ما لا تعرفه عن واقعة كربلاء أو نهضة الإمام الحسين تاريخيا....


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6994 - 2021 / 8 / 20 - 20:18
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات     

ما نعرفه عن واقعة كربلاء لا يشبه كثيرا الحقيقة التاريخية التي جرت فيها ولم يقدم لنا المختصون صورة صادقة عما جرى، وتدخلت العواطف والكذب الذي يسمونه المقدس في عرض الواقعة وفقا لأهواء وغايات شخصية بين المبالغة المفرطة، والتفريط بما هو مهم وأساسي منها، فجاءت الصورة مشحونة بالكثير من الزيف والتزييف الذي ضيع على المسلم المهتم وحتى المسلم البسيط أن يفهم ما جرى وما هو المطلوب إدراكه، في بحثنا هذا نسلط الضوء على أهم نقاط الأختلاف بين ما هو يقيني وبين ما وصل مسنودا بمصادره التاريخية.
1. أقام الحسين (ع) أربعة أشهر (من 3 شعبان حتى 8 ذي الحجة) في مكة وفي هذه الفترة وصل خبر رفضه لخلافة يزيد، إلى شيعة الكوفة والأمصار الإسلامية، فأرسل إلى والي المدينة - الوليد بن عتبة بن أبي سفيان - كتاباً يُخبره بموت أبيه ويطالبه بأخذ البيعة عنوةً ممّن لم يبايعه أخذا شديدا، وهم الإمام الحسين عليه السلام، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير،[ أبو مخنف، وقعة الطّف، ص 75؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 338.] ثم أرسل كتابا آخر يأمر بأن يرسل له مع جواب كتابه رأس الحسين بن علي عليه (الكوفي، الفتوح، ج 5، ص 18؛ الخوارزمي، مقتل الحسين، ج 1، ص 269).حيث بدأت ترد على الحسين رسائل وكتب تدعوه للثورة حيث أرسلت هذه الأمصار كتبها ورسائلها للحسين وبدوره أرسل الحسين معتمديه ورسله إلى البصرة والكوفة وإلى بعض القبائل العربية فكتب الحسين(ع) لأهل الكوفة كتاباً ما مضمونه؛ إنّي باعث إليكم مسلم بن عقيل وهو ثقتي فإن كتب لي أنّه قد اجتمع رأيكم وذوي الفطنة منكم على ما جاء في كتبكم فأقدم عليكم قريباً إن شاء الله، ودفع الكتاب إلى مسلم ليتّجه به إلى الكوفة، فجعل الإمام ذهابه إلى الكوفة منوطاً بما يصله من سفيره مسلم بن عقيل..
2. عزم الإمام على الخروج نحو الكوفة فالتقى به ابن الزبير لثنيه عن ذلك، والبقاء في المسجد الحرام، ويقوم هو بالدفاع عنه مع مجموعة من الناس حال تعرّضه إلى اعتداءٍ من قبل عناصر السلطة، إلاّ إنّ الإمام رفض مقترحه،[ بحار الأنوار، المجلسي، ج 45، ص 85-86.] وأكّد له أنّ لديه معلومات عن إرسال يزيد أشخاصاً ليلقوا عليه القبض سراً أو يغتالوه، وهذا مما لا يريده أن يحدث وهو في المسجد الحرام؛ فحل الإمام (ع) هو وأصحابه من عمرته، ثُمَّ توجه نحو الْكُوفَة، وتوجّه الناس إِلَى منى (الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 385.).
3. أوفد الإمام، قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الله بن يَقطُر إلى الكوفة قبل أن يتلقّى نبأ نقض أهل الكوفة عهدهم لمسلم ومقتله وأرسل سليمان إلى البصرة ليدعو بعض القبائل هناك لنصرته ومبايعته.[ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 357؛ الكوفي، الفتوح، ج 5، ص 37.] فلمّا بلغ الحسين عليه السلام إلى الحاجز من بطن الرّمة، كتب كتاباً إلى جماعة من أهل الكوفة، منهم: سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شداد وغيرهم، وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي ، وذلك قبل أنْ يعلم بقتل مسلم، فأقبل قيس بكتاب الحسين عليه السلام إلى الكوفة، فلمّا انتهى قيس إلى القادسيّة اعترضه الحُصين بن تميم ليفتّشه فأخرج قيس الكتاب وخرقه، فحمله الحُصين إلى ابن زياد فلمّا مثُل بين يديه، قال له: مَن أنت؟ قال : أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسين عليهم السلام، فقال: فلماذا خرّقت الكتاب؟ قال: لئلاّ تعلم ما فيه، فغضب ابن زياد وقال: والله، لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتك إرباً إرباً، فقال قيس: أمّا القوم فلا أُخبرك بأسمائهم، وأمّا السبّ فأفعل.[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 167؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 405؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، ج 2، ص 60.] فصعد قيس، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبي صلي الله عليه وآله وسلم ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ هذا الحسين بن علي عليهم السلام خير خلق الله، ابن فاطمة عليه السلام بنت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم، وأنا رسوله إليكم وقد خلّفته بالحاجز (الحاجر)، فأجيبوه.[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 167؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 405؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، ج 2، ص 60.].
4. روي أن الإمام بعد أن استلم رسالة مسلم بن عقيل يحثه بالقدوم إلى الكوفة، أرسل إليه كتاباً بيد عبد الله بن يقطر الحميري[السماوي، إبصار العين في أنصار الحسين، ص 93.] وفي الطريق اعترضه الحصين بن نمير التميمي فسيره من القادسية إلى ابن زياد، فقال له: أصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب، ثم أنزل حتى أرى فيك رأيي، فصعد فأعلم الناس بقدوم الحسين عليه السلام ولعن ابن زياد وأباه،[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 168-169؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 398.] فأمر به ابن زياد فرُمي من أعلى القصر فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه عبد الملك بن عُمير اللخمي فذبحه.[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 169؛ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 398.]
5. كانت خطة الإمام الحسين مواجهة السلطة في مركز الكوفة مدينة أبيه ومركز الخلافة العلوية ولم يكن الهدف كربلاء أبدا، وحينما علم ابن زياد بأن الحسين (ع) يتجه إلى الكوفة، أرسل له جيشاً فاعترضه الحرّ بن يزيد في منطقة ذو حُسَم، فاضطر الإمام أن يميل عن طريقه صوب نينوى. وبحسب أغلب المصادر التاريخية دخل الحسين (ع) أرض كربلاء في الثاني من المحرم سنة 61 للهجرة. وفي اليوم التالي أوفد ابن زياد عمر بن سعد مع جيش آخر إلى كربلاء، وأمر عبيد الله ابن زياد الناس أن يعسكروا بالنخيلة شمال الكوفة، وحذّر من مغبة التخلّف عنه، وصعد المنبر وخطب بالناس فقال إنّ يزيد ضاعف أعطيتكم من بيت المال فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفاً عن العسكر، برئت ذمتنا منه وقد ألقينا عليه الحجة.[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 178؛ الكوفي، الفتوح، ج 5، ص 89.]، واستدعى الجيوش من أماكن متفرقة إلى المعسكر فانضم إليه الألف والألفين والثلاثة والأربعة،[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 178؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 254؛ الخوارزمي، مقتل الحسين عليه السلام؛ ج 1، ص 344؛ الكوفي، الفتوح، ج 5، ص 89.]وكان شمر بن ذي الجوشن أوّل من التحق بعمر بن سعد، واستدعى الجيوش من أماكن متفرقة إلى المعسكر فانضم إليه الألف والألفين والثلاثة والأربعة،[ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 3، ص 178؛ الدينوري، الأخبار الطوال، ص 254؛ الخوارزمي، مقتل الحسين عليه السلام؛ ج 1، ص 344؛ الكوفي، الفتوح، ج 5، ص 89.] وكان شمر بن ذي الجوشن أوّل من التحق بعمر بن سعد، ما زال ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والمئة من المقاتلين إلى عمر بن سعد حتى بلغ العدد في اليوم السادس من المحرم عشرين ألف رجل، ولَم يزل ابن زياد يرسل العساكر إلى ابن سعد حتّى تكامل عنده ثلاثون ألفاً. وجعل قيادة الجيش بيد عمر بن سعد، وتؤكد بعض الروايات أنّ الجيش الذي واجه الحسين (ع) وصل عدده إلى ثلاثين ألف رجل بين راكب وراجل، ووضع ابْن زياد المراقبين في الأماكن العالية عَلَى الْكُوفَة، لئلا يلتحق من عسكره ممن يريد أن يكون مغيثاً للحسين (ع)، ونظّم أفراداً حاملين أسلحتهم حولها.
6. رسالة ابن سعد إلى ابن زياد على إثر اللقاءات بينه والإمام الحسين (ع) كتب عمر بن سعد إلى عبيد الله بن زياد يدعوه أن يسمح للحسين عليه السلام وأنصاره بالعودة من حيث أتوا وفي ذلك رضىً وصلاح للاُمّة.[ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 414؛ المفيد، الإرشاد، ج 2، ص 87؛ ابن مسكويه، تجارب الأمم، ج 2، ص 71؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 4، ص 55.] فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب وكان شمر بن ذي الجوشن حاضراً في مجلسه، قال متأثراً بما جاء فيه: «هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه». فاستنكر شمر بن ذي الجوشن ذلك، وحثّ ابن زياد على أن لا يتنازل للحسين عليه السلام وأن لا يضيّع الفرصة لأخذ البيعة منه، فرأى ابن زياد الرأي مناسباً، ثم أخرج بكتاب إلى عمر بن سعد بتوسط الشمر، كما أمره بضرب عنق ابن سعد وبعث رأسه إليه، إن أبى عن المبادرة، وأن يحلّ محله أميراً على الجيش، وكتب إلى ابن سعد رسالة خيّره بين اثنين؛ إما محاربة الحسين وأنصاره أو تخلّيه عن قيادة جيش الكوفة لصالح شمر بن ذي الجوشن، وفي اليوم التاسع جاء شمر بن ذي الجوشن بكتاب من عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد يخيّره بين الحزم والإسراع بالحرب أو تسليم قيادة الجيش لشمر، لكن ابن سعد تمسّك بقيادة الجيش، وأظهر استعداده التام لخوض الحرب ضد الإمام الحسين عليه السلام وليبرهن على صدق نواياه أمر بالتوجه صوب معسكر الإمام الحسين عليه السلام في عصر نفس اليوم (عشية الجمعة)، فطلب الحسين عليه السلام منهم تأجيل المنازلة إلى غداة ذلك اليوم.[ الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 415-416؛ البلاذري، أنساب الأشراف ج 3، ص 183؛ ابن الأثير، الكامل في التأريخ، ج 4، ص 56.].
7. كان دخول الحسين إلى كربلاء يوم الثامن من تشرين الأول عام 680 ميلادي أي في الثلث الأول من الخريف حيث أعتدلت حرارة الجو مع كون كربلاء أرض زراعية ذات نخيل وأشجار ولم تكن صحراء ولم تكن أرضها مما يصلح بتسميتها رمضاء ذات حسك، ولمّا أمسى الحسينٌ عليه السلام وأصحابه ساهرين الليل كلّه، يصلّون ويستغفرون...، هكذا وصف الضحاك بن عبد الله المشرقي، الليلة العاشر من المحرم. وفي رواية أخرى وُصف المعسكر، حيث الأنصار سهروا فيه الليل، وكان لهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، ‏وفي تلك الليلة جمع الإمام عليه السلام أصحابه وأهل بيته وخطب فيهم، فجزّاهم خيرا وأبرأ ذمامهم نحوه وأذِن لهم بالانفصال عنه والتفرّق في البلدان لينجوا من القتل، إلا أنهم آثروا البقاء معه حتى أن يقتلوا، فأنصرف البعض معذورا أو متعذرا لأن الإمام أدرك أن التضحية بهؤلاء ليس لها معنى طالما أن هدف الجيش رأسه، وقد كان من بين المنصرفين جماعات كثيرة منهم (فمنهم مالك بن النضر الأرحبي وضحاك بن عبد الله المشرقي، مما يؤكد أن جيش الإمام لم يكن بالعدد المعروف عند الناس، لاسيما أن المناصرين كانوا منهم من في الطريق ومنهم من أختلف عليه الموعد بين الكوفة وكربلاء، وظلت الوفود تتواصل إلى النصرة لكن الأمور كانت قد أنتهت ظهر يوم العاشر من محرم.
8. بعد أستشهاد الحسين وأصحابه وما حدث عصر يوم العاشر من محرم الحرام تم دفن الأجساد الطاهرة في نفس المكان من قبل ما تبقى من عيال الحسين وعلى رأسهم ولده علي الأصغر، ولا صحة لما يرد في المقاتل من أنها تركت عارية على الأرض ثلاثة أيام حتى ورود قبيلة بني أسد، وحقيقة ما حدث لبني أسد هو (أقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام يستأذنه الذهاب إلى الحي المجاور التابع لبني أسد طالباً منهم النصرة، فبعد أن أذن له بالخروج، خرج حبيب في جوف الليل متنكراً حتى وصل حي بني أسد، وحث الرجال هناك لنصرة الحسين عليه السلام فتبادر الرجال إليه مقبلين إلى معسكر أبي عبد الله. فعلم ابن سعد بذلك فأرسل إليهم أربعمائة فارس لمواجهتم بالقرب من الفرات، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلى حيّهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليه السلام فأخبره بذلك، ثم عادوا مرة أخرى لأرض المعركة على أمل اللحاق بالحسين وصحبه بعد أن أنسحب جيش عمر بن سعد عنها).
9. في مساء يوم الثاني عشر من محرم تحركت قافلة السبايا من ال الحسين نحو الكوفة وجرى ما جرى لهم فيها، فبعث ابن زياد رسولا إلى يزيد يسأله عن مصيرهم، عاد الرسول في الأول من صفر إلى الكوفة يأمره فيها بإرسالهم إلى الشام ليشخصوا بين يديه، وفعلا تحركت القافة نحو الشام عن طريق الموصل ثم حلب ثم حمص وبعلبك حتى وصلت قصر يزيد في أواخر صفر، وبعد أن جرت المناظرة بين يزيد والسيدة زينب ع والسجاد أمر ببقائهم لحين تجهيز عودتهم للمدينة وهذا أستغرق قرابة الشهر، ثم قفلت عائدة للمدينة، ولا صحة لما ذكرته الروايات الملفقة حول عودتهم إلى كربلاء مرة أخرى في العشرين من صفر بما يسمى الأربعين، حيث لم يعرف المسلمون هذه المناسبة إلا في عصر متأخر جدا تأثرا منهم بالموروث الشعبي في العراق، أمر يزيد بإطلاق سراح الإمام علي بن الحسين (ع) وخيّره بين البقاء في الشام أو الانصراف والرجوع إلى المدينة، فاختار الإمام الانصراف.[ القاضي نعمان، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، ج 3، ص 159.] ثم تأهب آل الرسول (ص) للعودة إلى المدينة. فطلب من النعمان بن بشير أن يقوم بتجهيزهم بما يُصلحهم. وبعث معهم رجلاً من أهل الشام ومعه خيلاً وأعواناً، فخرج بهم الرسول يسايرهم...حتى دخلوا المدينة.[ الخوارزمي، مقتل الحسين عليه السلام، ج 2 ص 74؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 45، ص 146.].