شهداء الشيوعية : عبد علي جبر ونجليه حسن وحسين (2-5)


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7212 - 2022 / 4 / 7 - 23:02
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية     

منشور الطالب الشيوعي البطل عماد كاظم حسن حسين الجبوري / مواليد 1963 ، بتاريخ 17 / 1 / 1981 في ناحية القاسم
قبل التفصيل في قصة هذا المنشور– الذي ستتضح في نهاية هذه الحلقة علاقته بالشهيد الشيوعي المغدور بعد أبيه : حسن عبد علي جبر – لا بد من التطرق إلى ظاهرة تفرَّد بها النشاط السياسي و الاجتماعي للحزب الشيوعي العراقي ، ألا و هي الانتشار الواسع لشعبيته الجماهيرية بين أوساط العمال و الكسبة و الحرفيين و المعلمين و المدرسين و الأساتذة و المثقفين و الادباء و الفنانين و الصحفيين و غيرهم ، بل و حتى بين أوساط رجال الدين في أرجاء الكثير من المدن و النواحي و المزارات الدينية العراقية على حد سواء ، وذلك طوال الفترة 1950-1980 ، بحيث صرنا معتادين على سماع النعت : "موسكو العراق" و هو يُطلق مجازاً على عديد المحلات المدينية في المدن الكبرى و على شتى أقضية و نواحي العراق التي ينتشر الفكر الشيوعي بين أهاليها ، ناهيك عن انتشار تسمية : "هذه عائلة شيوعية معروفة" على الكثير من بيوتات تلك المدن و الارياف . و كانت ناحية القاسم هي واحدة من عديد حواضر "موسكو العراق" تلك . و في كل واحدة منها ، تجد أن غالبية شيوعييها هم من المجبولين على الفكر الشيوعي بدافع الحب العفوي البسيط و بالاندفاع الانساني الاجتماعي و الفردي للنقد و الإصلاح أو الثورة على الظلم ، و ليس من خلال انتظامهم الحزبي الفعلي ضمن صفوف حشع . و من نافلة القول أن ناحية القاسم – التي تبعد حوالي 42 كم جنوب مدينة الحلة – قد اكتسبت اسمها من وجود مرقد و مزار الإمام القاسم بن موسى الكاظم (سابع أئمة الشيعة) بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين السجاد بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي . و يتميز أهالي ناحية القاسم – عموماً – بالالتزام الديني و الخلقي و بالطيبة و بالثقافة و بالكرم وبالنشاط الرياضي المشهود (يلعب فريق نادي القاسم حالياً في الدوري العراقي الممتاز لكرة القدم) . ولكن أعظم ما يتميزون به فوق كل هذه المكارم الفاضلة أنما هي الشجاعة المنقطعة النظير ، مثلما أثبتوا ذلك – مثل غيرهم من بواسل ثوار العراق من أقصى الشمال الى اقصى الجنوب – في انتفاضة آذار / 1991 المجيدة ضد سلطة البعث الصدامي ، حيث واجهوا بأسلحتهم الخفيفة ألوية الحرس الجمهوري الخاص المدججة بالطائرات و الدبابات و المدافع و الصواريخ و كبَّدوها أفدح الخسائر . و طوال الفترة الممتدة من عام 1970 و لغاية عام 2003 ، قدَّم أهالي القاسم آلاف الشهداء الشباب و السجناء السياسيين على مذبح مقارعة سلطة طاغوت عصابات البعث العميلة على نحوٍ أكثر بكثير من أي ناحية عراقية أخرى . هذه الثقافة و الشجاعة العاليتين هي التي دفعت المناضل القاسمي البطل عماد كاظم حسن حسين الجبوري (الحاج أبو أحمد لاحقاً) الى المبادرة باندفاع وجداني و بحسّه الشيوعي المتيقظ ذاتياً – و هو لمّا يزل طالباً في اعدادية التجارة – بالتبرع من ماله الخاص لشراء بند من الورق الأبيض و الأصماغ و الدبابيس مع عبوة من أقلام الماجك العريض الأحمر ليكتب بخطه الجميل – دون أيَّما توجيه من حشع الذي كانت علاقته به منقطعة تماماً – منشوراً عريضاً تضمَّن الشعارات التالية :

يعيش : الوطن الحر و الشعب السعيد
يسقط صدام
يسقط حزب البعث
يعيش الحزب الشيوعي العراقي
نستنكر و نشجب أشد الشجب و الاستنكار إعدام صدام للشهيد محمد باقر الصدر و شقيقته بنت الهدى ...

وطوال ليلتي 19 و 20 / 1/ 1981 ، ألصق الطالب القاسمي المناضل عماد كاظم حسن بنفسه عشرات النسخ من هذا المنشور الثوري و العفوي البسيط على جدران شتى دور مدينة القاسم ، الأمر الذي أثار الاعجاب و الفرح في نفوس شجعان أهالي المدينة في ذلك الزمن الرهيب العصيب الأغبر الذي تم فيه السعي الطرائقي الممنهج لإسكات كل صوت معارض لعصابات البعث بفعل مَقاتل حبال وسكاكين المقاصل و الاغتيالات الممنهجة ، و الذي يبات فيه أكثر الناس لياليهم السوداء و هم يخشون من ظلالهم و يتوهمون بأن للجدران آذان صدّامية تحصي عليهم أنفاسهم و أقوالهم . . و يُلاحظ في هذا المنشور شجبه الشجاع لجريمة صدام البشعة في اغتيال الامام الشهيد و المفكر الكبير : السيد محمد باقر الصدر وشقيقته بنت الهدى (اللذين اغتالهما الطاغية الجبان صدام غدراً و بدون أي محاكمة بتاريخ 9 نيسان 1980 ، و تم دفن جثمانيهما الطاهرين بتكتم شديد في مقابر النجف الأشرف دون الإعلان عن ذلك أبداً ، حتى تم فضح ارتكاب عصابات البعث لهذه الجريمة النكراء بعدئذ من طرف إذاعة طهران ) فثارت إثر ذلك ثائرة أحرار العراق في مدينة الثورة ببغداد و في الناصرية و الرميثة و البصرة و القاسم و غيرها . هذه هي الأخلاق الانسانية الرفيعة التي تربّى عليها الشيوعيون في العراق . كيف لا ، و كاتبها هو شيوعي ابن شيوعي (و إن كانا مقطوعي الصلة الفعلية بحشع في حينها) من المتمسكين بشعائر الدين الاسلامي الحنيف و من المحبين و المنافحين عن كل الثوار و المضحّين من أجل التحرر من الطاغوت الامبريالي و عملائه البعثيين ؟
كما أثار هذا المنشور الرعب و الفزع في نفوس و أجواف أزلام حزب البعث العميل الجبناء الذين استنفروا كل تنظيمهم الحزبي و أجهزتهم التجسسية الحقيرة لرفعه من الجدران و مطاردة مَن خَطَّه . و كانت طريقتهم في العمل تتمثل بإلقاء القبض العشوائي على كل شاب و شابة من أهالي الناحية ممَّن وردت ضدهم سابقاً التقارير الحزبية السرية التي يُشم منها معارضتهم لسلطة حزب البعث العميل (كانت سلطة عصابات الأمن البعثي هي السلطة الأعلى المصونة و غير المسؤولة الكائنة فوق كل سلطة أخرى في العراق ، بضمنها سلطة الحزب العميل الحاكم و سلطة الجيش و الشرطة العراقيين) . و من ثم تعريض هؤلاء المعتقلين لأبشع أنواع التعذيب الرهيبة لانتزاع الاعترافات المطلوبة منهم . و عندما يصمد الشاب البريء المعتقل في جلسات التعذيب الجنونية تلك ، يسألونه عمَّن هم أقرب أو أعز الأصدقاء عنده ، أو عمَّن هم أكثر من تأثر بهم في حياته ، فيعطيهم المعتقل بحسن نية أسماء بعض أصدقائه ، فيداهمون بيوتهم و يقلبون أثاثهم و مقتنياتهم و كتبهم مفتشين كل صغيرة و كبيرة فيها ، ثم يعتقلونهم فوراً جميعاً و بلا استثناء مهما كثر عددهم - بحجة الاستفسار منهم لخمس دقائق فقط لوجود اشتباه في الاسماء بصددهم - و يعذبونهم بالتعليق من سقوف الزنزانات و بالصعق الكهربائي و الضرب بالكيبلات على السيقان و الظهر و الرأس و الرقبة و ضرب الفلقة و سكب الماء الحار و المثلّج عليهم تباعاً و تقليع أظافرهم ووو... إلخ ، مدَّعين لضحاياهم الابرياء بكون : "إن صديقك الفلاني" "أنما هو الذي اعترف بنفسه عليك أنت بالذات و ليس على أحد غيرك من دون كل الناس الآخرين ؛ لذا ، فلا داعي لك للإنكار هذا الذي لن ينفعك أبداً ، بل يضرك ، لكون القضية ثابتة عليك ، و يتوجب عليك الآن أن تثبت للعالم أجمع شجاعتك فتعترف بها كرجل محترم ذي كلمة (خوش زلمة بالعراقي) و أحد أبناء العشيرة أو الحمولة محترمة " ! كما يغرون المعتقل البريء بالاعتراف الكاذب ضد نفسه (المؤدي به حتماً للإعدام أو السجن الطويل) قائلين له : " إن قلب الحزب و الثورة كبير ، لذا اعترف بسرعة لكي تتخلص من هذا العذاب الرهيب ، ونحن نساعدك ، و إن شاء الله نحن ما نُقصِّر بحقّك فأنت ابننا أيضاً ، و لن ننساك !" و لا تهتم عصابات الأمن الصدامي أدنى الاهتمام بمن يستشهد من هؤلاء الأبرياء بين أيديهم الملطخة بدماء الابرياء تحت التعذيب ، ولا بأي عدد مهما كبر لمن يستشهد منهم ظلماً وعدوانًا ، حيث تُسلّم جثة الشاب المغدور لذويه مع شهادة وفاته بسبب السكتة القلبية ، الموقعة و المختومة رسمياً من الجهات الصحية ؛ أو تًدفن جثة البريء المغدور في مقابر مجهولة ، مع الانكار الشديد - المشفوع بأكبر الأيمان و الحلفان و التشكي ضد سوء الظن بعصابات الأمن الصدامي - لأي معرفة لدى تلك العصابات بمصيرهم ، مدّعين بأنهم قد غادروا في حينها دائرة الأمن سالمين غانمين و ماشين بطولهم و عرضهم بعد أقل من ربع ساعة فقط لا غير من استجوابهم الروتيني البسيط لهم ! و لا تتورع هذه العصابات عن اعتقال أفراد عوائل كاملة بكبيرها و صغيرها من ذوي المعتقلين لانتزاع الاعترافات المفبركة ضدهم تحت طائلة قتل أو اغتصاب أو تعذيب أهليهم ، أو اقتراف كل هذه الجرائم الفظيعة بحق أولئك الأبرياء جملة واحدة ، ليس فقط بلا حسيب و لا رقيب ، بل لقاء التغنّم بالامتيازات المالية الدسمة و أنواط الشجاعة !
ولكون البطل عماد كاظم حسن شاب معروف بشيوعيته هو و أبيه في مدينة القاسم ؛ لذا ، فقد داهمت عصابات أمن ناحية القاسم داره فجراً بتاريخ 21 /1 / 1981، فعثروا فيها على رزمة مما كان لم يلصقه بَعدُ من نسخ نفس ذلك المنشور ، كما عثروا عنده على عشرات الكتب الماركسية و المجلات و الجرائد التقدمية ، فصادروها كمبرزات جرمية ضده ، و ساقوه إلى دائرة أمن القاسم حيث تعرض فوراً لأبشع أنواع التعذيب الرهيب .

من المعلوم علم اليقين عند عصابات الأمن الصدامي بأن هذا المنشور قد خطَّه و ألصقه بنفسه شخص واحد فقط بفعل فردي خالص ، هو البطل الشيوعي عماد كاظم حسن ، و ليس أحداً غيره ، و لم تكن لديه في حينها أي صلة تنظيمية فعلية بحشع مثلما يتضح تماماً من بساطة وعفويّة محتواه . و لكن عصابات الأمن تلك كانت دائمة الاصرار – لغرض جرمي حقير مبيَّت – على ترحيل مسؤولية هذا الفعل بتلفيقه ضد أكبر عدد ممكن من الشباب المعارضين لحكمها الفاشي العميل ممن وردت ضدهم التقارير الحزبية السريَة سابقاً . لذا ، فقد دأبت هذه العصابات الاجرامية على فبركة تشكيلات التنظيمات السياسية الوهمية المعادية للطاغوت الصدامي بغية ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد : تغنُّم هذه العصابات للمكافئات المالية المجزية لاكتشافها "العبقري" و اسقاطها "البطولي المشهود" لتنظيم سياسي معادٍ يشكل خطراً جسيماً على مستقبل حكم إبن العوجة و عصاباته الاجرامية للعراق المنكوب بجائحتهم ؛ حشر أكبر عدد ممكن من الشباب التقدميين ضمن هذا التنظيم الذي يصطنعه ضباط الأمن بأنفسهم بغية تصفيتهم لاحقاً بضمان سوقهم للمحكمة التراجيكوميدية المتخصصة بإبادة معارضي سلطة إبن العوجة الارهابي على اعتبار أن أولئك الشباب هم الجماعة التي تنتمي لتنظيم معاد و أن هذه هي منشورات ذلك التنظيم و أدبياته كمستندات ثبوتية ، و ليس كعمل فردي مثلما هو بالفعل في حالة هذا المنشور للبطل عماد كاظم حسن . و من المعلوم أن قوانين عصابات حزب البعث الاجرامي العميل كانت تحكم بالإعدام على هذه التهمة التي تقتضي اشتراك أكثر من شخص واحد ضمن تشكيل التنظيم المعادي . و من هنا يأتي حرص العصابات الأمنية المبيّت مع سبق الاصرار و الترصدّ على حشر أكبر عدد ممن يمكن حشرهم من الشباب الأبرياء فيه ظلماً و عدواناُ . و بوسع المرء المطَّلع أن يؤكد الآن بأن مئات الألوف من زهرة شباب الشعب العراقي و من أخلص و أشرف رجالاته و أكبر عقوله و أشجع قلوبه قد تم اعدامهم أو سجنهم بتلفيق تهم التخطيط للانقلابات العسكرية الوهمية لهم أو تشكيل التنظيمات المعادية المفبركة ضدهم طوال الفترة الممتدة منذ الانقلاب العفلقي الكارثي عام 1968 و حتى عام سقوط الصنم صدام على أيدي أسياده السابقين من طواغيت الإمبريالية عدوّة الشعوب بعد أن أبق عبدهم العميل إبن العوجة من خدماته المخلصة و المجزية طوال الفترة من عام 1959 و لغاية 1990 لمصالحهم الاجرامية في العراق و المنطقة ، و احترقت ورقته ، فبات من اللازم استبداله بعبد مطيع لهم جديد مثل آل سعود و آل طقعان و آل خليفة و السيسي و الحكام الصهاينة و من لف لفهم من الأذيال الأنذال .
و هكذا ، فقد عمدت عصابة أمن القاسم الى حشر اسم طالب كلية الهندسة الشيوعي حسن عبد علي جبر (المرفوعة ضده عدة تقارير سابقة من طرف جرذان حزب البعث العميل المبثوثة في كل مكان) حشراً ضمن أسماء الشباب الثمانية من أهل القاسم لأعضاء "التنظيم الشيوعي المعادي" المفبرك من طرفها لِما أطلقت عليه هي اسم قضية : "عماد كاظم حسن و جماعته" ، و أحالتهم ألى "المحكمة المبيدة للثورة وللثوار " برئاسة السفّاح في حينها : مسلم هادي موسى الجبوري بغية تصفيتهم : "حسب الأصول الصدّامية" رغم انتفاء وجود أيَّما صلة فعلية لهم بحشع ولا بقضية المنشور نفسه . و عندما يفشل مسعى عصابات الأمن الاجرامية في إعدام أو سجن المناضل الشيوعي المشخص لديها في قضية التنظيم المفبرك له (أ) ، فسرعان ما ستعاجله بتعليب نفس هذا المناضل السياسي في قضية التنظيم المفبرك (ب) و (ج) .. حتى ازهاق روحه بأي طريقة كانت - باعتباره مجرد "سمك في الشط مصيره الحتمي هو الاصطياد و الذبح في يوم ما" على حد تعبير أزلام تلك العصابات من المتمنطقين المتفستقين - مثلما حصل فعلاً للشهيد حسن عبد على جبر ، حسبما سيتبين لنا .
يتبع ، لطفاً .