ثوابت نحتاجها -اسمها محمد 41-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7166 - 2022 / 2 / 18 - 23:47
المحور: الادب والفن     

لا أحد مثل أمي…
أحكي لكم عن أمي ثلاثة مواقف، قولوا لي عندها ما قولكم:

الأول: كنّا أطفالاً في الجزائر.. من الطبقة المتوسطة شرف المجتمع و صوت الثقافة البهيّ..
أمي تعدّ لنا وجبةً معتادة : بصل ولحم..
ينتظرها أخوتي في الغرفة البسيطة..
أدخل أنا المطبخ أراها تقطع البصل.. تقليّه مع توابل لحم، لا لحم في الطعام…
أقول لأمي: كنتُ أظنها مع لحم..
تجيب:
-أحياناً و غالباً هي بصل بتوابل لحم فقط.. هذا سر بيني وبينك، إذا عرف أخوتك الصغار لن يأكلوا…

-أنا ابتسمتُ و غمزتها.. و على مائدة الطعام كان هناك ضحك كثير..
من قال أن البروتينات تأتي من الطعام فقط، هناك بروتين يسمى الأمومة!


الثاني:
عندما أساءت إحداهنّ لأمي وأهانتها..
كنت في الثانية عشرة.. قلت لها: لا تحدثيها بعد الآن..
وردت أمي: لا أحد يستطيع الإساءة إليك إلا أنتِ.. نحن باحترامنا لأنفسنا وعملنا الجاد نستمر..
كثيرون يمرون في حياتنا لتعليم الدروس ليس إلا…
الحكمة أفضل نعمة من الله على عبده.. و الحكمة في أن تحب الجميع و تقدم الأعذار.. الحقد والكراهية يأكلان صاحبهما أولاً…

-بعد كلام أمي أحببت الجميع.. ولم يقدر شخص على هذه الأرض على الإساءة لي…



الثالث:
كنتُ مراهقة في سوريا وفي ذلك الوقت على قدر كبير من الجمال - ليس الآن- ..
أخذتني أمي و اشترت لي ملابس من سيدة تحضر الملابس من تركيا.. لم تشترِ لنفسها شيئاً..
قالت لي:
-هذه لكِ لأني أعرف أنك أردتها، أما الحقيقة فأنت من تضعين القيمة لما ترتدينه وليس العكس..
أنت جميلة لكن هذا ليس الأهم.. أنت الأولى في المدرسة علماً و أخلاقاً..
الجمال تحصيل حاصل.. زائل و لا قيمة له عند مفترقات الطرق الكبيرة… لا تجعلي من جمالك عدواً لك…


-في مفارق “ الطرق الكبيرة” كنت دوماً ببدلة الطبيب الزرقاء، أو المريول الأبيض.. وكان صوت أمي معي:
أنت تضعين القيمة فيما ترتدينه وليس العكس…


هذا بعض مما أستطيع أن أحكيه عن أمي، وفيما لم احكيه ثوابت حيوات أخرى…

**************


يقولون أنه يجب أن تترك العلاقات الصعبة، العمل المجحف.. والحياة التي لم تخترها..
في الحقيقة كلما كثرت صعابك، كلما صدى نجاحك!
كلما اشتدت أحزانك، تبعها فجر جديد…
يقول مارك توين:
"تسافر الكذبة حول العالم وتعود بينما لا تزال الحقيقة تربط حذاءها…".
هذا ما قررته عندما سمعت كذبة زميل في العمل..
تابعت عملي.. عزمت على الصمت، وربط حذائي جيداً…

كل شيء يحدث في هذه الحياة له سبب، طاقة، قوة جذب.. وأثر فراشة.. حتى الأكاذيب…

اربطوا أحذيتكم جيداً.. السفر حول العالم بسرعة لا متعة فيه.. الحياة هي أن تقف وتعيش لحظتك بثبات…

***********


لن ترتاح حتى تترك ذلك المنزل وتعود إلى قريتك..
تزرع الطماطم، البطاطا.. التفاح والكرز.. هل تذكر أشجار الكرز؟ ونعمة أزهار الكرز.. هل تعرف ما معنى أن تكون ذكراً في بعض الطوائف والديانات..
معناه أنك ترث، ومعناه أيضاً أن حياتك لوحدك في القرية شيء لا يقابله استنكار ولا تشويه سمعة…

ابتسمتْ وودعته.. بينما ظلّ هو يعيد كلامها.. ومع كل إعادة يكتشف أن صدق الكلمات يكفل لها الإقامة بين تلافيف الدماغ!

قال لنفسه:
معها حق يا شجاع..
لن ترتاح وأنت تنتمي إلى زمن العولمة وبيتك ليس فيه كهرباء..

معها حق يا محارب.. كيف تركت تلك القرية.. وهجرت تلك الأرض؟

كيف قبلت بربطة عنق المثقف الأعور.. الذي يرى نصف حقيقة ويعيش نصف عمر؟
لماذا؟
عمرك يا رفيق يقصر مع كل يوم تعيشه في هذا الذل.. عدْ.. فإن في عودتك نقاء روحك وراحة نفسك…

ليس أتعس ممن تأكل الأمراض روحه.. فيما يضج جسده شباباً…
في عودتك لما يريح روحك: ثباتها…




يتبع…
-الرواية تحمل بين صفحاتها الجزء الثالث من رواية عليّ السوري
للتحميل:
https://www.lamamuhammad.com