هل يحل علم الجينات مشكلة المنتحلين للنسب الهاشمي ؟


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7173 - 2022 / 2 / 25 - 15:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية     

لأسباب تاريخية و اجتماعية و سياسية معروفة ، تزخر كل البلدان الإسلامية – بل و حتى غير الاسلامية – بأعداد لا تحصى من المنتحلين للقب "السيد" أو "الشريف" بزعم انحدارهم من النسل الهاشمي لآل بيت النبي محمد ، أو الطالبيين . وتشمل هذه الظاهرة كل البلدان التي يتواجد فيها المسلمون - من بلدان المغرب العربي إلى الصين عرضاً ، و من كازاخستان إلى ماليزيا و إندونيسيا بالطول . و لقد تزايدت أعداد هؤلاء على مر القرون حتى اختلطت الانساب الشريفة الصحيحة بتلك المنتحلة ، و باتت هذه مشكلة اجتماعية مستعصية على الحل . كما شهدت كل عهود ما بعد الاسلام العديد الأصوات المشككة أو الطاعنة - سراً أو علناً - في هذا البلد بصحة نسب "السادة " في ذاك البلد ، بل و حتى صحة النسب من بين "السادة" داخل البلد الواحد ، و ضمن المدينة الواحدة . و بالطبع ، فأن الغالبية العظمى من أفراد القبائل العربية المعروفة يفتخرون بأصولهم التاريخية القحة ، و لا يقبلون لها تبديلاً . و لكن الانتهازيون موجودون عبر كل التاريخ البشري . و لقد تنبهت الدولة العباسية لهذه المشكلة ، فأسست ما يعرف بـ "نقابة الأشراف الطالبيين " في البلدان التابعة لها لتوثيق نسب الطالبيين فيها ، و كان الشاعر الفذ – الشريف الرضي (359 هـ - 406 هـ / 969 - 1015م)- هو نقيبها في بغداد بعد أبيه ؛ و لكن الامر انفرط بعد سقوط الدولة العباسية و تفاقم منذئذٍ في أصقاع العالم الاسلامي قرنا بعد قرن .
غير أن القفزات الحاصلة مؤخراً في علم الوراثة حققت نتائج مذهلة في التتبع و التحقق من أشجار النسب العائلية البشرية – بل و حتى غير البشرية . و بات من اليسير التمييز مختبرياً بين المتحدرين من هذه الشجرة العائلية أو تلك بفضل التقدم الكبير المنجز في دقة فحوصات الحمض النووي (DNA)التي نجحت – مثلاً – في رسم شجرة النسب للفراعنة المصريين من مومياءاهم ، بل و حتى رسم صور تقريبية لهم اعتماداً على صفاتهم الوراثية التي كشفت عنها تلك الفحوصات . و يمكن تطبيق نفس هذه الانجازات في رسم الخارطة الجينية لكل عشيرة و طائفة على وجه اليقين ؛ فهل ستشهد البلدان الاسلامية قيام نقابة مشابهة لنقابة الطالبيين العباسية لتميز عبر فحوصات الحامض النووي بين الهاشمي الصحيح النسب و منتحله ؟
ليس هذا و حسب ، بل أن القفزات في هذه العلم قد استطاعت مؤخراً تتبع شجرة النَسَب البشرية لما قبل 100000 سنة خلت في كل قارة من قارات العالم عبر الجمع بين الجينوم الحديث و القديم ! ففي مقال بعنوان :
"الحمض النووي يكشف عن أكبر شجرة عائلة بشرية على الإطلاق ، يعود تاريخها إلى 100000 عام"
كتب الصحفي "جاك جاي" في السي أن أن (CNN) بتاريخ 24 شباط الحالي ما يلي :
نص المقال :
لقد تطورت الأبحاث الجينية البشرية بسرعة خلال العقود الأخيرة ، مما أدى إلى توليد كميات هائلة من المعلومات الجديدة ؛حيث استخدم الباحثون في لندن معطيات علم الوراثة لإنشاء أكبر شجرة عائلة بشرية على الإطلاق ، مما يسمح للأفراد بمعرفة من هم أسلافهم البعيدين وأين عاشوا ، فضلاً عن كيفية ارتباطهم الجيني بالضبط بكل شخص موجود على قيد الحياة اليوم .
يتولى البحث العلمي - الذي أجراه العلماء من معهد البيانات الضخمة في جامعة أكسفورد على الجينومات البشرية المأخوذة من مجموعات متنوعة من المصادر - الجمع بين كل من الحمض النووي القديم والحديث ، بغية فهم تاريخ البشرية وتطورها بشكل أفضل. و مثلما تُظهر شجرة العائلة كيف يرتبط الفرد بوالديه أو بإخوته ، فإن علم الأنساب الجيني الحديث يستطيع الآن أن يكشف عن الجينات المشتركة بين أي شخصين ، حسبما بيَّن لنا "أنتوني ويلدر وونز" الباحث في دراسة ما بعد الدكتوراه في معهد برود التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وهارفارد .
وعلى هذا النحو ، يمكن أن تتوضح لنا أي النقاط في الجينوم البشري التي يشترك بها الأفراد في الجينات وأين يختلفون. يقول وونس: "ببساطة ، ما فعلناه هو أننا أنشأنا أكبر شجرة عائلة بشرية على الإطلاق". "إن لدينا سلسلة نسب واحدة تتعقب أسلاف البشرية جمعاء ، و هي توضح كيف أننا جميعًا مرتبطون ببعضنا البعض اليوم."
و يبيِّن هذا المصدر بأن أي شخص لديه الإمكانية للوصول إلى المعلومات الجينية الخاصة به يمكنه معرفة متى انتقل أسلافه إلى مكان معين في العالم ، ولماذا ورث هو الجينات الخاصة به .
و قال "وونز: "إنه – مبدئيا - الفهم للقصة الكاملة لتاريخ البشرية المكتوب في جيناتنا".
لقد تطورت الأبحاث الجينية البشرية بسرعة خلال العقود الأخيرة ، مما أدى إلى توليد كميات هائلة من المعلومات الجديدة. و قد قدمت التقنيات الجديدة الحاصلة في تحليل الحمض النووي القديم تفاصيل محيرة حول عصور ما قبل التاريخ ، حيث كشفت هذه البحاث عام 2010 على نحو مذهل عن أن البشر قد تزاوجوا مع إنسان النياندرتال المنقرض .
ومع ذلك ، فقد بقي من الصعب الجمع بين قواعد البيانات المختلفة ، ودمج الجينوم القديم مع الحديث ، وإيجاد الطرق للتعامل مع مثل هذا الكم الهائل من البيانات.
و أخيرا ، فقد نجح فريق أكسفورد بتطوير خوارزميات تمكِّن من الدمج بين الجينومات القديمة و الجديدة في أداتهم التحليلية .
قال وونز: " لقد كان ذلك هو أحد أكبر ابتكاراتنا".
وقال إن هذا الابتكار قد سمح لهم ببناء هيكل ما وصفوه بـ "علم الأنساب الجيني البشري" الذي بقي الحديث عنه حبيس النظرية لنحو 30 عامًا.
وأضاف: "نحن نحاول بشكل أساسي أن نخترق الحجب لنرى كيف يبدو ذلك" .
وكما تبدو الأمور ، فقد تم توثيق التسلسل الجيني لـ ( 3609 ) شخصا يعودون إلى (215) مجموعة بشرية ، يرجع تاريخ بعضها إلى أكثر من( 100000 ) عام. وتسمح هذه الطريقة بتوسيع هذا الرقم ليشمل ملايين الجينومات في المستقبل.
و تؤكد الورقة الاستنتاجات السائدة حالياُ حول تاريخ البشرية ، بما في ذلك كون أن معظم التطور البشري قد حصل في قارة إفريقيا وذلك قبل الهجرة الكبيرة للبشر خارج تلك القارة منذ حوالي 70 ألف عام ، كما يقول وونز. وقال : "إنه التأكيد المعزز من جوانب كثيرة لهذا الاعتقاد " ، مضيفًا بأن البيانات تبين أن معظم التنوع الجيني البشري فد حصل في إفريقيا وأن أقدم أسلاف الإنسان كانوا موجودين في تلك القارة : "من الواضح أن غالبية التطور البشري فد حصل في أفريقيا."
"المسودة الأولى" لعلم الأنساب الجيني
ومع ذلك ، فإن البيانات تثير التساؤلات أيضاً.
يقول وونز: "إنها توحي بحدوث حالات من الهجرات الجماعية غير معروفة في الماضي". على سبيل المثال ، هناك بعض الأدلة على أن أسلاف البشر الذين كانوا في أمريكا الشمالية قد وصلوا إلى هناك في وقت أبكر مما كان يُعتقد سابقًا ، لذا ، فإن هناك الحاجة للقيام بالمزيد من البحوث للكشف عن الهجرات غير المعروفة ، على حد قوله.
و شبّه وونز هذا البحث بـ "المسودة الأولى" لعلم الأنساب الجيني البشري ، وقال إن المزيد من العمل سيساعد في جعله أكثر دقة وشمولية. و سيساعد إضافة المزيد من أنواع الجينوم إليه في القيام بذلك . ولكن من أجل تحقيق الدقة الكاملة ، فأننا نحتاج إلى الحصول على جينوم كل إنسان عاش على الإطلاق ، كما قال ، وهذا أمر غير ممكن.
و قال وونز إنه يأمل بأن يستخدم الباحثون الآخرون هذا البرنامج ، المتاح للتنزيل جنبًا إلى جنب مع تعليمات الاستخدام ، كأساس للإجابة الأدق على الأسئلة المثارة حول الهجرة الحاصلة في مناطق جغرافية معينة.
وقال: "سيكون هذا مصدرًا غنيًا حقًا للتحقيقات المستقبلية في تاريخ التطور البشري".
و يعمل وونز نفسه مع باحثي الذكاء الاصطناعي لمحاولة الحصول على تقديرات أكثر دقة حول متى وأين عاش أسلاف البشر. و يمكن أيضًا استخدام نفس الطريقة لتطوير علم الأنساب لأي كائن حي ، بما في ذلك أمراض مثل (سارز-كوفيد-2) (SARS-CoV-2) ، وفيروس كورونا الذي يسبب (كوفيد 19) ( Covid-19 ) ، ويخطط وونز لدراسة العلاقة بين علم الوراثة والأمراض.
جاء هذا في البحث الذي نُشر يوم الخميس في مجلة (Science) "العِلم" .
"وعد كبير" للدراسات التطورية
وقال أندرس بيرجشتروم ، زميل لدراسات ما بعد الدكتوراه في علم الجينوم التطوري في معهد فرانسيس كريك بلندن ، لشبكة CNN بأن هذه الدراسة توفر طريقة جديدة لتقدير كيفية ارتباط الحمض النووي لدينا. و قال عبر البريد الإلكتروني: "إن استنتاج الأنساب الشبيهة بالأشجار التي تربط الحمض النووي بين الأشخاص المختلفين هي بمثابة العثور على "الكأس المقدسة" في علم الجينوم. و لن يتم حلها بالكامل أبدًا . لكن هذه الطريقة الحسابية الجديدة تخطو خطوة مهمة إلى الأمام بشأن حل هذه المشكلة". "أن علم الأنساب الذي يستنتجونه سيقدم رؤية غنية بشكل لا يصدق للتنوع الجيني البشري وللتاريخ. وهناك الكثير من الإثارة في علم الجينوم الآن حول الاحتمالات العديدة التي يمكن أن توفرها هذه الأساليب الحسابية الجديدة."
و قال بونتوس شغوغلوند ، رئيس مجموعة مختبر الجينوم القديم في معهد فرانسيس كريك ، لشبكة CNN إن هذه الدراسة تظهر بأن هذا النوع من النهج البحثي يمكن أن يمتد ليشمل قواعد البيانات الكبيرة .
كما قال شغوغلوند عبر البريد الإلكتروني: "إنهم يتوفرون الآن على وعد كبير بالفائدة في ميدان علم الوراثة الطبية والدراسات التطورية ، وأن بحثهم هذا يشكل خطوة كبيرة إلى الأمام نحو ذلك"."
إنتهى المقال .
و بالنظر لكون البلدان العربية تحيا حالياً خارج التاريخ بفضل بركات المساعي الرجعية المستديمة لحكامها الطغاة الطغام المتاجرين بالقومجية و الدينجية و الفاشية من آل سعود و آل نهيان و آل خليفة و السيسي ومن لف لفهم ممن يلغون العقل و الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان ، فأن أغلب الطن هو أن الخارطة الجينية لآل هاشم و لغيرهم من بيوتات و عشائر العرب – و هجراتهم – سترسمها للأجيال القادمة أنامل الباحثين المتخصصين في مكان آخر غير الشرق .