جذور الفكر السياديني نشأة وتأسيس وعلاقته بتطور التطرف


عباس علي العلي
الحوار المتمدن - العدد: 6992 - 2021 / 8 / 18 - 00:41
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع     

تطور الفكر السياديني وعلاقته بتطور التطرف

لقد شكل الفشل المتكرر للمشروع النهضوي الإسلامي لغياب الرؤية الجادة والحقيقية والصادقة للخروج من إشكالية تخلف المنهج وعدم التجرؤ على مواجهة الواقع بنفس القوة التي أسست القاعدة الفكرية الإسلامية الأولى والتي نعني بها الرسالة المحمدية, وتراكم الأخطاء التاريخية التي عمقت حالة الاغتراب بين الهدف والواقع شكلت أساسا ملائما وبيئة حاضنة ومثالية لحالة اشتداد المد السياديني كونه يمثل أحد التجارب التي يأمل من وراءها الدعاة أن تشكل نموذجا للخلاص حتى لو أستلزم ذلك انتهاك لبعض القواعد وتجاوز على عامل الزمن ومستحقات اتطور.
كما ن التراث الإسلامي في ذاته يحمل الكثير من البذور الصالحة لنمو هذا الفكر وإن كانت تنهض بين الحين والأخر لتطل برؤوسها على مجمل افكر الإسلامي نتيجة وقوع الردة في مراحل متقدمة من عمر الفكر الإسلامي والتي بكرت في تبلورها وشكلت محورا للصراع بين الحداثة التي أقرها وتعامل بها الإسلام الرسالي وبين مؤديات ومعطيات الفكر العرباني الجاهلي المحافظ , وما شهد التاريخ من تناقضات سياسية وفكرية محتدمة ليست بعيدة بتأثيراتها المباشرة والحتمية على صياغة الواقع الإسلامي المعاصر.
إن تكرار الخيبة المتتالية في كل مرة نتيجة هذا الفشل ونتيجة الصراع السابق ولدت حالة من اليأس المزمن لدى القاعدة الشعبية الإسلامية وخاصة تك الشريحة الغابة من الناس والتي استهدفتهم الرسالة الإسلامية بالإصلاح والدعم والرعاية , عجلت للتيار الفكري الممثل للمدرسة المحافظة بالبروز ومخاطبة العقل الجماعي بأن شعار الإسلام هو الحل وسجلت له نجاحا يمثل دعما حقيقيا كواقع وإن لم يسجل نجاحا جادا في مسألة طرح البديل , ولكنه في النهاية فرض له فرصة قادرة على ن يمثل ويعكس قدرة على التحريك والتأثير في مجريات الأحداث رافعا بذلك الشعار ذاته العودة إلى نفس القواعد الإنطلاقية التي برأي دعاتها تمثل الحل الواقعي لتجاوز الراهن والمرتهن.
نحن لا ندعي أن نجاح الفكر السياديني يمثل أنتصارا حقيقيا للإسلام بوجهه السياسي , بل نراه يمثل ارتداد حقيقي بكافة أشكاله وألوانه عن مذهب الإسلام الرسالي من وجهة النظر الرسالية , بل وأن هذا المنهج أيضا ساهم بصورة واقعية وحقيقية في تجذير الصراع الخلافي داخل البيت الإسلامي ذاته لأنه ينطلق من ذاتيات ضيقة لا تساهم في بلورة الوحدة والتوحد حول الكثير من الثوابت العقلية والوجودية ناهيك عن ثوابت الإسلام وساهمت بكل تجلي في جعل الطائفية السياسية والفكرية هي المنطلق ومحاولة فرض القراءة الواحدة للموضوع الإسلامي بعيدا عن التنوع الطبيعي والمثالي الذي يساهم في أثراء الفكر وتحويل المسار فيه من التعددية الإيجابية إلى التخشب والتحجر حول موضوع القداسة والمعصومية السالبة لحق الإنسان في التعامل مع العقل واشتراطات توافقه مع عاملي الزمان والمكان.
صاحب هذه الخيبة شعور ذاتي وجمعي عند الغالبية الشعبية تراكم حنقا ورفضا لكل التجارب الفكرية المطروحة وعمق هذا الميل الحسي أيضا قوة التأثير الدعوي الذي أتخذ من قيم السماء شعارا براقا دافعا كالإعصار ليساهم برفض الفكرة الإنسانية وحقها في الاختلاف في النظر للفرعيات والجزئيات والمتحول من قيم السماء يعاضد ذلك قوة التيار المحافظ لذي أثبت بم يملك من قوة سلطانية ونفوذ مؤسساتي صاغه على امتداد أكثر من أربعة عشر قرنا من التاريخ متمسكا فيه بالسلطة الدينية والروحية والسياسية وشكل به حلفا مع المؤسسة الدينية المحافظة ليبرز في كل مرة متدرع ومتذرع بشعار المحافظة على الإسلام والدفاع عنه.
كان من نتائج هذا الحال أن رسخ في الذات الإسلامية الشعبية وبخاصة الطبقة الفقيرة ولتي ترزح تحت وطأة الواقع المرير شعورا داخليا بالانتفاض على المسببات والعلات الأساسية في ظل غياب وعي حقيقي بذات المشكلة وغياب القدرة على النقد والتشخيص الجاد والعملي والعلمي , مع امتداد هذه النقمة تاريخيا , ليجد الإنسان لمسلم نفسه بين خياريين سلبيين كلاهما مر أما البقاء تحت الوضع الحالي ومحاولة التأقلم مع استحقاقاته أو الانخراط بفعل تدميري يستهدف المجتمع ليسقط عنه عار التخلف الذي صورته المدرسة المحافظة بغير واقعه مدعية أن سببه وجود قوى أخرى فكرية وسياسية وعقائدية تتحمل هذه المسئولية ولا بد من أزاحتها عن الفعل أو إلغاء وجودها إن أمكن.
لقد تركز منهج الفكر السياديني على موضوع الأنا المقدسة التي تمثل ذات الفكر وتحتوي وتختصر الصراع التاريخي على قاعدة أما أنا أو الفناء دون أن تمنح للأخر حرية مماثلة تثبت أحقية الوجود من خلال الفعل المجسد على أرضية الواقع وتنتظر النتائج لتحكم على صحية المنهج العقلي من عدمه, وبالتالي عليه أن يماثل القانون الطبيعي للصراع والمتمثل بقاعدة البقاء للأصلح والأقدر على تلبية متطلبات الحركة الكونية الإنسانية, وهنا وقع في إشكالية أخرى تتعلق أيضا برفض الأخر وهي إشكالية رفض قانون الحياة ومنه قانون الإسلام الخيري (خير الناس من نفع الناس).
لم يكن الإسلام الرسالي يرفض التنوع ولا يقمع التعددية الفكرية ولا يبيح الإلغاء بل وقد سن الإسلام منهجين متكاملين في هذا الصدد الأول كان عنوانه {لكم دينكم ولي دين} والأخر {أدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة لحسنة} ولكن نشاهد أن هاتين القاعدتين برغم من حاكميتهما في العقيدة الإسلامية إلا أن موارد تطبيقهما لا زالت معلقة تحت عناوين فرعية لا توائم مع منهجية الإسلام التقدمية والعلمانية , بل وتشهد الوقائع على تجرد الفكر السياديني من مستحقات الأخذ بهما على محمل الجد والاعتقاد اليقيني بهما.