في الطريق إلى الثمانين … السعادةُ اختيارٌ


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7315 - 2022 / 7 / 20 - 11:39
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تحت هاتشتاج #HappinessIsAChoice على أحد المواقع وجدتُ هذه الإشراقات ففكرتُ أن أترجمَها لكم؛ لما فيها من تجاربَ مفيدة لكل من يسير نحو الثمانين. “سألتُ صديقًا تخطّى السبعين عن التحولات التي يشعرُ بها في طريق الثمانين، فأرسل لي هذه السطور المشوّقة.
بعدما أحببتُ أمي وأبي، أشقائي، ثم أطفالي وأحفادي، وبالطبع أصدقائي، الآن بدأتُ أتعلم أن أحبَّ نفسي. أدركتُ أخيرًا أنني لستُ "أطلس"، والعالمُ لا يستندُ على كتفيّ. الآن، توقفتُ عن مفاصلة بائعي الفاكهة والخضراوات. بضعة قروش أكثر أو أقل لن تحرق جيبي، لكنها قد تساعد إنسانًا في سداد مصاريف مدرسة ابنته. الآن أمنحُ نادلة المطعم بقشيشًا إضافيًّا. حفنةٌ من المال قد ترسم الابتسامة على وجهها، بعد كدح اليوم لتؤمن حياتها؛ هي تحتاج إلى المال أكثر مني. الآن توقفتُ عن إخبار كبار السن بأنهم قد قَصّوا الحكاية نفسها من قبل مراتٍ ومرات. فتلك الحكايات التي يعيدون سردها تجعلهم يعودون إلى ذكرياتهم ويوقظون الماضي من رقاده. تعلمتُ التوقف عن انتقاد الناس طوال الوقت. فعبء جعل الناس كاملين ليس دوري في الحياة. السلامُ النفسي أثمنُ وأهمُّ من الكمال. تعلمتُ أن أبتعد عن الناس الذين لا يقدّرونني. فربما هم لا يعرفون قيمتي، لكنني أعرف. تعلمتُ أن أمنح المجاملات مجانًا، وبكرم. المديح والثناء من أكثر مُحفزات ضبط المِزاج، ليس فقط لمن أقدم له الثناء، بل لي أنا. وبعض كلمات الثناء لا تخيب، تذكر أن تقول دائمًا: “أشكرك". في هذه المرحلة من العمر، تعلمتُ ألا أنزعج كثيرًا من كرمشةٍ في قميصي أو بقعة في الكرافات. الشخصية تتكلم بصوت أعلى كثيرًا من المظهر. اليومَ تعلمتُ أن أبقى هادئًا حين يحاولُ أحدُهم أن يغشَّ ليسبقني في "سباق الفئران" المحموم. فأنا لستُ فأرًا، ولم أعد في سباق. اليومَ لا أخجلُ من مشاعري. فتلك المشاعرُ هي التي جعلتني إنسانًا. تعلمتُ اليوم أن أُسقط الأنا والغرور في مقابل ألا أكسرَ علاقة أو صداقة. فالأنا والغرور والتكبر والذاتية قد تجعلني وحيدًا معزولا، بينما مع الصداقات أحتمي من غول الوحدة. تعلمتُ وأنا في طريقي إلى الثمانين أن أعيشَ كلَّ يوم كأنما هو الأخير، فقد يكون الأخير فعلا. اليومَ أفعلُ كل ما يجعلني سعيدًا. فأنا المسؤولُ عن سعادتي، وأنا مَدينٌ لنفسي بالسعادة. بوسع الإنسان أن يكون سعيدًا متى شاء. فقط عليه أن يقرّر ويختار أن يكون سعيدًا.
***
انتهت كلماتُ الرجلُ، وأعودُ إليكم. بالتأكيد أتفق مع كثير مما قاله السائرُ نحو الثمانين، وأختلفُ مع بعضها. ولستُ موقنةً من ثباتي على ذاك الاختلاف حين أصلُ إلى محطته، إن كتبَ اللهُ لي عمرًا، أم يتحولُ الاختلافُ إلى اتفاق. لكنني واثقة أن كثيرًا مما ذكره الرجل علينا أن نصنعه في كل عمر دون الانتظار إلى الجنوح نحو الثمانين والتسعين من أعمارنا. وأُضيفُ على ما سبق أن علينا أن نقدّم الحبَّ لكل الناس كلَّ يوم من أعمارنا. الحبُّ دون قيد أو شرط. الحُبُّ دون مصلحة ودون تمييز طبقي أو عِرقي أو طائفي. فالحبُّ دائرةٌ لا تنقطع. إن أحببتَ خلقَ اللِه سوف يحبُّك اللهُ ويُلقي الحبَّ في قلوب الناس نحوك؛ فيحبونك بدورهم. علينا أن نُسعد خلق الله حتى يمنحنا الخالقُ السعادةَ بالمقابل. اجعل أحدَ أهداف يومك أن تُسعد إنسانًا، ولو بابتسامة صغيرة لشخص قابلته في الطريق ولن تراه ثانية. ابتسم له دون سبب ودون انتظار المقابل. فقد ورد في الحديث الشريف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “لا تُحقرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق.” أي وجه بشوش مبتسم وديع. كُفّ عن التجهم والغلاظة في التعامل. وتذكر أيها المصريُّ سليلَ أعظم حضارات الأرض أن أحدَ تعريفات الحضارة: أنها رِقّةُ التعامل مع الآخر. لهذا من الجميل أن نتذكر وصايا الجد المصري القديم التي سطرها في قانون "ماعت": فنكون عينًًا للأعمى، وساقًا للكسيح، ويدًا للمشلول، وأبًا لليتيم. وألا نتسبب في دموع إنسان، أو عذاب حيوان، أو شقاء نبات بأن ننسى أن نسقيه، وغيرها من الوصايا الأربع والثمانين التي علينا أن نعرفها ونمارسها. في كل يوم من أيام أعمارنا، علينا أن نذوب عشقًا في الله تعالى ونشكره على عطاياه الثمينة. فكلُّ شعيرةٍ دموية وكلُّ خليةٍ وكلُّ قطرةِ دماءٍ في شرايينا معجزةٌ هائلة لا تصنعُها مصانعُ الدنيا، منحها الُله لنا هديةً لنبصر ونسمع ونشعر ونتحرك ونشكره تعالى كما يليقُ بعليائه وجلال وجهه الكريم.

***