إشكالية مجهولية المالك بين النص والأجتهاد. ح10


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 7400 - 2022 / 10 / 13 - 00:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

مفهوم الإمامة ج1

تعرف الإمامة وفقا لما وجدناه في المتفق عليه عند عموم الشيعة بكل فرقهم بأنه رئاسة دينية وزمنية منصوص عليها وموصى بها من النبي ومؤكد عليها بالأحاديث والروايات، ويمكن تعريفها بشكل موجز بما يلي (الإمامة زعامة ورئاسة إلهية عامة على جميع الناس، وهي أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلا بالاعتقاد بها، وهي لطف من ألطاف الله تعالى، إذ لا بد أن يكون لكل عصر إماما وهاديا للناس، يخلف النبي ص في وظائفه و مسئولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم و دنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم و صلاحهم، و الإمامة ليست إلا استمراراً لأهداف النبوة ومتابعة لمسؤولياتها، و لا يجوز أن يخلو عصر من العصور من إمام مفترض الطاعة منصوب من قبل الله تعالى، وذلك لقول الله تعالى ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ﴾).
فالإمامة عند معتتقيها بهذا المعنى ليست خيارا وضعيا ولا هي رأي فقهي أو عقائدي يمكن أن يكون مختلفا فيه أو عليه، وما يترتب على الإمامة الظاهرة يترتب أيضا على خلافة الإمامة في زمن الغيبة بنفس القاعدة الحاكمة، دون أن تتدخل الإرادة الوضعية في تحديد نائب الإمام في زمن الغيبة أو الإدعاء بها، طالما أنها كما بقول النص (الإمامة ليست إلا استمراراً لأهداف النبوة ومتابعة لمسؤولياتها)، وبالتالي فنا يترتب للنبوة من حقوق وإلتزامات تثبت للإمام حتى في الوحي المخصوص، وهذا ما لا ينكره غالب فقهاء الشيعة، بل يرتبوا للإمامة منزلة أعظم من النبوة بقولهم، أن إبراهيم ما صار إماما إلا بعد ما صار نبيا، وبالتالي الإمامة الحقيقية هي أعلى درجة حتى من النبوة.
يقول رجل الدين جعفر السبحاني في إحدى دروسه الفقهية عن شرح الإمامة وماهيتها التكوينية بقوله (انّ الشيعة حينما يشترطون أن يكون الإمام منصوباً من قبل اللّه سبحانه فإنّهم يقصدون من ذلك، انّ الإنسان الذي اجتمعت فيه شروط القيادة والإمامة أجمع لابدّ أن يعرّف من قبل اللّه سبحانه وتعالى، وفي الحقيقة يكون التنصيب الإلهي وسيلة لإزاحة الستار وكشف الواقع لا لتعيين ذلك الفرد للخلافة والإمامة، وذلك لأنّ صاحب هذا المقام غير مردّد في الواقع حتى يحتاج إلى تعيين، بل انّ المنصب ملازم لصاحبه الذي توفّرت فيه الشروط فيأتي الوحي الإلهي لإزاحة ستار الجهل عن هذه الحقيقة المخفية)، فعند السبحاني أسوة بكل فقهاء الشيعة أن الإمامة تنصيبه مشائية من الله لا يمكن أن تكون حتى برغبة تبي أو رسول، ولا يمكن للأمة أن تنتخب إمامها إن لم يكن مترشحا ومعينا من الله، وبالتالي كل إدعاء إمامة بلا نص هو إدعاء لا قيمة له ولو أجتمعت المعمورة بكاملها على شخص ليكون إماما..
وعلى أساس هذه النظرية التي يتبناها فقهاء وعقائديوا الشيعة على مر التاريخ يظهر فيها |انّ الإمامة استمرار لوظائف الرسالة وانّ الإمام نسخة أُخرى للنبي باستثناء النبوة والوحي"، وحتى يمارس الإمام دور النبي المخصوص المجرد من الوحي التشريعي تحديدا لابدّ أن يتوفر في الإمام بالإضافة إلى الشروط السابقة شرطان آخران هما:
1. أن يكون أعلم الأُمّة في أُصول وفروع الإسلام، وأن لا يكون علمه مكتسباً من الأفراد العاديين، وذلك لكي يتسنّى له تبيين أُصول وفروع الإسلام وتلبية جميع الاحتياجات العلمية والمعنوية للأُمّة، وأن لا تضطر الأُمّة ـ مع وجوده ـ إلى الاستعانة بشخص آخر غيره.
وبعبارة أُخرى يشترط أن يتوفّر في الإمام العلم الكافي والمعرفة الواسعة بالمعارف الدينية والأُصول الكلّية وفروع الأحكام، لأنّه ما لم تتوفر لديه تلك الإمكانيات الواسعة من العلم لا يستطيع أن يسدّ الفراغ الذي أحدثه غياب الرسول الأكرم في المجتمع.
2. أن يكون الإمام معصوماً من الذنب ومصوناً من ارتكاب الخطأ لأن ما يصدر منه كما يصدر من النبي قول او فعل أو تقرير، ولأن ما يصدر منه لا بد أن تتعبد به الآمه على وجع اللزوم والمتابعة، فأي شك أو خطأ أو سهو يجعل من الحكم الشرعي الصادر من الإمام محل شك وتردد، وبالتالي كل ما هو غير قاطع ويقيني بالكامل غير ملزم التعبد به ما لم يكن معصوما اصلا من الترديد أو الأحتمال أو الشك.
أن دارسي فكرة الإمامة وتاريخها منذ أن ظهرت كحالة مميزة فكرية وسياسية في القرن الثالث الهجري، وبعد تبلور الصراع التاريخي العلوي الأموي، وهو الصراع القريشي بأمتياز على وراثة النبي بين مدرستين متنافستين على القيادة الدينية، وبالتالي الهيمنة على القرار السياسي والديني للأمة، يجد أنها قد خضعت إلى تغيرات عند ما عرفوا لاحقا بطائفة الشيعة التي تبلورت تاريخيا من سلفها "العلويون" حتى قيام وتثبيت الدولة العباسية، فقد تطورت رؤيتهم في ما يتعلق بصفات الإمام ومحاور الإمامة، فقد كانت يُعرف في القرنين الأول والثاني بصفات تختلف عن الصفات التي أخذ يُعرف بها في القرنين الثالث والرابع وما بعدهما، مفهوم الإمام الذي كان سائداً في القرنين الأولين ليس سوى العمل بالقرآن بالإخلاص والدقة ومتابعة الرسول وطاعته حيا وغائبا دون أي أجتهاد أو تأويل أو خروج عن أوليات الإيمان الكامل به نبيا وحاكما، ومنها إقامة الحق والعدل والدين وتهذيب النفس، ومنها أيضا وعلى وجه الخصوص عقل الدراية في قبال عقل الرواية والأفضلية العلمية.
والجدير بالذكر أن الأدبيات العقائدية في القرنين الأوليين من حياة المسلمين لم يكن هناك أي كلام حول النصب الإلهي والنص الشرعي والعصمة وعلم الغيب، كأوصاف للإمام ومحاور الإمامة مثلما نجدها اليوم فيما يعرف بثوابت المذهب، وإن هذه الأوصاف الأربعة إنما طرحت نتيجة التطور في الصراع الفكري والفلسفي وتأثير الثقافة الوافدة من خارج المجتمع العربي تحديدا، لذا نجد أن غالب بل كل متكلمي المذاهب وفقهائهم أعاجم ومستعربين ومتأسلمين، وهم نتاج هذه الوفادة والأختلاط الناتج عن أنتقال مفاهيم وقيم لم يألفها العرب ولم يتكلموا بها من قبل في القرن الثالث والرابع.
نتج عن شروط الإمامة الأربعة التي وضعها المتكلمون الشيعة في القرن الرابع الهجري أثرا عقائديا جديدا، لم يكن مطروقا من قبل لا في عقائد المسلمين عموما ولا في عقائد العلوين قادة وأتباع، فقد أبتدع البعض إلى أن الله تعالى قد فوّض إلى الأئمة من أل محمد ص "خلق العالم وأرزاق الناس وتدبير الكون والدين والشريعة" كجزء من التكريم الخاص والمخصوص لهم من الله لما يتميزوا به من أوصاف فوق البشرية، وقد واجه التفويض في الخلق اعتراض الأئمة وعلماء الشيعة في ذلك الزمان واعتُبر مرفوضاً وإن ترسخت مفاهيمه بالعقلية الشعبية التي تنحاز لكل ما هو طائفي وتعتبر المنزلة في الإمامة منزلة غارقة في الربانية المختارة، أما سائر موارد الغلو فإنها وإن واجهت اعتراضات عدد من العلماء الشيعة، ولكن هناك من العلماء من سعى إلى توجيهها ووجدت طريقها بالتدريج إلى الفكر الشيعي، حتى أصبحت من بديهياته ومسلَّماته.