حول زيارة بايدن الى الشرق الأوسط!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7313 - 2022 / 7 / 18 - 04:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

قام الرئيس الأمريكي بزيارة الى الشرق الأوسط في الفترة بين 13-16 من شهر تموز الجاري شملت إسرائيل والضفة الغربية والسعودية حيث حضر بايدن في السعودية قمة مجلس التعاون الخليجي وبمشاركة من مصر والأردن والعراق. استغرقت زيارته الى السعودية يومين، خصص اليوم الأول للعلاقات الثنائية بين أمريكا والسعودية في حين خصص اليوم الثاني لحضور اجتماع مجلس التعاون الخليجي.



تأتي زيارة بايدن الى الشرق الأوسط في ظل أجواء خاصة تتصف باشتداد الصراع بين الغرب وبين القطب المتمحور حول الصين وروسيا وهو صراع بعيد عن الحسم، بل لم يصل الى المطاف الأخير وفي وسط سيادة ميل يشهد تراجع تدريجي، ولكن واضح في مكانة أمريكا عالميا وفي ظل سعي أمريكا لتقليص دورها وتدخلها المباشر في الشرق الأوسط والتركز على المحيط الهادي أي مواجهة الصين. ان تراجع مكانة أمريكا لا يعني بانها ليس القوى العظمى، بل يعني ان لها اليوم منافس جدي متمثل بالصين ولم يعد بإمكانها اخضاع الكثير من الدول لسياساتها مثلما كان الوضع في العقدين الاولين بعد الحرب الباردة.



رغم ان إدارة بايدن تود ان تحقق انجاز في مجال السياسة الخارجية قبل الانتخابات النصفية في شهر تشرين الثاني، الا ان التوقعات سواءً في أمريكا او منطقة الشرق الاوسط من هذه القمة هي قليلة وسوف لن تجني إدارة بايدن المزيد من هذه الزيارة. السبب الأساسي هو بالإضافة الى نيتها التركيز على المحيط الهادي، ان أمريكا نفسها تواجه أزمات وتناقضات عميقة جدا مما يجعلها عاجزة عن التدخل بشكل فعال في المنطقة وتجعل سياستها الخارجية في تخبط. أمريكا اليوم مشغولة بالمشاكل الداخلية وبأكثر من صراع دولي في ان واحد. وليس بمقدور الإدارات الامريكية وخاصة الإدارة الحالية من تقديم حلول لأي مشكلة من المشاكل الاساسية التي تواجه الأمريكيين. وليس لإدارة بايدن أي شيء تتباهى به سواءً داخل أمريكا او على مستوى السياسة الخارجية مما يضعف نفوذها واعتبارها. كما ان إدارة بايدن حتى بالمقارنة مع إدارة ترامب تفتقد الى رؤية وسياسة خارجية واضحة، بل ان سياستها الخارجية تتسم بالغموض لدى الحلفاء والاعداء. لا يمكن لإدارة بايدن من تغطية تخبطها. فالإدارة الامريكية تود ان تعطي انطباع بانها سوف لا تنسحب من منطقة الشرق الأوسط، في حين تؤكد بانها لا تعتزم التعهد بحماية امن دول الخليج وليس لها القدرة على ارسال قوات او معدات إضافية الى المنطقة. وبايدن نفسه الذي قال للصحفيين الشهر الماضي بانه لن يلتقي محمد بن سلمان وهو من تعهد خلال الحملة الرئاسية في 2020 بجعل السعودية “ منبوذة" بسبب اغتيال خاشقجي، وبعد ان تعهد بسلوك "سياسة خارجية تستند على حقوق الانسان" يضطر للسفر الى السعودية والتودد الى نظامها وغض النظر عن القمع التي تمارسه. كما تقوم الإدارة الامريكية، بالتغطية على جريمة اسرائيل في اغتيال الصحفية شرين أبو عاقلة. ويقوم بايدن بهذه الزيارة في حين ان اهم قضية في المنطقة، أي القضية الفلسطينية تبقى مؤجلة، بل يتم العبور فوقها من خلال بناء التعاون بين الدول العربية وإسرائيل بغض النظر عن تصرفات إسرائيل تجاه الفلسطينيين من توسيع للمستوطنات والقمع الذي تمارسه وهو صلب معاهدة ابراهيم. ولاتزال الإدارة الامريكية تسعى الى احياء الاتفاق النووي الإيراني، في حين ان إسرائيل والسعودية والامارات هي ضد هذا الاتفاق وفي الوقت الذي يجعل التحالف الذي تسعى الى بلورته في الشرق الأوسط، المنطقة اقل استقرارا، ويقلل من فرص نجاح الاتفاق النووي الإيراني.



رغم ان الاهداف المعلنة من الزيارة هي حث السعودية على زيادة انتاج النفط وضمنان الطاقة والامن الغذائي العالمي وتوسيع التعاون الاقتصادي من خلال مشاريع بنى تحتية جديدة ومبادرات لمواجهة التحديات البيئية وإعلان تحالف يشمل الدول العربية وإسرائيل لردع ايران، ودمج إسرائيل في المنطقة، لكن السبب الرئيسي وغير المعلن هو منع الدول العربية بما فيها السعودية والامارات العربية من الالتحاق بالطرف الاخر أي روسيا والصين. فهناك مؤشرات قوية في هذا الصدد اذ امتنعت هذه الدول في المشاركة على فرض الحصار على روسيا او حتى التنديد بتدخلها في اوكرانيا. وهناك اخبار عن نية السعودية الى جانب عدد كبير من الدول مثل المكسيك واندونيسيا وتركيا ومصر وبنغلادش وغيرها الالتحاق بمنظمة بريكس، ونيتها بيع النفط للصين مقابل العملة الصينية، اليوان مما سيعتبر ضربة لمكانة الدولار على المدى الطويل. بل ان السعودية تقوم الى حد ما بالتواصل مع إيران دون اللجوء الى أمريكا. هذا لا يعني بان دول المنطقة سوق تتخلى عن أمريكيا، بل لا تريد معاداة القطب المقابل وهو قطب صاعد.



الكل يعرف بما فيهم الإدارة الامريكية بان ليس بمقدور السعودية، رغم موافقتها على زيادة طفيفة في انتاج النفط بدءً من شهر أيلول، التأثير بشكل كبير على أسعار النفط العالمية ومعدلات التضخم. وتؤكد اغلب المصادر بان السعودية والامارات العربية قد وصلت تقريبا الى الحد الأقصى للإنتاج، كما ليس بمقدورها التصرف بشكل فردي ومستقل عن منظمة اوبيك. وهناك طرق اكثر فعالية مثل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني ورفع الحصار على ايران او رفع الحصار عن فنزويلا لزيادة الإنتاج العالمي من النفط. من جهة أخرى، بالرغم من انه قد يتم الإعلان خلال هذه الزيارة او بعدها عن إنجازات تجاه خلق تحالف استراتيجي بين الدول العربية وإسرائيل في مجال الدفاع الجوي وتبادل الاستخبارات والميدان الاقتصادي، ودمج إسرائيل في التركيب الاقتصادي والسياسي والعسكري في المنطقة، الا الدافع الى هذا التحالف هو ليس أمريكا، بل حاجات هذه الدول وان أي اعلان في هذا المجال لا يتجاوز الكشف عن ما يحدث فعلا بشكل سري.



ان مكانة امريكا لم تتزعزع في نظر اعدائها فحسب، بل حتى في نظر حلفائها مثل إسرائيل والسعودية ودول الخليج الاخرى. إذا ليس بمقدورها ان يكون لها دور حاسم في قضايا المنطقة. فمثلا، لسبب او لآخر، لم يعد بإمكانها التعهد بضمان امن السعودية ودول الخليج. من الناحية الاقتصادية، لأغلب دول المنطقة روابط اقتصادية مهمة مع الصين وروسيا، فالصين هي أكبر سوق للنفط والطاقة في العالم وهي بضاعة تنتجها دول المنطقة ولهذا فضلت السعودية مثلا بناء مصفى لتكرير النفط في الصين بدلا من أمريكا رغم طلب السلطات الامريكية من السعودية للقيام بمثل هذا الاستثمار في امريكا. كما لا يمكن التخلي عن دور روسيا في تامين الغذاء وخاصة القمح لدول المنقطة وخاصة ان منطقة الشرق الأوسط هو من بين أكثر المناطق تضررا بالتغير المناخي عالميا. ولقد وجدت هذه الدول، كيف ان الأسواق الصينية والهندية كانت قادرة على تعويض عن الأسواق الغربية بالنسبة للغاز والنفط والفحم الروسي. كما لم يعد بإمكان الكثير من الدول والانظمة الوثوق بأمريكا كحليف وخاصة في ظل الاختلافات في السياسة الخارجية بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. تجد أمريكا، لهذا الأسباب بان هذه الدول تخرج الى حد ما من دائرة نفوذها. ان الزيارة الحالية هي بشكل خاص من اجل منع او ابطاء هذا المسار، ولكن ليس هناك أي دليل بانها ستتمكن من تحقيق الكثير.



يحاول جناح رئيس الوزراء العراقي الموالي لأمريكا والدول العربية الاستفادة من هذه القمة من اجل تقوية مكانته في مواجهة التيار الولائي الموالي لإيران من خلال تقليل اعتماد العراق على إيران والاستفادة من الصراع بين دول المنطقة مع نظام الجمهورية الاسلامية. فمثلا تم التوقيع على ربط شبكة الكهرباء العراقية بشبكة كهرباء مجلس التعاون الخليجي وقد يتم الاتفاق على مشاريع أخرى محدودة، ولكن الذي يجنيه هذا التيار من القمة ومن زيارة بايدن هو محدود، نتيجة ضعف مكانة التيار الذي يمثله الكاظمي داخليا، كما ان العراق لأسباب كثيرة لا يتمتع بالمكانة الذي كان يتمتع بها في المنطقة سابقا. يجب ان لا تعقد جماهير العراق الآمال على زيارة بايدن او مشاركة الكاظمي في اجتماع مجلس التعاون. لقد بينت الاحداث الواقعية بان تقليص الدور الرجعي للجمهورية الإسلامية مثلا سوف يحدث بشكل خاص على يد قوى تقدمية مثل انتفاضة أكتوبر. على جماهير العراق فصل صفوفها عن كل من التيار الولائي والتيار الذي يمثله الكاظمي وفرض التراجع عليها.