حرب اوكرانيا: حرب اخرى يخسرها الغرب!


توما حميد
الحوار المتمدن - العدد: 7182 - 2022 / 3 / 6 - 16:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

بنظري لقد خسر الغرب بالفعل الحرب في أوكرانيا، وهذا هو السبب وراء حجم الهستيريا ضد روسيا. كان هناك اعتقاد، بان قادة البرجوازية الغربية يتصرفون بحكمة وبرودة أعصاب، بعيدا عن العواطف حتى في وقت الازمات، ولكن في الحقيقة أدخلت الازمة الاوكرانية معظم الطبقة الحاكمة في الغرب في هستيريا قل نظيريها. لقد قالوا في البداية، سنتخذ الإجراءات ضد روسيا التي لا تضر بالاقتصاديات الغربية بشكل كبير، مثل منع تصدير التكنلوجيا الى روسيا وتعليق عمل خط "نورث ستريم 2 "، وفرض الحصار على بعض الافراد في الحكومة الروسية الخ. قالوا مرارا بأنهم لن يقوموا بطرد روسيا من نظام "سويفت" او فرض عقوبات على البنك المركزي او على قطاع الطاقة الروسي. ولكن يتصرف القادة السياسيين في الغرب بالضد من نصائح كل "خبراء" الاقتصاد بما فيه هيئة إدارة البنوك المركزية الاوربية والبنك الاحتياطي الأمريكي والبنوك والمؤسسات الرأسمالية العملاقة في وول ستريت وغيرها. باتوا يرمون بكل ما في جعبتهم ضد روسيا، بما فيه فرض العقوبات على البنك المركزي، وطرد البنوك الروسية من نظام سويفت، وهناك مطالبات بوقف شراء النفط من روسيا. وبالفعل تمتنع الكثير من الشركات من شراء النفط الروسي حيث تقوم بالالتزام بعقوبات ضد هذا القطاع حتى قبل ان تصدر بشكل رسمي، ولا تستقبل الكثير من الموانئ السفن الروسية التي تحمل النفط، ولهذا تجد روسيا صعوبة في بيع نفطها في الأيام الأخيرة. وهناك تقارير بان 70% من النفط الروسي لا يجد سوق في وقت يوجد نقص في كميات النفط في السوق العالمي. وهذه الهستيريا وصلت الى درجة يتم حضر كل الاعلام الروسي في الاتحاد الأوربي وبريطانيا، وغلق الأجواء امام الطائرات، وتقرر شركات وبنوك ومؤسسات غربية كبيرة بخلق نشاطاتها في روسيا والمغادرة، ومنع الروس من استخدام الماستر كارت ونظام ابل وغوغل للمدفوعات، ومعاقبة وطرد الطلاب والفنانين الروس، ومنع العروض الروسية من نيتفليكس ومقاطعتهم في مجال الرياضة والفن والترفيه والموسيقى والسفر والتكنلوجيا. لقد وصل الامر بالاتحاد الدولي للقطط بمنع القطط الروسية المملوكة للروسيين من المشاركة في المنافسات الدولية.
الهستيريا تأخذ شكل اخر وهو اختزال القضية بشخص بوتين ومن ثم نعته ب "هتلر جديد"، والترويج بانه فقط عقله او مصاب بسرطان الدماغ او اعراض كوفيد طويلة الأمد او البارانويا واختزال الصراع بانه صراع بين الخير والشر، والترويج بان روسيا تخسر الحرب بشكل مريع، مقابل قصص التي تشبه الاساطير حول المقاومة الاوكرانية ضد القوات الروسية، دون تقديم أي ادلة موثوقة رغم ان الانترنيت يعمل بشكل طبيعي في أوكرانيا ومعظم الاوكرانيين يمتلكون هواتف جوالة. والذي يسمع الاعلام الغربي يعتقد بان العالم كله يقف مع الغرب وضد روسيا وكان العالم يقتصر على أوروبا وامريكا الشمالية. والهستيريا تتضمن المطالبة بالقيام بإجراءات من قبل الناتو التي من شأنها ان تؤدي الى الدخول في حرب مع روسيا التي تمتلك أكبر عدد من الرؤوس النووية.
لا يمكن تفسير هذه الهستيريا لان الحرب تؤدي الى قتل الأبرياء، اذ يقتل العشرات يوميا في حرب اليمين التي أودت بحياة ما لا يقل عن 300 ألف شخص، وفي نفس الوقت تقوم إسرائيل وامريكا وحلفائها بقصف سوريا واليمن وصوماليا والكثير من الدول الافريقية بشكل شبه يومي.
كما لا يمكن تفسيرها لان بوتين جلب الحرب الى أوروبا، او ان الحرب هذه المرة هي ضد " اوروبا المتحضرة" عكس العراق وأفغانستان واليمن وليبيا وسوريا، والضحايا هم من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الزرق، فالناتو هو الذي دمر يوغسلافيا وقصف صربيا بشكل وحشي لمدة 78 يوما.
طبعا كون روسيا، بغض النظر عن طبيعة نظامها الرجعي، دولة ذات سيادة لا تخضع بسهولة لمشيئة الغرب هي سبب لهذا الحقد والهستيريا. ولكن السبب الرئيسي هو ان النخبة في الغرب تعرف حقيقة انها خسرت الحرب في أوكرانيا وهي هزيمة قريبة جدا من الناحية الزمنية من الهزيمة في أفغانستان والعراق وسوريا، وكل الذي يقومون به لن يجدي نفعا، ولذا بدأوا يتصرفون بشكل هستيري وغير عقلاني. فشخصيات مهمة في المؤسسة الحاكمة في أمريكا مثل أعضاء مجلس الشيوخ، لنزي غرام وادم شيف افتخروا بدعم القوى اليمينية في أوكرانيا. اذ قال ادم شيف ذات يوم، "أمريكا تدعم أوكرانيا حتى نحارب روسيا هناك وليس هنا". ويجدون اليوم كل برنامجهم الذي صرفوا عليه المليارات ينهار على رؤوسهم، وهذا هو سبب كل هذه الهستيريا.
هناك قليل من الشك، بان الإجراءات التي اتخذها الغرب ستؤدي الى ركود اقتصادي عميق في روسيا وسوف تعاني الطبقة العاملة في روسيا من ويلات، ولكن احتمال حدوث ركود في الغرب أيضا هو عالي جدا، الا اذا تم الوصول الى حل في وقت قريب. الفرق هو ان روسيا مهيئة ولها خطة للتعامل مع هذا الوضع، مثل الاكتفاء الذاتي والتوجه شرقا أي نحو الصين بالدرجة الاساسية، ولكن الغرب ليس مهيأ وليس له خطة للتعامل مع هذا الوضع.
من جهة أخرى، يمضي الوضع العسكري في أوكرانيا لصالح روسيا. تشير كل الدلائل بان الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا تفشل فقط حسب الخطة التي وضعها لها الغرب وهي خطة مماثلة لما قام به التحالف في 2003 ضد العراق، وهي تدمير كل البنية التحتية والمدنية في البلد واقتحام المدن والحاق اكبر الخسائر بالجيش في حين ان الحملة العسكرية الروسية تمضي حسب خطة مختلفة، وهي محاصرة الوحدات العسكرية والمدن الأوكرانية واجبارها الى الاستسلام او المفاوضات تحت الشروط الروسية وربما حتى تطبيق سيناريو سوريا وهو ارسال كل القوى اليمينية الى الغرب الاوكراني حول مدينة لفيف على الحدود البولندية وربما جعلها مشكلة للغرب اكثر من كونها مشكلة لروسيا.
ان الحملة العسكرية الروسية سوف تؤدي حتما الى مفاوضات جدية تفضي بالنهاية الى فرض روسيا شروطها على أوكرانيا، وهي ان تبقى محايدة. وتؤدي هذه الحرب الى تقوية العلاقات الاقتصادية الروسية مع الدول في الشرق وخاصة الصين على حساب علاقتها مع الغرب وتعجيل انهيار عالم احادي القطب.
في حال دخول الاقتصاديات الغربية في ركود، سوف تواجه كل الطبقة الحاكمة تحدي كبير جدا. فمن جهة ليس لديهم الكثير من الأوراق للتصدي للركود الذي أصبح امرا واردا، في وقت بدأ يصبح واضحا بان الغرب هو من أوصل الأمور الى هذا الحال، وفي المستقبل سوف تصبح مسالة وجود قوة من اقصى اليمين، من القوميين والفاشيين والنازيين مثل كتيبة "ازوف" واذرعها السياسية في أوكرانيا التي تلقت وتتلقى الدعم العسكري والمالي والسياسي من الغرب امرا واضحا كما اصبح واضحا وقوف الغرب الى جانب فرق الموت للنصرة وجند الإسلام في سوريا.
لن يكون بإمكانهم انكار دور الغرب في خلق الوضع الحالي. اذ توقع عدد كبير من المفكرين والاستراتيجيين في الغرب نفسه هذه الحرب، إذا استمر الناتو في تصرفاته مثل جون ميرشيمر، ونعوم جوميسكي وستيفين كوين وجيفري ساكس وهنري كسينجر وجورج كينين واثنان من رؤساء الوزراء السابقين في استراليا وهم مالكم فريزر وبول كيتينك ومدير السي أي أي السابق بيل بيرنز، ووزير الدفاع الأمريكي السابق بوب غيتس وعشرات اخرين.
عندما تصبح حياة الانسان في الغرب جحيما نتيجة سياسات الطبقة الحاكمة سوف لن يجدي الرياء حول الوقوف بوجه الحرب نفعا.
ليس هناك أي شك بانه كان بالإمكان تفادي الحرب الحالية في أوكرانيا. ولكن الان حيث الحرب تستعير، يجب الوقوف بقوة ضدها، لأنها مثل كل الحروب تتسبب في معاناة إنسانية هائلة وتقوية النزعات الرجعية. وتصبح الطبقة العاملة وقود لها، حيث للأسف، تصطف الطبقة العاملة في كل بلد مع برجوازيتها الوطنية. يجب ان نعرف جيدا بان الازمة وحتى الحرب لم تبدأ مع دخول القوات الروسية الى أوكرانيا. يجب ان ننظر الى هذه الازمة بكل خلفياتها. يجب الضغط على كل الأطراف اي روسيا واكرانيا والناتو من اجل الوصول الى حل فوري لهذه الازمة. يجب ان تتحمل الحكومة الروسية المسؤولية عن تدخلها العسكري في أوكرانيا. كما يجب ان يتحمل الناتو مسؤوليته، لان الغرب تسبب في الازمة والحرب منذ ان قرر التوسع شرقا، ولكن بشكل خاص منذ اشتداد تدخل الغرب في أوكرانيا في 2013. من جهة أخرى، للحكومة الأوكرانية مسؤولية نتيجة التخلي عن اتفاقية مينسك والقمع الذي تمارسه ضد جزء من قاطني أوكرانيا الناطقين باللغة الروسية. بإمكان جبهة عالمية للقوى التحررية من خلق الضغط اللازم لإجبار كل الأطراف للوصول الى حل لهذه الكارثة، بشرط ان تفصل صفوفها عن الدعاية الحربية للأطراف البرجوازية وخاصة القطب الغربي بقيادة امريكا.