شهداء الشيوعية : عبد علي جبر ونجليه حسن وحسين (5-5)


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7219 - 2022 / 4 / 15 - 23:25
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

فبركة رائد الأمن العميل "ضمد المصلاوي" للتنظيمات السياسية الوهمية في مديرية أمن الحلة (1980-1989)
مقدمة
بوسع المتتبع للأحداث التاريخية التي شهدها العراق و المنطقة إبان الفترة 1968-2003 من التسليط الامبريالي لعصابات البعث العميلة على رقاب الشعب العراقي المنكود (و هي - بلا أدنى شك - واحدة من أحلك الفترات التي ابتلى بها الشعب العراقي على مر عصور التاريخ في تدمير كل مكتسباته التاريخية) أن يلاحظ مدى الاصرار الممنهج لتلك العصبات على فرض أقسى و أفظع الأزمات و الحروب و الكوارث المتوالية بلا انقطاع على الشعب العراقي و ذلك لإبادة من يُمكن ابادته من أحراره بلا أدنى وازع و لا رادع ، و من ثم افقاره و تدويخه و تجويعه و تهجيره أشد فأشد ، لكي تواصل عصابات العميل صدام اغتصابها للسلطة رغماً عن ارادة الشعب لأطول فترة ممكنة . لذا ، فقد استمر هذا النظام العميل طوال هذه الفترة بفرض قوانين الطوارئ السالبة لكل حقوق و حريات الانسان الأساسية ، كما تم احتكار عصابات البعث العميلة لصياغة و ترسيم كل مفردات البناء الفوقي للدولة (القوانين – خصوصا قانون العقوبات سيء الصيت رقم 111 لعام 1969 – الدستور المؤقت الجامد طال خمس ثلاثين سنة ، الثقافة و التعليم ، آليات و آيديولوجيا ادارة كل مؤسسات الدولة العسكرية و المدنية و توجيه نشاطاتها ، العقائد .. الخ) بتسخيرها جملة و تفصيلاً من فوق لخدمة مستلزمات أدامة حكمها الأسود المكروه في كل مكان . لذا ، فقد استهلت عصابات البعث العميلة عهد اغتصابها للسلطة في العراق بأمر المخابرات الأمريكية-البريطانية-الصهيونية بإبادة كل السياسيين و ضباط الجيش و الشرطة و الكوادر الادارية و الأكاديمية المتقدمة من القوميين و الوطنيين و التقدميين العراقيين الابرياء و الشرفاء عرباً و اكراداً ، فصار العراقيون يتقلَّبون مرعوبين و مذهولين و حائرين بين الأخبار المزوَّرة لهذا البيان البعثي عن "اكتشاف هذا الانقلاب و اعدام رجالاته المزعومين" و بين بيانات "اسقاط تلك المؤامرة و قيادات ذاك الحزب أو ذاك" ، ناهيك عن تسليط "عصابة أبو طبر" الاجرامية و غيرها عليهم . و كانت أجهزة المخابرات البريطانية-الامريكية-الصهيونية قد سبق لها أن خططت و أعددت العدة بإحكام لتأمين اغتصاب عملائها البعثيين للسلطة في العراق منذ قيام ثورة 14 تموز المجيدة عام 1958 ، فجنَّدت لحسابها شقاوات عصابات البعث في تنفيذ خططها المستقبلية للانقلاب الاجرامي على الثورة و تصفية الحركة السياسية الثورية العراقية ، وهذا ما حصل في انقلاب شباط الأسود ، عام 1963 حسبما اعترف رئيس عصابتهم وقتئذٍ قائلاً : "جئنا بقطار أمريكي ". و عندما وأد الجيش العراقي البطل انقلاب عصاباتها البعثية العميلة تلك في 18 تشرين 1964 ، فقد أوكلت اجهزة المخابرات البريطانية-الامريكية-الصهيونية لعميلها الجديد صدام مهمة تأسيس و ادارة جهاز الجريمة المنظمة "حنين" عبر تدريبه و توجيهه و تمويله و تسليحه منذ عام 1966 لتصفية كل الضباط العسكريين الأحرار و الحركات و الشخصيات الوطنية العراقية بغية أعادة العراق للسير في فلكها و الغاء كل مكتسبات ثورة 14 تموز المجيدة . و لقد بقيت الطريقة المفضلة لجهاز أبادة الوطنية هذا تتمثل بإعداد أجهزة المخابرات البريطانية-الامريكية-الصهيونية للقوائم الطويلة جداُ بأسماء من تريد من عملائها في هذه العصابات تولي الاضطلاع بجريمة ابادتهم ، و من ثم تصفيتهم إما بمحاكمات صورية ، أو بواسطة الاغتيالات بشتى الطرق . و بهذه الآلية الاجرامية فقد تمت فبركة آلاف المؤامرات و التنظيمات الوهمية المصممة خصيصاً لتصفية عشرات الآلاف من رجالات الجيش و الدولة من الوطنيين الأحرار ، و محاربة الأكراد ، و تصفية القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي و حشع و حدك و أوك و الاخوان و الدعوة.. إلخ طوال فترة حكم عصابات البعث العميلة للعراق التي امتدت لخمس وثلاثين سنة . و مثلما بينتُ سابقاً في هذه الحلقات ، فقد كانت الخطة الأمنية لعصابات البعث بسيطة و واضحة : ابادة كل من تشم هذه العصابات احتمال حصول النية لدى هذا المواطن العراقي الحر أو ذاك في معارضة دوام اغتصابها للسلطة عبر فبركتهم انتمائه لتنظيم سياسي معادٍ لها تحت شتى المسميات و اليافطات الوهميّة . و أمْست كل عقوبة ، صغيرة كانت (مثل الاعتداء بالضرب على السفير البريطاني في بغداد) أو كبيرة (مثل اغتيال المناضل الشيوعي كاظم الجاسم و الخضري ، أو اعدام 10% من أعضاء حشع (القيادة المركزية) عام 1969 ، أو اعدام 100% من الكوادر الوسطية لحشع عام 1979-80 ، أو جرائم الأنفال التي طالت ربع مليون مواطن كردي بريء ، أو إبادة ما لا يقل عن 300000 مواطناً عراقيا بريئاُ من سكان محافظات وسط و جنوب العراق الثائرة عام 1991 ، تتم بتوجيهات دقيقة و مفصلة طرائقياً صادرة بلسان العميل الجبان صدام بنفسه حتماً ، و ليس أي شخص غيره .
و لقد ازداد تغوّل عصابات الأمن الصدامية بعد الهجوم العدواني الأرعن لصدام على أيران بأمر أسياده الامريكان- الصهاينة في 22 أيلول ، 1980 و لغاية 7 كانون الأول 1988 (أطول حرب مهلكة بين دولتين جارتين في القرن العشرين برمته) ، حيث أصبح بإمكان تلك العصابات فبركة شتى تشكيلات التنظيمات السياسية بادعاء موالاتها لإيران في حرب صدام ضدها لكي يتم تطبيق عقوبة حكم الاعدام المنصوص عليها في المواد (156) و (157) و (158) و (159) و غيرها من مواد قانونها سيء الصيت أعلاه لمن تحشره فيها من أسماء المتهمين ، فتعدمهم حسب المخطط باعتبارهم المقترفين "لجرائم ماسة بأمن الدولة الخارجي" ! و كان أجرم ما بإمكانها فبركته هو تشكيل التنظيمات الوهمية لحزب الدعوة ، و من ثم حشر الشباب الحر فيها بغية اعدامهم رغم عدم وجود أيما علاقة لهم – بل و حتى أي معرفة بهذا الحزب . و هذا ما فعلته بالضبط مع الشهيدين الشيوعيين حسن و حسين عبد علي جبر ، مع (35) شاباً آخر من أهل القاسم ، مما أفضى إلى اعدامهم جميعا و تغييب رفاتهم !
التنظيم الذي فبركه رائد الأمن ضمد المصلاوي
بدأت الأحداث المأساوية الرهيبة لهذه القصة عندما تم اكتشاف كتابة شعار معادٍ لحكم عصابات البعث العميلة بالطبشور على سبورة الصف الرابع العام لإعدادية الحلة للبنات عام 1981 ، و إبلاغ الطالبات المرتعبات لمديرة المدرسة بذلك . و بدلاً من المبادرة بمسح ذلك الشعار العفوي الغفل ، و لملمة القضية بالتي هي أحسن ، فقد قامت مديرة المدرسة – و هي عضوة مخلصة في عصابات البعث العميلة الحاكمة – بالإبلاغ الهاتفي لمديرية أمن الحلة ، الكائنة بنايتها مقابل بناية المدرسة ، به . فطار للمدرسة على جناح السرعة مساعد مدير الأمن الرائد "ضمد المصلاوي" ، الذي اهتبلها فرصة ذهبية لاصطياد المراهقات بغية اغتصابهن في أقبية الأمن - كان جرائم الاعتداء الجنسي ضد المعتقلين و المعتقلات هي أحد الواجبات البعثية القومية المقدسة العليا التي أناطها المجرم العميل صدام بهم - و من ثم اعدام أولئك الضحايا الأبرياء أو الحكم بالسجن الطويل عليهم حسب الأصول المتبعة لدى العصابات الأمنية لحزب البعث العميل طوال فترة حكمهم الطاعوني الأسود ذاك . و بعد اقتلاعه لطالبتين مراهقتين - اختارهما دون غيرهن بدقة لأمر في نفس يعقوب - من مقاعد صفوف الدراسية الاعدادية و رماهن باكيات مولولات في غياهب زنزانات الأمن الرهيبة ، اعترفت إحداهن تحت التهديد بالاغتصاب و الضرب بكون ابن خالها – طالب الصف الرابع الاعدادي الذي تحبه و لا يحبها – هو : "يحكي ضد صدام" . كان هذا الطالب هو رئيس التنظيم البعثي للاتحاد الوطني لطلبة العراق في مدرسته ، و من عائلة بعثية ، فتم اعتقاله فوراً . و لقد ابتلي هذا الشاب المراهق (عمره 17 سنة فقط) المدلل بارتعابه الشديد من أدنى العقاب الجسدي ، فأعرب حالاً لجلاوزة عصابات الأمن العميلة عن استعداده التام للاعتراف لهم بكل ما يريدون بشرط عدم لمسه مطلقاً . و هذا ما حصل بالفعل ، حيث زوّده ضابط الأمن المذكور بأسماء و عناوين (35) شاباً من شباب القاسم ممن سبق و أن تم رفع التقارير الأمنية السرية ضدهم بكونهم إمّا "ينكّتون على الحزب و الثورة" ، أو "يسبّون صداماً" ، أو "ينتقدون حرب صدام ضد ايران" ، أو هم "من عائلة شيوعية معروفة" ، أو "من المواظبين على زيارة مراقد الأئمة كل أسبوع" ... الخ ، و أمره بالاعتراف ضدهم بكونهم منتمين تنظيمياً لحزب الدعوة ، و هذا ما حصل بالفعل . كما أمره بالشهادة على صحة اعترافاته الكاذبة هذه كشاهد اثبات ضدهم أمام "محكمة الثورة" المجرمة بغية ضمان اعدامهم مقابل تخفيف الحكم عليه ، بعد تفرقة قضيته مع الطالبتين في قضية منفصلة ثانية . و هذا ما حصل بالفعل ، حيث تم الحكم بإعدام كل المتهمين في تلك القضية - بضمنهم الرفيقين الشيوعيين حسن عبد جبر و شقيقه حسين - و الحكم على هذا الطالب الشاهد بالزور مع قريبتيه بالسجن لخمسة عشر سنة في قضيتهم المفرَّقة !
ما أنسى ، لن أنسى مشهد الرفيق الشيوعي البطل حسن عبد علي ودموعه تجري أمامي و هو يقول بحزن مهيب و بقلب كسير معذّب : " هل هناك عار أكبر على الشيوعي من اعدامه بتلفيق تهمة الانتماء لحزب ديني ضده ؟ من الذي سيبلغ العالم بحقيقة مأساتي الرهيبة هذه ؟"
و أنا أنادي الآن روحه الحرة المغدورة المحلقة في عالم الغيب و الشهادة : "هل وفّيتُ ذرَّة مما تستحق الآن ، رفيقي الشيوعي الأمين" ؟

انتهت .