نحن وطالبان والمستقبل المجهول


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6993 - 2021 / 8 / 19 - 14:48
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

الحديث الآن في غالب المناسبات وخاصة في منطقة الشرق الأوسط والدول التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالحدث الأفغاني بغرائبيته التي مثلها الأنهيار السريع لسلطة الأحتلال الأمريكي التي نصبها ورعها، للحد الذي أيقن فيه أنه لا مجال للهروب أكثر للأمام، ولا بد من معالجة ولو مؤلمة للحال الذي وصل إليه الوجود الأمريكي في المنطقة في ضل تضارب مصالح أحيانا، أو تقديم وتأخير مصالح في مرات أخرى، فالموضوع الأفغاني برمته لم يعد مجديا لأمريكا في ظل تبدل الأولويات وأستحكامات الصراع المستقبلي بين القوى العظمى والقوى المحركة للتنافس الدولي العام.
لكن ما الجديد الذي مكن خصم أمريكا المعلن طالبان لتتحول إلى قوة خارقة في غضون أسبوع واحد لتجتاح كامل التراب الأفغاني، وأمام مشهد ومراقبة قوات أمريكا وحلفائها دون حراك أو ردة فعل تدافع عن مبررات الغزو الأول وعلل أحتلالها للتراب الأفغاني ومصالحها القريبة والبعيدة، وجيش مؤسس لخدمة وحماية وحراسة مؤسسات محددة، وليس في عقيدة حماية شعب ووجود ونظام يؤمن به ويدافع عنه، فالمحتل الأمريكي غير معني بترسيخ عقيدة المواطنة لدى الجندي الأفغاني وغير مهتم بذلك لأن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مع وجود شعب محتل وغازي محتل، بقدر ما معني بكيفية استخدامه للسلاح والوقوف حارسا أمام نقطة تفتيش بأنتظار الأوامر التي يجهل مصدرها أو غايتها، لذا فالمقاتل هنا غير معني بالأمن الوطني ولا بأهمية دوره كمواطن أولا، بقدر ما يعني أنه حصل على وظيفة تؤمن له الحد الأدنى من متطلبات المعيشة وكفى.
المهم لا اتدخل بالتفاصيل والبحث عن تفسيرات أو تبريرات لما جرى أو سيجري بقدر ما يهمني من ذلك الدرس والعبرة التي يمكن أستنباطها وأستخلاصها من الحدث وخباياه، وعلاقة كل ذلك بما سيكون عليه الخال بعد الخامس عشر من أب 2021، بالتأكيد هناك جملة من الآراء المتناقضة بدوافعها ونتائج قراءتها وتوقعاتها ولكن جميعا تشير إلى أتجاه واحد تقريبا وهو بداية نهاية عصر الدخول الأمريكي في كل مكان وفي أي زمان دون النقاش بالثمن والعاقبة وسؤال المواطن الأمريكي الذي سيلاحقهم في يوم من الأيام كمجرمي حرب، نعم لم تعد أمريكا قادرة الآن على التدخل المسلح المباشر في نزاعات خارج أرضها بحجة الدفاع عن الأمن القومي أو المصالح الأمريكية، فكل التدخلات ما قبل وما بعد أفغانستان لم تحقق لا أمن أمريكي ولا حماية لمصالحها العليا، وحده دافع الضرائب الأمريكي يدرك متأخرا أنه ضحية لكارتل سياسي وأقتصادي ومالي يحرك الأوضاع في العالم لمصالحه لشخصية فقط.
قد لا يبدو للبعض أن ما سردته له واقع ممكن أو على الأقل محتمل الحدوث لأن أمريكا بنظامها السياسي والأقتصادي والمالي هي القوة رقم واحد على المستوى العالمي، وبالتالي ما قلته هو من باب أضغاث الأحلام اليسارية أو ربما تخيلات جوفاء من مواطن ما زال بلده ومجتمعه ووجوده تحت الأحتلالات المتعددة وبزعامة رأس العالم الحر كما يسمونه، نعم هذا الشعور لست من يخفيه أو يتجاوزه فرحا بأنتصار طالبان التي لا يمكن أن أصطف معها في يوم من الأيام لأني مدرك لحقيقة أن المسألة التي اعرضها الآن أبعد من قضية وقوف مع احد أو ضده، فطالبان قوة قومية بشعار عقائدي متزمت لا يفهم العصر إلا بعيون من سكن المقابر من قرون وقرون، فهم وإن كانوا نتاج حقيقي لثقافة مجتمع سيطرت فيه روح العصبية وعانت من أحتلالات وتبدلات سياسية وعسكرية لقرنين من الزمان، لكنها أيضا نتاج رد فعل سلبي لم تختمر فيه الشخصية الوطنية الواحدة المنصهرة بعنوان جمعي عام، فهم موزعون أثنيا ومذهبيا تبعا للتركيبة الديموغرافية التي تقوقعت داخل أطارها الخاص فقدمت العنوان الثانوي على السمه الوطنية الجامعة.
إذا نحن أمام ظاهرة تستفحل في مجتمعات مركبة لا مجال حقيقي فيها للانصهار في بوتقة الوطن وهذا ما يجلب الخوف والخشية من أنتشار هذه الظاهرة في الكثير من الدول التي تعاني من نفس الإشكالية مرورا من الصين ووصولا إلى عمق الشرق الأوسط وبعض المجتمعات التي تتحرك فيها الأيادي الأمريكية بنشاط، وهناك عامل أخر ومهم في المشهد قد لا يرغب البعض بالحديث عنه خوفا من الأتهام بنظرية المؤامرة، فالصراع الدولي متعدد الأتجاهات والمصالح ما زال قائما ولأسبابه المعلنة والخفية خاصة الصراع الإيراني الإسرائيلي ومن ورائه قوى وجماعات دولية حريصة على أن تتحقق نظرية الأمن القومي الإسرائيلي من خلال تحطيم وتهميش وتجزئة كل الأنظمة والمجتمعات التي تؤمن بجدية الصراع أو تعمل على تنميته واقعيا أو لأجل مصالح أبعد، فاللاعب الإسرائيلي حاضر في كل مكان وفي كل وقت وفقا للاستراتيجية الصهيونية الكبرى.
الخلاصة التي اريد ان اصل لها ومن دون فلسفة وتنظير أجوف هي (أن المنتج الأجتماعي السياسي أو الديني وحتى الأجتماعي العام لا بد أن يكون طبيعيا ما دام ذلك قادرا على فهم حركة التاريخ وواقع المجتمعات المعنية به، أما التدخل ولو بالقوة وفرض وقائع على الأرض خلاف ذلك فلا يمكن فهمها على أنها حل ممكن مهما كانت قوة وفاعلية القوة المتدخلة، فالزمن هو الكفيل بتصحيح إنحرافات الواقع عندما يكون الإنسان مهيأ للتغير وقبوله وعاملا عليه)، هذه التجربة كررتها وقائع التاريخ والجغرافيا ورسختها قناعات أخرى لشعوب فهمت السر وأستجابت له على أن مصيرها ووجودها العام أهم من عنوانها الفرعي إن ارادت أن تكون مجتمعات حية تقدس قيمتها وتعمل على أن ترتقي نحو درجات المستقبل بما تقدم من تضحيات لأجل نفسها وذاتها الوطنية.