الاغتيال السياسي.


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 7016 - 2021 / 9 / 11 - 14:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الاغتيال السياسي قديم قدم السياسة نفسها منذ أصبح لها مؤسسة تتجلى من خلالها اسمها الدولة ،والهدف منه تغيير وضع سياسي ، إن لم يكن كليا فجزئيا على الأقل، وعبره يجري تحديد شخص بعينه تمثل ازاحته شرطا لبلوغ هدف أو جملة من الأهداف السياسية.
و لا يتم الاغتيال على أيدي أعداء معلومين دوما ، وإنما يمكن أن يكون أبطاله أيضا أصدقاء مُقربين ، حتى أن الضحية لا تدرك غدرها إلا وهى على عتبة الهلاك وأعين هؤلاء الأصدقاء تحدق فيها بشماتة . ومن الأمثلة المعروفة اغتيال يوليوس قيصر الذي قاوم أعداءه بشجاعة ، وعندما لمح صديقه من بينهم صاح : حتى أنت يا بروتوس ، ثم خر صريعا. ويمكن ان يكون الاغتيال صامتا أو صاخبا.
والقيمون على الاغتيال ومنفذوه يجدون غالبا تبريرا لصنيعهم باعتباره عملا بطوليا اقتضته المصلحة العليا لوطن وطبقة وحزب وطائفة وقبيلة ، وفي حال نجاحهم يجري غالبا تبجيلهم واغداق صفات الشجاعة والبطولة عليهم ، وفي حال الإخفاق تحل بهم اللعنات . غير أن هذا ليس قانونا عاما ، فكم من اغتيال فاشل قُتل مُنفذوه فاحتسبهم البعض شهداء ، وكـــــم من اغتيال ناجح أعتبر أصحابه من الجبناء .
وقديما نجد كما قلنا اغتيال يوليوس قيصر في روما ، ولدى المسلمين كان اغتيال عثمان وعمر وعلى والحسين ، قبل أن يصبح الاغتيال شبه تقليد في السياسة الاسلامية ، حتى أن هناك فرقة سياسية دينية جعلت منه استراتيجيتها ، ونعني جماعة الحشاشين التي ينسب بعضهم الى قائدها الحسن ابن الصباح قوله :
نحن قوم اذا ما انتصبنا ليوم سفوك +++++ سيوفنا أغمادها بطون الملوك .
وضحايا الاغتيال ليسوا دوما من الحكام، وانما من معارضيهم أيضا ، وعندما اغتال الاخوان المسلمون في مصر على سبيل الذكر الوزير النقراشي كانت النتيجة اغتيال مؤسس حركتهم حسن البنا أيضا ، رغم تبرؤه منهم في بيان شهير عنوانه : ليسوا اخوانا وليسوا مسلمين .
وفي تونس الغارقة في التناقضات السياسية الكبيرة التي لم تجد سبيلا الى حلها غداة انتفاضتها ، خيم شبح الاغتيال السياسي بظله الثقيل على البلاد ، وكان له ضحاياه ، ثم خف ذلك الظل قبل أن يعود ثانية الى سالف عهده في الآونة الأخيرة مع احداث وخطابات مرتبطة به ، مثل الحديث عن الخبز المسموم والطرد المسموم والقاء قبض على ذئب قيل إنه منفرد ، متسلل من ليبيا ، وتصريح النائب في البرلمان الليبي علي التكبالي بأن مسؤولا ليبيا كبيرا "متورط في محاولة اغتيال الرئيس التونسي قيس سعيد".
وكان الحديث عن إدخال صاروخ مضاد للطائرات لاستهداف طائرة الرئيس ، وازداد أمر ذلك الشبح وضوحا عندما تحدث عنه قيس سعيد مرارا ، مُتهما البعض بالسفر الى الخارج ، بحثا عن مرتزقة لقتله ، مُؤكدا أنه لا يتكلم من فراغ ، قائلا أن من كان وطنيا مؤمنا بإرادة شعبه لا يذهب الى الخارج سرا بحثا عن طريقة لإزاحة رئيس الجمهورية بأي شكل من الأشكال ، بما في ذلك الاغتيال فبئس ما خططوا وبئس ما فعلوا ، واصفا هؤلاء بالجلاوزة و المُخبرين ، بما يعني ارتباطهم بقوى خارجية . وفضلا عن ذلك هناك تدوينات وحتى أبيات شعر تم نظمها تدعو الى دقة التصويب والضغط على الزناد ،بما فُهم منه أنه تحريض على اغتيال الرئيس.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فقد كتب ايدي كوهين وهو صحافي صهيوني قريب من جهاز الموساد عن رئيس عربي سيُقتل، أو ستجري محاولة لقتله والانقلاب عليه ، وذهبت أكثر التخمينات في اتجاه أن المعني بقصده هو قيس سعيد، مما يعني التقاطع بين المصادر الاستخباراتية التونسية التي لا شك أن رئيس الدولة يستند اليها في تصريحاته ومصادر استخباراتية خارجية .
وفي مواجهة تلك التهديدات أقسم رئيس الجمهورية على السير في طريقه دون تراجع عن أهدافه ،مُبينا أنه لا يهاب الموت ، واذا قتل فإنه سيمر شهيدا الى الضفة الأخرى ، بعد أن يكون قد خط كلماته في سجل التاريخ. وتبدو اليوم تلك التهديدات جدية ، واذا نجح قيس سعيد في تحويل ما قام به حتى الآن الى قوة شعبية منظمة ومفكرة ومسيسة فإن اغتياله سيكون صعبا ، وحتى اذا تم فإن تونس ستكون عصية على الاغتيال من بعده ، وهذا ما يُريده .