التحليل النفسي وتطبيقاته المعرفية 19


طلال الربيعي
الحوار المتمدن - العدد: 7289 - 2022 / 6 / 24 - 22:56
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

فرويد وماركس: اخلاقية متزمتة وآراء متهافتة

حتى الآن ما زلت أكتب عن تأثير التحليل النفسي على روح الرأسمالية. حاليا, أريد وصف تأثير الرأسمالية على التحليل النفسي. في البداية، تم تقسيم التحليل النفسي الى اتجاهين: الأول, هو احتواءه في المؤسسات الرئيسية التي تشكل جزءًا لا يتجزأ من رأسمالية القرن العشرين, مثل البحث الجامعي ومهن "الرقابة الاجتماعية"؛ الآخر انجذب نحو الطائفية-اي بمعنى تقديس الأب, فرويد والتمسك الصارم بتعاليمه، انها الرغبة في حراسة قلب كالفيني متمركز حول فرويد، وربما في نهاية المطاف، في فسيفساء من مدارس مختلفة بعض الشيء للتحليل النفسي. على حد سواء, كلا الاتجاهين كان لهما مخاطرهما. من شأن الاحتواء أن يدمر الطابع الفريد للتحليل النفسي؛ ستحافظ الطائفية على هويته ولكن على حساب إبقائه هامشيا. حتى الثلاثينيات من القرن الماضي، حافظ التحليل النفسي على توازن غير مستقر. في بداية الثلاثينيات، تم تدمير التحليل النفسي في أوروبا وهرب اتباعه إلى إنجلترا وبضمنهم فرويد. أدى ضم هتلر للنمسا إلى ألمانيا في 13 مارس / آذار 1938 إلى تعريض اليهود النمساويين لخطر داهم. في غضون أيام، تم اقتحام شقة فرويد ودار النشر. بعد أسبوع، تم القبض على ابنته آنا (أصبحت لاحقا محللة نفسية كبيرة هي الأخرى) واستجوابها من قبل الجستابو. تم إطلاق سراحها في وقت لاحق من اليوم، لكن اعتقالها أضاف إلحاحًا إلى قرار اتخذه فرويد قبل أيام فقط بالهجرة الى إنكلترا. توفي في منفاه بلندن في 23 سبتمبر 1939، مصابًا بالوهن بسبب سرطان الفم الذي تم تشخيصه لأول مرة في عام 1923 نتيجة ادمانه على السيكَار (واستنشاقه الكوكائين). فخضع لـ 34 عملية جراحية على الفك في اوقات مختلفة قبل وفاته من خلال القتل الرحيم بسبب عدم قدرته على تحمل الألم الفظيع الذي كان يعانيه, حيث أعطاه طبيبه الخاص حقنة مورفين ادت الى وفاته. وقبل ذلك بسنوات, تم إزالة نصف فكه واعادة تركيبه اصطناعيا مما أدى الى صعوبات هائلة في الكلام والأكل. كما أدى تنخر الفك الى انبعاث رائحة كريهة نفرّت وقززت حتى كلب فرويد وأبعدته عنه. وعند وصوله الى لندن, كتب "أن شعور الانتصار بالتحرر يختلط بشدة مع الشعور بالحداد، لأن المرء لا يزال يحب كثيرًا السجن الذي أُطلق منه سراحه".
Sigmund Freud s Final Years
https://www.verywellmind.com/when-did-sigmund-freud-die-2795852
كما هاجر البعض الى الولايات المتحدة.

انقلبت الآية. أصبح التحليل النفسي، حسب مصطلح فيبر، "برنامجا دنيويًا للترشيد الأخلاقي"، وهو برنامج له روابط قوية مع وكالات التطبيع مثل مهن الخدمة الاجتماعية والطب ودولة الرفاهية.

تعود جذور المرحلة الثالثة في تاريخ التحليل النفسي إلى الصفقة الجديدة (الصفقة الجديدة عبارة عن سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية التي نفذها الرئيس الأمريكي فرانكلين ديلانو روزفلت بين عامي 1933 و 1938 ردًا على الكساد الكبير عام 1929), والجبهة الشعبية (تحالف من أحزاب الطبقة العاملة والطبقة الوسطى، بما في ذلك الأحزاب الليبرالية والديمقراطية الاشتراكية، متحدون للدفاع عن الأشكال الديمقراطية ضد هجوم فاشي مفترض. بشكل أكثر عمومية, هو تحالف خاص للأحزاب السياسية اليسارية ضد خصم مشترك. تم استخدام المصطلح لأول مرة في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في أوروبا من قبل الشيوعيين كرد على تصاعد الأيديولوجية الفاشية في إيطاليا وألمانيا التي سعوا لمكافحتها من خلال التحالف مع الجماعات السياسية غير الشيوعية التي سبق أن هاجموها كأعداء. تم تشكيل حكومات الجبهة الشعبية الناجحة مؤقتًا في فرنسا وإسبانيا وتشيلي في عام 1936), اي خلال الفترة التي أصبحت العلاقة بالأم هي المهيمنة على النظرية التحليلية. "الأنا"، "الجنس"، و"الفرد" افسح المجال ل"الشيء" (الشيء في التحليل النفسي هو كل ما يتعلق به الفرد. يمكن أن يكون هذا شخصًا أو شيئًا ماديًا أو مفهومًا.), و"الأم" و "المجموعة". طور المحللون ملف النظرة "العلاقاتية" للأنا باعتبارها مسؤولة أخلاقياً. كانت المسؤولية الأخلاقية أقل أهمية في مراعاة المعايير الأخلاقية العامة من الوفاء بالتزامات محددة تجاه آخرين بعينهم-كما يصور ذلك الفيلم The Man in the Gray Flannel Suit-انظر ادناه!

ليس من قبيل الصدفة ان لعبت بلومزبري بأخلاقها الاجتماعية العابرة للأسرة دورًا مهمًا في تطور التفكير الشيئي العلائقي. اخلاقيات بلومزبري هي سلسلة من الكتب حول المجالات الراسخة والجديدة في الفلسفة الأخلاقية. تم تصميم كل كتاب لتعريف طلاب المرحلة الجامعية الدنيا والعليا بمجال رئيسي في الأخلاق، ولتطوير وجهة نظر معينة في هذا المجال المصمم لجذب الباحثين, حيث يتم يتم تغطية جميع مجالات الفلسفة الأخلاقية، من النظرية إلى العملية.
Bloomsbury Ethics
https://www.bloomsbury.com/uk/series/bloomsbury-ethics/

شهدت الحرب العالمية الثانية، وخاصة في إنجلترا، انهيار الميتاسيكولوجي الأقدم - الهو, الأنا، والأنا العليا. بسبب اهوال الحرب، تم استبدالها بمخاوف إكلينيكية ونظرية بالارتباط والخسارة والحداد. الارتباط, وفقًا للمحلل النفسي الشهير John Bowlby, هو أحد الدوافع الأساسية في تطوير نظرية التعلق ويهدف الى محاذاة نظرية التحليل النفسي بشكل أقرب إلى النتائج ووجهات النظر العلمية (من وجهة نظر المنهج الوضعي وبقدر اقل منهج كارل بوبر في التكذيب) في التخصصات ذات الصلة، مثل الايثولوجي وعلم النفس المعرفي. بهذه الطريقة، كان يعتقد أنه يستطيع إصلاح التحليل النفسي والحفاظ على الرؤى التي يقدمها مع تعديل الصياغات التي رأى أنها لا يمكن الدفاع عنها وتستند إلى وجهات نظر عفا عليها الزمن وتحتاج إلى استبدال.
Peter Fonagy "Attachment Theory and Psychoanalysis: The Need for a New Integration?"
https://www.youtube.com/watch?v=vYg92Zps1Dw

بعد الحرب، أصبح التحليل جزءًا لا يتجزأ مما يسمى "العصر الذهبي للرأسمالية", ازدهار دول الرفاهية الكينزية - أي الرأسمالية المنظمة على نطاق واسع بقيادة الدولة الرأسمالية - بين عامي 1945 و 1975. هذه هي النسخة المحافظة أساسًا من التحليل النفسي التي جرى
إعادتها إلى قارة أوروبا، بشكل أو بآخر كجزء من خطة مارشال. تمامًا كما دربت الطوائف الكالفينية المبكرة الأفراد, في القرن السادس عشر، في الحساب, البعثات الاستعمارية، المدارس وحكومات المدن، والمؤسسات الخيرية، تم إضفاء الطابع المؤسساتي على التحليل النفسي في عصر دولة الرفاهية. على سبيل المثال، خلال الحرب العالمية الثانية، أمر مكتب مسؤول الصحة العامة في الولايات المتحدة The surgeon general of the United States كل طبيب في الجيش بتعلم المبادئ الأساسية للتحليل النفسي.
Psychiatry in a troubled world yesterday s war and today s challenge
Menninger, William C
P. 452
https://psycnet.apa.org/record/1948-05474-000
عندما لم يستطع الأطباء تلبية الطلب على تقديم العلاج، تم إناطة المهمة الى المهن التي تأسست حديثًا في علم النفس الإكلينيكي والبحث الاجتماعي (وهو خرق لتعاليم فرويد في أن العلاج بالتحليل النفسي ينبغي أن يقوم به الأطباء فقط!)

بعد الحرب تخلى الطب النفسي عن وصايته على كل ما له علاقة بالنفس واضطراباتها بتقبله التحليل النفسي الذي اصبح هو الفكر الطاغي في الطب النفسي. المحللون, الآن كرؤساء أقسام في المستشفيات, ساهموا في تغيير طرق ومناهج الاستشارة والاختبارات والرعاية والتعليم وشؤون الموظفين والقانون، ولا سيما في الفروع الجديدة مثل قانون الأحداث والعلاقات الأسرية وعلم الجريمة.
Freudian fraud: The malignant effect of Freud s theory on American thought and culture
Torrey, E. F
P. 165
https://psycnet.apa.org/record/1992-97811-000

أصبح الدين-الكنيسة مركزًا للإرشاد النفسي؛ المدارس تغيرت. الطب هو الآخر تخلص من افقه الضيق بعلاج أمراض معينة الى ما هو اوسع بكثير باهتمامه ايضا بالأبعاد الاجتماعية للمرض وكذلك بالعلاقات الشخصية ودورها في نشوء المرض او ادامته.
Haven in a Heartless World
by Christopher Lahttps://www.amazon.com/Haven-Heartless-World-Norton-Paperback/dp/0393313034sch

من موقعه في النظام القائم، شكل التحليل النفسي الأفكار الأساسية لدول الرفاهية واسعة النطاق والمنظمة من قبل الشركات في تلك الفترة. من ناحية، كان مرتبطا بفكرة أن الحرية تكمن أساسًا في المجال الخاص، وهي فكرة عبرت عنها العديد من الأعمال الرئيسية لهذه الفترة. على سبيل المثال، كتاب المحلل الامريكي من اصل نمساوي Bruno Bettelheim
individual and mass behavior in extreme situations
https://pages.uoregon.edu/dluebke/HolocaustMemory407/Bettelheim1943.pdf
الذي جادل بأن ما جعل معسكرات الاعتقال الأولى رهيبة أنه لم يكن هناك امكانية الابتعاد عن الحراس-انعدام مطلق للفضاء الشخصي. وبالمثل، فإن كتاب حنا أرندت ميز الشمولية بغزوها الشمولي للمجال الخاص او الشخصي عن مجرد الاستبداد.
The Origins of Totalitarianism
https://www.amazon.com/Origins-Totalitarianism-Hannah-Arendt/dp/0156701537
لذا يمكن القول, بعرف بيتلهم وارندت, ان النظام الحالي في العراق, كالنظام السابق, بسبب غزوه الدائم للفضاء الشخصي والتضييق عليه, هو ليس فقط مجرد نظام استبدادي, بل هو ايضا نظام شمولي. ولكنها سمة تشمل اطراف واسعة من المجتمع العراقي, حيث تفرض الشمولية نفسها بوسائل الترهيب او بوسائل ناعمة (بعرف فوكو) بحجة الدين او العادات والتتقاليد, او بفهم شمولي قسري لها باضفاء القدسية عليها ويحيل دون تفكيكها والغاء شموليتها. والضحية نفسه, في العديد من الاحيان, يساهم مساهمة فعالة في تكريس الشمولية التي تسمم حياته وتلغي قدرته في التفكير (المستقل!): الغاء الفضاء الخاص. ولربما قراءة كتاب "مقالة في العبودية المختارة" للكاتب تين دي لا بوسي قد تحل البعض من لغز العبودية المختارة او الطوعية!
https://www.mominoun.com/articles/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AE%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%AA%D8%A8%D8%A5%D8%AA%D9%8A%D9%86-%D8%AF%D9%8A-%D9%84%D8%A7%D8%A8%D9%88%D9%8A%D8%B3%D9%8A-%D8%AA%D8%B1%D8%AC%D9%85%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B7%D9%81%D9%89-

كتاب ستانلي إلكينز
Slavery: A Problem in American Institutional and Intellectual Life
العبودية: مشكلة في الحياة المؤسسية والفكرية الأمريكية
https://www.amazon.com/Slavery-Problem-American-Institutional-Intellectual/dp/0226204774
يصور عدم وجود فضاء خاص للعبيد، مثل الحديقة، كجذر الضراوة ~الفائقة للعنصرية الأمريكية. والعديد من الناس في العراق يحيلون الحدائق والمتنزهات الى مبان سكنية او مطاعم او متاجر, فتلْوح العبودية لهم بقبضتها وترسل لهم عواصفا ترابية طوال السنة لتزيد من البؤس بؤسا. ومظاهر العبودية (المختارة) اشكال وانواع, ونحن هنا لسنا بصدد تعدادها او معالجتها حتى بالحد الادنى!

لكن تركيز التحليل النفسي على الفضاء الخاص تُرجم أيضًا إلى مفهوم جديد للنضج في المجال العام. هكذا، حث عالم الاجتماع الامريكي Talcott Parsons الرئيس الامريكي فرانكلين روزفلت وقتها على عدم الرد "بشكل هستيري" على الاحتجاجات المناهضة للحرب، ولكن بالأحرى أن يفعل كما يفعل المحلل النفسي الذي "ينفي" التصورات العصابية من خلال رفضه الرد عليها. نصح الدبلوماسي الامريكي George Kennan أنه إذا بقيت الولايات المتحدة حازمة لكنها لا تتصرف بتهور، فإن جنون البارانويا السوفييتي, اثناء الحرب الباردة, سوف يتفكك من الداخل. وهذه النصيحة يمكن توجيهها بنفس المحتوى والمقدار الى بايدن وقارعي طبول الحرب من اتباعه من اجل نزع فتيل الحرب في اوكرانيا!

النضج لم يكن يقتصر على الرجال. في عام 1956، قبلت بطلة الفيلم (اداء Jennifer Jones), في الفيلم الكلاسيكي الرائع,
The Man in the Gray Flannel Suit
https://www.youtube.com/watch?v=BfrqYr58st0
طفلا انجبه زوجها (اداء Gregory Peck) نتيجة معاشرته امرأة ايطالية اثناء اداءه الخدمة العسكرية في ايطاليا. وبالتالي يزعم البعض ان ذلك يرمز إلى مسؤولية أمريكا بعد الحرب تجاه ايطاليا المهزومة.

كأطروحة تشير الأمثلة إلى أن التحليل النفسي دافع عن أخلاقيات جديدة تتمثل في "المسؤولية" و "البلوغ" adulthood, من المفترض أنها مرتبطة بنضج جديد في الدور العالمي لأمريكا، ولكنه موجه أيضًا إلى مجتمعات الاستهلاك الجماعي القائمة على الأسرة التي نشأت في إنجلترا وفرنسا وألمانيا آنذاك.

على حد تعبير المحلل النفسي الكبير Erik Erikson, إن الشخص الناضج هو :
“tolerant of differences, cautious and methodical
in evaluation, just in judgment, circumspect in action, and capable of faith and indignation
"متسامحً مع الاختلافات، حذر ومنهجي في التقييم، عادل في الحكم، وحذر في العمل، وقادر على الإيمان والسخط تجاه الظلم "
https://books.google.at/books?id=oVe1CgAAQBAJ&pg=PA158&lpg=PA158&dq=Erik+Erikson,+a+mature+person+was+%E2%80%9Ctolerant+of+differences,+cautious+and+methodical+in+evaluation,+just+in+judgment,+circumspect+in+action,+and+capable+of+faith+and+indignation.&source=bl&ots=XnAlkpFX4x&sig=ACfU3U1SHaah2yi_OdkZCM7oGtxSX3xScA&hl=en&sa=X&ved=2ahUKEwjJzIn0xcT4AhXyiv0HHaIPCboQ6AF6BAgDEAM#v=onepage&q=Erik%20Erikson%2C%20a%20mature%20person%20was%20%E2%80%9Ctolerant%20of%20differences%2C%20cautious%20and%20methodical%20in%20evaluation%2C%20just%20in%20judgment%2C%20circumspect%20in%20action%2C%20and%20capable%20of%20faith%20and%20indignation.&f=false
ولا ادري, اذا سمحنا لانفسنا باستخدام كلمات اريكسون لتقييم "نضج" ارباب العملية السياسية في العراق, كم سيكون عددهم!

بعد ذلك، كان التحليل النفسي بعد الحرب مثالاً على جدلية الاستيعاب والتهميش. كان محور إيديولوجية الحرب الباردة هو تشديدها على اهمية الحياة الخاصة، كجزء لا يتجزأ من التطبيع (التكيف مع الحالة الراهنة, او بمفهوم غرامشي احالة الرأسمالية كمرحلة تاريخية الى نظام طبيعي سرمدي)
في دولة الرفاهية الكينزية، حيث احتفظ التحليل النفسي بتركيزه على الاستقلالية الشخصية حتى بعد أن أصبح منبعًا لكراهية المثليين وكراهية النساء والمحافظة. تحدي التحليل تعريف المثلية الجنسية كجريمة، وأعاد تعريفها على أنها "مرض" ، وبالتالي اشتدت حدة الشعور بالذنب دون تخفيف الخوف: فرويد اعتبر الجنسية المثلية اضطرابا ولكنه بالطبع رفض بكل شدة التمييز ضد المثليين. الطب النفسي الغى منذ عقود اعتبار المثلية اضطرابا نفسيا. التحليل النفسي اكد على اهمية جنسانية sexuality المرأة من الناحية النظرية، ولكنه, في الممارسة العملية, استخدم "الأنوثة" و "الأم" و"النشوة المهبلية" بالضد من هذا: فرويد اعتبر االنشوة الجنسية orgasm في المرأة الناضجة تتأتى فقط عن طريق اثارة المهبل vagina, واي نشوة تتأتى عن طريق اثارة البظر clitoris هي دليل على عدم نضوج المرأة جنسيا او دليل على عصابها. الطب الجنسي يرفض جملة وتفصيلا رأي فرويد هذا. فاكثرية النساء يصلن الى مرحلة النشوة orgasm عن طريق اثارة البظر ايضا وليس المهبل لوحده, لسبب ان الاول, على عكس الثاني, يمتلك الكثير من الاعصاب واثارته ملزمة لتحقق النشوة .رأي فرويد هنا ليس علميا بالمرة ويتفق مع الاخلاق الفيكتوريانية وقتها. وحاله هو حال ماركس (ماركس المتزمت وليس انجلز المرح), الذي قال استخفافا بالفلسفة وبالاستمناء على حد سواء-الاستخفاف بالفلسفة تلفقه وعشقه الستالينيون وأضحى منهاج حياتهم :
Philosophy is to the real world as masturbation is to sex
"الفلسفة بالنسبة للعالم الحقيقي (ما هو العالم الحقيقي يا ماركس!؟) مثل "العادة السرية" بالنسبة للجنس."
https://www.quotes.net/quote/35429
وكلام ماركس هنا ليس صحيحا, لا من ناحية فلسفية ولا من ناحية جنسية. فلسفيا لأن الافكار والفلسفة تغير البشر نحو الاحسن او الاسوء او تبقي الامور على حالها, ونحن نعلم التاثير الكبير الذي مارسه الفلاسفة الفرنسيون مثل Voltaire, Rousseau, Montesquieu , Diderot في قيام الثورة الفرنسية. كما ان الماركسية لا يمكن فهمها دون استيعاب فلاسفة سبقوا ماركس. ولينين نفسه قال انه لا يمكن فهم كتاب رأس المال لماركس بدون قراءة كتاب "علم المنطق" لهيغل. ولذلك قام لينين باعداد كتاب خاص به.
Vladimir Ilyich Lenin
Conspectus of Hegel’s book
The Science of Logic
https://www.marxists.org/archive/lenin/works/1914/cons-logic/index.htm
ويمكن اعتبار لينين نقيض ماركس لهذا السبب ولأسباب اخرى, كما اكد غرامشي.
-الثورة ضد كتاب «رأس المال»-
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=609012
اي بتعبير آخر, ان الماركسية -اللينينية تعبير تاريخي فلسفي-علمي صحيح, وليس اختراعا ستالينيا اجوفا!
اما بخصوص الاستمناء, فالغالبية الساحقة من الرجال والنساء يمارسون الاستمناء في مرحلة او اخرى من حياتهم.
تقول الدراسات الحديثة:
Sudies have shown that there are tons of physical and mental upsides to masturbating: not only does it zap stress and anxiety, women who please themselves have higher self-esteem better body image, and a more active sex life than women who don’t. Plus, there are so many reasons why masturbating can be even better than sex: for starters, you don’t have to wait until someone else is in the mood, you don’t have to shave´-or-dress sexy, and you definitely don’t have to think about anybody else’s needs but your own. Want to help narrow the gap between male and female self-pleasurers? A little experimentation will do wonders for your solo sex life: try a vibrator, a dildo,´-or-even your showerhead. And if you give yourself one gift this year, consider making it finding your own G-spot (if you haven’t already).
"هناك الكثير من المكاسب الجسدية والعقلية للاستمناء: لا يقتصر الأمر على التخلص من التوتر والقلق فحسب، بل إن النساء اللواتي يرضين أنفسهن يتمتعن بتقدير أعلى لذاتهن بشكل أفضل، وحياة جنسية أكثر نشاطًا من النساء اللائي لا يفعلن ذلك. بالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من الأسباب التي تجعل ممارسة العادة السرية أفضل من الجنس: بالنسبة للمبتدئين، لا يتعين عليك الانتظار حتى يكون شخص آخر في حالة مزاجية، ولا يتعين عليك الحلاقة أو ارتداء ملابس مثيرة، وأنت بالتأكيد لا تفعل ذلك. لا داعي للتفكير في احتياجات أي شخص آخر ما عدا احتياجاتك. انها تساهم في تضييق الفجوة بين الذكور والإناث الذين يسعدون أنفسهم؟ القليل من التجارب ستفعل المعجزات لحياتك الجنسية الفردية: جرب الهزاز، أو دسار (لست متأكدا من التسمية العربية ل vibrator او dildo)، أو حتى رأس الدش. وإذا قدمت لنفسك هدية واحدة هذا العام، ففكر(ي) في البحث عن G-spot الخاصة بك (إذا لم تكن قد قمت بذلك بالفعل)."
How Often the Average Woman and Average Man Masturbate
The numbers might surprise you!
https://www.womenshealthmag.com/sex-and-love/a19910594/masturbation-study/

كلام ماركس اعلاه خاطئ جملة وتفصيلا. واذا كان هنالك من الماركسيين-الماركسيات مَن لا يزال-تزال يعتقد-تعتقد بمثل هذا الكلام, فهم يساهمون-يساهمن, بشكل مباشر او غير مباشر, في دمار حياتهم-حياتهن الفكرية والجنسية على حد سواء!

ترفعّ التحليل النفسي بعد الحرب عن السياسة واعلن انه فوق الميول والاتجاهات (كذا!)، ولكنه تعاون بحماس مع وزارة الدفاع ومبادرات وكالة المخابرات المركزية الامريكية التي مولت البحوث التحليلية لنهايات الحرب الباردة. حول تمويل المحللين النفسيين, انظر
Ellen Herman, The Romance of American Psychology
Political Culture in the Age of Experts, 1940–1970
https://publishing.cdlib.org/ucpressebooks/view?docId=ft696nb3n8brand=ucpress
و
Alton Chase, Harvard and the Unabomber: The Education of an American Terrorist
https://www.amazon.com/Harvard-Unabomber-Education-American-Terrorist/dp/0393020029

على الرغم من ان المحللين الغير امريكيين مثل Alexander Mitscherlich والمنظرين السياسيين المتأثرين تحليليًا مثل Masao Murayama سعوا إلى الاعتماد على التحليل النفسي لفهم اللغة الألمانية واليابانية الفاشية والعسكرة، لم تكن هناك جهود مماثلة موجهة بالمثل الى الشوفينية الأمريكية والبارانويا الخاصة بالحرب الباردة. بدلا من العمل لتحقيق مثل هذه المشاريع، سهّل التحليل توظيف ألمانيا واليابان في نظام الحرب الباردة وتغاضى بصراحة عن المكارثية.

ومع ذلك، حتى عندما أصبح التحليل النفسي منغمسا في رعاية الحرب الباردة لدول الرفاهية، فقد احتفظ بصلته بأصوله الكاريزمية المناهضة للمؤسسة، جزئيًا من خلال هالة الارتباط الوثيق مع الآباء المؤسسين، جزئيًا من خلال علاقته بالفن والتجربة الدينية، ولا سيما من خلال ارتباطه بالحب الجنسي ك"بوابة للحياة غير العقلانية وبالتالي الاكثر حقيقية"
From Max Weber: Essays in sociology
https://www.amazon.com/Max-Weber-Essays-sociology/dp/B009Z4VDYE
(قارن ذلك بمفهوم ماركس عن العالم الحقيقي ,حيث يختفي فيه جانبه الاكثر حقيقية!)

خلال الخمسينيات من القرن الماضي، عاد المحللون الى إعادة تقديس الأسرة من جنسين مختلفين، واضفوا على الحياة المنزلية المعاني الشخصية والأخلاقية والجنسية التي ارتبطت سابقًا بأشكال العلاقات خارج الأسرة. وبذلك، كانوا يستدعون قوى كاريزمية لا يمكنهم احتوائها دائمًا. في الستينيات من القرن الماضي، كانت الاخلاقية المناهضة للاعراف الاجتماعية السائدة قد طغت على مهنة التحليل، الأسرة من جنسين مختلفين، ودولة الرفاهية. إذن، كان التحليل في مركز كلا من تزايد ترشيد الحياة الشخصية في الخمسينيات والنقد الذي يلوح في الأفق للرفض الكاريزمي لكل ما هو معتاد الذي ظهر في الستينيات.
يتبع