كيف تصبح جاسوساً -اسمها محمد 35-


لمى محمد
الحوار المتمدن - العدد: 7052 - 2021 / 10 / 20 - 23:15
المحور: الادب والفن     

-الفن الذي لا يطير فوق سكان المقابر والعشوائيات.. طائر ٌ بلا جناحين …

-الفن الذي لا يشدّ لحافه ليغطي أقداماً حافية باردة لأطفال لا ذنب لهم ليس فناً.. بل استعراضٌ منافق على سجاد أحمر..
قلتِ لي منعت (الرقابة) العمل الفني لكونه يسلط الضوء على عشوائيات البلد؟!

-رفضوه بطريقة وأخرى.. تخيلي، العشوائيات التي كبرتُ أنا في مثلها يا عليا.. العشوائيات التي لمّت جوع طفولتي وأحزان أهلي غير موجودة في عرف (الوطنيين).. نحن نكبر مع الإلغاء..
محدثو النعمة يتمنون لنا الاختفاء.. لكن هيهات من عندنا تنطلق الثورات، ونحن أصل كل الحكايا…

-الطبقة المهمَّشة في كل بلد عربي هي الشاهد الحيّ على بؤس الحكومات وفساد السلطات.. الطبقة المهمّشة في كل بلد عربي تحمل في سبب تهميشها سواء كان طائفي، اجتماعي، اقتصادي، لوني أو قومي حكاية هذا البلد…

في أحاديثي مع سنيّة أمل وحب يكبران مع الفاصلة والنقطة، سنية التي خرجت قوية جميلة ومثابرة من بين أنقاض الفقر والتهميش في مصر تحكي لي حكايا وحواديت مصريّة كل صباح..
لم أشعر يوماً بأني غريبة عن هذا البلد، بل يمتلئ بيتي بتحف ولوحات من مصر.. ويعتقد جيراني أني ولدت في مصر، لم يسألوني ولا أنا صححت لهم.. ما مصر وما سوريا؟ في قلبي أنتمي إلى الإنسان، وفي عقلي الحدود حكايا استعمار يجب أن نحاربها…
************



-لا تندم مطلقاً على ما سيّره الله باتجاه ما، لا تعرف ما الحكمة منه…
-ما تقصدين يا عليا؟
-كنتُ أجلس في أحد مقاهي سان دييغو الجميلة عندما جلس قبالتي شاب وفتاة في ربيع العمر، طلبا وجبتي طعام وعصير، وفيما يأكلان تلقى الشاب مكالمة هاتفية، فقام مسرعاً دون أن ينهي طعامه، ولحقت به الفتاة..
لم يأخذا بواقي طعامهما وهذا في عرف الأمريكيين قلة أدب.. بعدها مرّ مشرد، رأى الطعام، جلس على الطاولة وبدأ يأكل، في نظراته كان امتنان الدنيا كله.. وفي قلبي سعادتها…

ابتسمت أحلام:
-فهمت، بالمناسبة كان أول ما لفت نظري في المطاعم هنا، كيف يأخذ الأمريكيون طعامهم معهم.. في اليمن حتى الطبقة التي تعتبر نفسها مثقفة تجبر أولادها على أكل مايبقى من الطعام، وليس من الشائع أخذ البواقي…

-الإنسان الشبعان المحترم يأخذ ما تبقى في صحنه معه كوجبة يوم آخر.. ويعلم ذلك لأطفاله بحب وحنان، ليس بقمع وإجبار…
الساذج فقط من يفرض على نفسه تعبئة معدته بعد إحساس الشبع..
أما محدث النعمة عديم التربية، فيعتقد أن في أخذ بواقي طعامه عيب أو عار.

-مايحدث في أوطاننا أننا نرث العادات ولا نفكر بها.. الجيل الجديد.. الجديد فقط من سينسف عادات بالية…

*************


تأخرت في ذلك اليوم على موعدي مع آدم.. قلت له:
-آسفة تأخرت بسبب حواري الصباحي مع سنية..
-حدثيني يا شهرزاد…

حكيتُ له..ابتسم وهز رأسه، ثم قال:
-تعرفين أنّ الدول تنتقي الجواسيس غالباً من الموالين بتطرف لأنظمة الحكم في الدول العربيّ.. أو من المعارضين بتطرف.. المعارضون حقاً والمحايدون أصحاب كلمة الحق لا خبزة لهم في العمل الجاسوسي..
-تمزح؟ ها؟ أو تعمّم؟
-لا أبداً.. لا أمزح، لكن لا أعمّم.. عموماً أول ما يُطلَبُ في الجاسوس ألا يهتم بتحسين أحوال وطنه، وأن يكون منافقاً جيد.. كيف يرضى من يحب وطنه ببؤس ناسه؟ كيف يقبل من يحب وطنه بكونه عش هجرة؟ كيف نعادي ونتطرف في زمن الأخوة الأعداء.. من نوالي؟ ولماذا؟ من نعارض؟ وكيف؟
في بلدان العالم الثالث كلها.. تسوء الأوضاع بسبب تهميش قوة المحايدين الحقيقة.. العقول التي تريد أن تدحر الفساد، تكشف السّراق وتنقذ الفقراء..

-تتحدث عن تلك البلدان وكأنك عشت فيها…

ارتبك آدم.. وقال:
-عرضوا عليّ العمل كجاسوس لإحدى الدول.. ثم ضحك وتابع: أمزح.. أمزح…

-هل هي الطبقة المهمشة التي كنت تتحاورين مع سنية حولها؟

-أجل يا آدم هي من الطبقات المهمشة حتماً في بلدان التيجان والعمائم…

صمتُ بعدها.. وتحركت فيّ (البارانويا) العربية: يا حبيبي جاسوس…


يتبع…

الرواية تحمل في صفحاتها الجزء الثالث من رواية عليّ السوريّ.
للتحميل عبر الرابط:
https://www.lamamuhammad.com