مناقشة لمناقشة قارئ مسلم عقلاني 2/2


ضياء الشكرجي
الحوار المتمدن - العدد: 7388 - 2022 / 10 / 1 - 11:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

ثم يقول: (ماذا لو) كان القرءان من الله؟ فأقول ثبت لي بما لا يعتريه الشك أبدا، أن القرآن بشري التأليف، وليس وحيا إلهيا، سواء كان الذي ألفه هو محمد وحده، أو شاركه فيه آخرون، ولو من حيث المضمون أحيانا، وليس بالضرورة من حيث الصياغة اللغوية، أو كان القرآن قد جرت عليه تغييرات صغيرة أو ربما كبيرة، أثناء الجمع، وبعد الجمع، كما ذهب إليه الكثير من الباحثين في تاريخ القرآن.
ويقول أيضا: (ماذا لو) كان محمد رسول الله؟ فأقول مع ثبوت أن القرآن ليس وحي الله، بل هو بكل تأكيد وبدون أدنى شك بعد البحث العقلي المستفيض، بشري التأليف، فمن باب الأولى أن يثبت تلازما مع ذلك أن محمدا ليس رسول الله.
ويساءل: ما هو موقفي الفردي يوم القيامة مع هذه الاحتمالات؟ هنا أقول حتى لو افترضنا على قاعدة فرض المحال ليس بمحال أن الإسلام دين الله، وأن القرآن كتاب الله، وأن محمدا رسول الله، يمتنع على العدل المطلق لله أن يعاقب إنسانا لم يستطع أن يقتنع بهذه الحقيقة (المفترضة)، دون أن يكون عدم اقتناعه من قبيل المكابرة أو المعاندة أو اتباع الهوى، بل لنفترض لقصور عنده، وبالتالي يكون عدم القدرة على الاقتناع بشيء، وكذلك الاقتناع بنفس الشيء أو بغيره، صحيحا كان أو خطأ، أمرا غير اختياري، والله يتعالى عن أن يعاقب على أمر غير اختياري.
ثم يقول: خاصة وإنه سبحانه قال لا توجد هناك - يوم القيامة - فرصة للرجوع chance is over، الخالق سيقول لي إنه يعلم الحقيقة المطلقة علما حضوريا، وإنه أراد امتحاني أنا الإنسان، هل أؤمن به، أم أكفر؟ والجزاء على الإيمان هو الخلود الأبدي في الجنة [وبالتالي - أقول - يكون الجزاء على عدم الإيمان الخلود الأبدي في نار جهنم]، لأني آمنت بغيب مجهول. علما إن ذلك الغيب المجهول لم يطلب مني المستحيل، إنه لم يطلب مني إلا الخير والإحسان والرحمة والقسط، إنه باختصار لم يطلب سوى الإيمان والشكر (قل ما يفعل الله بعذابكم ان آمنتم وشكرتم؟). فأقول للأخ المسلم المحاور من يقول إن هناك يوم قيامة؟ فالذي أؤمن به أنا مثلا وبالدليل العقلي، هو وجود ثمة حياة أخرى بعد هذه الحياة، لا نعرف أي شيء عن طبيعتها وكيفيتها، والإيمان بوجود هذه الحياة إجمالا، جاء بالنسبة لي بسبب الإيمان بالكمال المطلق لله، بما فيه العدل المطلق، وبما أن العدل غير متحقق في هذه الحياة، وجب تحققه في تلك الحياة، التي، كما قلت، لا نعرف أي شيء عنها. ثم العقل ينفي كليا أن الثواب والعقاب يكون على الإيمان وعدم الإيمان، كونهما غير اختيارين، كما مر ذكره، بل الثواب يكون بمقدار ما استطاع الإنسان أن يحقق من استقامته وصلاحه وإنسانيته، أو كحد أدنى، بمقدار ما تجنب الإنسان الظلم والعدوان، فالله بعدله وحلمه ورحمته يحب ويثيب الملحد واللاأدري والمؤمن اللاديني والمؤمن الديني، بقطع النظر عن دينه الذي يؤمن به، إذا كان صالحا وإنسانيا ومستقيما.
ثم يقول: حذفتُ كل الموروث الروائي والتفسيري جملة وتفصيلا من عقيدتي الدينية. فأقول هكذا فعلت أنا أيضا، حتى في العقد الأخير من إيماني بالإسلام، والتزامي الدقيق بحلاله وحرامه، حيث اعتمدت القرآن كنص إلهي مفترض، والعقل كطريقة فهم للدين عبر القرآن، فبالعقل حاكمت القرآن ووصلت إلى القطع بعدم إلهيته، بعد ثلاثين سنة مؤمنا بالإسلام، ملتزما ومحاضرا ودارسا ومدرِّسا.
وبعدها يقول: طبقتُ نظرية (القرءان يفسر بعضه) في محاولة فهمه. وأقول هذا ما فعلته لعشرين سنة من الثلاثين سنة كمؤمن بالإسلام، عندما كنت مؤمنا بإلهية القرآن، مستخدما منهج تأصيل مرجعية العقل، ثم منذ 2007 كإلهي عقلي لاديني.
ثم يقول: طبقتُ نظرية أن لا ترادف في القرءان. فأقول بل القرآن أقر أنه (نزل) عربيا، وبالتالي ينطبق على لغته كل ما ينطبق على الكلام العربي من مترادفات ومشتركات لفظية، ومعانِيَ حقيقية وأخرى مجازية، وإلى غير ذلك.
وبعدها يقول: طبقتُ نظرية أن النسخ (بكل معانيه - الحذف، الاستبدال، الإلغاء) يستحيل أن يكون في نفس الرسالة الواحدة، إنما هو ممكن بين الرسالات. فأقول عندما كنت مسلما، ومنذ أصبحت أعتمد منهج تأصيل مرجعية العقل، كنت أقول أيضا بامتناع حصول النسخ من قبل الله، بحيث كأنه يقرر شيئا، ثم يتبادر إلى ذهنه ما يجعله يعيد النظر فيه، فهذا محال على الله الحقيقي، لكنه ليس محالا على صورة الله التي رسمتها مخيلة مؤلف القرآن، الذي هو الذي تبادر إلى ذهنه بين حين وآخر إلى ما يجعله يعيد النظر فيه، فنسب النسخ إلى الله، ولم يكن إلا نسخه هو، أي نسخ محمد لاحقا لما ألفه سابقا.
ثم يتكلم عما اكتشفه من الكثير الكثير، وقال إن مما اكتشفه الآتي:
فيقول: إن المذاهب (في وادٍ) والقرءان ( في وادٍ آخر). وإن المذاهب و التفاسير ليست سوى صراعات سياسية محضة. وهنا أهنئه على التحرر من التمذهب، وأقول شخصيا في السنوات الأخيرة من إيماني بالإسلام تركت المذاهب، وتركت الفقهاء والمفسرين، وكونت فهمي الخاص للإسلام، كان إسلاما عقليا غير متمذهب.
ويقول: بل اكتشفتُ إن المذاهب (من المحرمات المذكورة في القرءان) حسب سياق الآيات التي عددت المحرمات، إلى أن قالت (وإن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله). وهنا أختلف معه، إلا إذا كان الإسلام فعلا دين الله، مما ثبت لي استحالته، لكن بما أن القرآن حمّال أوجه، وفيه المحكمات والمتشتابهات، بل فيه الكثير الكثير من المبهمات، لا يملك المهتمون بالإسلام من الذين يُسمَّون برجال الدين، من فقهاء ومفسرين ومفكرين، إلا أن يجتهدوا، والاجتهاد بما أنه يجري على أيدي بشر، وبما أن فهم ومعارف الإنسان نسبية، وتحتمل الصواب والخطأ، كان من الطبيعي أن تتولد مذاهب ومدارس ونظريات واجتهادات، اختلفت إلى درجة اختلاف الأديان المختلفة عن بعضها البعض في كثير من الأحيان، وبلغ الاختلاف في كثير من الأحيان درجة جعلت البعض يكفّر البعض الآخر، ويستبيح دماءه داخل الدين الواحد، وهذا ما حصل بين المسيحيين بعضهم البعض وبين المسلمين بعضهم البعض.
ثم يقول: وإنه سبحانه برأ رسوله محمدا من تلك المذاهب (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء - هل هم من أهل النار يا رب؟ - إنما أمرهم إلى الله - ماذا سيكون جزاؤهم يارب؟ - من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها. وأن لا عصمة للأنبياء وإنما العصمة للرسل. وأن لا مقدس إلا الله وما أضفى هو سبحانه عليه صفة التقديس. فأقول حقا من جاء بالحسنة فله من الله عشر أمثالها بل أضعاف أضعاف ذلك، مسلما كان، أو مسيحيا، أو يهوديا، أو بهائيا، أو مندائيا، أو إيزيديا، أو بوذيا، أو هندوسيا، أو مؤمنا لادينيا، أو ملحدا، أو لاأدريا. وكذلك من جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها، والظالم يجزى على ظلمه، حتى لو كان قد قضى عمره يقيم ليله ويصوم نهاره.