أعلنها الرئيسُ: مسألة وعي!


فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن - العدد: 7003 - 2021 / 8 / 29 - 13:23
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

على جداريات آثارنا المصرية القديمة، رسم أجدادُنا أفعى عملاقة منحوها اسم "أبوفيس"، تهاجمُ الشمسَ عند غفوتِها في الغروب، حتى تمنعَها من الإشراق في النهار التالي. لكن الشمس، كانت دائمًا تهزمُ الأفعى وتعاود الإشراق على بني البشر في كل نهار. الأفعى ترمزُ للشرِّ المتعطش لإلحاق الأذى والكوارث بالإنسان، والشمسُ رمزُ النور والخير والجمال والرحمة. ويظلُّ الصراعُ بين الأفعى والشمس: الشرّ والخير، يتكرر يوميًّا ليُمثّل محنةَ الإنسان الأبدية. وكان هذا أسلوبًا تربويًّا ابتدعه الجدُّ المصريُّ المثقف لكي نتعلّم أن رحلتنا فوق الأرض ليست نزهةً، بل دربٌ شاقٌّ يتمايز فيه صانعُ الخير عن صانع الشر. كان أجدادُنا المصريون يرسمون الرسائلَ التربوية على جدران المعابد لكي تظلَّ كتابًا مفتوحًا يتعلَّمُ منه النشءُ دروسَ الحياة والمعرفة والاختيار، حتى يصلوا إلى "مرحلة الوعي" بالقيم الثلاث التي شغلت سلفَنا المصريَّ أصحاب أرقى وأعرق حضارات الأرض: “الحق الخير الجمال". ويعلّمنا اللهُ الدرسَ ذاتَه في قوله تعالى: “وكلُّ إنسانٍ ألزمناه طائرَه في عُنقه"، "وهديناه النجدين (الطريقين)". فكلُّ إنسانٍ مُلزَمٌ بالتأمل والتفكير والاختيار بين "النجدين": إما الخير أو الشر. إنها مسألةُ "الوعي والاختيار". "الوعي" بالحياة وبما نؤمن من أفكار، لابد أن نُخضعَها لمبضع التأمل والتحليل، حتى نصلََ إلى مرحلة "الاختيار". إما أن نكون أخيارًا أسوياءَ نبلاءَ متحضرين طيبين، أو نكونَ عكس ما سبق.
وهذا ما قاله الرئيسُ المثقف/ "عبد الفتاح السيسي" في مداخلتُه أمس الأول مع الإعلامية الجميلة "عزة مصطفى" والروائيّ الملهَم "عبد الرحيم كمال". طرح الرئيسُ قيمة "الوعي والاختيار" قائلاً إننا ورثنا عقائدَنا من آبائنا، فالمسلمُ مسلمٌ لأن أبويه مسلمان، والمسيحيُّ مسيحيٌّ لأن أبويه مسيحيان وهلمّ جرا. وعلينا أن نُعيدَ صياغة فهمنا لما ورثنا حتى نكون مؤمنين على حقّ بما نعتقد، لا مجرد تابعين لما ورثنا دون إعمال عقل؛ لكي نختار نجْدَ الحق والعدل والخير والجمال والتحضر والرحمة والنبل والسمو الخ. وصدق الرئيسُ فيما قال من حقيقة يعلمُها الجميعُ ولكن الجميعَ يخافُ أن يُفكِّرَ فيها، بل يخافُ أن يسمعها! وإن سمعها من أحدٍ رماه بالكفر. أذكرُ أنني كنتُ على إحدى الفضائيات يوم 6 سبتمبر 2015، وقلتُ لإحدى المذيعات: (أنا مسلمة لأن أبويّ مسلمان، وأقولُ: الحمدُ لله على ذلك. وكذلك المسيحيُّ مسيحيٌّ لأن أبويه مسيحيان ويقول أيضًا: الحمدُ لله على ذلك.) فما كان من تلك المذيعة إلا أن تطاولتْ علىَّ على الهواء وخاضت في إيماني وإسلامي. وتبقى الحقيقةُ أننا لم نختر دينَنا، بل ورثناه عن أسلافنا وراثةً لا فضلَ لنا فيها، إلا ما أتت أيدينا من خير وجمال. العقيدةُ موروثة، وهو شأن السَّواد الأعظم من سكّان الأرض؛ فنجد اليهودىَّ، يهوديًّا، لأن أبويه يهوديان، فورث عنهما عقيدتهما فصار يهوديًّا، وينسحبُ الحالُ ذاته على المسيحىّ والمسلم، مثلما ينسحبُ على الهندوسىّ والبوذىّ والزرادشتي، وسواها من الفلسفات والمعتقدات. وأما مَن اختار عقيدتَه بملء وعيه؛ ضاربًا صفحًا عن عقيدة أبويه. فهؤلاء قلّة نادرة فى أرجاء العالم.
كلُّ إنسان حرٌّ في أن يختار ما شاء من العقائد، شريطةَ ألا يجعل معتقده "سيفًا" على أعناق غيره من البشر. وكما يقول الفلاسفةُ "اعبدِ الحجرَ ولكن لا تضربني به.” اعتنق دينَك ومارس شعائره في مسجدك أو كنيستك أو معبدك، ثمّ اخرجْ من دار عبادتك "إنسانًا" و"مواطنًا" عليك "واجباتٌ" لابد أن تؤديها لوطنك وأبناء وطنك، ولك "حقوقٌ” تنالُها من وطنك شريطة ألا تجور على حقوق غيرك من أبناء وطنك. لا يجوزُ أن تُكفِّرَ مَن يختلف عنك في العقيدة فتشحنَ ضدّه ضعافَ العقول فقراءَ النفوس فينزعون فتيل الإرهاب ويقتلون ويفجِّرون. ولا يجوزُ أن تستأسدَ بأكثرية أتباع دينك على أقلية أتباع دين جارك في وطنك فتطالبُ بحقوق أكثر؛ لأنك لو سافرت إلى بلد آخر قد تكونُ أنتَ من أبناء الأقلية الدينية فيه، فتنقلبُ موازينُك وتُطالبُ بالعدالة التي كنت ترفضُها في وطنك. الدولُ، كلُّ الدول، يجب أن تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان؛ لأنها كياناتٌ اعتبارية تقضي بين الناس بقانون "المواطنة" ودولة القانون التي تفصل بين الناس بالعدل، دون النظر إلى معتقداتهم. ذلك هو جوهر "تصويب الخطاب الديني" الذي ننادي به منذ دهور وهو صُلبُ ما ينادي به الرئيسُ السيسي منذ سنوات سبع منذ أكرمنا اللهُ به قائدًا وطنيًّا استثنائيًّا مثقفًا، لينقل مصرَ من الويل والتطرف إلى الحضارة والإشراق. “الدينُ لله والوطنُ لمن يُنير دروبَ بالوطن"

***