات تحصل وفق السنن وقوانين الحياة، من أجل أن يكون ذلك درسا للمسلمين، فلا يعتمدون على النصر الإلهي دائما، ولا يحولون التوكل إلى اتكالية، من غير توفير مستلزمات تحقيق الأهداف. ولكن ربما جعل مؤلف القرآن هذا التفسير، رغم أنه صحيح فلسفيا، كهروب من مواجهة الأسئلة التي قد يطرحها عليه أتباعه، ومنها سبب خذلان الله لهم رغم إيمانهم برسالته وتضحيتهم من أجلها. لكننا نعلم من خلال السيرة وما يسمى بأسباب النزول، إنهم في معركة أحد أهمتهم الغنائم أكثر من اهتمامهم بنصر الرسالة. ولكن قد يحق لنا أن نتساءل ألم يكن هذا نتيجة أن نبيهم جعل الغنائم هدفا أساسيا لغزواته وحروبه، مما جعل أتباعه من الطبيعي أن ينشغلوا بها كقضية مركزية تنافس القضية المركزية الأصلية وهي الانتصار لدين الله حسب عقيدتهم؟
وَلِيَعلَمَ الَّذينَ نافَقوا وَقيلَ لَهُم تَعالَوا قاتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَوِ ادفَعوا قالوا لَو نَعلَمُ قِتالًا لَّاتَّبَعناكُم هُم لِلكُفرِ يَومَئِذٍ أَقرَبُ مِنهُم لِلإيمانِ يَقولونَ بِأَفواهِهِم مّا لَيسَ في قُلوبِهِم وَاللهُ أَعلَمُ بِما يَكتُمونَ (167)
سبق وبينا أن ظاهرة النفاق هي مما شجع عليه نبي الإسلام، فجعل النطق بالشهادتين سببا لحقن دماء الناطق بهما، حتى لو لم يؤمن بذلك حقيقة. فمن الطبيعي أن يكون المتظاهر بالإيمان من غير أن يؤمن حقيقة بما يتظاهر الإيمان به لا يملك دافعا للقتال وتعريض نفسه للخطر من أجل الأمر الذي لم يؤمن به. فمن الطبيعي أنهم «لِلكُفرِ [أي لعدم الإيمان بالإسلام ورسوله] يَومَئِذٍ أَقرَبُ مِنهُم لِلإيمانِ»، ومن الطبيعي أنهم «يَقولونَ بِأَفواهِهِم مّا لَيسَ في قُلوبِهِم»، فهم إما ممارسون للنفاق طمعا في مشاركة المسلمين فيما تأتيهم من منافع مادية، بعدما أصبحوا أقوياء، وإما هم ممارسون للتقية بالتظاهر بالإسلام خوفا من المسلمين ونبيهم وحقنا لدمائهم.
الَّذينَ قالوا لإِخوانِهِم وَقَعَدوا لَو أَطاعونا ما قُتِلوا قُل فَادرَؤوا عَن أَنفُسِكُمُ المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ (168)
وأمر طبيعي أيضا أن الذي لم يؤمن بمحمد لا يرى لا لنفسه ولا لغيره لاسيما للقريبين منه من إخوان وأقرباء وأصدقاء أن يعرضوا حياتهم للهلاك من أجل قضية لم يقتنعوا بها، ولذا عندما يقتل من إخوانهم من نصحوه ولم يسمع لنصيحتهم، ثم تحقق ما خشوه عليه، إذ قتل لأمر هم لا يعتقدون باستحقاق أن يموت الإنسان من أجله. ولكن بلا شك إن من إخوانهم الذين نصحوهم ثم قتلوا، من كان مؤمنا بقضيته ويرى السعادة في الاستشهاد من أجلها. ولكن لو كان يعلم أنها ليست كما اعتقد، أما كان حريصا على حفظ حياته بدلا من التضحية بها من أجل قضية لا تمثل الحقيقة؟ نعم صحيح، كل إنسان معرض لأن يأتيه الموت من حيث لا يحتسب ولا يتوقع، فلا يستطيع درء الموت عن نفسه، ولكن هذا لا يعني أن يعرض الإنسان حياته للخطر وللهلاك، من أجل لا شيء، أو من أجل شيء اعتقد أنه يستحق التضحية من أجله، وما هو مستحقا لذلك.
وَلا تَحسَبَنَّ الَّذينَ قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ أَمواتًا بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ (169) فَرِحينَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِن فَضلِهِ وَيَستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يَلحَقوا بِهِم مِّن خَلفِهِم أَلّا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنونَ (170) يَستَبشِرونَ بِنِعمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضلٍ وَّأَنَّ اللهَ لا يُضيعُ أَجرَ المُؤمِنينَ (171) الَّذينَ استَجابوا للهِ وَالرَّسولِ مِن بَعدِ ما أَصابَهُمُ القَرحُ لِلَّذينَ أَحسَنوا مِنهُم وَاتَّقَوا أَجرٌ عَظيمٌ (172)
بلا شك إن المعنى الوارد في هذه الآيات كان سيكون صحيحا، لو كان الإسلام دين الله حقا، فمن الطبيعي أن من يقتل انتصارا لدين الله وإحقاقا للحق من أجل خير البشرية يستحق كل ما وعده القرآن ومؤلفه به ولكان السابقون يستبشرون باللاحقين، حيث سيصيبهم ذات الثواب والنعيم والسعادة التي ما بعدها من سعادة، لأنهم استجابوا لمن بعثه الله إليهم نبيا رسولا، ولكن ماذا لو تبين أن كل ما جاء في القرآن لا يمثل وحي الله وأن أحكامه ليست أحكام الله وأن القتال والاستشهاد في سبيله ليس قتالا واستشهادا في سبيل الله. صحيح إن العدل الإلهي يوجب إثابة الإنسان على أعماله حسب نيته ومعرفته وعقيدته، ولكن كيف يكون الأمر يا ترى بين فريقين متقاتلتين، كل منهما يرى نفسه جازما أنه على حق؟ فهل يثاب على سبيل المثال الدواعش رغم كل جرائمهم التي تجاوزت في بشاعتها وقسوتها ولاإنسانيتها كل الحدود، لأنهم اعتقدوا جازمين، أنهم إنما يفعلون ذلك في سبيل الله؟ لندع هذه الأسئلة مفتوحة حاليا، دون محاولة البحث عن إجابات.