هل سيصبح العراق مسرح توتر جديد بين تركيا وفرنسا؟


جواد بشارة
الحوار المتمدن - العدد: 7007 - 2021 / 9 / 2 - 18:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

رغم النوايا الإيجابية التي أبداها الرئيس الفرنسي تجاه العراق لكن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك. فوزارة الخارجية الفرنسية ماتزال تضع العراق في موقعها على لائحة الدول الخطرة والمحظورة على الشركات الفرنسية ما يمنعها من القدوم والاستثمار خاصة مع رفض شركات التأمين الفرنسية والعالمية الكبرى تغطية مخاطر الاستثمار الدولي في العراق. إلى جانب عدم وجود خط جوي مباشر بين باريس وبغداد مما لايشجع رجال الأعمال للمجيء إلى العراق لأنهم يخسرون الكثير من الوقت والمال للسفر عبر خطوط أخرى كالقطرية والإماراتية والأردنية والتركية الخ.. والبقاء لساعات طويلة في مطاراتها أثناء الترانزيت. أما من جانب العراق فالمعوقات أكبر وأكثر جدية. فلايوجد لدى العراق قانون استثمار جاذب يحمي المستثمرين من تهديدات وابتزازات وفساد الكتل السياسية وقواها المسلحة المسيطرة على المشهد السياسي والاقتصادي والأمني في العراق إزاء ضعف الحكومة العراقية، مع غياب الأمن و تهالك البنى التحتية وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة والطقس الحار والروتين والرشوة وتفاقم سلطة العشائر التي تفرض على الشركات المستثمرة توظيف أبنائها رغم عدم امتلاكهم للكفاءات المطلوبة. والعائق الأهم هو غياب السيادة العراقية المستقلة وغياب صانع القرار الحقيقي المستقل عن التدخلات والضغوطات الإقليمة والداخلية والدولية. فإيران هي اللاعب الأول في الساحة العراقية سياسياً واقتصادياً ، وهناك حضور وتنافس إقليمي تركي سعودي قوي وتنافس دولي روسي وصيني له تأثيره القوي من خلال شبكة العلاقات مع الفصائل المسلحة والميليشيات التي تحتكر عبر مكاتبها الاقتصادية مجمل النشاط الاستثماري. فهل يعرف الرئيس الفرنسي هذا الواقع العراقي المعقد؟ ففي العراق ، يريد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يكون وسيطًا إقليميًا من خلال إبقاء القوات الفرنسية في البلاد. ماذا يمكن أن تكون عواقب مثل هذه الإرادة لتركيا؟ كتب أوزنور كوتشكر سيرين (مراجعة صحفية بهذا الخصوص: حسب قناة تي آر تي التركية الناطقة بالفرنسية بتاريخ 21/9/2 وقال في مراجعته: قام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون برحلة رسمية إلى العراق ، من الجمعة 27 أغسطس إلى الأحد 29 أغسطس ، حيث شارك في مؤتمر إقليمي مع قوى الشرق الأوسط خاصة الدول المحيطة بالعراق. وكانت موضوعات مختلفة مثل مكافحة الإرهاب والوضع في أفغانستان والتنمية الاقتصادية في المنطقة والتوترات مع إيران على جدول الأعمال. خلال زيارته لبغداد ، أدلى رئيس الدولة الفرنسية بتصريحات مهمة: "مهما كانت الخيارات الأمريكية ، سنحافظ على وجودنا لمحاربة الإرهاب في العراق طالما استمرت الجماعات الإرهابية في العمل وطالما ستطلب منا الحكومة العراقية البقاء. من أجل هذا الدعم "، أعلن ، مضيفاً أن لديهم" القدرات العملياتية لضمان هذا الوجود مهما كانت الخيارات الأمريكية ". بعد بغداد ، سافر إيمانويل ماكرون أيضًا إلى شمال العراق لتأمين الدعم الفرنسي. كان إيمانويل ماكرون الزعيم الغربي الوحيد الذي حضر المؤتمر. بالإضافة إلى ذلك ، فإن دولًا أخرى مثل تركيا وإيران كانت ممثلة فقط بوزراء خارجيتها. يمكن أن نستنتج من هذا الأهمية التي يوليها ماكرون للعلاقات بين فرنسا والعراق. لكن من أين يأتي اهتمام باريس ببغداد؟ "هناك رغبة فرنسية واضحة في إعادة الانخراط دبلوماسياً واقتصادياً في العراق" كما يشرح الصحفي في صحيفة "لوفيجارو" ، جورج مالبرونو ، تأتي أهمية هذه الزيارة على أنها "رغبة فرنسية في إعادة الانخراط دبلوماسياً واقتصادياً في العراق" كما جاء في مقالته بعنوان "إيمانويل ماكرون يعيد إشراك فرنسا في العراق". وذكر أن زيارة الرئيس الفرنسي للعراق تمثل تتويجا لتقارب بطيء بين باريس وبغداد رغم أننا ما زلنا "بعيدين جدا عن ذروة التعاون الفرنسي العراقي في الثمانينيات". في مقالها بعنوان "في العراق ، حيث يقدم ماكرون نفسه على أنه" وسيط "و" بديل "" ، تقدم لو كوريه إنترناشيونال خطًا آخر للفكرة فيما يتعلق بالدور الذي يريد ماكرون القيام به في العراق: "تحاول فرنسا كما قال مراقب سياسي في موقع العالم الجديد العراقي: "أن تتخذ موطئ قدم في الشرق الأوسط من العراق بعد أن فشلت في ذلك في لبنان". ووفقًا لهذا الأخير ، فإن باريس "تريد إرسال الرسالة وإظهار أن فرنسا - وعلى نطاق أوسع الاتحاد الأوروبي - يمكن أن تكون بديلاً عن الولايات المتحدة". ومن المهم أيضًا التأكيد على التحديات "الاقتصادية" الرئيسية التي يواجهها التعاون الاستراتيجي الفرنسي العراقي. وكانت وزارة النفط العراقية قد أعلنت في آذار / مارس أن العراق وقع مذكرة تفاهم مع مجموعة النفط الفرنسية توتال تغطي أربعة مشاريع في مجال الغاز الطبيعي والطاقة الشمسية وإعادة معالجة المياه ، وأن استثمارات مجموعة توتال ستبلغ “عدة مليارات من الدولارات ". مجال جديد للمنافسة مع تركيا بعد سوريا وليبيا وشرق البحر المتوسط وجنوب القوقاز ، قد يصبح العراق نقطة احتكاك جديدة بين تركيا وفرنسا. لا يأخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الاعتبار حرب تركيا ضد جماعة حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب الإرهابية. تواصل تركيا عملية عسكرية ضد المواقع التي يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني في شمال البلاد. قبل أسبوع فقط ، تم تدمير 28 هدفا إرهابيا بغارات جوية في منطقة أسوس شمال العراق. قد يؤدي عدم حساسية ماكرون تجاه قتال تركيا ضد حزب العمال الكردستاني في المنطقة إلى مزيد من التوترات في العلاقات الفرنسية التركية. أضف إلى ذلك أن العراق يفكر في شراء طائرات مسيرة وطائرات هليكوبتر من تركيا. وصرح وزير الدفاع العراقي جمعة عناد أن "هذه الأجهزة ستكون مفيدة للغاية لنا في محاربة تنظيم داعش الإرهابي". يمكن أن يكون هذا البيان مصدر إحباط لفرنسا ، التي تجاوزتها تركيا بشكل متزايد في قطاع الدفاع. في الختام ، من الواضح أن ماكرون يرغب في توجيه رسالة دعم للعراق بعد الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان. من الواضح أنه يسعى إلى الاستفادة من الكارثة الأمريكية في أفغانستان لدفع بيادق المصالح الفرنسية في المنطقة. إنه يعني أنه سيبقى هناك وأن بلاده لديها القدرة على ضمان أمن واستقرار المنطقة على عكس الولايات المتحدة. يمكن للدور الجديد الذي يريد ماكرون أن يلعبه في العراق أن يغير التوازنات الجيوسياسية في المنطقة مرة أخرى ويخلق مصدرًا جديدًا للتوتر مع العراق. سيحدد الوقت ما إذا كان ماكرون في هذا الجزء من العالم سيختار التهدئة مع تركيا أو يستمر في معاملتها كمنافس.
* ت ر ت باللغة الفرنسية TRT en français
* صحيفة الفيغارو الفرنسية