خنزيرة لندن تستقيل


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7343 - 2022 / 8 / 17 - 23:53
المحور: الادب والفن     

كان يا ما كان ، في قديم الحاضر من الأماكن و الزمان ، بستان ولد الخايبة الشجعان ، الزاهرة الأفنان و الوارفة الشطآن ، والتي سلطت تنانين الشمال علي أهلها قطيع الفئران الذي ما لبث و أن أغراه التفرد بدسامة نِعَم البستان الوفيرة على إعلان العصيان على أولياء نعمته ومن ثم العدوان على كلباته الشيقات اللبقات من حاكمات بساتين الجيران .
اجتمعت تنانين الشمال لتدارك عدوان الفئران المارقة ، و منع الأوضاع من الفَلَتان تفادياً للخسران .
- لقد أخطأنا بتسليطنا فئران الجرايا على مقدرات البستان .
- كلا ، لم نخطئ ، فقد نفذت فئراننا تلك واجباتها على خير ما يرام في ابادة وتهجير طيور البستان الشديدة الخطورة و البأس طوال أربعين من السنوات !
- و لكننا سمَّنّاها أكثر مما يجب ، فراحت تهدد مستقبل كل كلباتنا الشبقات اللبقات المُنصَّبات بمعرفتنا على مقادير البساتين المجاورة .
- ذلك هو اغراء السلطان !
- لعنة الله على الشيطان !
- ما العمل ؟
- الوضع خطير !
- نعاقبهم بعقاب الشيطان !
- نعم ، نطردهم من البستان شر طردة !
- ونستبدلهم بخنازير ذلك البستان الدايحة عندنا هنا في لندن الآن !
- ولكنها خنازير وحشية لا تعرف سوى ملء الكروش و السفاح ، و لا تشبع أبداً لا من هذا و لا ذاك !
- نعم ، أنها تعبد العلف الأخضر و السفاح و النطاح و اللقاح عبادة كبرى !
- لقد آن الأوان لكي نسرجها و نلجمها و نصدّرها للإنفلاش !
- أحسنت ! نِعْمَ الحكام المستوردين !
- ألا يمكن أن تنطحنا هذه الخنازير الوحشية من الخلف مثلما فعلت فئران الجرايا المارقة ؟
- قطعاً لا !
- وما الذي يجعلك واثقاً كل الثقة من طاعتها لنا ؟
- لأن صُررها النفيسة كلها ستبقى مربوطة هنا بالحفظ و الصون !
- نِعْمَ الرأي !
وهكذا كان !
في عام 2003 قبل الميلاد ، خلعت تنانين الشمال الحادة الأسنان حكامها من فئران الجرايا المارقة ، و نصبت بدلهم على البستان عصابتها من خنازير لندن الوحشية التي تأبى الانقراض مثل غيرها من دينصورات آخر الأزمان لكونها عديمة الغيرة و الوجدان وذلك بفضل استثمارها لقانون : لو خُليَت من الخنازير ، لقُلِبَت . و هكذا فقد أوكلت تنانين الشمال – مع حليفها تنين الشرق – بخنازير لندن الوحشية هذه مهمة تمزيق و تدمير ونهب ثروات البستان حتى لا تقوم لأهلها قائمة فيستريح قوَّادها من كلبات الجيران .
عاثت وحوش لندن فساداً في البستان طوال جيل من الزمان ، فثارت ثائرة أهلها في انتفاضة شبان تشرين الشجعان ، فاجتمعت تنانين الشمال مرة أخرى .
- لقد أخطأنا بتسليطنا خنازيرنا الوحشية الدايحة في لندن على مقدرات البستان .
- نعم ، فقد أكلت الأخضر و اليابس ، وثارت ثائرة الشباب .
- لنسلّط علي أهلها احتياطنا من الكلاب المحلية !
- كلا ، لم نخطئ ، فقد نفذت خنازيرنا هذه واجباتها على خير ما يرام في سلب ونهب وتدمير البستان طوال خمس عشرة من السنوات !
- و لكننا سمَّنّاها أكثر مما يجب ، فراحت تهدد حياة و مستقبل كل أهل البستان المنكودين بها ، فثارت ثائرة الشجعان .
- ذلك هو اغراء السلطان !
- لعنة الله على الشيطان !
- ما العمل ؟
- الوضع خطير !
- نعاقبهم بعقاب الشيطان !
- نعم ، نطردهم من البستان شر طردة !
- نعم ، فقد زرعنا بينهم الآن خنازير محلية تازة منتازة ، وهي مدججة بكل أنواع السلاح ، وتقف على أهبة الاستعداد لإشعال الحرب الأهلية الرهيبة ، و لا تنتظر سوى أول اشارة منا لثعولة عمليات الطبر و الهبر و الشوي و الطوي واللوي والدوي والكوي .
- اشتدًي حرباً ، تنفرجي !
- يريدون نيران الحرب ، فلنشعلهم بها على قدم وساق !
- وما يدريك ان النيران لن تنتشر لبساتين كلباتنا المستقرة في البساتين المجاورة ؟
- كلا ، كلا ! لنمهلهم الى حين احتراق اوراقهم ، فنستبدل خنازير لندن القديمة بخنازير لندن الاحتياط .
- نعم ، فلدينا منهم ما يكفي و أكثر !
- أهم شيء هو أن نضمن استلام خنزيرتنا الاحتياط اياها مقدرات ناعور البستان .
- أحسنتم ! نِعْمَ الاختيار .
وهكذا كان !
استلمت خنازير لندن الاحتياط مقاليد البستان ، كما استلمت خنزيرة لندن ناعور سحب الماء من النهر للبستان . فعمدت على ادارة الناعور بالعكس ، وراحت تسحب المياه و الاطيان من جداول البستان و تلقيها في النهر لقاء عمولات من كلبات بساتين الجيران ، فيبس الزرع الضرع ، و ثارت ثائرة الناس ، و طالبوا بمحاسبة خنزيرة الناعور عن جرائمها بحقهم فوراً و بمعاقبتها شر العقاب .
عندما جرت مساءلة خنزيرة لندن عن التصحر الرهيب الحاصل في البستان جراء جريمتها النكراء، غنت لهم أغنية :
انما الخنزير من يقول كان أبي ، و ليس الخنزير من يقول ذا أنا .
و ذلك على مقام البنجگاه .
ثم شرحت للثوار الفائرين بكل رقة و هدوء نظريتها العبقرية حول ضرورة تحويل سير تدفق المياه بالعكس من جداول البستان للنهر لاستنفار وتعويد المنتجين على الجد و الاجتهاد في حفر الآبار بدلا من سحب مياه النهر المتدفقة حسب نظرية من جدَّ وَجَد و الأجر على قدر المشقة ، و هذا ما سيؤدي إلى زيادة الانتاجية المحلية من حلويات ودهين الخاصكي ، و رفع القوة التنافسية لگرگري و خرّيط البستان في الاسواق العالمية ، مع الحفاظ على البيئة حسب احدث و أروع النظريات الاقتصادية اللندنية المجربة و التي لا تعرف الخطأ ! كما أكدت لهم بأن من شأن ذلك أن يُحسِّن العلاقات مع كلبات الجيران الشبقات اللبقات المستعدات لتقديم القروض و المساعدات و الاستثمارات للاستخراءات بغير حساب !
أكبَرت تنانين الشمال - ومعها حليفها تنين الشرق - مدى خطورة نظريات خنزيرة لندن الاحتياط هذه ، و اكتشفت أهميتها الخطيرة لإدارة المهمات الأصعب و درء الأخطار الجسيمة المحيقة بمصالحها الستراتيجية في قابل الأيام لا محال . لذا ، فقد أمرت خنزيرتها هذه بتقديم استقالتها مؤقتا للالتحاق بخنزيرات لندن من الاحتياط الستراتيجي ، لحين تأميرها من جديد على كل مقدرات البستان .
وهكذا كان !