الحرب وسيادة الأوطان.


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 7333 - 2022 / 8 / 7 - 14:06
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

.

يعيش العالم حالة اضطراب واسعة وتهب رياح الحرب في قارات مختلفة ويخيم شبح الصدمة النووية حتى أن الأمين العام للأمم المتحدة لم يتردد في القول إن بيننا وبين الكارثة النووية مسافة قصيرة، وتدوي المدافع في أوكرانيا ويتردد صداها في أوربا قاطبة وتوشك آسيا ان تعرف المصير نفسه فطبول الحرب تقرع الآن بقوة في تايوان وما حولها ، و توصي هيئة الأركان الصينية جنودها بالاستعداد للحرب، أما افريقيا فإنها غارقة منذ عقود في حروبها الصغيرة ، ولا يختلف الأمر كثيرا في أمريكا اللاتينية .وتتهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي خاصة بزرع الاضطراب في عدد من المناطق حفاظا على تفوقهما وإغراق قوى دولية صاعدة مثل روسيا والصين في حروب هجينة من شأنها تعطيل ذلك الصعود .
ولا يخفى أن الحرب قديمة فتاريخها من تاريخ انقسام البشر الى مجموعات متناحرة اقتصاديا واجتماعيا فعندما تصل التناقضات الى أوج حدتها وتعجز السياسة عن حلها تتكلم المدافع، لذلك نُظر اليها باعتبارها امتدادا للسياسة ولكن بوسائل أخرى، وما لا تقدر مجموعة ما على تحقيقه بالسياسة تحاول تحقيقه بالحرب فالسياسة حرب باردة بينما الحرب سياسة ساخنة.
وتبرز الحرب باعتبارها وحشا يتغذى من دماء البشر، وتبدو البشرية كما لو كانت محكومة بمصير محتوم يفرض عليها تقديم ملايين الضحايا قبل أن تنعم بالسلم الأبدي، هذا إن لم يكن الفناء هو ذاك المصير نفسه، جراء تطور أسلحة الدمار التي يمكنها إخلاء الأرض من الحياة.
والحرب يمكن أن تكون جائرة ، كما يمكن أن تكون عادلة ، فعندما يهب شعب مستعمر الى البنادق من أجل تحرره فإن حربه عادلة ، وعندما تقوم دولة استعمارية بإخضاع غيرها بقوة البنادق فإن حربها جائرة ، وما يصح على الدول يصح على الطبقات أيضا ، ويصل الأمر حد القول إنه لا يمكن القضاء على الحرب الا بالحرب نفسها ، وإنه اذا أردنا منع الحرب ينبغي الاستعداد لها ، بما يعنيه ذلك من أهمية الردع المتبادل بين الدول وخاصة الردع النووي في عصرنا ،غير أن ذلك الردع لا يمكن ضمان ديمومته فقد تفقد قوة جبارة ما عقلها فتكون الكارثة .
وفي خضم ذلك تنظر بعض الدول الى غيرها على أنها خدم لها، لذلك لا تعير اهتماما لسيادتها وحريتها في تقرير مصيرها وصيانة استقلالها، فتتدخل في شؤونها وتخضعها لرغباتها تحقيقا لمصالحها، وهي مستعدة لأجل ذلك الى حبك المؤامرات ضدها وانهاكها اقتصاديا وتفجيرها من داخلها بتحريك أعوانها المحليين.
وتجد تونس نفسها مهددة في قلب حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي التي عليها عالمنا، بالنظر الى عوامل كثيرة، منها موقعها الاستراتيجي وأوضاعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الهشة، لذلك تتركز عليها الأطماع الخارجية، وهذا ما يفسر التصريحات المتواترة بشأنها من قبل بعض القوى العظمى، وهو ما استدعى مرارا تنبيهها الى سوء صنيعها، ولم يكن ذلك مقتصرا على السلطة السياسية، وإنما انخرط فيه أيضا طيف من المنظمات والأحزاب والجمعيات الوطنية التي أشعلت الأضواء الحمراء في وجه التدخل الخارجي.
وهناك احتمال تحول تلك التصريحات الى وقائع، في ظل وجود قوى محلية لا ترى حرجا في الاستنجاد بالخارج للتأثير في الداخل، بعد الفشل في حشد الشعب وراءها، والهدف هو قطع الطريق على مسار 25 جويلية ، حتى لا يدرك نهايته مع الانتخابات القادمة ببروز مؤسسات حكم جديدة مهد لها الاستفتاء الأخير.
وهذا معناه أن تونس الجديدة لا تقلق القوى المحلية وحدها ،وإنما تلك القوى الخارجية أيضا التي اعتبرت تونس على مدى عقود حديقة خلفية لها، وهي التي لا تخفي غضبها من عدم انخراطها عربيا في اتفاقيات السلام الابراهيمي وقربها من المحور العربي المعادي لها، فضلا عن كونها تمني النفس باستعمالها عالميا في حل تناقضها مع المحور الروسي الصيني، لذلك من المرجح ازدياد ضغوطها وتهديداتها ، غير أنها تغامر بتقوية السلطة عوض اضعافها من خلال اتحاد الشعب حولها في جبهة واسعة تحت شعار كبير عنوانه السيادة الوطنية .