سمسار الجن العاوي : أجرب السرجيناوي


حسين علوان حسين
الحوار المتمدن - العدد: 7124 - 2022 / 1 / 2 - 17:41
المحور: الادب والفن     

كان ياما كان ، في أغدر و أحط الأزمان ، سمسار الجن المسموم : أجرب السرجيناوي الذائع الصيت في البلاد كسمسار مهروش لشراب الجن المغشوش . تعلَّم أجرب هذا الكار باعتباره عبداَ عظيم الطاعة و الاخلاص لسيده أبو الجعلان الموسوي . و قد دأب أجرب طول حياته على تخمير الماء المذاب فيه السكر و خميرة الخبز و نكهة توت العرعر لمدة شهر في قِرَب ضخمة من الزجاج ذات الفوهات الضيقة و المغلقة بسدادات تثقب ثلاثاً بالدبوس . بعدها يعبئ هذا الشراب المتخمر بالقناني الفارغة التي يجمعها من مكبات الزبالة و يلصق عليها واحدة من عدة لزقات : "جن الطنطل" و "جن الطوطم" و "الجن الاسطوري" و "الجن الخرافي" و "جن الجان" و "جن العلماء" . و اشتهر عن كل من يحتسي أياً من أنواع الجن المغشوش هذا اصابته فجأة بمس من الجنون السريع الذي يجعله يستخف بكل الأخطار المحيقة به ، فينقز في الطرقات بساق واحدة و هو يخبط بالسابلة فيلزق بهم و يرقّصهم معه و هو يتشمم ويلعق و يعض و يقرص و يتسلق . و عندما لا يجد شاربه من يستطيع التورشع عليه من الناس ، فإنه يعانق و يتورشع - متشمماً و لاعقاً و متسلقاً - الأبواب و الشبابيك و الجدران و السلالم في الغرف و البيوت و السطوح و الشوارع و العربات و الجسور . فإن لم يلق الشارب حتفه جراء التحرش بالناس و بالأنهار و بالسيارات و تسلق البنايات ، فيصحو بعد لأيٍ من الانسطال و يسترجع حماقاته الرهيبة المخجلة التي اقترفها في سكرته ، و يذهب ليعاتب أجرب السرجيناوي على شرابه المغشوش ، يرد عليه هذا بالقول :
- يا أستاذي الكريم ، أيها البروفسور الكبير و الصديق العزيز ؛ أنت تعرف جيداً أحسن مني بأنك قد ابتعت مني أفخر و أرقى أنواع المشروب في العالم ، المقطّر بأحدث الطرق العلمية و المكائن السويسرية الدقيقة و المجربة عال العال ؛ وتعلم علم اليقين أن هذا الشراب الشريف ما سُمّي بالجن إلا لأن كل مخلوقات الله من الجن قد اختارت التلبّس فيه بكل أدب و احتشام وسكينة ، و هي لا تهيج في جوف شاربه إلا إذا كان مثلك عبقرياً و شديد الرهافة و عالي الثقافة ! فما ذنبي أنا يا سيدي المبجل إن كنتَ أنتَ إنساناً راقياً شفافاً أعزه الله العلي القدير بمننه العظام التي لا يهبها إلا لمن يحبه و يعزه من عباده الصالحين النادرين الأصلاء ؟
و بفعل اشتهار سمعة هذه التأثير السريع و المفاجئ لجن السرجيناوي المغشوش و المسكون بجن الجان ، فقد سُمي هو و بائعه بـ "الغدّارين" ممن تسببوا بوفاة العديد من مواطنيهم الأبرياء . ويوماً بعد يوم ، فقد تعاظم اسوداد صفحة الأجرب و أسياده بالجرائم الفظيعة بعد تزايد غدرهم و شرهم المستطير الذي لم يترك أحداً من أهالي الحضر و لا القاطنين في الجوار- ناهيك عن الساعين في القفار - دون الفتك أجبن الفتك بهم . و رغم ما يتكلف السرجيناوي و أسياده دوماً من أدب الحوار و اتهامهم ضحاياهم بالتحرش بالجن النائم - فقد تألب عليهم الناس من كل حدب و صوب . حتى جاء اليوم الذي تنادوا فيه واجتمعوا متراصين ضد الغدّارين ، و لكن أجرباً و سادته ألحفوا بالاحتجاج قائلين : "ما ذنبنا إن كنا نحسن صنع الجن الممتاز؟ الا تعرفون بأننا نتقن الرقص على الحبال و نستطيع بناء جمهورية مبيدة في بلد صغير مشرد السكان ؟". عندها أخرجهم الناس الغاضبون من الدار و طردوهم شر طرده في وضح النهار . ثم انثنوا فأحرقوا مصنع التسميم العائد لهم ، و طقطقوا على جمراته الحرمل لطرد شر شياطين الجن الساكنين فيه ، و تسليمهم لغضب الله الجبار .
في بلاد "أبو ناجي" ، عاود العبد أجرب السرجيناوي – بتوجيه من نفس أسياده الأبديين – انتاج و بيع الجن المغشوش بكافة أصنافه المسمومة على الشبكة العنكبية ، خصوصاً لمن يستريب منه إمكانية قيامه بكشف شروره الرهيبة مستقبلاً حسب مبدأ : "شن الحروب الاستباقية" الذي به يُؤمن و يُنادي ، و له يُطبِّق كل يوم . فأسس له عديد المواقع المتخصصة للدعاية الموجهة لسمومه و بيعها بأبخس الأثمان و بأجمل الحلل و السيلوفان ، زاعماً أنه الدواء الناجع لجمهرة من الأمراض الجسدية الخبيثة وللاضطرابات النفسية الرهيبة للأرواح الحزينة و القلوب المسكينة و العقل الوسنان . فمن كان يعاني من العجز الجنسي ، وصف له "جن الطنطل" الذي يعظّم نشاط الخصاوي أيما تعظيم فيجعله ينكح مثل النبي سليمان . و من كان يشكو تلبس الشياطين فيه و سوء الطالع ، وصف له "جن الطوطم" الطارد للأرواح الشريرة و الجالب للبخت – حسب القانون العلمي الثابت عنده هو أسياده : و داوني بالتي كانت هي الداء . و من كان يشكو من فقر الدم بأنواعه و من برد الأرجل عند المنام ، وصف له شراب "الجن الاسطوري" الحار المعالج الباريء لبرودة الدم وفقر خيال العقل . أما شراب "الجن الخرافي" فهو بزعمه العلاج الشافي الجالب للسعادة لمن يشكو من الهم و الغم و استفحال الكآبة واضطرابات القلق . في حين أن أنجع دواء للمصابين بطيف الفصام وللاضطرابات الذهانية الأخرى إنما هو شراب "جن الجان" السريع المفعول على نحو يجنن على نحو تام . أما "جن العلماء" ، فهو الدواء المجرب لاضطراب ثنائي القطب وللوسواس القهري لكونه معروفاً بتحويله سمك الشبوط المتزلبط إلى علماء أفذاذ من الحاصلين على جوائز "نوبل" و "الأوسكار" و "اللمبجي داوود وعلومه" السنية . و قد اغتيل بسموم أجرب و أسياده جراء كل هذه الدعاية المضللة آلاف الأطفال المساكين ، وفوقهم مئات الآلاف من البشر الأبرياء المستهدفين بعد أن تجسس أجرب و أسياده ببرنامجهم البيغاسوس و غيره علي حيواتهم الخاصة و سجلوا أدق التفاصيل مستغلين إياها للابتزاز .
و لأن المكر السيء لا يلحق إلا بأهله ، فقد هاجت ضدهم عديد المواقع الإلكترونية التي تُعنى بنشر الحقائق و الوقائع و الدقائق و التي تهتم بحماية المستهلكين من سمومهم القتّالة ، فكشفت للرأي العام زيفهم و حذرت الناس من شرورهم و جرائمهم الموثقة في الإبادة الجماعية للأبرياء المستضعفين . عندها جنّد أجرب الجريباوي في خدمته جيشاً من الذباب الإلكتروني بأسماء رباعية مزورة – بعض الأسماء اللامعة لأصحابها تعود لأشخاص متوفين بغية تدمير تاريخهم الشريف المشهور – لنشر الأكاذيب الشريرة عن محاسن سموم جنِّهم المغشوش و الفوائد الجمة لإباداتهم الجماعية ، و لمهاجمة فاضحي زيفهم بأقذع العبارات و أشنع الأكاذيب لحرق الشخصية ، و كذلك يفعلون . و لكن العاقلين يفهمون و يقولون ، عملاً بقول القائل : "لا يكفي أن تدرك الحقيقة ، بل يجب عليك قولها" .