قبل وبعد إعلان الإمارة الإسلامية أفغانستان / احداث متسارعة واسئلة مفتوحة


رشيد غويلب
الحوار المتمدن - العدد: 6997 - 2021 / 8 / 23 - 02:19
المحور: الارهاب, الحرب والسلام     

أعلنت حركة طالبان الإسلامية المتطرفة قيام نظام “الإمارة الإسلامية” في البلاد. وكان أبرز المتحدثين باسمها ذبيح الله مجاهد، قد أعلن في مؤتمر صحفي في 17 آب بعد سيطرتها على السلطة في البلاد، أن الحرب في أفغانستان قد انتهت وبدأت مرحلة جديدة من المصالحة وإعادة الإعمار. وأن “الإمارة الإسلامية” ليس لديها ضغينة على أحد. وأنها “تغفر للجميع”. ولا داعي للخوف. وهم لا يريدون أعداءً في الداخل أو في الخارج، ولن تكون هناك أعمال انتقامية.
لكن الأمر مختلف في وادي بنجشير، الولاية ذو الأكثرية الطاجيكية، والتي لم تخضع لحكم طلبان الأول، فقد أعلن نائب الرئيس السابق أمر الله صالح، أنه يمثل بموجب الدستور النافذ رئيس الجمهورية. وأكد الرئيس السابق للمخابرات في الأيام القليلة الماضية أنه لن يخضع أبدًا لنظام طالبان. أي أن هناك ثنائية للسلطة في البلاد، حتى وان كان أمر الله صالح معزولا في بنجشير، وهذا الواقع يمثل ورقة، قد تبرز لاحقا، في ساحة التوازنات الدولية. وتشير آخر المعلومات المتوفرة إلى قيام تحالف جديد في الولاية إلى جانب تظاهرات متفرقة، في مناطق مختلفة من البلاد، يمكن ان تكون نواة لحركة مقاومة شبابية لأمارة طالبان الإسلامية.
طالبان غير مهتمة بهذه الثنائية بعد سيطرتها السريعة جدا، وبلا مقاومة على العاصمة، وهروب رئيس الجمهورية إلى الإمارات العربية المتحدة. وهي توظف دخولها “الأبيض” إلى العاصمة في خطابها الدعائي، على طريقة إنقلاب البعث “الأبيض” في العراق عام 1968، مع التباين في الظروف.
وتعتبر الحركة مؤتمرها الصحفي الأول نقطة البداية للانتقال إلى الدعاية والعمل المؤسساتي، تاركة حقبة المعارضة والعنف المسلح خلفها. ويمثل زعيمها الحالي هيبة الله أخوند زاده، عتلة التوازن والوسطية بين المصالح المتضاربة داخلها.
لقد زعم ذبيح الله مجاهد أن الحرب انتهت بانتصار طالبان. وأكد العفو عن جميع المسؤولين الحكوميين والجنود. وإنه بموجب الشريعة الإسلامية، يمكن للمرأة أيضًا أن تلعب دورًا مهمًا في مستقبل البلاد. لم يتضح بعد ما يدور بأذهانهم بشأن وضع النساء. لقد ظلوا لسنوات، وعلى خطى قوى الإسلام السياسي، يستخدمون الشعار المغري العام: “نريد نظامًا إسلاميًا حقيقيًا”. وعليهم الآن أن يبينوا طبيعته وكيفية تنظيمه.
وتوجهوا للرأي العام العالمي، وأكدوا على أن لا تهديد سينطلق من الأراضي الأفغانية. وهم يعلمون أن الاعتراف الذي يسعون إليه، لا يأتي، إلا من الخارج. ولهذا يستخدمون شعارات معروفة في كل مكان: العفو، حرية التعبير، حقوق المرأة!
والآن بعد أن استولوا على السلطة، يتحدثون باللغة المتوقعة منهم. لكن اللعبة الحقيقية تجري خارج كابول، في بقية أنحاء البلاد، والتي أصبحت بعد إجلاء الصحفيين المحليين والأجانب - بدون رقيب ولا تثير سوى القليل من الاهتمام. هذا هو المكان الذي تنكشف فيه الممارسة الفعلية للتسلط. عندما ينحسر الاهتمام الإعلامي ويواجه السكان نظامًا لا يمكن الوثوق به، ستكون طالبان قادرة على اتخاذ الإجراء الذي تريد.
كتبت الصحفية الإيطالية المعروفة جوليانا سغرينا في جريدة “المنفستو” الشيوعية: “أولئك الذين ما زالوا يدّعون أن طالبان قد تغيرت، وأنها، كما تزعم في بياناتها، ستحترم الغرب والشعب، قد دحضتهم الحقائق. أينما حل مقاتلو طالبان كانوا يقتلون وينهبون. وحقيقة غياب معارضة بديلة، سواء بإرادتها الحرة أو بسبب عدم الكفاءة، تصب في مصلحة طالبان، التي يمكنها أن تدعي نوعًا من “الهيمنة”. وبين أولئك الذين يستسلمون والذين يقاومون، سيقابل المصير الأسوأ بالطبع الذين يقاومون، الذين عارضوا الاحتلال الأجنبي والذين يناضلون في سبيل مجتمع ديمقراطي”. ويتفق مع هذه الرؤيا الناشط اليساري الأفغاني وعضو الحزب الشيوعي الألماني محمد داود أسعد، الذي يرى ان الحديث عن تخلي طالبان عن التطرف والظلامية والاستبداد، لا علاقة له بالواقع وستنكشف الكذبة سريعا.
ستستغل طالبان الانقسامات في المجتمع الدولي. بعد إسلام أباد، بكين، وموسكو، أعلنت طهران أيضًا أنها ستبقي سفارتها في كابول مفتوحة. ووصف وزير الخارجية التركي تأكيدات طالبان بحماية البعثات الدبلوماسية الأجنبية بأنها “إيجابية” للغاية، بحيث أن أنقرة لم تتخل حتى الآن عن فكرة ضمان أمن مطار كابول، والتي ناقشتها منذ فترة طويلة مع واشنطن. الحكومة التركية تتحدث عن الأمر الآن مع طالبان. قال الرئيس التركي المستبد أردوغان إن “الوجود العسكري التركي في أفغانستان سيعزز موقف الحكومة الجديدة على الساحة الدولية ويجعل عملها أسهل”.
وكتب المحلل السياسي في مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية اكسل غيرنغ: ″إذا تم التوصل إلى اتفاق فعلي مع تركيا بشأن إدارة العمل في المطار، فستفتح قنوات غير رسمية واسعة النطاق دون أن تضطر دول الناتو الأخرى إلى الاعتراف بنظام طالبان مباشرة. ولهذا، فإن الوجود التركي الناشئ في أفغانستان يصب أيضًا في مصلحة سياسات الغرب. بينما يظهر تأثير اقتصادي صيني كبير، ويمكن لطالبان على الأقل الحفاظ على علاقات اولية بالغرب وتقديم بديل تكاملي لأجزاء من برجوازية كابول. وبشكل عام، سيتفاعل نظام طالبان الجديد اقتصاديًا مع بقية دول العالم أكثر من النظام القديم، لكن من غير المرجح أن تغير طلبان مطالبتها القمعية بالدور القيادي سياسيا وثقافيا”.
مرة أخرى يثبت ما يحدث في أفغانستان أن الغزو الأجنبي، أيا كان لا يبني دولة، ناهيك عن دولة ديمقراطية، وأن ليس هناك بديل لبلدان الأزمات في المنطقة سوى مشروع بناء دولة المؤسسات الوطنية الديمقراطية، المستندة إلى إرادة شعوبها. وان الشعب الأفغاني وقواه الديمقراطية بحاجة إلى أوسع تضامن عالمي في مواجهة بربرية طلبان المرتدية هذه المرة قناع مرونة مزيف.