خطة الرئيس .


فريد العليبي
الحوار المتمدن - العدد: 6985 - 2021 / 8 / 11 - 15:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في السياسة هناك الخطة و البرنامج ، واذا كانت الخطة تتعلق بظرف محدد وتجيب عن الأسئلة الخاصة بالتكتيك فإن البرنــامج يــمتد على مدى مرحلة بأكملها ، ويهم رئيسيا ما هو استراتيجي. ومن هنا فإن الخطة تندرج ضمن البرنامج فعلاقتها به هي علاقة الخاص بالعام ، الجزئي بالكلي، انها خطوات يساعد تنفيذها على الاقتراب شيئا فشيئا من الهدف المطلوب .
وسواء تعلق الامر بالخطة أو البرنامج فإن ضبطهما يتطلب فكرا ومنهجا يساعدان على قراءة المرحلة والظرف ، بما فيهما من تقدير موضوعي للقوى وصراعها واتفاقها ، تقاربها وتباعدها ، كما تقدير ما هو ذاتي، أي حسن فهم هذه القوة أو تلك لنفسها ، حتى لا تنزلق في المغامرة أو تركن الى العجز، فتكون هزيمتها في الحالتين. واذا كان مقبولا الإفصاح عن البرنامج فإن الخطة تظل سرا فإفشاؤها يعني فشلها.
واذا نظرنا الى ما أقدم عليه رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية 2021 أمكننا القول إن الأمر يتعلق بخطوة سياسية جريئة ، وهي تجسيد لخطة تندرج ضمن برنامج ، بمعنى أنها ليست رد فعل عفوي ، فتلك الإجراءات القاضية بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن النواب واقالة رئيس الحكومة ، كانت محسوبة بعناية ، لذلك جاءت في وقتها ، وكانت حاسمة ومباغتة ، مما وفر لها سبب النجاح حتى الآن .
كان قيس سعيد يؤكد باستمرار أن هناك خطوات سيتم اتخاذها في الابان ، وأنه ملتزم بما وعد الشعب به ، ولن يتنازل عنه قيد أنملة ، وأنه يعرف اللصوص والمتآمرين وغرفهم المظلمة ، وأن كل من أجرم في حق الشعب والوطن سينال العقاب المستحق ، وأن الحقوق ستعود الى أصحابها ، وأن صواريخه موضوعة في منصاتها وعلى أهبة الانطلاق ، ولم يكن يصدقه كثيرون حتى أنهم اتهموه بأنه ظاهرة صوتية تتغذى من الضجيج الذي تحدثه حولها.
اليوم يمكن القول أنه كانت للرئيس خطته وقد نفذها وسط حيرة وبهتة أعدائه وأصدقائه على حد السواء ، وهى تقوم على تحقيق خلاص التونسيين من منظومة سياسية فاسدة أهلكت الحرث والزرع ، فقد قاموا بانتفاضتهم لنيل حقوقهم في التشغيل والتنمية والصحة والثروة الخ .. فإذا بهم يقعون بين مخالب وحوش ضارية زادتهم فقرا ومرضا وبطالة ،.لذلك اقترن في خطوة الرئيس السياسي بالاجتماعي، وهو العارف أن تجميد البرلمان ووضع حد لثرثرة نوابه وصلفهم وعنجهيتهم غير كاف ، اذا لم يعقبه تخفيض الأسعار وفوائد البنوك وتوفير الشغل لطالبيه واللقاح والدواء لعموم التونسيين ، فالخطوة السياسية يجب أن تتبعها خطوة اجتماعية ، وهنا وجد المحتكرون والمضاربون والمهربون ولصوص المال والمتاجرون بقوت الناس أنفسهم في مواجهة الرئيس ، مثلما وجد نواب البرلمان أنفسهم في مواجهته قبل ذلك ، فالأمر لا يتعلق بصراع مع منظومة سياسية فقط وانما منظومة اجتماعية أيضا وستتلوها منظومات أخرى إعلامية وثقافية الخ ...في قادم الأيام ، وهى المواجهة التي شبهها بحرب ولكن دون رصاص ولا دم ، وفي الاستراتيجيا فإن الحرب الناجحة هي التي يتحقق النصر فيها بأقل الخسائر فأحيانا يكفي التهديد وحده لكى ينصاع لك العدو ويأتيك صاغرا.
اليوم يحلم التونسيون بأيام رخاء وعز ويدغدغهم الأمل، فقد عاد قطار الفوسفاط الى العمل ، وأعرب تجار عن نيتهم تخفيض الأسعار ، وفتحت سبل للاسترداد الثروة المنهوبة ، وتراكمت اللقاحات وشحنات الاوكسجين ، وفتح باب الطموح أمام الشبيبة التي ترنو الى المستقبل ، بينما يحلم أعداؤهم بموت مفاجئ للرئيس أي بقتله ليخلفه غريمه رئيس البرلمان وتعود عقارب الساعة الى ما قبل 25 جويلية .
ولا يهم هؤلاء وأولئك النقاش حول دستورية وقانونية الإجراءات الرئاسية ، وما إن كان الذي حصل انقلابا أم لا ، فالدساتير والقوانين يحددها الأقوياء وتنتهي بنهايتهم ، لذلك هي متغيرة متطورة ، والأهم الآن هو ادراك أن هناك سياستان متضادتان تتصارعان والشعب وحده من سيقرر في الأخير أي منهما ستنتصر.